الخميس، 16 نوفمبر 2023

بحث حول : تسوية المنازعات في العقود التجارية الدولية

 بحث حول : تسوية المنازعات في العقود التجارية الدولية


خطة البحث

مقدمة 

المبحث الأول: آليات تسوية منازعات عقود التجارة الدولية.


المطلب الأول: التسوية الودية لنزاعات عقود التجارة الدولية.
الفرع الأول: الصلح و التوفيق لحل نزاعات عقود التجارة الدولية

الفرع الثاني:. الوساطة لحل نزاعات عقود التجارة الدولية.

الفرع الثالث: المفاوضات لحل نزاعات عقود التجارة الدولية.

الفرع الرابع: الخبرة لحل نزاعات عقود التجارة الدولية.


المطلب الثاني: التسوية القضائية لنزاعات عقود التجارة الدولية .
الفرع الأول: إختصاص القضاء الوطني لأحد المتعاقدين.

الفرع الثاني: إختصاص قضاء أجنبي عن المتعاقدين.

الفرع الثالث: القانون واجب التطبيق عند طرح النزاع أمام القضاء.


المبحث الثاني: التحكيم التجاري الدولي كوسيلة قضائية لحل منازعات في العقود التجارية الدولية.


المطلب الأول: مفهوم التحكيم التجاري الدولي.
الفرع الأول:  تعريف التحكيم التجاري الدولي.

الفرع الثاني:  تمييز التحكيم التجاري الدولي من غيره من النظم المشابهه.

الفرع الثالث: مزايا اللجوء للتحكيم التجاري الدولي.


المطلب الثاني: إجراءات التحكيم التجاري الدولي.
الفرع الأول: صدور الحكم التحكيمي.

الفرع الثاني: تنفيذ الحكم التحكيمي.

الفرع الثالث: موقف الجزائر من التحكيم التجاري الدولي.
الخاتمة.

مقدمة :

تتميز النشاطات الاقتصادية بالمرونة والحيوية مما يستدعي توافر شروط تتوافق معها. يتعلق الأمر برفع كل الحواجز ذات الصلة بممارسة النشاط سواء كان تجاريا أو صناعيا من حيث توفير المناخ المناسب من الناحية القانونية والعملية لاسيما تسهيل الإجراءات والآليات أمام الأعوان الاقتصاديين للدخول إلى الأسواق ومواكبة مختلف التحولات الجارية على الساحة الاقتصادية. منازعات التجارة الدولية لا تخرج عن هذا الإطار بالنظر إلى بعد المسافة بين الأعوان الاقتصاديين وانتمائهم إلى أنظمة قانونية مختلفة تجعلهم يبحثون عن أفضل وأحسن الحلول لإنجاح مختلف الصفقات التجارية التي يبرمونها خاصة عندما يتعلق الأمر بتسوية الخلافات أو المنازعات الناشئة عن مختلف العمليات التي يجرونها بشكل مألوف وذلك باختيار الوسيلة الأكثر فعالية وسرعة بالنظر إلى حيوية نشاط التجارة الدولية. 

في هذا الإطار تم الانتباه من قبل هؤلاء الأعوان الاقتصاديين والدول أن القضاء الداخلي لم يعد يتماشى ويواكب التطورات الكبرى التي عرفتها ومازالت تعرفها التجارة الدولية من حيث فتح الحدود لتدفق السلع والخدمات وحقوق الملكية الفكرية برفع كل الحواجز التي قد تقف أمام ذلك. الأمر الذي تطلب البحث عن وسيلة تتناسب مع هذه الخصوصية من خلال استحداث وسائل بديلة أطلق عليها تسمية الوسائل البديلة لتسوية المنازعات في التجارة الدولية باعتبارها الأقرب إلى المرونة والاقتصاد في التكاليف والمصاريف وربحا للوقت وحفاظا على سرية المعاملات والصفقات المبرمة إضافة إلى المساواة بين الأطراف. فلقد أثبتت التجربة أن القضاء لم يعد قادرا على مواكبة الجانب الاقتصادي خاصة معاملات التجارة الدولية لطول الإجراءات والتعسف في الفصل في المنازعات من خلال عدم المساواة بين أطراف النزاع وخروجه عن المسار والدور المنوط به، لذا ارتأيت  طرح التساؤل التالي ما الفائدة التي تقدمها اطرق البديلة للمتعاملين الاقتصاديين في التجارة الدولية باعتبارها وسائل بديلة عن القضاء؟ 

 و انطلاقا من هذه الإشكالية قمت بتقسيم هذه الدراسة لمبحثين، حيث تناولت في المبحث الأول آليات تسوية منازعات عقود التجارة الدولية.، أما المبحث الثاني فخصصته لدراسة التحكيم التجاري الدولي كوسيلة قضائية لحل منازعات في العقود التجارية الدولية.

المبحث الأول: آليات تسوية منازعات عقود التجارة الدولية.

إن خصوصية المعاملات التجارية الدولية أثبتت أن القضاء الداخلي لم يعد يتماشى ويواكب التطورات الكبرى التي عرفتها ومازالت تعرفها التجارة الدولية من حيث فتح الحدود لتدفق السلع والخدمات وحقوق الملكية الفكرية برفع كل الحواجز التي قد تقف أمام ذلك. الأمر الذي تطلب البحث عن وسيلة تتناسب مع هذه الخصوصية من خلال استحداث وسائل بديلة أطلق عليها تسمية الوسائل البديلة لتسوية المنازعات باعتبارها الأقرب إلى المرونة والاقتصاد في التكاليف والمصاريف وربحا للوقت وحفاظا على سرية المعاملات والصفقات المبرمة إضافة إلى المساواة بين الأطراف.


المطلب الأول: التسوية الودية لنزاعات عقود التجارة الدولية.

أضحى اللجوء للوسائل الودية لحل النزاعات في وقتنا الحالي أمراً ملحاً، وذلك لتلبية متطلبات الأعمال التجارية الحديثة مع التطور المستمر في التجارة الدولية ، وما نتج من تعقيد في المعاملات ، والحاجة إلى السرعة والفعالية في البت في الخلافات ، وتخصصية من ينظر في هذه الخلافات أو يسهم في حلها ، ومن هنا فقد نشأت الحاجة لوجود آليات قانونية تمكن الأطراف المتنازعة من خلالها حل خلافاتهم بشكل سريع وعادل وفعّال، مع منحهم خصوصية ومرونة وحرية لا تتوفر عادة في المحاكم.

والتوفيق والصلح التجاري و للوساطة أهمية كبيرة كأساليب ودية ووسائل بديلة في تسوية المنازعات التجارية، إضافة للمفاوضات و الخبرة.


الفرع الأول: الصلح و التوفيق لحل نزاعات عقود التجارة الدولية. 

يتمتع التوفيق والصلح كأساليب ودية لتسوية المنازعات التجارية بمكانة متميزة كإحدى أساليب تسوية المنازعات لما لهما من دور ايجابي في تقريب وجهات نظر الأطراف المتنازعة والحفاظ على خصوصية وسرية النزاع  التجاري والسرعة في حسمه .

تمر إجراءات التوفيق لحسم النزاع  الثائر بين الأطراف بمراحل ثلاث أولها اتفاق أطراف النزاع  على حل النزاع  القائم فيما بينهم بالتوفيق ، ويؤدي الموفق بأداء مهمته بإبداء المقترحات الأطراف النزاع  وصولاً إلى حل يرضيهم وهي المرحلة الثانية لإجراءات التوفيق ، أما المرحلة الثالثة في إجراءات التوفيق فتتمثل في انتهاء الموفق بإصدار تقرير يتضمن نتائج مهمته محددة لأوجه الخلاف والمقترحات الخاصة بشأن تسويتها.

أما إجراءات الصلح فهي الأخرى تمر بثلاثة مراحل ،الأولى تبدأ باتفاق أطراف النزاع  على تسوية النزاع  بالصلح ويتم بحوار مباشر بين أطرافه أو ممثليهم ، فهم لا يختارون شخصا يتولى مهمة التوفيق بينهم. والمرحلة الثانية لإجراءات الصلح هو قيام احد أطراف النزاع  بإبداء المقترحات للوصول إلى حل النزاع  ، وفي حالة تدخل طرف ثالث بين أطراف النزاع  يسمى )المصالح( لحل النزاع  التجاري فلا يملك هذا الطرف اتخاذ قرار فاصل في النزاع  بل يسعى إلى تقريب وجهات نظر الطرفين ساعيا إلى التوصل لحل وسط يرضي الطرفين معاً ، إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق يأخذ صورة عقد الصلح يتم توقيعه بالتراضي بين الطرفين المتنازعين وهي المرحلة الثالثة والأخيرة لانتهاء إجراءات الصلح. ()

إذا انعقد الصلح أنتج أثاره القانونية ، فتزول جميع الآثار التي ترتبت على افتتاح إجراءات الصلح ، ويلتزم أطرافه بمضمونه ، واهم ما يترتب على الصلح من أثار هو حسم النزاع  الذي وقع عليه الصلح ، كما أن الصلح كباقي العقود له اثر نسبي من حيث الأشخاص والمحل والسبب ، وكذلك فان للصلح أثر كاشف بالنسبة إلى ما تناوله من حقوق، إذ يقتصر هذا الأثر على الحقوق المتنازع فيها دون غيرها من الأشياء التي لم تكن محلاً للنزاع.

بالرغم من قول جانب فقهي بصعوبة تحديد الطبيعة القانونية للقرار الصادر من الموفق في حل النزاع  إلا أن الأستاذان أيسر داؤد و ريان حمدون  يريان أن القرار الصادر من الموفق لحل النزاع  بعد رضاء به الأطراف وقبولهم به والتوقيع عليه يتمتع بقوة ملزمة ، يتسمد هذا القرار قوته الملزمة من رضاء الأطراف ، فهو عقد جديد لحل مواطن النزاع  التي قامت فيما بعد تنفيذ العقد السابق ، فبذلك تنتهي الخصومة القائمة بناءً على اتفاق الأطراف السابق للجوء الى التوفيق ورضائهم اللاحق بقرار الموفق. ()

الفرع الثاني: الوساطة لحل نزاعات عقود التجارة الدولية.

كأحد الوسائل البديلة لتسوية المنازعات تأتي الوساطة ، باعتبارها أحد البدائل التي يمكن أن يلجأ إليها أطراف النزاع لحسم منازعاتهم، وهي وإن كانت تشبه إلى حد ما التوفيق، إلا أنها تختلف عنه في بعض الحالات، فالوسيط، يكون عادة شخصا محايدا ويكون له دور أكثر إيجابية في حسم النزاع فهو لا يجمع الأطراف دائما في لقاءات مشتركة كالموفق، ولكنه يعمل في الغالب مترددا بينهم منفردا بكل طرف على حدة لمحاولة التوصل إلى صيغة مرضية لطرفي النزاع، محاولا إقناع كل طرف بأن التسوية لصالحه.

والوساطة ، على الرغم من أنها لا تنتهي بقرار ملزم إلا أنها تحظى بقبول من قبل كثير من أطراف المنازعات الذين يفضلون حسم منازعاتهم عبر الوسائل الودية ، فيقومون بقبول وسيط محايد على قدر كبير من الخبرة في مجال النزاع ، لحل الخلاف ربما رغبة منهم في استمرار العلاقة فيما بينهم لاحقًا ، خاصة في الحالات المتعلقة بنزاع تجاري .

والحقيقة ، أن هناك ما يكفي من العوامل التي تشجع على حل الخلافات عبر هذه الوسيلة ، والتي منها السرعة وقلة التكاليف إلى جانب ما تتميز به الوساطة من شفافية وخلوها من تعقيدات الإجراءات والدعاوى والردود.

والوساطة كغيرها من وسائل تسوية المنازعات لها أيضا قواعدها الخاصة بها، فعلى اعتبار أن للوسيط دور محوري كبير وهام في إتمام عملية الوساطة، يكون من المهم بداية أن يتوافق السلوك المهني لهذا الوسيط المختار من الأطراف أو المعين من الغير ( مركز تحكيم على سبيل المثال) مع قواعد سلوكيات المحكم، فليس لأي شخص القيام بدور الوسيط في أي نزاع إذا كانت له أي مصلحة شخصية كانت أو مالية نتيجة لهذه الوساطة.

كما يفترض في الوسيط أن يكون شخصا ذا مقدرة على الحوار والإقناع وله خبرة كافية في مجال النزاع، وأن يعمل على جمع المعلومات اللازمة عن النزاع والتفاوض مع الأطراف بشأنه، وأن تكون لديه القدرة على تقريب وجهات نظر الأطراف ومساعدتهم على تفهم مواقف ووجهات نظر بعضهم البعض(). 

ولعل دور الوسيط ببساطة هو تشجيع الأطراف على تسوية المسائل موضع النزاع بينهما بأي طريقة يراها مناسبة دون أن يكون له أي سلطة لفرض تسوية على الطرفين . فإذا رأى الوسيط أن أي من مسائل النزاع بين الطرفين لا تحتمل تسوية عن طريق الوساطة فله أن يقترح على الطرفين الإجراءات أو السبل التي يرجح أن تؤدي، على ضوء ظروف النزاع وأي علاقة عمل بين الطرفين، إلى تسوية تلك المسائل بأكبر قدر من الفاعلية وأقل قدر من التكاليف وبصورة خاصة، فللوسيط أن يقترح على سبيل المثال ، الأخذ بقرار خبير في أي مسألة من مسائل الخلاف ،أو أن يقدم كل طرف عروضًا أخيرة للتسوية ، فان استحالت التسوية عن طريق الوساطة ، يمكن اللجوء إلى التحكيم على أساس تلك العروض وبحيث تقتصر فيه مهمة المحكم على تحديد العرض المرجح لحل النزاع .

أخيرًا، فإن عملية الوساطة قد تنتهي بتوقيع الطرفين على محضر بالتسوية يشمل كل المسائل موضع النزاع بينهما أو أي مسألة منها.أو قرار الوسيط بالإنهاء إذا كان من غير الممكن حسب تقديره أن تؤدي مواصلة الوساطة إلى تسوية النزاع .أو إنهاءها من قبل أحد الطرفين في أي وقت بعد بدء إجراءات الوساطة وقبل التوقيع على أي اتفاق بشأن تسوية النزاع. ()

الفرع الثالث: المفاوضات لحل نزاعات عقود التجارة الدولية.

المفاوضات عبارة عن حوار ومناقشة وتفاعل بين طرفين أو أكثر بصدد موضوع معين لحسم

الخلاف والتوفيق بين المصالح المتعارضة والوصول إلى اتفاق بشأنه  وفي العقود الدولية يتم التفاوض بين الحكومات والأفراد والشركات بصدد مشروعات ومشاكل اقتصادية أو تجارية أو قانونية لإقامة رابطة عقدية متوازنة تحقق المصالح المشتركة الأطرافها وذلك من خلال  تبادل الأفكار والمقترحات ومناقشتها وقد يفشل الأطراف في تحقيق التوافق ويتم بشكل كتابي أو شفهي أو كتاب رسمي أو غير رسمي. () 

إن للمفاوضات اللاحقة لتوقيع عقود التجارة الدولية والتي تنتج عن تنفيذ أو تفسير العقد ضرورة كبــــيرة وأهمية اســــتثنائية مــــن الجوانب كافــــة لعــــل مــــن أبرزها ضـــرورات عمليــــة ،تتمثل في أن المفاوضات هي أداة من ناحية أولى للتفاهم وتقريب وجهات النظر بين الأطراف لا سيما في مفاوضـــــات المعـــــاملات الدوليـــــة مـــــن دول متباينـــــة في ثقافتهـــــا الاجتماعيـــــة والاقتصـــــادية والفكريـــــة بـــــل والسياسية، ومن ناحية ثانية لوقوف كل طرف على ظروف وشروط عملية تسوية النزاع وحسم الخلافـات بالصـــلح أو بغـــيره ونطـــاق حقوقـه والتزاماتـه قبـــل الارتبـــاط الفعلـي بتصـــرف قـــانوني ملزم. () 

الفرع الرابع: الخبرة لحل نزاعات عقود التجارة الدولية.

يمكن اتخاذ الخبرة الفنية كوسيلة لحل نزاعات عقود التجارة الدولية، وهي من قبيل الوسائل الودية التي يلجأ إليها المتعاقدين الدوليين وخاصة في مجال عقود نقل المعرفة الفنية وعقود إنشاء المجمعات الصناعية.

أولا- دواعي إعمال الخبرة لحل نزاعات عقود التجارة الدولية: تعتبر الخبرة من الوسائل المستحدثة في مجال حل المنازعات والسبب الأساسي الذي يبرر اللجوء إلى هذه الوسيلة، هو التعقيد الفني والتقني المتزايد للعمليات التي تتم في إطار التجارة الدولية ، وخاصة إذا تعلق الأمر بنزاعات تحديد قيمة وتكلفة الأعمال و التوريدات ومن ثم تحديد الثمن وفقا لمعطيات موضوعية محاسبية، لهذا يلجا الأطراف في العقد الدولي إلى وسيلة الخبرة نظرا لتعقيد العمليات تقوم عليها العلاقات التعاقدية، إذ تسمح لهم تقدير ومعرفة السبب الحقيقي لخلافهم مع تقدير فرص النجاح، كما أن الاستعانة بخبير من شأنه الإجابة على العديد من الإشكالات التي يثيرها خاصة تنفيذ العقد وإعطاء حلولا لها.

ثانيا- سير الخبرة: بالنسبة لكيفية سير عملية الخبرة في فض النزاع فهنا لا يستوجب إن اتفق الأطرف على اللجوء إلى خبير عبر منظمة أو جهاز دولي أو أن يتم ذلك بمحض إرادتهم وذلك بالاتصال المباشر بخبير معروف على المستوى الدولي يتفق عليه الطرفين لفض النزاع ،بالتالي التسوية الودية عن طريق الخبير في حالة الطلب من جهاز معين- كغرفة التجارة الدولية- تخضع لإجراءات تعين الخبراء وذلك بشكل سريع وميسور،وهي تسمح كذلك للأطراف بتعيين خبرائهم مباشرة إذا اتفقوا على ذلك، أو العكس أن يتم تعييهم من قبل المنظمة أو الجهاز الدولي، وهذا ما نست عليه المادة 04 من نظام الخبرة الغنية لغرفة التجارة الدولية. ()

 فالاستعانة بخبير لفض نزاع العقد الدولي سيؤدي لا محالة إلى محاولة البحث الواقعي والفعلي عن التقدير الفني لبعض الوقائع المتعلقة بالعنصر محل الخلاف، بالإضافة إلى تحديد المصدر الذي يرتكز فيه العيب، وقد يكون ذلك الأمر كافيا في حد ذاته للفصل في النزاع ولا تعرض بعد ذلك المسألة على القضاء،وعادة ما يكون سبب لاستعانة بالخبير في منازعات عقود التجارة الدولية راجع إلى عيوب خفية في محل التعاقد أو عدم مطابقتها للمواصفات المحددة في العقد، وهذا ما يدفع المشتري إلى طلب إنقاص الثمن أو مراجعته تبعا لهذه المواصفات وذلك بالاستعانة بالخبير لتحديد قيمة محل التعاقد وثمنه اعتمادا على تلك العيوب والمواصفات ، وفي عقد المعرفة الفنية مثلا قد يعود سبب النزاع إلى الاستخدام السيئ للآلات أو عدم تشغيل التجهيزات، لذلك يبدو واضحا أن يكون الخبير أكبر قدرة من المحاكم لتحديد المسؤوليات، إذ يمكنه الكشف عن سبب العيب ويحدد ما إذا كان راجع إلى سوء الاستخدام أو إلى عيب خفي أو إلى سوء الصيانة.

ثالثا- مدى إلزامية تقارير الخبير: فيما يخص مدى إلزامية التقارير التي يعدها الخبير بعد تفحصه لأسباب النزاع، فهي مجرد آراء وملاحظات تقنية وفنية، فوظيفة الخبير في هذا الصدد تتحدد فقط في إبداء الملاحظات وهذا في حالة تعيين الخبير من هيئة قضائية أو جهاز تحكيمي، فالتقرير الذي يقوم به الخبير علي سبيل الملاحظة والاستدلال فقط ولا يلزم المحكم أو القاضي الأخذ به، وهذا يميز هذه الوسيلة عن التحكيم الذي يفصل في النزاع بقرار ملزم  للأطراف ، فسلطة الخبير تنحصر في هذا الإطار على مجرد إصدار التوصيات وتنوير الأطراف وإزالة الغموض الذي يكتنف المشكلة الفنية.غير انه هناك حالة أين تكون للتقارير التي يعدها الخبير صفة الإلزامية و يتم على أساسها الفصل  في النزاع، وهذا عندما يكون الخبير معين بطلب من الأطراف المتنازعة بعد الموافقة الصريحة عليه والنص عليه في العقد والتنازل عن الإجراءات التي اتخذت من أجل الفصل في النزاع أمام القضاء أو المحاكم التحكيمية ()، فمهمة الخبير في هذه الحالة تتحول إلى مهمة تحكيمية، ومن ثم يلتزم الأطراف تنفيذ ما توصل إليه الخبير احترما للعقد و إرادتهم المنصهرة فيه.


المطلب الثاني: التسوية القضائية لنزاعات عقود التجارة الدولية.

يشكل اللجوء إلى القضاء أحد الوسائل التي يلجأ إليها أطراف العقد التجاري الدولي للفضل في النزاع بصفة نهائية وباتة، حيث تقليديا يترك الأمر لرجال القانون القيام بهذه المهمة، وفي ذلك ضمان لتنفيذ العقد للعقد بحسن النية من قبل كل طرف من أطرف العقد تحقيق الشروط العقدية بشكل جيد طالما هناك قدرة توجيه الجزاء من قبل القضاء لكل حالة إخلال في الالتزامات التعاقدية.


الفرع الأول: إختصاص القضاء الوطني لأحد المتعاقدين.

قد تتجه إرادة المتعاقدين في حالة نشوب نزاع حول العقد التجاري الدولي عند قيامهم باختيار طرق حل المنازعات المحتملة إلى رفض فكرة اللجوء إلى المحاكم الوطنية للفصل في النزاع، والسبب في استبعاد القضاء الوطني للفصل في النزاع هو التخوف من التعصب الذي قد يسيطر على القضاء الوطني لأحد المتعاقدين ويتجلى هذا الأمر خاصة عند إعمال فكرة السيادة أو الجنسية لأحد الأطراف المتعاقدة في العقد الدولي وخاصة إذا كانت الدولة هي الطرف في العقد التجاري الدولي، فيصعب في هذه الحالة رفع دعوى قضائية ضدها على اعتبار أنها تحتج بالحصانة ، ولهذا فإن كل متعاقد يأبى أن يخضع المنازعات إلى القضاء الوطني للطرف الآخر، و تجدر الإشارة إلى أن الشروط المتعلقة بتسوية المنازعات تحتل مكانة هامة في المفاوضات عند صياغة عقود التجارة الدولية والتي لا تقل شأنا عن باقي البنود الأخرى المكونة للعقد. ()

يعتبر اللجوء إلى القضاء لحل منازعات عقود التجارة الدولية من الطرق المكلفة جدا ماليا بسبب القيود التي تفرضها النظم القانونية لدولة كل متعاقد، سواء من حيث تعدد درجات التقاضي أو بطء إجراءات المرافعات أو عدم تجاوب القواعد الوطنية التي يطبقها القاضي الداخلي مع متطلبات المرونة التي تتميز بها عقود التجارة الدولية ، بالإضافة إلى المفاهيم الموسعة التي تقتضيها طبيعة التعاملات التجارية الدولية، بالتالي التماطل في الفصل في قضايا الجانب المالي للعقد وخاصة باعتباره يتأثر بمعطيات التجارة الدولية كالمنافسة وسعر الصرف و غيرها. ()


الفرع الثاني: إختصاص قضاء أجنبي عن المتعاقدين.

إعمالا لمبدأ سلطان الإرادة في العقود الدولية، في حالة وجود نزاع وتباين من مضمون العقد إحالة النزاع أمام أحد الهيئات القضائية الأجنبية عن المتعاقدين(جهة قضائية محايدة) من ثم فإن قضاء هذه الدولة هو المختص، بالتالي سيخضع النزاع إلى الإجراءات المتبعة أمام القضاء الوطني لتلك الدولة ()، وهذا ما أقره المشرع الجزائري في حالة ما إذا كان مختصا في النظر في نزاع العقد الدولي، فيجب إتباع قواعد الاختصاص و الإجراءات إذا ما رفعت الدعوى أمام المحاكم الجزائرية، إلا انه وفي كل الحالات الأطراف لا يختارون نظام قضائي لدولة يصعب تنفيذ الأحكام الصادرة من محاكمها في دول أخرى، إلى جانب ذلك يعمل الأطراف على تحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع والذي يكون في هذه الحالة حول تحديد الالتزامات وتنفيذها. ()


الفرع الثالث: القانون واجب التطبيق عند طرح النزاع أمام القضاء.

مادامت الإشكالات والخلافات تدخل أساسا في إطار الالتزامات الملقاة على طرفي العقد التجاري الدولي، بالتالي في حالة وجود نزاع حولها وجب إخضاعها إلى القانون واجب التطبيق على الالتزامات التعاقدية أو تنفيذ العقد، وعلى هذا الأساس نجد الاختلافات في القوانين الوطنية للدول ، إلا انه يتم الإعمال بقواعد الإسناد الخاصة بكل منها لإيجاد القانون واجب التطبيق على النزاع ، والتي من شأنها أن تؤدي بالقاضي إلى عدم العلم بنوع الحل الذي سيعطيه لمحل النزاع على اعتبار أن ذلك يتوقف عل معرفته مضمون القانون الذي سيطبقه على نزاع الثمن، وهذا القانون قد يكون قانون دولته أو يكون قانون دولة أجنبية ، إلا أن هذا ما يضفي الطابع الحيادي على النزاع، إلى جانب ذلك فإرادة الأطراف عند اختيار القانون واجب التطبيق على نزاع الثمن أو على محل النزاع لا تحدها حدود إلا حدود النظام العام لقانون الدولة المختارة، وهذا بالنظر إلى تأثير نظام الاقتصاد الرأسمالي اللبرالي وتقديره لحرية التعاقد في مجال عقود التجارة الدولية، بالإضافة إلى أن الأطراف المتعاقدة هي الأدرى بالقانون الذي لا يعرقل تداول الثروات والخدمات ويستجيب لحركة رؤوس الأموال وحركة وسرعة المبادلات التجارية الدولية، ومن ناحية أخرى فتحديد القانون واجب التطبيق صراحة في العقد وسيلة للاقتصاد في تحرر العقود الدولية وصياغتها، فبدلا أن يضمن الأطراف عقدهم بكافة الأحكام القانونية لقانون أجنبي معين يقدرون انه أكثر ملائمة للفصل في النزاع، يكفيهم الإشارة  في نص أو بند في العقد باختيارهم هذا القانون ليصير واجب التطبيق.

أما في حالة عدم تضمين العقد نص صريح حول القانون واجب التطبيق، ففي هذه الحالة يختص القاضي الذي عرض عليه النزاع استنباط الإرادة الضمنية  لأطراف العقد لتحديد القانون واجب التطبيق على النزاع، إذ يجتهد في البحث عن القانون الذي يرتبط به العقد بنحو وثيق وجدي، وذلك بإعمال ضوابط معينة يلتزم القاضي بتطبيقها ويتحدد مجال اجتهاده فيها . ()

المبحث الثاني: التحكيم التجاري الدولي كوسيلة قضائية لحل منازعات في العقود التجارية الدولية.

يعد موضوع التحكيم واحداً من أهم الموضوعات المعاصرة ليس في العراق فحسب أو في دول معينة دون غيرها، بل يتعدى هذا الاهتمام مستوى الشعوب والحكومات في العالم اجمع، فقد أضحى التحكيم (L´ Arbitrage)  من أهم وسائل فض المنازعات التي تنشأ -في الغالب- في مجال العلاقات التجارية الدولية، لان كلا طرفي هذه العلاقات لا يرغب عادة الخضوع لقضاء محاكم الطرف الآخر وما يصحب ذلك من احتمالية الخضوع للقانون الوطني.

وقد كان لتزايد الدور الاقتصادي للمعاملات التجارية الدولية المعاصرة وانتقال القيم الاقتصادية عبر حدود الدول في العقود المعاصرة، ما أسبغ على هذه المعاملات سمات خاصة، و لقد و جد أطراف هذه المعاملات الدولية ضالتهم في التحكيم الذي يوفر لهم محكمين يمكنهم الاتفاق على تسميتهم للفصل فيما يثور بينهم من منازعات بشأنها، بل وتلعب أرادتهم دوراً كبيراً في تنظيمه بدءًا من الاتفاق على التحكيم وتحديد نطاقه، وبيان الموضوعات التي تحل عن طريقه وإجراءاته والدولة التي يتم فيها التحكيم، والقانون الذي يحكم النزاع شكلا وموضوعا.


المطلب الأول: مفهوم التحكيم التجاري الدولي.

للتعرف على مفهوم التحكيم التجاري الدولي، سوف نقسم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع، نعالج في الفرع الأول، تعريف التحكيم التجاري الدولي، ونفرد الفرع الثاني، لتمييز التحكيم التجاري الدولي

من غيره من النظم المشابهه، و نختم المطلب بفرع ثالث نوضح فيه مزايا اللجوء للتحكيم التجاري الدولي.


الفرع الأول:  تعريف التحكيم التجاري الدولي.

التحكيم لغة من مادة "حكم" وحكم بتشديد الكاف، تعنى طلب الحكم ممن يتم الاحتكام إليه ويسمى الحكم بفتح الحاء والكاف أو المحكم بضم الميم وفتح الحاء والكاف مشددة . ()

أما التحكيم اصطلاحا: فقد اختلف الفقه في تعريفه، فذهب جانب من الفقه إلى تعريفه بأنه " الطريقة التي يختارها الأطراف لفض المنازعات التي تنشأ عن العقد عن طريق طرح النزاع، والبت فيه أمام شخص أو أكثر يطلق عليه اسم "المحكم أو المحكمون"دون اللجوء إلى القضاء" ، وعرفه آخرون بأنه :" آلية تهدف إلى الفصل في مسألة تتعلق بالعلاقات القائمة بين طرفين أو عدة أطراف بواسطة شخص أو عدة أشخاص -المحكم أو المحكمين- والذين يستمدون سلطتهم من اتفاق خاص يفصلون في المنازعة بناء على هذا الاتفاق، دون أن يكونوا مخولين بهذه المهمة من قبل الدولة" .

كما عرفه جانب آخر من الفقه بأنه "النظام الذي بموجبه يسوي طرف من الغير خلافا قائما بين طرفين أو عدة أطراف ممارسا لمهمة قضائية عهدت إليه عن طريق هؤلاء الأطراف"

وعرفه جانب آخر من الفقه العربي بأنه "نظام خاص للتقاضي، ينشأ من الاتفاق بين الأطراف المعنية على العهدة إلى شخص أو عدة أشخاص من الغير بمهمة الفصل في المنازعات القائمة بينهم بحكم يتمتع بحجية الأمر المقضي فيه" 

وأيا كان التعريف الذي يعطى للتحكيم، فأن مما لا خلاف فيه أن التحكيم وكما هو واضح من

تعاريف الفقهاء يتميز بالخصائص الآتية:

  1. أنه قضاء خاص.

2- إن مصدره في اتفاق الأطراف.

3- إن وظيفته حسم النزاع الناشىء بين الأطراف.

4- إن حكمه ملزم للأطراف الذين اختاروه. ()


الفرع الثاني:  تمييز التحكيم التجاري الدولي من غيره من النظم المشابهة.

تبدو أهمية هذا التمييز في ان التحكيم التجاري الدولي ليس هو النظام الوحيد الذي يتدخل فيه شخص من الغير -مختار بمعرفة الخصوم - في علاقاتهم التعاقدية، فالغير قد يتدخل في علاقة الخصوم على اكثر من وجه؛ كخبير، أو كوسيط، أو كمحكم، أو كمراقب، فما هو المعيار الذي يمكن عن طريقه التمييز بين التحكيم كطريق لفض المنازعات وبين كل من التوفيق والصلح والخبرة والمراقبة، وعلى النحو الاتي.

اولأ: التحكيم التجاري الدولي والتوفيق.

الاتفاق على الالتجاء الاختياري للتحكيم التجاري الدولي، يعني قبول الأطراف لقرار المحكم الذي يفصل في النزاع. فالتحكيم اختيار نهائي لطريق التحكيم كبديل عن الالتجاء للقضاء العادي، ولذلك لا يعد اتفاق تحكيم، الاتفاق المقترن بتحفظ طرف أو الأطراف واحتفاظهم بحق اللجوء للقضاء وطرح قرار المحكم.فالأطراف عندما يتفقون على التحكيم لا يعهدون للمحكم محاولة الوساطة أو التوفيق مع بقاء الحق في طرح النزاع على القضاء إذا باءت هذه المحاولة بالفشل.

أما التوفيق فهو اتفاق الأطراف على محاولة إجراء تسوية ودية عن طريق الموفق أو الموفقين الذين يقع عليهم اختيار الأطراف. ويتولى الموفق تحديد مواضع النزاع ويقدم مقترحاته التي قد تحظى بقبول الأطراف أو لا تلقى منهم قبولا، فهو لا يصدر قرارات، و إنما يقدم مقترحات يظل أمرها معلقا على قبول الأطراف، فإذا لم تفلح المحاولة، كان باب التقاضي متاحا لأطراف النزاع.

وهكذا يبدو التوفيق نظاما إراديا محضا ابتداء وانتهاء، ولذا يكون رأي لجنة التوفيق غير ملزم لأطراف النزاع، وبالتالي قد لا ينتهي التوفيق إلى إنهاء النزاع في كل الأحوال، بينما يكون حكم التحكيم ملزما للخصوم ومنهيا للنزاع باعتباره متمخضا من نظام تحكيم قضائي حقيقي. ()

ثانيا: التحكيم التجاري الدولي والصلح .

الصلح يتفق مع التحكيم بأن كليهما يفترض نزاعا بين الأطراف ويتشابها في أن كليهما ينحسم به النزاع، علاوة على أن ما يمتنع فيه الصلح يمتنع فيه التحكيم، على أساس ما يعرف بعدم قابلية الموضوع للتحكيم.

ولكن الصلح يختلف عن التحكيم في أن الصلح يتم به حل النزاع بإرادة الطرفين من بداية سلوكه حتى

نهايته، في حين أن التحكيم يبدأ باتفاق من الطرفين ولكن لا سيطرة لهما عليه بعد بدء إجراءاته وحتى

صدور حكم التحكيم.

وعلى ذلك، انه في الصلح يتم حل النزاع بعمل تعاقدي، أما في التحكيم فيتم حله بعمل قضائي يصدر من المحكم وليس من الطرفين، ومن ناحية أخرى فانه في الصلح يتنازل كل من الطرفين عن جزء من ادعائه، أما في التحكيم، فان المحكم يمكن أن يحكم لطرف بكل ما يدعيه، ولو كان المحكم مفوضا بالصلح.

كما يختلف من جهة أخرى، في أن التحكيم ينتهي بقرار حاسم قابل للتنفيذ مباشرة بعد وضع الصيغة التنفيذية، دون أن تمتد سلطة قاضي التنفيذ للنظر في الموضوع، أما الصلح فلا يقبل التنفيذ إلا بعد تصديق القضاء الذي يجعله صالحا لإمكانية وضع الصيغة التنفيذية. ()

ثالثا: التحكيم التجاري الدولي والخبرة

يختلف التحكيم التجاري الدولي عن الخبرة، لان مهمة الخبير، تقتصر على إبداء الرأي في مسألة معينة دون أن يكون رأيه ملزما للخصوم أو للهيئة المختصة بنظر النزاع )محكمة، او هيئة تحكيم(، فهو لا يفصل في النزاع، و إنما يعين على استجلاء جانب غامض منه، ولذا لا يعد محكما.

أما المحكم فيفصل في النزاع بحكم ملزم لأطرافه ويظل هناك فارق بين الخبير والمحكم يتعلق بكيفية أداء كل منهما للمهمة المنوطة به، فالمحكم يصدر قراره بناء على ما يقدمه له الأطراف من مستندات ومرافعات، أما الخبير فهو يعتمد على "معلوماته وخبرته" فضلا عما يقدمه له الأطراف من معلومات، فالخبير له التصدي و إبداء رأيه دون حاجة للرجوع للأطراف، وهو ما لا يتسنى للمحكم، الذي يتحتم عليه تخويل الأطراف إمكانية تقديم مستنداتهم، وحق كل طرف في الاطلاع على ما يقدمه الطرف الآخر،فهو يقوم بدور مشابه لد ور القاضي.

والعبرة بتحديد ما إذا كان الشخص المعين من قبل الأطراف للفصل في المهمة المعهودة اليه بها محكما أم خبير ليس بما يخلعه عليه الأطراف من وصف وأنما بحقيقة المهمة التي يتعين عليه القيام بها.

فاستخدام الأطراف للفظ "المحكم"، أو المحكم المصالح أو مشارطة التحكيم لا تكفي في حد ذاتها لاعتبار المهمة المسندة إلى الغير تحكيما.

كذلك فان وجود خلاف بين الأطراف بشأن مسألة واقعية محددة يتعين حسمها لا يؤدي بالضرورة إلى تبني تكييف التحكيم. إذ يشترط أن يكون هذا الخلاف معبرا عن وجهات نظر قانونية تتصارع فيما بينهما على نحو يؤدي إلى ممارسة الوظيفة القضائية.

ولا قيمة البتة في هذا الصدد أن تكون الأطراف قد أضفت على الغير مهمة أن يفصل في المسألة المعروضة عليه بقرار ملزم لهم لا يجوز لهم التنصل منه، لكي تضفي على هذه المهمة المنوط به القيام بها تكييف التحكيم، طالما كان عمله ينحصر في مجرد إبداء رأي فني في مسألة واقعية مادية بحتة ولا يمتد دوره إلى حسم نزاع قانوني يتطلب إنزال حكم قاعدة قانونية. ()




الفرع الثالث: مزايا اللجوء للتحكيم التجاري الدولي.

إن اللجوء إلى التحكيم في ظل النزاعات التي تنشأ عن تنفيذ العقود المدنية و التجارية و الإدارية ، أو عن تفسيرها بات من الأساليب الحديثة التي تعتمد بصدد التوصل إلى فض النزاعات العالقة بين الفرقاء بالطرق الاختيارية ، بحيث تتوفر السرعة اللازمة و الدقة المطلوبة بعيدا عن التعقيدات أو العراقيل الإدارية و التنظيمية التي يمكن أن تواجههم إذا ما أثيرت هذه النزاعات أمام المراجع القضائية المختصة() ، و مزايا التحكيم التجاري الدولي نوجزها في النقاط أدناه.

- السرعة في اتخاذ الحكم.

- السهولة في الإجراءات.

- يؤدي إلى تبسيط إجراءات الفصل في النزاع المعروض للتحرر من الشكليات

- يكفل التحكيم الاقتصاد في النفقات و الخبرة الفنية في المنازعات

- يوفر السرية في جلسات التحكيم خاصة بالنسبة أو متعاملين الذين يعتمدون على الثقة و السمعة في نشاطاتهم التجارية عكس القضاء الذي يعتمد على العلنية كضمان للعدالة .

- أكثر يسرا من أحكام القضاء من حيث الاعتراف و التنفيذ .

- يوفر التحكيم الحياد اللازم لعدم الخضوع لأية سلطة أو جهة رسمية .

- التخصص.

- ذو طابع دولي كما هو ذو طابع وطني.

- لا يثير مشكلة تنازع الاختصاص القضائي. ()


المطلب الثاني: إجراءات التحكيم التجاري الدولي.

من المفترض أن إجراءات التحكيم يجب أن تكون بسيطة ، و هذه الإجراءات يجوز أن يحددها الأطراف بأنفسهم ، و لكن في العادة تكون لمؤسسة التحكيم إجراءاتها الخاصة التي يتفق عليها الأطراف عندما يختارون هذه المؤسسة ، و في أي من الحالتين السابقتين لا يمكن للأطراف ألا يأخذوا في الاعتبار النظام العام و القواعد الإلزامية في القانون الإجرائي و اجب التطبيق بشأن التحكيم .

و تجدر الإشارة إلى أنه كلما كان التحكيم معقدا كلما كانت الإجراءات أكثر تعقيدا ، و هناك بعض قضايا التحكيم تستغرق سنوات لتسويتها . () 




الفرع الأول: صدور الحكم التحكيمي.

سبق و أن قلنا أن الحكم التحكيمي هو عبارة عن ثمرة للمجهودات التي قام بها الأطراف منذ اختيارهم اللجوء إلى التحكيم, و قيامهم بكامل الإجراءات و تقديم الوثائق و المذكرات, هذا من جهة و من جهة أخرى يعتبر هذا الحكم التحكيمي الحد الفاصل لمهمة المحكم إن كان وحيدا بعدما يكون قد إطلع على الوثائق و دققها, أو الهيئة التحكيمية التي تكون قد أجرت المداولة و توصلت إلى قرار نهائي. و غالبا ما يتخذ هذا القرار بالأغلبية ،و تحقيقا للسرعة التي ينشدها الأطراف من إخضاعا نزاعهما للتحكيم يجب على المحكم أن يصدر حكمه خلال المدة التي اتفق الأطراف عليها, حيث يفضل عدم ترك تحديد هذه المدة للمحكمين لأن ذلك سيؤدي إلى خطر الامتناع عن الحكم. أما في حالة عدم إنفاق الأطراف فيسار إلى تطبيق القواعد الإجرائية الواجبة التطبيق، و يجب أن يتضمن هذا الحكم مجموعة من البيانات سواء من الناحية الشكلية, أو الموضوعية مما يمكن بعد تدوين هذه البيانات كلها في الحكم من ترتيب أثاره. ()


الفرع الثاني: تنفيذ الحكم التحكيمي.

يثير تنفيذ الحكم التحكيمي إشكالات عديدة، باعتبار انه ليس من مهمة المحكم أو مركز التحكيم الذي انعقدت فيه جلسة التحكيم أن يضمن تنفيذ الحكم التحكيمي أو الاعتراف به، لان هذا الموضوع من اختصاص المحكمة التي سينفذ فيها الحكم التحكيمي، وذلك وفقا للنظام الداخلي لتلك الدولة ووفقا لأحكام الاتفاقية الدولية المتعلقة بالاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم ، وفي هذه الحالة بعد التحقق من صحة الحكم التحكيمي واستيفائه الشروط الشكلية والموضوعية، وبعد الحصول على الاعتراف به من قضاء الدولة التي يتم تنفيذه فيها، يقوم الطرف الذي فاز بالتحكيم طلب التنفيذ على أموال المدين وحجزها، وفقا لما جاء في مضمون التحكيم أو حجز أملاكه وحساباته لدى البنك إلى غير ذلك من صور التنفيذ الجبري .

بينما يمكن للمدين الطعن في الحكم التحكيمي أو طلب إلغائه وذلك بإيجاد أساس قانوني لتعديل أو إلغاء الحكم الذي ليس في صالحه، وذلك باللجوء مثلا إلى الاستثناءات المنصوص عليها في اتفاقية نيويورك خاصة المادة 05 منها والمتعلقة بطلب الإلغاء لمناقضة الحكم للمصلحة العامة أو غياب احد الشروط الشكلية والموضوعية في الحكم، أو تعارض الحكم التحكيمي وإرادة الأطراف في العقد . ()


الفرع الثالث: موقف الجزائر من التحكيم التجاري الدولي.

بعدما كانت السلطات الجزائرية مناهضة لأسلوب التحكيم كوسيلة لفض النزاعات الناجمة عن تنفيذ العقود التجارة الدولية وذلك حتى الثمانينات، أتت مرحلة الانفتاح وقبول هذا الأسلوب لفض النزاعات نتيجة للظروف والتحولات الاقتصادية والحاجة الماسة لمسايرة الدول المتقدمة ، أصبح التحكيم التجاري الدولي من الأساليب التي تحتل الصدارة في القوانين الجزائية بشكل عام وفي قانون الإجراءات المدنية خاصة الذي كريس فيه المشرع أسلوب التحكيم التجاري الدولي .

الخاتمة:

إن خصوصية المعاملات التجارية الدولية أثبتت أن القضاء الداخلي لم يعد يتماشى ويواكب التطورات الكبرى التي عرفتها ومازالت تعرفها التجارة الدولية من حيث فتح الحدود لتدفق السلع والخدمات وحقوق الملكية الفكرية برفع كل الحواجز التي قد تقف أمام ذلك. الأمر الذي تطلب البحث عن وسيلة تتناسب مع هذه الخصوصية من خلال استحداث وسائل بديلة أطلق عليها تسمية الوسائل البديلة لتسوية المنازعات باعتبارها الأقرب إلى المرونة والاقتصاد في التكاليف والمصاريف وربحا للوقت وحفاظا على سرية المعاملات والصفقات المبرمة إضافة إلى المساواة بين الأطراف.

إن المسألة تتمحور على كل من المصالحة والوساطة والتحكيم وذلك باعتمادها ضمن أحكام الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتجارة الدولية في كل مجالاته الخاصة بالسلع والخدمات والاستثمار ومختلف العقود الاقتصادية الدولية التي تبرم في هذا الإطار والتي كرستها أيضا التشريعات من بينها المشرع الجزائري ضمن أحكام قانون الإجراءات المدنية و الإدارية  الذي عُنوِن الكتاب الخامس فيه  " الطرق البديلة لحل النزاعات " ، غير أن هذه الوسائل وعندما تتصل بمنازعات التجارة الدولية تنقسم إلى جانبين هما الوسائل الودية والتحكيم التجاري الدولي يتوقف اختيارها على حرية الأطراف. تنقسم الوسائل الودية بدورها إلى كل من الصلح و التوفيق ،الوساطة والمفاوضات و الخبرة ، تختلف كل واحدة حسب القيمة التي تقدمها للأطرافِ.


 

ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...

لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى النقر هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق