الأربعاء، 15 نوفمبر 2023

سلطة التوقيع على السفتجة

 سلطة التوقيع على السفتجة

تعتبر السفتجة أول الأوراق التجاریة عملا، وتعتبر من الأعمال التجاریة الأصلية الشكلية المنفردة و المطلقة، أي تعتبر تجاریة بغض النظر عن الغرض الذي سحبت من اجله سواء كان غرضا تجاریا أو مدنيا، وبصرف النظر عن الشخص الذي سحبها أكان تاجرا أم غير تاجر، وهذا ما نصت عليه المادة 389 ق.ت.ج. بقولها " تعتبر السفتجة عملا تجاریا مهما كان الأشخاص ".

لقد استمد القانون التجاري الجزائري الصادر بالأمر رقم 75-59 المؤرخ في 26  سبتمبر  1975 أحكام السفتجة من القانون التجاري الفرنسي، مما جعل اتفاقية جنيف () معتمدة عمليا فيه، فالجزائر لم توقع على هذه الاتفاقيات و لكن ضمنت تشریعها الداخلي أهم ما ورد فيها و ذلك تبعا لفرنسا التي أقرتها و لقد وردت الأحكام المتعلقة بالسفتجة في الفصل الأول من الباب الأول من الكتاب الرابع من التقنين التجاري الجزائري، ولقد خصص لها المشرع المواد من 389 إلى 461 منه.

أولا- تعريف السفتجة أو الكمبيالة:

لم یعرف القانون التجاري الجزائري السفتجة، وإنما عدد البيانات الإلزامية التي یجب أن تتضمنها تحت طائلة البطلان، فاستنادا إلى المادة 390 ق.ت.ج التي حددت هده البيانات یمكن تعریف السفتجة بأنها "ورقة تجاریة یأمر فيها شخص یسمى الساحب بشكل قاطع غير معلق على شرط شخص أخر یسمى المسحوب عليه بدفع مبلغ معين من النقود في تاریخ معين ،أو بمجرد الإطلاع إلى شخص ثالث هو المستفيد أو الحامل. من خلال التعريف المشار إليه آنفا يمكننا القول أن السفتجة تفتًرض وجود ثلاثة أشخاص:

الساحب: هو الشخص الذي يقوم بتحرير السفتجة أو مصدرها.

المسحوب عليه: هو الشخص الذي يوجه إليه الأمر بدفع قيمة نقدية في تاريخ معين إلى المستفيد.

المستفيد أو الحامل: هو الشخص الذي حررت السفتجة لمصلحته، أو هو من انتقلت إليه السفتجة.

و صحة السفتجة كورقة تجاریة خاضعة لقانون الصرف ، تتمتع بخصائص الأوراق التجارية بكونها أداة وفاء و تتميز بالخصوص على أنها أداة إئتمان، ذلك أنها مستحقة الدفع عادة بمجرد الإطلاع ، أو بعد أجل محدد، لا تتوقف في الأصل على صحة الالتزام الذي أنشئت لتسویته ، بل على استيفاء الشكل القانوني المحدد لها، و تحرر السفتجة بأشكال متعددة لكن تتضمن جميعها نفس البيانات المنصوص عليها في القانون().

ثانيا- سلطة التوقيع على السفتجة :

إن التوقيع على السفتجة من الأعمال التجاریة المطلقة و هذا النوع من الأعمال هو نوع من التصرفات القانونية التي یلزم لصحتها أن تتوفر في القائم بها الأهلية الكاملة .

أ- أهلية الموقع على السفتجة:

لم یضع القانون التجاري الجزائري سنا خاصا للرشد في المسائل التجاریة ، ولذلك یكون سن الرشد هو 19 سنة في المواد المدنية و التجاریة على حد سواء ، ومن ثم فان أهلية القيام بالأعمال التجاریة تكون لمن أتم سن 19 سنة و كان متمتعا بقواه العقلية ( المادة 40 ق.م.ج (، وتكون كذلك للقاصر المأذون له بالاتجار) المادة 05ق.ت.ج (، فلهذا الأخير أن یقوم بإنشاء السفاتج و التوقيع عليها توقيعا صحيحا إذا تعلقت بالأعمال التجاریة التي أوذن له القيام بها إذ یعتبر كامل الأهلية بالنسبة لها،أما إذا وقع القاصر غير التاجر على السفتجة ، فان الالتزام الصرفي الناشئ عن هذا التوقيع سواء كان سحبا أو تظهيرا أو ضمانا احتياطيا ، یكون باطلا بالنسبة له وهذا ما قضت به المادة(393/1 ق.ت.ج) بقولها " أن السفتجة التي توقع من القصر الذین ليسوا تجار تكون باطلة بالنسبة لهم بدون أن ینال ذلك من الحقوق التي یختص بها كل من الطرفين بمقتضى المادة 191 من القانون المدني".

والدفع بنقص الأهلية یحتج به إزاء كل حامل للسفتجة و لو كان حسن النية لا یعلم بنقص الأهلية ، خروجا على قاعدة عدم جواز الاحتجاج بالدفوع على الحامل حسن النية،ویبرر هذا الخروج ضرورة حمایة القاصر إذ هو أولى بالرعایة من حمایة الحامل حسن النية .

وإذا كان هذا البطلان یصاحب السفتجة وینتقل بانتقالها إلا أنه متى تقرر فإن آثره تقتصر على التزام القاصر، فلا یمتد إلى التزامات غيره من الموقعين على السفتجة تطبيقا لمبدأ استقلال التوقيعات .

ثم أن تقریر بطلان التزام القاصر الصرفي لا یحول دون ترتيب أي التزام آخر في ذمته، فهو یخضع للأحكام العامة للبطلان، فالمادة103/2ق.م.ج.تقضي بأن "غير انه لا یلزم ناقص الأهلية، إذا بطل العقد لنقص أهليته، أن یرد غير ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد"،فمعنى ذلك انه یلتزم في حالة بطلان السفتجة لنقص أهليته أن یرد إلى الحامل ما عاد عليه من منفعة بسبب سحب السفتجة حتى لا یثرى على حساب الغير،و إذا استعمل القاصر طرق احتيالية و أوهم الحامل بأنه یتعاقد مع شخص كامل الأهلية ، فإن المحكمة تلزمه بدفع قيمة السفتجة الاسمية متى كان الحامل حسن النية .

ومن جهة أخرى إذا قضي بالبطلان فانه یقتصر على الالتزام الصرفي الناشئ عن التوقيع على السفتجة دون ان یمتد الى العمل القانوني الذي أدى الى هذا التوقيع اذ یبقى هذا العمل خاضعا من حيث الحجة و البطلان لحكم القواعد العامة .

وإذا ما وقع عدیم الأهلية على السفتجة بصفته ساحبا أو مظهرا أو ضامنا احتياطيا كان توقيعه باطلا بطلانا مطلقا وفى هذا تقول المادة393/2 ق.ت.ج.أن "إذا كانت السفتجة محتویة على تواقيع أشخاص ليست لهم أهلية الالتزام بموجبها أو على توقيعات مزورة أو منسوبة لأشخاص وهميين أو على تواقيع ليس من شأنها لأي سبب آخر إلزام الأشخاص الذین وضعوا توقيعهم على السفتجة أو وقع عليها باسمهم فان ذلك یحول دون صحة التزامات الموقعين الآخرین على السفتجة".

ویلاحظ أن هذا البطلان من نوع خاص إذ لا یتمسك به إلا عدیم الأهلية خروجا عن القواعد العامة في البطلان المطلق التي تمنح لكل ذي مصلحة الحق في التمسك بالبطلان، حيث نصت المادة 102 ق.م.ج. على أن "إذا كان العقد باطلا بطلان مطلقا جاز لكل ذي مصلحة أن یتمسك بهذا البطلان....."

ب- صلاحية التوقيع على السفتجة:

يعتبر الساحب هو منشئ السفتجة  وباعث الحياة فيها لذلك يجب أن تتضمن السفتجة  توقيعه وإلا كانت باطلة، فالسفتجة هي ورقه شكليه لا تكتسب قوتها إلا من توقيع الساحب عليها والتوقيع قد يكون بالإمضاء أو بالختم أو بصمة الإصبع ويجب أن يكون التوقيع في أسفل السفتجة ولا يجوز أن يكون في أعلاها أو وسطها وذلك حتى يمكن اعتبارها صادرة في كل مضمونها عن الساحب.

و إذا حصل التوقيع على السفتجة  لحساب شخص آخر فإنه يشترط في الموقع أن تكون له سلطة التوقيع، وساحب السفتجة  مسؤول عن قبولها والوفاء بها في ميعاد الاستحقاق حتى ولو لم يوقع على السفتجة  كما في حالة سحب السفتجة  بواسطة وكيل وكما في سحب السفتجة  لحساب الغير،
إذن يجوز أن يلتزم شخص بمقتضى السفتجة  بصفته ساحبا لها دون أن يوقع عليها وذلك في حالتين:
1- سحب السفتجة  بواسطة الوكيل:

قد یوقع شخص على السفتجة بالوكالة عن الساحب و نيابة عنه ، ففي هذه الحالة یجب أن تتوفر الأهلية التجاریة في هذا الوكيل وان یسبق توقيعه عبارة تنبئ عن صفته كوكيل ، كأن یذكر "بالوكالة عن فلان "،وإذا ما تصرف هذا الوكيل في حدود تعليمات الموكل فان آثار هذا الالتزام الصرفي تنصرف إلى الموكل دون الوكيل، وعليه فإذا لم یقم المسحوب عليه بالوفاء في تاریخ الاستحقاق ، لا یجوز للحامل أن یرجع إلا على الموكل دون الوكيل.

إذن هنا قد يوقع السفتجة عن الساحب وكيله وتنصرف آثار السفتجة  في هذه الحالة إلى الأصيل وليس إلى الوكيل طبقا للقواعد العامة ويجب أن تظهر صفة الموقع في هذه الحالة كوكيل و إلا التزم شخصيا بقيمة السفتجة  قبل الحامل حسن النية وتنظم علاقة الساحب ووكيله القواعد العامة في عقد الوكالة.
فهنا قد يكون موقع السفتجة  وكيلا أو نائبا عن الساحب كالولي أو الوصي أو مدير الشركة ، وفي هذه الحالة يسبق توقيع الوكيل عبارة تنبئ عن صفته كوكيل كأن يذكر (بالوكالة عن فلان(.

لكن ما هو الحكم إذا ما تجاوز الوكيل حدود وكالته -كأن یسحب سفتجة بقيمة أعلى مما حدده الموكل-أو إذا ما وقع شخص على السفتجة نيابة عن أخر دون تفویض منه ؟

لقد أورد المشرع الجزائري حكم هذین الفرضين في نص المادة393/3 ق ت ج  بقوله " كل من وضع توقيعه على السفتجة نيابة عن شخص لم یكن له توكيل منه بذلك یكون ملتزما شخصيا بمقتضى هذه السفتجة، و تكون له إن قام بالدفع نفس الحقوق التي كان لموكله المزعوم أن یحصل عليها و یجري الأمر بالمثل بالنسبة للوكيل الذي یتجاوز حدود وكالته ."فطبقا لهذا النص یعتبر الوكيل الذي تجاوز حدود الوكالة الممنوحة له أو الشخص الذي وقع على السفتجة دون تفویض ملتزما صرفيا بكامل قيمة السفتجة.

وفقا لهذه المادة على من يوقع سفتجة نيابة عن آخر ودون تفويض منه فإن الموقع يلتزم بتعويض الحامل وخير تعويض هو دفع قيمة السفتجة  بالكامل أما إذا تجاوز النائب حدود نيابته ووقع كمبيالة نيابة عن الأصيل بمبلغ اكبر مما تسمح به وكالته فمن حق الحامل أن يرجع بالزيادة على الوكيل ولا يعتبر التزام الوكيل في حالة انعدام النيابة أو تجاوزها التزاما صرفيا في مواجهة الحامل و إنما يعتبر التزاما بالتعويض مؤسسا على قواعد المسئولية التقصيرية.

2- السحب لحساب الغير:

قد یسحب شخص ما سفتجة ویوقع عليها باسمه الخاص كأصيل ویسمى بالساحب الظاهر و لكن لحساب شخص آخر هو الساحب الحقيقي()، وهذا الشخص المسمى بالساحب الظاهر یجب أن یكون أهلا للتوقيع على السفتجة و أن یعلن للمسحوب عليه صفته و اسم الآمر بالسحب.

ولقد نصت المادة391/2 ق ت ج . على هذا النوع من السحب بقولها " و یمكن أن تكون مسحوبة على الساحب نفسه . كما یمكن أن تكون مسحوبة لحساب شخص من الغير" .

تنشأ عن السفتجة المسحوبة لحساب الغير علاقات قانونية هي:

  • العلاقة بين الساحب الظاهر و الساحب الحقيقي أي الآمر بالسحب: تخضع هذه العلاقة لأحكام الوكالة ، فعلى الساحب الظاهر أن یتصرف وفقا التعليمات الصادرة له من الساحب الحقيقي ، وهو مسؤولا عن الأخطاء التي قد یرتكبها أثناء تنفيذ وكالته .

  • العلاقة بين الساحب الظاهر و الحامل: یعتبر الساحب الظاهر بمثابة ساحب عادى یلتزم شخصيا بالوفاء قبل الحامل ، ولهذا الأخير أن یرجع عليه آما لو كان ساحبا حقيقيا .

إذا أجبر الساحب الظاهر على الوفاء للحامل فانه یحل محل هذا الأخير في حقوقه ، وجاز له الرجوع عندئذ على المسحوب عليه القابل بما وفاه .

  • العلاقة بين الآمر بالسحب و المسحوب عليه :ففي هذه العلاقة یعتبر الآمر بالسحب هو الساحب الحقيقي وعليه أن یقدم مقابل الوفاء إلى المسحوب عليه ،وإذا دفع هذا الأخير قيمة السفتجة دون أن یكون قد تلقى مقابل الوفاء جاز له الرجوع على الأمر بالسحب دون الساحب الظاهر.

 

ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...

لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى النقر هنا 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق