الأربعاء، 15 نوفمبر 2023

مراقبة شركة المساهمة

 مراقبة شركة المساهمة 


إضافة للرقابة الداخلية للمساهمين في إطار ممارسة حقوقهم المقررة لا سيما داخل الجمعيات العامة ، و بالنظر لتعقد سير و نشاط شركات المساهمة ،فإن مختلف التشريعات ، و حرصا على مصلحة الشركة و الشركاء قد أقرت نوعا آخر من الحماية  تحققها أجهزة و هيئات متخصصة و مستقلة تضمن مراقبة حسن سير الشركة و حسن مراعاة المصلحة الجماعية فيها من طرف المسيرين و القائمين بالإدارة ، و يمكن التركيز في الكلام هنا عن جهاز محافظة الحسابات.

أولا - تعريف محافظ الحسابات: 

حسب المادة 22 من القانون 10-01 المتعلق بمهن الخبير المحاسب و محافظ الحسابات و المحاسب المعتمد ،"محافظ الحسابات هو كل شخص يمارس بصفة عادية، باسمه الخاص و تحت مسؤوليته، مهمة المصادقة على صحة حسابات الشركات و الهيئات و انتظامها و مطابقتها لأحكام التشريع المعمول به."
ثانيا - دور محافظ الحسابات في حماية حقوق المساهم

إن الجمعية العامة وهي صاحبة السلطة العليا في الشركة, تنتخب مجلس الإدارة الذي يتولى إدارة الشركة لحسابها وتحت إشرافها ورقابتها, ولكن يتعذر من الناحية العملية أن تقوم الجمعية العامة بهذه الرقابة بنفسها, بشكل فعال ومستمر, نظرا لكثرة عدد المساهمين بحيث لا يتصور أن يسمح لكل واحد منهم بالإشراف والرقابة على قانونية وانتظام حياة الشركة, فذلك سيشكل عائقا لأعمال الشركة وتدخلا في تسييرها الذي يرجع وبشكل حصري لأجهزة التسيير،من جهة أخرى فإن عدم حرص

المساهمين على الاهتمام بالشركة وانصباب اهتمامهم بقبض نصيبهم في الأرباح, إضافة إلى عدم تمتع غالبيتهم بثقافة وخبرة فنية وتقنية وخاصة محسابية تؤهلهم للقيام بمهمة الرقابة و الإشراف على أعمال الشركة ولاسيما على حساباتها.

لأجل كل ما سبق أناطت التشريعات المقارنة مهمة الرقابة على الشركة ولاسيما الرقابة المحاسبية لمؤسسة تم انشاؤها لهذا الغرض, وهي مؤسسة وجهاز مندوب الحسابات أو مراقب الحسابات والذي يعمل على اجراء رقابة داخلية باعتباره همزة وصل بين الجمعية العامة ومجلس الإدارة, كما أن مندوب الحسابات بما يقوم به يعد عين الجمعية العامة الساهرة التي تراقب كل ما يتعلق بالأمور التي تتطلب خبرة فنية خاصة لا تتوافر إلا فيه ،مثل مراجعة دفاتر الشركة وحساباتها, وفي نهاية المطاف يعرض على الجمعية تقرير يتضمنه خلاصة ما وصل إليه عن أحوال الشركة وتصرفات مجلس الإدارة وما ارتكبه من أخطاء.

إن مراقب الحسابات كما قد سبق ذكره, هو أداة فعالة لتحقيق التوازن بين مصلحتين قائمتين ومشروعيتين: حماية المساهمين الذين لا تؤهلهم ثقافتهم المالية والاقتصادية والقانونية لمباشرة الرقابة على حسابات الشركة وحياتها القانونية, وحماية مصلحة الشركة من جانب آخر, فلا يترك الحبل على غالبه لمجلس الإدارة فيصرف شؤون الشركة وفقا لهواه أو يوجهها على نحو يحقق المنافع الشخصية لأعضائه. وعليه فإننا سنتناول دراسة جهاز مندوب الحسابات في محاولة للإجابة على التساؤلات الآتية: باعتبار مندوب الحسابات مندوبا عن الشركاء في الرقابة على الشركة, كيف يمكن ضمان فعالية هذه الرقابة, وصحة نتائجها حماية للمساهمين؟, كيف يمكن ضمان أداء مندوب الحسابات لمهامه بما يشكل ضمانة فعلية وفعالة للمساهمين؟ وما موقف التشريعات من ذلك؟.

للإجابة على هذه الأسئلة فإننا سنحاول دراسة وتحليل أهم المسائل والضمانات التي بوجودها ودعمها يمكن اعتبار مندوب الحسابات كجهاز لحماية المساهمين كما سنتطرق لمسؤوليته في حالة مخالفة والاخلال بقواعد مهنته .

1- مندوب الحسابات ضمانة لحماية المساهمين

لقد نظر البعض إلى مندوب الحسابات أنه "وجدان المشروع", واعتبره البعض الآخر "حارس الحقيقة والنظام" Le gardien de la vérité et de la régularité , ووصفت مهمته على أنها "قضاء الأرقام",La magistrature des chiffres   ،وفق لما عهد إليه المشرع من التحقق من سلامة الحسابات وانتظامها, وحماية مصالح الشركة والمساهمين والجمهور من الدائنين و المستثمرين والمنتفعين من نشاط الشركة .

وإضافة للتوازن السابق الذي يؤديه مندوب الحسابات بين مصلحة المساهمين ومصلحة الشركة وجهاز الإدارة, فإن توازنا آخر من مهامه, وهو التوازن بين مصالح المساهمين الأقلية من جهة ومصالح الأغلبية وجهاز الإدارة من جهة ثانية ومصلحة الشركة من جهة أخرى.

وعليه فإن وظيفة مندوب الحسابات من الأهمية, حيث أن تحقيق كل الموازنات السابقة ليس بالأمر الهيّن, وهو ما توجب معه وضع قواعد وضمانات تكفل حسن أداء وظائفه, لاسيما ضرورة وقوفه على مسافة واحدة من جميع الأطراف, وما يعبر عنه باستقلاله (الفرع الأول ), كما أن تمتعه بمؤهلات وقدرات علمية وتقنية لممارسة مهمته هو أمر في غاية الأهمية (الفرع الثاني )

الفرع الأول: ضمانات استقلال مندوب الحسابات

حتى يؤدي مندوب الحسابات مهامه على الوجه المنشود, ولاسيما حماية المساهمين, ينبغي أن يتمتع باستقلالية تامة عن أجهزة التسيير والإدارة داخل الشركة,  ويشكل هذا الاستقلال ضمانة مهمة بالنسبة للمساهمين ولاسيما الأقلية منهم, إذ يجعلهم واثقين من حياد مندوب الحسابات وعدم قيامه بالتواطؤ أو محاباة أعضاء الجهاز الإداري, إما عن طريق التغاضي عن بعض تصرفاتهم وأعمالهم التي تكتسي صيغة تعسفية, وإما عن طريق تضليل المساهمين من خلال تقديم تقارير تتضمن معلومات خاطئة, وهو مل يؤدي إلى القول بأن المراقبة التي يقوم بها مندوب الحسابات لن تكون إلا وهمية في حالة عدم استقلاله عن الإداريين, بل إن عدم وجود المندوبين في هذه الحالة كان سيعتبر أفضل من وجودهم, ذلك أنه في الحالة الأخيرة ربما كان المساهمون سيعتمدون على أنفسهم لمراقبة ومراجعة أعمال الإدارة, والتسيير بدل الالتجاء إلى تقرير مندوبي الحسابات مع ما قد يتضمنه ن تضليل.

  • التطور التشريعي

قبل التطرق إلى هذه الضمانات, نشير إلى أن المشرع الفرنسي قد نظم مؤسسة مندوبي الحسابات بقانون 1867 الذي أعاد تنظيم شركات الأسهم وأطلق حرية تأسيس شركات المساهمة, والذي أوجب تعيين مراقب للحسابات أو أكثر, تختارهم سواء من بين الشركاء أو من غيرهم سنويا الجمعية العامة للمساهمين, ويعهد إليهم بتقدير المركز المالي للشركة, وله في سبيل ذلك أن يتحقق من صحة اجراءات الجرد السنوي ونتائجه, وأن يراجع حسابات الشركة وميزانيتها.

وعلى الرغم من أهمية هذا القانون والذي ضل ما يقرب قرن من الزمان بمثابة الشريعة العامة في مسائل الشركات التجارية, فإن أحكامه لم تمنع مديري الشركة من إساءة استخدام أموالها ولم تحُلْ دون الوقوع في فضائح مالية راح ضحيتها صغار المستثمرين وألحقت أبلغ الضرر بالاقتصاد القومي, ذلك نتيجة تقديم مديري الشركات لبيانات غير حقيقية عن مركز شركاتهم المالي تؤدي إلى تخفيض قيمة أسهمها في سوق الأوراق المالية, فيسارع المساهمون لبيعها بثمن بخس ثم عندما تنكشف الحقيقة وتستعيد الشركة ثقة الجمهور وترتفع الأسهم من جديد, يجني المديرون وأصدقاؤهم الذين شاركوا في هذه الألاعيب أرباحا كبيرة, ومنافع شخصية بغض النظر عن مصلحة الشركة أو مصلحة جمهور المساهمين.

وقد تدع الرغبة في تحقيق الربح السريع و النفع الشخصي مديري الشركة إلى تقديم ميزانيات مصطنعة توحي بازدهار عمليات الشركة ومتانة مركزها المالي فترتفع قيمة أسهمها وعندئذ يقومون ببيع أسهمهم في الوقت المناسب محققين لأنفسهم أكبر ربح ممكن, فإذا فشلت العملية لجأوا إلى تزييف الميزانية مرة أخرى ليخفوا غشهم عن أعين المساهمين.

 وعليه ظهرت ضرورة تدخل المشرع الفرنسي, وهو ما ظهر في شكل مراسيم التي صدرت في: 8 أوت 1935, 24 جويلية, 31 أوت, 23 سبتمبر, 20 نوفمبر سنة 1937, حيث حاول المشرع أن يعالج جوانب القصور في التنظيم القانوني وإلى إعادة تنظيم مؤسسة مراقبي الحسابات بما يضمن تفعيل دورها باعتبار أن هذه الرقابة لا تمس فقط مصالح المساهمين ولكن أيضا لفائدة الغير الذين سيتعاقدون مع الشركة في حال وجود حسابات مشهود عليها من قبل مختصين.

ومن أهم ما جاءت به هذه النصوص هو وضع شروط خاصة يجب أن تتوافر في مندوب الحسابات وكفلت له المزيد من الاستقلال, ووسعت من دائرة الحقوق والسلطات المخولة له, كما شددت من مسؤوليته الجنائية, وألزمته بإخطار النائب العام بما قد يكشفه من مخالفات تقع تحت طائلة نصوص التجريم.

إلا أن هذه التعديلات اعتبرت غير كافية, الشيء الذي تطلب تدخل المشرع الفرنسي مرة أخرى لتطوير النظام القانوني لمراقبي الحسابات, وذلك من خلال قانون الشركات الفرنسي لـ 24 جويلية 1966, وكذلك مرسوم 1969 المتعلق بتنظيم مهنة مندوبي الحسابات, فحاول من خلال هذه النصوص إرساء الأسس التي يمكن أن تنهض عليها رقابة جدية وأكثر فاعلية لحسابات الشركة تتناسب مع متطلبات الاقتصاديات الحديثة فجعلها رقابة دائمة ومستمرة, ولم يعد دور مندوب الحسابات يقتصر على مجرد التحقق من سلامة حسابات الشركة وميزانيتها, وإنما أوجب عليه أن يقدم شهادة بذلك, فأصبح التقرير الذي يقدمه حول سلامة حسابات الشركة هو "عنوان الحقيقة" كما توصل إليها, كما أكد استقلال مندوب الحسابات في مواجهة مديري الشركة, وقدم لمراقبي الحسابات الفرنسيين تنظيما مهنيا لائقا لا يقل عن التنظيمات الخاصة بنظرائهم في الولايات المتحدة الأمريكية أو في المملكة المتحدة أو دول السوق الأوربية المشتركة.

كما حاول من خلال قانون 1 مارس 1984 التأكيد على استقرار مراقبي الحسابات والذي يتبين من نصوصه أن الغاية من مهنة مندوبي الحسابات لم تعد مجرد الدفاع عن مصلحة المساهمين وإنما حماية مصالح المشروع والمصالح الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة به, وكلف مراقبي الحسابات باتخاذ اجراءات الانذار أو التحذير le devoir d’alerte, عندما تنكشف لهم وقائع من شأنها أن تعرض نشاط الشركة للخطر, أو أن توقف الاستغلال.

ولم يتوقف الاهتمام بالمهنة عند هذا الحد, فنذكر أيضا قانون 15 ماي 2001, قانون التنظيمات الاقتصادية الجديدة (loi NRE), وقانون 706-2003 الصادر في 1 أوت 2003 والمتعلق بالتأمين المالي, وأخيرا أحكام الأمر رقم 1126-2005 المؤرخ في 8 سبتمبر 2005 المتعلق بمندوبي الحسابات والذي عدل تنظيم ومراقبة مهنة محافظي الحسابات ومراقبتها بإنشاء المجلس الأعلى لمحافظي الحسابات إلى جانب وزارة العدل, الذي من خلاله حاول المشرع تحديد مهمة محافظي الحسابات, ودعم استقلاليته.

وبالنسبة للمشرع الجزائري, فقد نص على ضرورة تعيين مندوب الحسابات في شركات المساهمة, وعلى الأحكام المنظمة لمهامه في القانون التجاري لسنة 1975, ثم أعاد تنظيم هذه المسائل في المرسوم التشريعي 93-08 المعدل والمتمم للقانون التجاري, في المواد 715 مكرر 4 إلى 715 مكرر 14 مدعما لأحكام استقلالية مندوبي الحسابات.

وباعتبارها مهنة حرة, وعلى غرار التشريعات المقارنة, فقد نظم المشرع الجزائري المهنة بالقانون 91-08 المؤرخ في 12 شوال 1411 الموافق لـ 27 أفريل 1991 المتعلق بمهنة الخبير المحاسب ومحافظ الحسابات والمحاسب المعتمد، والذي قام بموجبه بتنظيم المهنة ومراقبتها, فوضع شروط ممارسة هذه المهن وأوكل رقابتها إلى هيئة خاصة وهي المنظمة الوطنية للخبراء المحاسبين ومحافظي الحسابات والمحسبين المعتمدين كجهاز مهيمن مختص في السهر على تنظيم المهنة وحسن ممارستها ورقابة أعضائها من المهنيين وكذا مهمة تأديبهم في حالة الأخطاء المهنية, ولها سلطات واسعة لممارسة مهامها.

وفي اطار الإصلاح المحاسبي الذي سعت إليه الجزائر, نتيجة انتقال الاقتصاد الجزائري من اقتصاد اشتراكي إلى اقتصاد السوق, وضغوطات الهيئات الدولية (صندوق النقد الدولي, البنك الدولي, المنظمة العالمية للتجارة) قصد الالتزام بمعايير المحاسبة الدولية ،ولأنه لا يمكن إحداث إصلاح محاسبي دون أن يمس هذا الإصلاح المهنيين وقانون تنظيم المهنة, فقد صدر القانون رقم 10-01 المؤرخ في 29 جوان 2010 المتعلق بمهن الخبير المحاسب ومحافظ الحسابات والمحاسب المعتمد، و الذي ألغى القانون 91-08 ، معدلا بذلك الأحكام المنظمة للمهن المحاسبية كما سيتم توضيحه لاحقا .

   وقد حاول المشرع الجزائري من خلال هذا مواكبة التشريعات الحديثة, من خلال العمل على تشجيع الاستثمار وتقوية الضمانات الممنوحة للمساهمين والمستثمرين, هذه الضمانات التي تعتبر الرقابة الفعالة داخل شركات رؤوس الأموال إحدى ركائزها, فأراد المشرع بذلك تنظيم مهنة محافظ الحسابات وجعلها مهنة محكومة بقواعد خاصة تضمن حسن ممارستها, كما تضمن نزاهة وشرف أعضائها واستقلاليتهم حماية لمصالح الشركات المراقبة.

وبالرجوع لاستقلالية مندوب الحسابات فإن هذه الاستقلالية لها عدة مظاهر فلا يجب أن يخضع مندوب الحسابات لأي ضغط أو تبعية أو سلطة سواء كانت قانونية نفسية أو مالية.

أولا:الاستقلال القانوني:

حتى يقوم مندوب الحسابات بمهنته في أداء رقابة فعالة على حسابات الشركة وعلى حياتها القانونية وبالتالي حماية مصالح المساهمين وتوفير ما يلزم من معلومات ومعطيات صحيحة عن وضعية الشركة, فإنه يجب ضمان استقلالية مندوب الحسابات على كل تبعية قانونية لأعضاء الجهاز الإداري الذي يسعى وبكل الطرق لضم مندوب الحسابات لصفّه, حتى يضمن على الأقل تساهله معه, حتى لا نقول تحالفه.

وحتى نضمن هذا الاستقلال القانوني فإنه يجب ضمان عدم تدخل جهاز الإدارة في الحياة القانونية لمندوب الحسابات سواء من حيث تعيينه أو عزله.

I- تعيين مندوب الحسابات:تتعدد الأطراف المسؤولة عن تعيين مندوب الحسابات لكن تبقى الجمعية العامة صاحبة الاختصاص الأصيل 

1- التعيين من الجمعية العامة

إن الأصل أن لكل مساهم في الشركة حق مراقبة أعمال الإدارة, لكن نظرا لكثرة المساهمين في شركات المساهمة, وعدم امتلاك معظمهم الثقافة الاقتصادية والمالية للقيام برقابة دقيقة, مستمرة ومجدية, وحتى بتوفر هذه الثقافة فعدم توفر عنصر الوقت اللازم للرقابة, فضلا عن امكانية إفشاء أسرار الشركة, كل هذه العوامل وغيرها أسندت الرقابة لمندوب الحسابات, لكن من يعين هذا الأخير؟.

عقدت مختلف التشريعات للجمعية العامة العادية الاختصاص الأصيل بتعيين مندوب الحسابات, وهو ما نصت عليه نصوص القانون الفرنسي والانجليزيوالمصري والسعودي والجزائري, وهي قاعدة من النظام العام, لا يجوز مخالفتها.

وأكثر ما يمكن التركيز عليه في هذه القاعدة هو عدم جواز تعيين مندوب الحسابات من مجلس الإدارة أو مجلس المديرين, وذلك تحت طائلة بطلان التعيين, لأن في ذلك اعتداء صارخ على استقلالية مندوب الحسابات, والمعروف أن جهة التعيين دائما تكون صاحبة سلطة تبعية ولو تبعية معنوية, وهذا لا يتماشى مع مفهوم وفلسفة وظيفة مندوب الحسابات الذي جاء ليراقب عمل ونشاط أجهزة التسيير, فمن غير المنطقي أن نمنح هذه الأجهزة سلطة تعيين من يراقبها, ففي ذلك هدم لفلسفة ومفهوم الرقابة, فمندوب الحسابات في هذه الحالة, يكون تابعا لهذه الأجهزة ولو معنويا, وهو ما يحول دون أداء مهمته على أكمل وجه, فقد يستغل أعضاء الجهاز الإداري سلطة التعيين الممنوحة لهم للضغط على مندوب الحسابات ليشهد على صحة حسابات وتصرفات غير سليمة, مقابل إعادة تعيينه لعهدة أخرى, وهو ما قد يدفعه لمجاملة أعضاء الجهاز الإداري, بالتغاضي عن الأخطاء والمخالفات التي يرتكبونها, على حساب مصلحة المساهمين ومصلحة الشركة.

وقد دافع الفقه والقضاء على هذا المبدأ عندما قضت محكمة ليموج بفرنسا في 23 ديسمبر 1910 ببطلان تعيين مراقب الحسابات الذي أُجْرِيَ بمعرفة الإدارة, ونتج عن ذلك بطلان قرارات الجمعية العامة التي اتخذت بناء على التقرير المدفوع من هذا المراقب.

لكن هل يستطيع مجلس الإدارة اقتراح تعيين مندوب الحسابات؟.


إن الواقع العملي يؤكد أن الغالبية الكبرى, إن لم نقل كل شركات المساهمة يتم فيها تعيين مندوب الحسابات من الجمعية العامة باقتراح من مجلس الإدارة أو مجلس المديرين,والذي غالبا ما تتم الموافقة عليه نظرا لقلة خبرة من حضر من المساهمين.

ونحن نرى في هذه الوضعية خطرا كبيرا على الشركة ذلك أنها ،وإن اختلفت عن التعيين, فإن إعطاء اقتراح التعيين للجهاز الإداري فيه تهديد لاستقلالية مندوب الحسابات, لأن هذا الأخير سيحس بنوع من الدّين اتجاه الجهاز الإداري مما قد يجعله متعاطفا معه وبالتالي قابلا للتغاضي عن بعض الأخطاء التي يرتكبها.

وعليه وتفاديا لما سبق, فإنه يقع على المساهمين أن يجتهدوا أكثر وأن يمارسوا حقهم على أكمل وجه, بأن يقوموا هم أنفسهم باقتراح مندوب الحسابات 

وتعيينه, لأن فقط هذا ما يضمن لهم رقابة فعالة وبالتالي حماية لهم.

وفي محاولة منهم للحد وتنظيم مسألة اقتراح تعيين مندوبي الحسابات من أجهزة التسيير فقد نص المشرع الفرنسي على هذه الإمكانية, فإن الأسماء المقترحة من مجلس الإدارة أو مجلس المراقبة يتم اختيارهم بالاقتراع داخل المجلس, لكن دون أن يصوت المدير العام أو المدير العام المفوض على قرار الاقتراح, وهو ما لم يكن منصوص عنه في النص القديم, ولعل حرمان المدير العام والمدير العام المفوض من التصويت على قرار الاقتراح داخل المجلس يرجع إلى كونهما من أكثر الأشخاص اتصالا بمندوبي الحسابات في الشركة, باعتبارهما مكلفان, وكما سبق تبيينه, بالتسيير اليومي للشركة, وهو ما يجعل ضرورة استقلال مندوب الحسابات عنهما أكثر من غيرهما

وبالرجوع للمشرع الجزائري فقد أعطى سلطة تعيين محافظ الحسابات كأصل للجمعية العامة العادية، لكنه لم يكتفي بهذا فقد نظم إجراءات وشروط التعيين بطريقة مضبوطة، وهذا بالنظر لأهمية مهمة محافظ الحسابات، وأهمية النتائج المرجوة منها. 

و حدد المشرع الجزائري طريقة تعيين محافظ الحسابات في المرسوم التنفيذي رقم 11-32 المؤرخ في 27 فيفري 2011 والمتعلق بتعيين محافظي الحسابات تطبيقا للمادة 26 من القانون 10-01 المنظم للمهنة. 

وتكون خطوات وشروط تعيين محافظ الحسابات في الشركة كالآتي: 

  • يتعين على مجلس الإدارة أو المكتب المسير للشركة إعداد دفتر للشروط بغية تعيين محافظ أو محافظي الحسابات من طرف الجمعية، ويتضمن دفتر الشروط: 

  • عرض عن الهيئة أو المؤسسة ولملحقاتها المحتملة ووحداتها وفروعها في الجزائر وفي الخارج. 

  • ملخص المعاينات والملاحظات والتحفظات الصادرة عن حسابات الدورات السابقة التي أبداها محافظ أو محافظو الحسابات المنتهية عهداتهم، وكذا محافظ أو محافظو الحسابات للفروع إذا كان الكيان يقوم بإدماج الحسابات. 

  • العناصر المرجعية المفصلة لموضوع مهمة محافظ الحسابات والتقارير الواجب إعدادها. 

  • الوثائق الإدارية الواجب تقديمها. 

  • نموذج رسالة الترشح. 

  • نموذج التصريح الشرفي الذي يبين وضعية الاستقلالية اتجاه الكيان. 

  • نموذج التصريح الشرفي بعدم وجود مانع يحول دون ممارسة المهنة. 

  • الإمكانيات والمؤهلات المهنية والتقنية.

وبصفة عامة يجب أن يتضمن دفتر الشروط كل التوضيحات التي تسمح بتنقيط العرض التقني والعرض المالي من أجل اختيار محافظ الحسابات.

  • لتقييم مهمته يتحصل محافظ الحسابات المترشح على ترخيص مكتوب من الكيان يمكنه من القيام بتقييم مهمته، وذلك بالاطلاع على تنظيم الكيان وفروعه، وتقارير محافظي الحسابات للسنوات المالية السابقة، مع الالتزام بالمحافظة على السر المهني.

  • يقدم محافظ الحسابات بناءا على ما تقدم عرضا يوضح فيه الموارد المرصودة للقيام بالمهمة، والمؤهلات المهنية للمتدخلين، يحدد برنامج عمل مفصل ويبين التقارير التمهيدية، الخاصة والختامية الواجب تقديمها مع تحديد آجال هذا الإيداع.

  • يقوم الكيان (الشركة هنا) بتشكيل لجنة تقييم للعروض المقدمة، وتقوم بعرض نتائج التقييم حسب الترتيب التنازلي، وذلك على جهاز التسيير المؤهل والذي يقوم بدوره بعرضها على الجمعية العامة قصد الفصل في تعيين محافظ أو محافظي الحسابات المنتقين مسبقا.

  • في حالة تعيينه من الجمعية العامة يقبل محافظ الحسابات المهمة المسندة إليه، وذلك بإرسال رسالة قبول العهدة للجمعية العامة خلال أجل أقصاه ثمانية أيام، بعد تاريخ وصل استلام تبليغ تعيينه.

  • ولا تتبع الأحكام السابقة في حالة تعيين محافظ الحسابات لأول مرة عند تأسيس الشركة، وكذا في حالة تجديد عهدته، وأخيرا إذا تم تعيينه قضائيا.

مما سبق نلاحظ أن المشرع حاول من خلال هذه الأحكام والنصوص ضمان حسن اختيار محافظ الحسابات وذلك بوضع معايير موضوعية تسمح باختيار الشخص ذو الكفاءة والاستقلال اللازم لحسن ممارسة مهامه داخل الشركة. 

ونرى أن المشرع قد وفق إلى حد بعيد في تنظيمه لعملية اختيار محافظ الحسابات إلا أنه وبالنسبة لتقييم العروض المقدمة وترتيبها، فإنه يجب التأكد من موضوعية وحياد اللجنة المعينة لهذا الغرض، ذلك أن الجمعية العامة وإن كانت لها الكلمة الأخيرة، فإنها غالبا ما تصادق على اختيار الجهاز الإداري وفقا لهذه اللجنة. 

وما اهتمام المشرع بعملية تعيين واختيار محافظ الحسابات إلا دليل على أهمية وفائدة المهمة التي يقوم بها بالنسبة للشركة وللمساهمين، إلا أنه وإذا كان الأصل في التعيين هو للجمعية العامة, فإن استثناءات ترد على هذا الأصل:

2- تعيين مراقب الحسابات بواسطة الجمعية التأسيسية

أجازت معظم التشريعات تعيين مندوبي الحسابات في مرحلة تأسيس الشركة, وذلك من الجمعية العامة التأسيسية, وذلك في الشركات التي يكون تأسيسها باللجوء علنا للادخار ويشترط لصحة هذا التعيين أن تتوافر الشروط الخاصة بصحة انعقاد الجمعية التأسيسية, ولعل الحكمة من عدم انتظار انعقاد الجمعيات العادية, هو عدم امكانية حياة ونشاط شركة المساهمة في غياب عضو مهم فيها وهو جهاز مندوب الحسابات.

3- التعيين بواسطة القضاء

قد لا يتم تعيين مندوب الحسابات من طرف الجمعية العامة إما نظرا لغفلتها عن ذلك أو لعدم موافقتها على مقترح مجلس الإدارة بتعيين مندوب حسابات معين, كما قد يتعرض مندوب الحسابات للاستقالة أو الوفاة, أو وجود مانع يمنعه من أداء مهامه خلال السنة المالية, ولأنه لا يمكن للشركة أن تبقى بدون مندوب حسابات, وذلك تحت طائلة بطلان العديد من التصرفات لاسيما اجتماعات الجمعيات العامة, ولطابع الاستحالة, فقد أجاز المشرع الجزائري اللجوء إلى تعيين مندوب الحسابات أو استبدالهم باللجوء للقضاء, وذلك بموجب أمر من رئيس المحكمة التابعة لمقر الشركة.

ويتم التعيين بطلب إما من مجلس الإدارة أو مجلس المديرين, ولعدم ترك ذلك لأهوائهم, فإن طلب التعيين يمكن أن يكون "كل معني" والتي نقول أن المشرع الجزائري قد توسع في مفهومها على عكس التشريعات الأخرى التي أعطت هذا الحق للمساهم دون غيره من حملة السندات, فهل تدخل هذه الفئة تحت هذه العبارة, وهل يدخل دائنو الشركة والمتعاملون معها؟.

إننا نؤكد هذا التوجه باعتبار أن تعيين مندوب الحسابات في الشركة لم يعد يهم المساهمين فقط ولا يخدم مصالحهم وحدهم, فالتوجه الحديث يعتبر أن وجود هذه المؤسسة في الشركة تحقق مصالح كل معني بالشركة, ونعتقد أن هذا ما ذهب إليه المشرع الجزائري, وقد وفق في ذلك.

ونظرا لتوجهه الجديد, فقد سمح بأن تقوم بهذا الطلب, وبالنسبة للشركات التي تلجأ علنيا للادخار, السلطة المكلفة بتنظيم عمليات البورصة ومراقبتها, باعتبارها مكلفة بحماية المساهمين المدخرين.

وقد وجه البعض انتقادا لطريقة التعيين هذه بحجة أن التعيين قضائيا يتطلب الكثير من الوقت لإجراءاته المعقدة, وهو ما يضر بمصالح الشركة.

غير أن التشريعات في معظمها, ومنها الجزائري, جعل اختصاص الفصل في هذه المسألة للقضاء الاستعجالي, ولم يشترط أن تتوافر شروط الاستعجال.

ونشير أن امكانية تعيين مندوب الحسابات قضائيا قد قلت أهميتها في القانون الفرنسي, الذي أوجب تعيين مراقبي الحسابات احتياطيين ليحلو بقوة القانون محل مراقبي الحسابات الأصليين إذا أصبحوا عاجزين عن القيام بمهام وظائفهم, ولا يعينون كمساعدين وإنما كاحتياطيين أي يعينون من الجمعية العامة ذاتها, وهذا ما جاء به القانون سنة 1984, وقد جاء هذا الحكم سعيا إلى عدم خلو الشركة من مندوب للحسابات في أي وقت بالنظر لأهمية وظيفته، كما نشير أن المشرع المصري سمح وكاستثناء لمجلس الإدارة, إذا لم يكن للشركة في أي وقت لأي سبب مندوب حسابات أن يقوم المجلس باتخاذ الاجراءات اللازمة لتعيينه فورا ويعرض ذلك التعيين على الجمعية العامة في أول اجتماع لها لتُقرَّه أو ترخّصه

وقد قابل الفقه المصري هذا الحكم بالانتقاد وذلك استنادا إلى أن حياد مندوب الحسابات واستقلاله لن يكون كاملا, بل سيكون في جانب مجلس الإدارة الذي قام بتعيينه وذلك لضمان استمراره في العمل, وهذا ما يفقد مندوب الحسابات أهدافه والغرض المباشر من ورائه .

ويمارس مندوب الحسابات المعين من طرف القضاء مهامه بصفة مؤقتة حتى تقوم الجمعية العامة بتعيين مندوب الحسابات, وهو ما يؤكد الاختصاص الأصيل في التعيين والمعقود للجمعية العامة, فتدخل القضاء كان لمعالجة حالة مستعجلة في إطار استكمال مؤسسات الشركة تفاديا للبطلان.

وأخيرا نقول أن شروطا لابد أن تتوفر في الشخص المعين كمندوب للحسابات منها ما يتعلق بكفاءته, ومنها ما يضمن استقلاليته, وذلك تحت طائلة بطلان التعيين, وبطلان كل ضمانات الشركة, وهو ما سنبينه لاحقا.

إن جهة تعيين مندوب الحسابات هي من الضمانات الواجب وضعها لضمان حياده, لكن بعد تعيينه, ما طبيعة علاقته بالشركة؟.

II-المركز القانوني لمندوب الحسابات

إذا كان من المسلم به فقهيا و قضاءا بشأن المهام الموكولة لمندوب الحسابات, إلا أن الآراء اختلفت عند تحديد طبيعة العلاقة القانونية التي تربط مندوب الحسابات بالشركة التي يمارس وظيفته لديها.

ويشير تكييف المركز القانوني الذي يشغله مندوب الحسابات في الشركة بعض الصعاب, حيث أنه لا يعتبر مستخدما لديها, وإنما يقوم بمهمة قانونية للرقابة هي في الحقيقة أقرب للعمل القضائي ويكون المندوب بمثابة الحكم (Arbitre), بين المساهمين الذين أَوْلَوْهُ ثقتهم بانتخابهم إياه ،وبين واقع حسابات الشركة وسلوك مجلس الإدارة بهذا الخصوص.

وفي محاولة لتحديد مركز مندوب الحسابات وما يترتب عن ذلك من نتائج, فقد تنازعت الرأيَ نظريتان:


1-النظرة التعاقدية (الكلاسيكية):

يتجه الفقه التقليدي في مجال القانون التجاري إلى أن رابطة مندوب الحسابات بالشركة التي يمارس مهمته لديها هي ذات طبيعة تعاقدية, وأن مندوب الحسابات هو مجرد وكيل عند مجموع المساهمين في الشركة عهد إليه بمراجعة حساباتها وفحص دفاترها والتأكد من انتظامها, وبصفته هذه فهو ملزم بتقديم تقرير عن مهمته إلى الجهة التي استمد منها سلطاته وصلاحياته وهي الجمعية العامة للمساهمين

ويستمد هذا الرأي جذوره من النظرية التقليدية  التي  تقرر بأن الشركة عقد يلزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بالمساهمة في مشروع مالي بقصد اقتسام ما قد ينشأ عنه من ربح أو خسارة, فقرار الجمعية العامة بتعيين مندوب الحسابات, حسب هذا الرأي, بمثابة ايجاب ينشأ عنه العقد متى اقترن به قبول مندوب الحسابات الصريح أو الضمني.

ومن مظاهر نظرية الوكالة, وباعتبار مندوب الحسابات وكيل عن المساهمين في الرقابة على الشركة, هو أن هذه الرقابة ممنوحة أصلا للمساهمين, وأن تعيين مندوب الحسابات وتحديد أجره, وعزله, يكون من الجمعية العامة, كما أنه ملزم اتجاهها بواجبات ومهام, وعليه أن يقدم عرض حال "compte rendu" عن مهنته كل سنة مالية, وذلك برفعه تقريرا لها, وأن مسؤولية مندوب الحسابات تتحدد بمقتضى القواعد العامة التي تنظم الوكالة.

وقد كان لهذه النظرية صداها ليس في الفقه فقط, بل وفي القضاء من خلال أحكام المحاكم المختلفة منذ ما يقارب قرن من الزمن, وهو ما ذهبت اليه محكمة النقض الفرنسية التي كيفت وضعية مندوبي الحسابات على أنهم وكلاء سواء أكانوا مأجورين أم غير مأجورين.

- وبالرغم من شيوع العمل بنظرية الوكالة أو النظرية التعاقدية, فإنها اصطدمت بالعديد من الانتقادات أولها أن تعريف عقد الوكالة يقتضي أن يقوم الوكيل بأعمال قانونية لحساب الموكل, وهو ما لا يتوفر في مهمة مندوب الحسابات التي لا تملي عليه إجراء تصرفات قانونية لحساب الشركة وإنما هو يقوم بأعمال مادية: مراجعة الحسابات, فحص الدفاتر والتأكد من انتظامها,  صدق تعبير الميزانية عن مركز الشركة المالي, ضف إلى ذلك أن الأصل في الوكالة أن تكون بدون أجر وهو ما لا يتوفر في مندوب الحسابات الذي يحصل دائما على أجر لقاء قيامه بواجبات وظيفته لدى الشركة.

من جهة أخرى فإنه وإذا كان الموكل وفقا للمبادئ العامة حرًّا في اختيار وكيله دون قيود, وفي تحديد نطاق هذه الوكالة, فإن الجمعية العامة للمساهمين ليست حرة في اختيار مندوب الحسابات, فتعيينه يخضع لإجراءات وشروط فرضها القانون تهدف إلى ضمان كفاءة مندوب الحسابات  وتؤكد حياده.

وإذا أضفنا إلى ذلك كله أن المشرع قد حدد السلطات المقررة لمراقب الحسابات بطريق مباشرة وبنصوص آمرة, فلا تملك الجمعية العامة أن تقيد من نطاقها أو أن تنقص منها, فإنه يتأكد جليًّا جوانب الخلل في نظرية الوكالة.

ولعل الضرورة الحاسمة التي طرحت نظرية الوكالة جانبا هي, مسألة عزل مندوب الحسابات, فمن المقرر في القواعد العامة أن للموكل أن يعزل الوكيل في أي وقت قبل انتهاء العمل محل الوكالة, ولا يجوز الاتفاق على خلاف ذلك ولو كانت الوكالة بأجر, وهو ما كان للجمعية العامة اتجاه مندوب الحسابات حيث يجوز لها عزله بناءا على أسباب مشروعة يقدرها القضاء.

إلا أن قانون 1984 في فرنسا سلب هذه الامكانية من الجمعية العامة فأصبح عزل مندوب الحسابات لا يتم إلا من طرف القضاء وبناءا على طلب من عدة أطراف, فماذا يتبقى إذن من وكالة لا يملك الأصيل فيها عزل وكيله أو تحديد اختصاصه أو حتى اختياره في بعض الأحيان؟ فحتى محاولة الخروج من هذا المأزق بالقول بأنها وكالة من نوع خاص لا تجدي نفعا.

ونقول أخيرا أن أزمة نظرية الوكالة ترتبط بأزمة النظرية التقليدية التي تعتنق مذهب الطبيعة التعاقدية للشركة, والتي تستمد جذورها منها, ولذلك فإنها لم تعد كافية لتقديم التكييف القانوني المناسب لعلاقة الشركة بمندوبي الحسابات, وهو ما أدى ضرورة وجود بديل عنها أو مكمل لها.

2- نظرية العضو (النظرية الحديثة): la théorie de l’organe

تتفرع النظرية التي تقرر أن مندوب الحسابات عضو في الشخص الاعتباري الذي هو الشركة, عن الاتجاه, الذي ينكر الطبيعة التعاقدية للشركة ويرى أنها نظام قانوني institution, وشركة المساهمة بهذا مجموعة من الأشخاص تلتف حول هدف محدد يستدعي تحقيقه وجود تنظيم مستمر, وشركة المساهمة بهذا المفهوم تصبح تنظيما رسم المشروع إطاره القانوني, وبين أعضائه, وحدد وظيفة معينة لكل عضو منها, فلا يجوز أن يقعد عن مباشرة وظيفته أو أن يطغى على اختصاصات غيره من الأعضاء, وهو ما أيده القضاء الفرنسي.

وعليه وبالنسبة لمندوب الحسابات فإن تعيينه لا يستند إلى عقد بينه وبين المساهمين, وإنما يعد قرار الجمعية العامة باختيار مندوب الحسابات بمثابة تعيين عضو من أعضاء الشخص الاعتباري والمساهم عند تصويته فهو يمارس وظيفة لاحقًّا, ونفس الحكم على حقوق وواجبات مندوب الحسابات فلا تتحدد على أساس عقد يربطه بالمساهمين, وإنما تتولد هذه الحقوق وتترتب الواجبات مباشرة من القانون ومن نظام الشركة, فلا تملك الجمعية العامة الحد منها أو توجيه أي تعليمات له

من جهة أخرى فإن مهمة مندوب الحسابات ليست مقتصرة على حماية مصلحة المساهمين من خلال الرقابة التي يجريها, وإنما تعددت المصالح محل الحماية, فهو يحمي المصلحة العامة من خلال المحافظة على الادخار العام, وذلك أن شركة المساهمة اتسع نطاق أعمالها, وتعددت الأطراف المتعاملة معها والمعنية بها من حملة أسهم, ودائنين ومؤسسات, وبنوك, فمراقب الحسابات يحمي هؤلاء جميعا, بل ويحمي مصالح الدولة في بلوغ سياستها الاقتصادية عن طريق عرضه للحقائق الاقتصادية والمالية للشركة محل الرقابة, والافصاح عن حقيقة مركزها المالي لاسيما هذا النوع من الشركات.

نضيف وكما سبق تبيينه, أن الجمعية العامة لم يعد بإمكانها عزل مندوب الحسابات متى أرادت وفي أي وقت شاءتAd nutum, ذلك أنه وبمجرد تعيينه في وظيفه يصبح مستقلا في مواجهة أولئك الذين ندبوه لهذه المهمة, فهو يشبه النائب في البرلمان مستقل عن ناخبيه فعزل مندوب الحسابات لم يعد ممكنا إلا من جهاز القضاء.

إن نظرية العضو تطلق في تكييف المركز القانوني لمندوب الحسابات ليس من خلال الجهة التي تعينه وهي الجمعية العامة, إنما باعتباره مؤسسة هامة لازمة لاكتمال هيكل الشركة, وبنائها القانوني, كما أن تنظيم المشرع لهذه المؤسسة في سياق حالات التنافي وشروط الكفاءة يوحي أنها حلقة من سلسلة مترابطة أو ترسًا من تروس هذه الآلة العجيبة وهي الشركة كما عبر عن ذلك الفقه الفرنسي.

- وبالرغم من كل ما سبق, فإن اتجاها آخر يعيب على نظرية العضو أو النظام عدم وضوحها وتحديدها, ويرجع النتائج السابقة إلى أن شركة المساهمين أصبح ينظر إليها بوصفها أداة قانونية لتنظيم المشروع, أو آلة قانونية أوجدتها الرأسمالية الحديثة, ومندوب الحسابات هو موظف لديها عهد إليه بمراقبة حساباتها.

كما لا يمكن إلغاء النظرية التعاقدية ولا نفي فكرة العضو, بل يتم الجمع بينهما, فلا يمكن نفي أن اختيار وتعيين مندوب الحسابات, كان وفق توافق إرادتين, كما أن المشرع الفرنسي ورغم تعديل سنة 1984 لا يزال يشير إلى مصطلح وكالة, عند كلامه عن مندوب الحسابات الذي يعين بشكل احتياطي, فنص على أن هذا الحل يستمر حتى نهاية مدة وكالة "mandat" مندوب الحسابات الأصلي.

أما عن موقف المشرع الجزائري فقد ساير التطور الحاصل في تكييف وظيفة مندوب الحسابات, فبعد أن كان ينص صراحة على اعتبار مندوب الحسابات وكيلا عن الشركة, وذلك في القانون التجاري لسنة 1975 وكذا القانون المنظم للمهنة, الذي استبدل كلمة "وكالة" بكلمة "عهدة", وهذا في القانون 10-01 الذي ألغى قانون 91-08, لكن إذا كان مبرر التشريعات التي تخلت عن فكرة الوكالة هو أن شركات المساهمة فيها لم تعد تتعلق بالمساهمين فقط, وإنما بعدة أطراف, وهو ما أدى إلى اعتبار أن مندوب الحسابات حاميا لمصالحهم, كعضو في الشركة, فإن الأمر يختلف في الجزائر, التي وما عدا الشركات العامة, لا يزال اقتصادها الخاص يعتمد على الشركات العائلية المغلقة حتى وإن كانت ذات رؤوس أموال كبيرة, وعلى كل فإننا نرى بإيجابية توجه المشرع الجزائري, فلعله بهذا يمهد الطريق للوصول لشركات المساهمة الرأسمالية.

وفي الأخير نقول, أنه حتى وإن تم التخلي عن مفهوم الوكالة في وصف العلاقة بين مندوب الحسابات وبين المساهمين, إلا أن الرقابة التي يقوم بها ولا شك أن المستفيدون منها هم المساهمون, ومن ناحية حمايتهم, فإن تحديد مهام مندوب الحسابات وبدقة عن طريق القانون, ودعم أحكام وقواعد استقلاليته وحياده, وتشديد المسؤولية عليه في حالة ارتكابه لأخطاء, هو أكثر قيمة في نظرنا من إعطاء الجمعية العامة سلطة عزله في أي وقت Ad nutum , وتكتفي هذه الأخيرة بسلطة تعيينه وإمكانية عزله قضائيا.

III-عزل مندوب الحسابات: la révocation

من مظاهر وموجبات الاستقلال القانوني لمندوب الحسابات, هو قواعد عزله لاسيما جهة عزله, ذلك أن جهة العزل, وفي أي وقت, تجعل من صاحب هذه السلطة دائما في مركز المؤثر على صاحب المهنة, فهذا الأخير يسعى دائما للبقاء في منصبه, ولأجل ذلك يسعى وبكل الطرق لإرضاء صاحب سلطة العزل, وهو ما قد يؤثر على وظيفه واستقلاله.

وبإسقاط هذا على مندوب الحسابات فإننا نقول بأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إعطاء سلطة عزل مندوب الحسابات للجهاز الإداري للشركة التي يراقبها, فذلك يجعله تحت ضغط معنوي بل ومادي قد يؤدي إلى خروجه عن الحياد والموضوعية في الرقابة, وهو ما يضر أيما ضرر بالشركة والمساهمين.

وعليه فإننا نتساءل عن الجهة التي تملك سلطة عزل مندوب الحسابات قبل انتهاء عهدته؟.

1-جهة العزل

نشير بداية أن توقف مندوب الحسابات عن أداء وظيفته يمكن أن يكون عبر عدة طرق, فيمكن أن يكون بالانتهاء العادي لمدة عهدته مع عدم تجديدها, كما يمكن لمندوب الحسابات أن يستقيل أثناء ممارسة مهامه, بشرط أن لا تكون هذه الاستقالة للتخلص من التزاماته, وأن يمارس هذا الحق دون الإضرار بالشركة, كما يمكن لمندوب الحسابات أن يقع في حالة من الحالات التنافي وهو ما يؤدي إلى التخلي عن مهامه فورا, أو في حالة فقدان الأهلية أو الوفاة, أو تعرضه لعقوبات تأديبية.

وأخيرا فيمكن إنهاء مندوب الحسابات لمهامه قبل الانتهاء العادي لعهدته,وذلك بالعزل أو الإقالة.

ولأن النظرة إليه كانت بوصفه وكيلا عن مجموع المساهمين فإن من يملك عزل مندوب الحسابات هي الجمعية العامة للمساهمين, تطبيقا لقاعدة أن من يملك التعيين يملك العزل, وعليه فيجوز للجمعية العامة أن تعزل مندوب الحسابات في أي وقت ودون الحاجة لتبين قرارها "la révocation Ad Nutum" وهو ما نص عليه قانون الشركات الفرنسي الصادر في 24 جويلية 1867.

وظل هذا المبدأ سائدا وأيّده القضاء آنذاك الذي قضى بأن القول بغير هذا الحكم يضر بمصالح الشركة.

إلا أن نفس القضاء وضع حدّا لهذا المبدأ في حكم محكمة باريس بتاريخ 26 جويلية 1943 مؤيدا لحكم محكمة السين التجارية معلنا أن "مراقب الحسابات ليس كوكيل عادي يمكن عزله في أي وقت, ومن ثم لا يجوز للجمعية العامة للمساهمين أن تعزل مندوب الحسابات قبل انتهاء مدة وكالته إلا بمبرر مشروع يخضع لتقدير القاضي"

وقد قنن المشرع الفرنسي هذا القضاء في المادة 227 من قانون الشركات الصادر في 24 جويلية 1966, حيث حظر على الجمعية العامة للمساهمين أن تعزل مندوب الحسابات قبل انتهاء مدة مهنته القانونية إلا لأحد السببين: خطأ مندوب الحسابات في تنفيذ التزاماته القانونية "une faute", أو وجود عائق يحول بينه وبين النهوض بمهام وظيفته "un empêchement", وإلا أصبحت الشركة مسؤولة عن تعويض مندوب الحسابات المعزول عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت به نتيجة لهذا القرار التعسفي.

إن اضمحلال نظرية الوكالة كما سبق تفصيله, واتساع مجال معاملات شركات المساهمة نتيجة توسع أعمالها وكثرة الأطراف المتعاملة معها, ضف إلى ذلك تنازع المصالح بين المساهمين والقائمين بالإدارة, وحتى بين المساهمين أنفسهم, فظهر ما يسمى "بتعسف الأغلبية" و"حماية الأقلية", كل هذا قد يجعل مهمة مندوب الحسابات رهينة النزاعات والتجاذبات والأهواء, إذا ما تركنا عزله للجمعية العامة وحدها وبدون سبب, فحتى حماية المساهمين انقسمت بدورها إلى مساهمين أغلبية ومساهمين أقلية.

لأجل كل ما سبق فإن التشريعات سحبت من الجمعية العامة سلطة عزل مندوبي الحسابات وهو ما زاد من تأكيده المشرع الفرنسي من خلال قانون 1 مارس 1984, الذي أعطى سلطة العزل والتنحية للقضاء بناءا على طلب عدة أطراف, لكن لماذا القضاء بالذات؟.

إن سحب سلطة العزل من الجمعيات العامة لم يكن الهدف منه الحد من سلطات الجمعية العامة فهي صاحبة الاختصاص في التعيين, ولكن إدراكا من المشرع أن قرارات الجمعية العامة يمكن دفعها في اتجاه معين يخدم الهيئة المسيرة والتي قد لا ترضى على ممارسات مندوب الحسابات الذي قد يكشف تجاوزاتها المالية.

وكما يقول أحد الكتاب "إن ديمقراطية رأس المال التي تقوم عليها شركات المساهمة أصلا أصبحت ديمقراطية شكلية, لأن السائد الآن هو نظام الأوتوقراطية الإدارية وتركيز السلطات في يد مجلس الإدارة, فإن من المبالغة القول أن الجمعية العامة هي التي تعين محافظ الحسابات وتعزله"

وعليه وجب عرض الأمر على هيئة محايدة نضمن من خلالها استقلالية مندوب الحسابات, حتى عن الجمعية العامة, فمادام أن هذه الاستقلالية هي في مصلحة الشركة فهي في مصلحة كل المساهمين, ولا يمكن أن نضمن حياد الهيئة إلا في جهاز القضاء.

ونتيجة لما سبق فإن عزل محافظ الحسابات في التشريع الفرنسي يكون من الجهة القضائية في حالة خطأ أو مانع أصاب المحافظ, وبناءا على طلب إما مجلس الإدارة أو مجلس المديرين, لجنة المؤسسة comité d’entreprise, واحد أو أكثر من المساهمين الذين يمثلون على الأقل 10/1 من رأس مال الشركة, الجمعية العامة.

كذلك يمكن تقديم هذا الطلب من الوزارة, ومن لجنة عمليات البورصة بالنسبة للشركات تدعو علنا للادخار, أو من جمعية مساهمين حسب الشروط المنصوص عليها.

وهو نفس الحكم الذي أخذ به المشرع الجزائري, بعد أن كان لا ينص على مسألة عزل محافظ الحسابات قبل انتهاء وكالته في قانون 1975, وإن كان اعتباره لهذا الأخير وكيلا يسمح باعتبار أن عزله كان ممكنا في كل وقت من الجمعية العامة.

إلا أن مرسوم 93-08 المعدل والمتمم للقانون التجاري أضاف نصا جديدا وهي المادة 715 مكرر 9 والتي جعلت مسألة عزل مندوب الحسابات من اختصاص القضاء بطلب من مجلس الإدارة أو مجلس المديين, مساهم أو أكثر يمثلون على الأقل 10/1 رأس مال الشركة, الجمعية العامة.

ولم تعطي هذا الحق للجنة تنظيم عمليات البورصة بالنسبة للشركات التي تلجأ علنيا للادخار, وهو أمر نراه غريبا؟ خاصة وأن من أهم وظائف هذه السلطة حماية المساهمين المدخرين وحماية مصالح الشركات, وبالتالي فهي طرف معني حين نتكلم عن رقابة قوية وصحيحة داخل الشركات.

أما المشرع المصري فقد اتخذ مسلكا آخرا, وذلك نتيجة تمسكه بنظرية الوكالة في العلاقة بين محافظ الحسابات والجمعية العامة, حيث أجاز للجمعية العامة عزل مندوب الحسابات, مشترطا في ذلك اتباع اجراءات هدف منها إلى ضمان الحد الأدنى من الاستقلالية محافظ الحسابات تجنبا للعزل التعسفي, وذلك تحت طائلة بطلان العزل , لكن ما هي أسباب العزل؟.


2- أسباب العزل

نص كل من المشرع الفرنسي, الجزائري والمغربيعلى أن عزل محافظ الحسابات لا يكون إلا لخطأ أو مانع حال دون امكانية مواصلة مهنته.

ومن أمثلة الأخطاء التي قد يرتكبها محافظ الحسابات إذاعته لأسرار الشركة سواء للمساهمين أو لغيرهم, كما يجوز للجمعية العامة عزل محافظ الحسابات في جميع الأحوال التي يرتكب فيها خطأ يسبب خسائر للشركة, فقرر القضاء عزل محافظ الحسابات الذي لم يشر في تقريره المقدم للجمعية العامة إلى الأعباء المالية التي تواجهها الشركة, كما أن المعلومات التي قدمها كانت في صورة موجزة، كذلك عدم طلب تزويده بالتوضيحات والمعلومات الكافية من الجهاز الإداري لإعداد تقريره على وجه صحيح وتبيين المركز المالي للشركة, وفي نفس الحكم فقد ذكرت المحكمة أنه وإن كان من الصعب على محافظ الحسابات إحداث نوع من التوازن بين عدم اتباع الاجراءات التي هي من صميم واجبه وممارسة حقه في الاطلاع على شؤون الشركة, والامتناع عن التدخل في شؤون مجلس الإدارة, إلا أن ذلك لا يبرر تقديم تقارير غير دقيقة للجمعية العامة, لذلك يجوز عزله دون أن يكون له حق في المطالبة بالتعويض.

ومن أوجه اخلال محافظ الحسابات بالتزاماته المهنية, والتي تجيز العزل, ما قضت به المحاكم الفرنسية, كحالة عدم قيامه بالمراجعات اللازمة لكشف حالة اختلاس تعرضت لها الشركة وأضرت بها, كذلك حالة تدخل محافظ الحسابات في تسيير الشركة الذي أدى إلى الإضرار بها.

وعادة ما تكون حالات العزل سواء من ممارسة محافظ الحسابات لمهامه بطريقة مبالغ فيها, أو ممارستها بطريقة غير كافية ne pas en faire assez ou en faire trop

لكن لا يوجد مبرر لعزل محافظ الحسابات الذي قام بإجراء التنبيه أو الانذار procédure d’alerte, مع عدم وجود الأسباب التي تبرر القيام به وبالأحرى عدم كفايتها, بشرط أن تتوفر حسن النية في محافظ الحسابات.

وأخيرا فإن من حالات عزل محافظ الحسابات عدم تمكنه من مواصلة مهنته لوجود عائق يحول دون ذلك, كوقوعه في حالة من حالات التنافي وبالتالي المساس باستقلاله.

وعلى كل فإن سلطة تقرير عزل محافظ الحسابات من عدمه ترجع للجهة القضائية التي تنظر في الأمر, فإذا استجاب القضاء لطلب العزل, يعين محافظ حسابات جديد يحل محل المحافظ المعزول, وإذا رفض الطلب كان ذلك تدعيما لمحافظ الحسابات للاستمرار في مزاولة مهامه, وفي هذه الحالة فيجوز لهذا الأخير المطالبة بالتعويض للضرر في مواجهة من طلب العزل.

وإذا كان من أسباب العزل تهديد استقلالية محافظ الحسابات بوقوعه في حالة من حالات التنافي, فإن هذه الحالات وغيرها توقعه تحت ضغط ينزع عنه استقلاله النفسي.

ثانيا- الاستقلال النفسي والمالي:

إن حماية المساهم وحماية الشركة هي عنوان مهمة محافظ الحسابات وهدفها المنشود, لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال تحقيق هذا الهدف, وممارسة رقابة فعالة تحمي الشركة, إلا إذا قام محافظ الحسابات بمهامه بكل استقلال وحياد, لاسيما الاستقلال النفسي والمالي, والذي يبعده عن كل وضعية يجد فيها نفسه مخيرا ما بين مصلحته الشخصية ومصلحة الشخص الذي يراقبه, وذلك بتجنيبه كل وضعية تبعية مهما كان نوعها, التي قد تشكل وسيلة للضغط عليه تجعله يخرج عن الممارسة السليمة لمهامه.

إن الاستقلالية هي الضمان الأساسي الذي بواسطته يمكن تحقيق الأهداف المرجوة من رقابة محافظ الحسابات, وبغياب هذا الضمان فإن الرقابة لا تعدو أن تكون وسيلة للتضليل والتحايل لا أكثر.

إن محافظ الحسابات وهو يباشر قضاء الأرقام يسعى إلى حماية مصالح الشركة وإلى الدفاع عن المصالح المشروعة الأخرى المرتبطة بها, وحياد المحافظ واستقلاله هو المقدمة الضرورية اللازمة لأي رقابة جدية وفعالة على حياة الشركة القانونية, فلا جدوى من هذه الرقابة إذا كان المحافظ أداة طيّعة في يد إدارة الشركة, أو إذا أضحى معبرا عن أصوات أقلية ترغب في إثارة القلاقل ووضع العراقيل التي تعوق نشاط الشركة, ولذلك وجبت حماية محافظ الحسابات وضمان استقلاله وتأكيد حياده في مواجهة إدارة الشركة, كما يتم إبعاده عن كل التأثيرات التي تمارسها جهات أخرى داخل الشركة أو خارجها ليكون أقل تشددا في مواقفه بحجة أن العوامل المالية والاقتصادية والإدارية الخاصة بالشركة التي يراقبها لها الاعتبار الأول وأنها تعلو على القانون واجراءاته.

والقول بغير ما سبق يؤدي إلى وجود صوري لمحافظ الحسابات, بل إن وجوده نفسه يصبح خطرا يهدد الشركة والشركاء فيها, لأن من شأنه أن يخدع المساهمين الذي سيركنون إلى ما قدمه لهم من معلومات مبتورة وغير صحيحة عن حقيقة المركز المالي والحياة القانونية للشركة.

ونتيجة لما تقدم فقد اجتهدت التشريعات المقارنة, ولا تزال, لإرساء قواعد وأحكام تضمن بها استقلالية وحياد محافظ الحسابات, وهي أحكام تبعد محافظ الحسابات عن كل أنواع الضغوط التي قد تؤثر عليه, مهما كانت مادية أو معنوية, مباشرة أو غير مباشرة, فكل احتمال ولو بعيد يمكن أن يشكل ضغطا أو تنازعا في المصالح إلا وتبعده عنه, وهي ما يطلق عليها حالات التنافي أو حالات عدم الملاءمة.

  1. حالات التنافي:

تجد حالات التنافي أساسها في الفصل بين عملية الإدارة والتسيير وعملية الرقابة, ذلك أن محافظي الحسابات وحدهم أناط بهم المشرع حق تقييم الأعمال التي باشرها الجهاز الإداري خلال السنة المالية, وبالمقابل منعهم من التدخل في تسيير الشركة.

وإذا كان الفقه قد استقر عند وصف محافظ الحسابات بأنه قاضي الأرقام, وقد شبهه بعضهم بالقاضي, فإذا كان على القاضي أن يظهر أمام الغير بمظهر الحياد, كذلك على محافظ الحسابات أن يظهر بمظهر الاستقلال.

وانطلاقا من ذلك فإن حالات التنافي بالنسبة لمحافظ الحسابات, يمكن مقابلتها بقواعد التنحي والرد والمخاصمة بالنسبة للقاضي, ذلك أن هذه الحالات تفيد أن القاضي مهما بلغت نزاهته فإنه غير صالح للفصل في الواقعة المعروضة عليه, وأن مظان الشبهة سوف تلحق بحكمه مهما كان عادلا, فهي إذن قواعد قررت لمصلحة القاضي وليس ضده, فالتنحي يتم بإرادة القاضي والرد يكون بطلب أحد الخصوم.

وبالقياس فإن توفر إحدى حالات التنافي تؤكد أن محافظ الحسابات سوف لن يكون نزيها في عمله.

وقد نظم المشرع الفرنسي بداية حالات التنافي في المرسوم المؤرخ في 8 أوت 1935, ومرسوم 30 جويلية 1937, ذلك أن قانون الشركات لسنة 1867 قد ترك كثيرا من الثغرات عند معالجته لهذه المسألة, متأثرا بفكرة الوكالة التي كانت تطغى آنذاك.

ولأنه عمليا يلاحظ أن مجلس الإدارة هو المعبر عن إرادة الأغلبية في الجمعيات العامة, وبالتالي فإن قانون 1966 قد تدخل اكثر بفرضه حالات يمنع فيها الشخص من التعيين كمندوب للحسابات في الشركة المعنية.

ويلاحظ في المعالجة التشريعية لحالات التنافي أن النصوص المتعلقة بها مقسمة, فمنها ما تم النص عليه في القانون المنظم لشركات المساهمة, ومنها ما هو منصوص عليه في القانون المنظم لمهنة محافظ الحسابات, باعتبارها من المهن الحرة.

وبالنسبة للمشرع الجزائري فقد اهتم بهذه الحالات ونص عليها في القانون التجاري لسنة 1975, ثم قام بتعزيزها والتوسيع من مجال تطبيقها عن طريق المرسوم التشريعي لسنة 1993, كما نص على حالات متعلقة بممارسة المهنة في قانون تنظيم المهنة لسنة 1991, ثم أعاد النص عليها بطريقة أكثر تنظيما, ووسّع فيها بطريقة تناول فيها أغلب الحالات التي يمكن أن تعرض محافظ الحسابات للتنازع في المصالح أو التبعية أو السلطة, بطريق مباشرة أو غير مباشرة, ونراه قد وفّق إلى حدّ كبير في هذا, وذلك في قانون 2010 المنظم لمهنة الخبير المحاسب ومحافظ الحسابات, والمحسب المعتمد.

وفي محاولة لتقسيم هذه الحكام, نقول أن حالات التنافي أو عدم الملاءمة يمكن تقسيمها إلى:

  1. العلاقات الشخصية:

تناولها المشرع الجزائري في المادة 715 مكرر 6 من القانون التجاري المعدل والمتمم, فلا يجوز أن يعين كمحافظ حسابات في الشركة, الأقرباء والأصهار حتى الدرجة الرابعة, للقائمين بالإدارة أو  أعضاء مجلس المديرين أو أعضاء مجلس المراقبة للشركة.

ذلك أن بوجود هذه العلاقات لا نضمن استقلالية محافظ الحسابات, الذي قد يغض الطرف عن تصرفات أقربائه, بل يكون هناك تواطؤ في سبيل تحقيق أهداف مشتركة على حساب مصلحة الشركة.

  1. المصالح المالية:

من أهم وأبرز ما يمكن أن يؤثر على الشخص, لاسيما المهنيين, هو وجود مصلحة مالية شخصية, والتي يمكن في سبيلها أن يرتكب ما هو محظور, وهذا في جميع المهن الحرة بل والعامة.

وعليه يحظر أن تكون لمحافظ الحسابات مصالح مالية خاصة في الشركة التي يشرف على رقابتها تحت أي شكل من الأشكال, فقد نص قانون 10-01 المنظم للمهنة في المادة 64 من بأنه يتنافى مع المهنة:

... "كل نشاط تجاري لاسيما في شكل وسيط أو مكلف بالعمليات التجارية والمهنية..." كما تنص المادة 65 من نفس القانون على أنه يمنع محافظ الحسابات من:

"القيام مهنيا بمراقبة حسابات الشركة التي يملك فيها مساهمات بصفة مباشرة أو غير مباشرة ... ممارسة وظيفة مستشار جبائي أو مهمة خبير قضائي لدى شركة أو هيئة يراقب حساباتها.

  • شغل منصب مأجور في الشركة أو الهيئة التي راقبها بعد أقل من ثلاث سنوات من انتهاء عهدته.

أما المادة 66 فقد منعت من تعيين الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الذي تحصلوا على أجور أو أتعاب أو امتيازات أخرى, لاسيما في شكل قروض أو تسبيقات أو ضمانات من الشركة أو الهيئة خلال ثلاث سنوات الأخيرة كمحافظي حسابات لدى نفس الشركة أو الهيئة.

وأخيرا تنص المادة 67 على أنه يمنع الخبير المحاسب ومحافظ الحسابات والمحاسب المعتمد, القيام بأي مهمة في المؤسسات التي تكون لهم فيها مصالح مباشرة أو غير مباشرة.

ولتدعيم استقلاليته أكثر, فإن حالات التنافي المذكورة تمتد إلى أعضاء شركات محافظي الحسابات التي ينتمي إليها محافظ الحسابات المعين, فوقوع أحد أعضاء الشركة في حالة من هذه الحالات يمنع على كل الأعضاء أن يكونوا محافظي حسابات للشركة المعنية, ذلك انه يمكن, وبحكم المصالح المالية والاقتصادية المشتركة والعلاقة الشخصية الموجودة بين الشركاء, أن يتم الضغط على أحد الشركاء, من شريك آخر له مصالح مالية أو شخصية في الشركة المراقبة من الأول, وهو ما يوقعه في تبعية غير مباشرة.

كما نصت المادة 37/2 من نفس القانون "...لا يمكن محافظ الحسابات أن يتلقى أي أجرة أو امتياز مهما يكن شكله، باستثناء الأتعاب والتعويضات المنفقة في إطار مهمته..."

كما نص المشرع الجزائري, في القانون التجاري على أنه لا يجوز أن يعين محافظا للحسابات في شركة مساهمة "أزواج الأشخاص الذين يتحصلون بحكم نشاط دائم غير نشاط مندوب الحسابات على أجرة أو مرتب, إما من القائمين بالإدارة أو أعضاء مجلس المديرين أو من مجلس المراقبة..."

  • أتعاب محافظ الحسابات:

إن من أهم ما يمكن أن يمس باستقلالية محافظ الحسابات, وضعه في حالة تنازع للمصالح بين مصلحته الشخصية ومصلحة الشركة التي يراقبها, ويعتبر الأجر أو الأتعاب التربة الخصبة لمثل هذا التنازع, وعليه وحفظا لاستقلال وحياد محافظ الحسابات, وبالتالي حماية مصلحة المساهمين والشركة, فإنه يتوجب الحرص الشديد في تحديد الجهة التي تضبط وتحدد أتعاب محافظ الحسابات, ولأن القانون لا يمكن أن يحدد هذا الأجر الذي يختلف بحسب عدة عوامل, فإنه يجب على المشرع التدخل وبقوة على الأقل لضبط معايير تحديد الأجر وخاصة الجهة التي تقرره, لأن هذه الأخيرة, وفي حالة سوء النية, ستسعى للتأثير على محافظ الحسابات وإخراجه عن حياده.

ومن البديهي القول أن هذه الجهة لا يجب أن تكون الجهاز الإداري للشركة, فلا يجب أن يكون لهذا الأخير أي دور في تحديد أجر محافظ الحسابات, ولو بطريقة غير مباشرة.

ولأن العرف جرى على أن جهة التعيين هي التي تحدد الأجر, فإن الجمعية العامة للمساهمين وكأصل, هي التي تحدد أجر محافظ الحسابات, لكن ولأن هذه الجمعية في حد ذاتها لم تعد في حصانة من النزاعات في المصالح (أغلبية وأقلية), فإنه يجب على الأقل تحديد المعايير والقواعد التي يحدد بها الأجر, فلا يمنح محافظ الحسابات أجرا مبالغا فيه لكسب ودّه ومجاملته, كما لا يمنح أجرا أقل من أتعابه, حتى لا تكون وسيلة ليعاقب على ممارسة عمله بجدّية وصرامة.

وعند المعالجة التشريعية لكيفية تحديد أجر محافظي الحسابات, نقول أن هذه المسألة بدأت في فرنسا بمطالبة محافظي الحسابات سنة 1938 بجداول ترتبط برأس مال الشركة, غير أنه لوحظ أن الرقابة تستمد أهميتها ومداها من أهمية رأس المال أكثر من رقمه.

وبصدور قانون 1966 فقد تبنى فكرة الجداول فأصبحت أتعاب محافظي الحسابات تخضع لتقنيات وضوابط معينة ومُحكّمة, حيث جاء فيه أن أتعاب المحافظ تتحملها الشركة ويتم تحديدها طبقا للشكل أو الطريقة المحددة من قبل المرسوم, وبالفعل جاء مرسوم 02 أوت 1969, والمعدل بمرسوم 3 جوان 1985, حيث تكون أجرة محافظ الحسابات حسب ميزانية الشركات.

كما تحدد هذه الأجرة حسب برنامج العمل المضبوط من المحافظ, وعدد الساعات اللازمة لتنفيذه, آخذا بعين الاعتبار شكل المشروع, وطبيعة نشاطه, وحجم الميزانية, وقدر المسؤولية التي يتحملها محافظ الحسابات.

ولم يكتف المشرع الفرنسي بذلك, فعن طريق عدة تعديلات جاء بها, سعيا لضمان استقلال أكبر لمحافظي الحسابات, فيضبط محافظ الحسابات كل سنة مخطط وبرنامج عمل يبين من خلاله الخطوط العريضة لمهمته, معتمدا في ذلك على الأهداف المرجوة, وعلى القواعد المهنية المتبعة لتحقيق هذه الأهداف, على شكل الشركة المراقبة, حجمها, طبيعة نشاطها, الرقابة الممارسة عليها من السلطات العامة, صعوبة المهنة, الوسائل والتكنولوجية المستخدمة, وعلى ضوء ذلك يحدد ساعات العمل التي يتطلّبها اتمام العمل.

وبتحديد المشرع الفرنسي جدول "la fourchette" يعطي لكل رقم ميزانية عدد الساعات اللازم لإتمام مهمة محافظ الحسابات.

وفي حالة عدم اتفاق بين محافظ الحسابات والشركة حول عدد الساعات, كأن تراه الشركة مرتفعا أو يراه محافظ الحسابات غير كافي لإتمام مهمته, يكون على الطرف المعني, اللجوء إلى رئيس الغرفة الجهوية (وهي غرفة مهنية) لإعطائه ترخيصاune dérogation للخروج عن الحد الذي وضعه القانون في النص السابق, مع تقديم تسبيب لهذا الترخيص, ويكون القرار بمنح الرخصة قابلا للطعن فيه.

كما أقر لمحافظ الحسابات بتعويض مصاريف التنقل والإقامة التي قام بها بمناسبة القيام بمهمه.

وتوضع المبالغ المدفوعة لمحافظ الحسابات أو لكل واحد منهم في حالة التعدد تحت تصرف المساهمين بمقر الشركة للاطلاع عليها, وهو ما يشكل امكانية رقابتها من الشركاء.

أما عن مبلغ الساعات, فيكون محل مناقشة مع الشركة حسب طبيعة العمل والجهد المبذول, فهو مقيد بعدد الساعات لكن ليس بمبلغها

وحتى لا تشكل هذه المفاوضات وسيلة لإضعاف استقلالية محافظ الحسابات يتوجب على هذا الأخير أن لا يضع نفسه في موقف ضعف وهذا يرجع لمؤهلاته الشخصية لا المهنية, فقد علق أحد الكتاب, في هذا المعنى, بقوله أن محافظ الحسابات لا يستحق شرف الانتساب إلى هذه المهنة إذا لم تتكامل شخصيته بحيث يسمو عن الوقوع في مركز ضعف أو التواطؤ

وعن موقف المشرع الجزائري من تحديد أجر محافظ الحسابات, فإن القانون التجاري لم ينص على كيفية تحديده ولا معايير ذلك, كما هو الشأن في قانون تنظيم المهنة لسنة 1991, إلا أن المشرع تدارك الأمر في قانون تنظيم المهنة لسنو 2010 في مادته 37 التي نصت على "تحدد الجمعية العامة أو الهيئة المؤهلة المكلفة بالمداولات, أتعاب محافظ الحسابات في بداية مهنته... والتعويضات المنفقة في إطار مهمته

ولا يمكن احتساب الأتعاب في أي حال من الأحوال, على أساس النتائج المالية المحققة من الشركة أو الهيئة المعنية"

ويلاحظ أن المشرع استعمل مصطلح "أتعاب" ونراه وفق في هذا, فالأجر يقتضي علاقة تبعية بين المأجور ورب العمل, وهو ما لا يتوفر في مهمة محافظ الحسابات, باعتبار أن هذا الأخير يقدم خدمة مقابل الحصول على أتعاب.

ولم يضع المشرع الجزائري, جدولا كمرجع لأتعاب محافظ الحسابات على غرار المشرع الفرنسي, وهو في ذلك لا يختلف عن التشريعات العربية المقارنة, فما السبب؟ وهل ترك ذلك للحرية التامة بين الطرفين؟.

و نرى أن شركات المساهمة الرأسمالية لا زال وجودها محدودا في الاقتصاد الجزائري الأمر الذي لم يطرح تحديد أتعاب محافظ الحسابات كمسألة محل تنظيم, وترك ذلك لحرية الأطراف, خاصة وأن الجهة التي تحددها هي الجمعية العامة, ورغم ذلك نرى بضرورة وضع جدول مرجعي للاستئناس به على الأقل, على غرار بعض مهن المساعدة القضائية

لكن ما نراه ايجابيا هو إعطاء سلطة تحديد الأجر للجمعية العامة, هذا من جهة أو من جهة أخرى النص على أنه لا يمكن احتساب الأتعاب على أساس النتائج المالية المحققة من الشركة, ذلك أن محافظ الشركة ليس بشريك وبالتالي فأداء مهمته لا علاقة له بعائدات الشركة المالية, والقول بغير ذلك سيضعه في تبعية مالية, وهو ما قد يؤدي إلى عدم اتباع الحياد في رقابة الجانب المالي للشركة, وإظهار صورتها على غير الحقيقة للاستفادة من النتائج المالية الوهمية.

وعلى خلاف قانون 10-01 فإن قانون تنظيم أخلاقيات المهنة، الذي تضمنه المرسوم التنفيذي 96-136،  خول مسألة تحديد الأتعاب للجهاز القانوني المؤهل بالاتفاق مع محافظ الحسابات، وإن كان هذا الجهاز هو الجمعية العامة بالنسبة للشركات.

وفي حالة حدوث نزاع حول مبلغ مقابل الأتعاب المستحقة يجوز أن يطلب أطراف النزاع، بناءا على اتفاق مشترك بينهم، تحكيم مجلس النقابة، وفي حالة عدم حصول مصالحة ودية بينهم، يمكن رفع دعوى لدى الهيئات القضائية.

وفي الأخير نقول أنه, وفي تحديد أتعاب محافظ الحسابات, لابد من الموازنة بين أمرين: الأول هو حصول محافظ الحسابات على أجر كبير هو شرط ضروري لفعالية قيامه بمهمته, كما أن هذا يمكّن الشركة من استقطاب أشخاص مؤهلين يضمنون فعالية المراقبة, ومن جهة أخرى أنه لا يجب استعمال هذا الأجر لإضعاف استقلالية محافظ الحسابات.

   3- تبعية الخضوع:

لا يمكن لمحافظ الحسابات أن يجد نفسه تحت سلطة تبعية أو واجب الخضوع أمام أعضاء الجهاز الإداري, سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة, وقد نصت التشريعات المقارنة على عدة وضعيات يكون فيها محافظ الحسابات في تبعية فعلية أو معنوية يمكن أن تشكل وسيلة ضغط عليه, وقد نص المشرع الجزائري على العديد منها: لا يجوز أن يعين محافظا للحسابات القائمون بالإدارة وأعضاء مجلس المديرين أو مجلس المراقبة وأزواج القائمين بالإدارة وأعضاء مجلس المديرين أو مجلس المراقبة للشركات التي تملك عشر 10/1 رأس مال الشركة أو إذا كانت هذه الشركات نفسها تملك(10/1) رأسمال الشركات.

  • قبول مهام التنظيم في محاسبة المؤسسة أو الهيئة المراقبة أو الإشراف عليها

  • ممارسة مهنة مستشار جبائي أو مهمة خبير قضائي لدى شركة أو هيئة يراقب حساباتها

  • شغل منصب مأجور في الشركة أو الهيئة التي راقبها بعد أقل من ثلاث سنوات من انتهاء عهدته

كما يمنع محافظي الحسابات القيام بأعمال التسيير في الشركة التي يراقبونها, سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة, بالمساهمة أو بالإنابة عن المسيرين, وهو أمر منطقي فلا يعقل أن يراقب محافظ الحسابات الأعمال التي يقوم بها هو نفسه, فذلك يهدم مفهوم الرقابة.

وحرصا على أكبر قدر من الاستقلالية, وضمانا لها, فإن هناك من حالات التنافي ما هو مؤقت وذلك بالنسبة لمحافظي الحسابات الذين شغلوا بعض المراكز داخل إدارة الشركة التي يتولون مراقبتها, أو استفادوا منها ماليا, والهدف من هذا المنع يتمثل في ضمان الاستقلالية النفسية, من خلال وضعهم في منأى عن التأثير المباشر الذي قد يمارس عليهم من خلال شغلهم مناصب من قبل, أو وعدهم بشغل مناصب مستقبلا, ونذكر من هذه الحالات:

  • الأشخاص الذين كانوا قائمين بالإدارة أو أعضاء في مجلس المراقبة أو مجلس المديرين في أجل خمس سنوات, إبتداءا من تاريخ إنهاء وظائفهم

  • الأشخاص الذين منحتهم الشركة أجرة بحكم وظائف غير وظائف مندوب الحسابات في أجل خمس سنوات من تاريخ إنهاء مهامهم


  • شغل منصب مأجور في الشركة أو الهيئة التي راقبها بعد أقل من ثلاث سنوات من انتهاء عهدته

4- حالات أخرى:

من جديد قانون 10-01, فيما يخص حالات التنافي منعه محافظي الحسابات من ممارسة العُهَد الانتخابية والبرلمانية, وإن كان هذا المنع وارد في مهن المساعدة القضائية, إلا قانون 91-08 لم يكن قد نص عليه.

والحكمة من المنع هي أن مهمة التمثيل الانتخابي أو البرلماني يلزمها من التفرغ في الوقت ما يصعب معه ممارسة مهنة محافظ الحسابات, هذا من جهة, ومن جهة أخرى, فإن العُهد الانتخابية أو البرلمانية قد تضع محافظ الحسابات في مواضع تؤثر على استقلاليته وذلك بالتأثير عليه, فالتمثيل النيابي وظيفة قانونية وسياسية تتعارض مع مفهوم وغاية مهمة محافظ الحسابات.

وإذا كان المطلوب هو استقلال محافظ الحسابات عن أجهزة الإدارة, فإن استقلال محافظي الحسابات في نفس الشركة عن بعضهم هو مطلوب أيضا, وهو ما نصت عليه المادة 68 من القانون 10-01, ذلك أن خضوعهم لنفس السلطة قد يجعلهم يمارسون الرقابة بنفس النهج, وقد يتعمدون الوصول إلى نفس النتائج, وعليه كضمانة للشركة والمساهمين فلا يجوز أن يكونا خاضعين لنفس السلطة, فتعددهم ضمانة إضافية, فإن أخطأ أحدهم قد يصيب الآخر.

وفي الأخير نتساءل عن موقف محافظ الحسابات عند وقوعه في حالة من الحالات السابقة؟.

  1. محافظ الحسابات وحالات التنافي:

إن حالات التنافي قد تطال محافظ الحسابات عند تعيينه, كما قد تطاله أثناء ممارسته مهامه بعد أن عين تعيينا صحيحا, وعليه فإن محافظ الحسابات الذي يقع في حكم من أحكام التنافي يتوجب عليه التوقف فورا عن ممارسة مهامه, مع ضرورة تبليغ مجلس الإدارة بوقوعه تحت هذا الحكم, وقد ذكر المشرع الجزائري هذا الحكم في القانون التجاري لسنة 1975 في مادته 679, لكنه لم يتناوله في المرسوم التشريعي 93-08, كما لم يتناوله لا في قانون تنظيم المهنة لسنة 1991, ولا سنة 2010 فهل تعمد المشرع ذلك, أم كان مجرد سهو منه؟.

نرى أن المشرع قد سهى عن هذه المسألة, التي نعتبرها هامة كوسيلة لإلزام محافظ الحسابات وضمان تطبيق الأحكام السابقة, كما أنها الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تعلم بها الشركة وقوع محافظ الحسابات في الحالات السابقة.

وكضمانة لعدم وقوعه في حالات التنافي المنصوص عليها قانونا عند تعيينه، فقد اشترط المشرع الجزائري كوثيقة في دفتر شروط تعيينه، السابق ذكره، نموذج لتصريح شرفي لمحافظ الحسابات يصرح فيه بوجوده في وضعية استقلالية اتجاه الكيان (الشركة) طبقا للأحكام التشريعية، وهو ما يعرضه لجريمة التصريح الكاذب بالإضافة إلى مسؤوليات أخرى، إذا كان واقعا  في حالات التنافي.

من جهة أخرى فقد وضع المشرع محافظ الحسابات الذي يتجاهل هذه الأحكام تحت طائلة المسؤولية الجزائية, وذلك من خلال نص المادة 829 من القانون التجاري المعدل والمتمم والتي عاقبت بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر, بغرامة من 20000 دج إلى 200000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص يقبل عمدا أو يمارس أو يحتفظ بوظائف مندوبي الحسابات بالرغم من عدم الملائمات القانونية.

ولم يكتف المشرع الفرنسي بهذه الالتزامات, فمن أجل تحقيق الشفافية وتجنب الغموض في العلاقة بين محافظ الحسابات والشركة التي يراقبها, والتي يخفي وراءه وضعيات تبعية أو وضعيات تهدد فيها استقلالية محافظ الحسابات في أداء مهامه, وبقصد التطبيق الجيد لأحكام عدم الملائمة, فإن قانون التأمين المالي loi du sécurité financier لسنة 2003 ألزم محافظ الحسابات ومنذ تعيينه بإعلام الشخص المكلف بالمصادقة على حساباته كتابيا بانتمائه, وفي حالة وجود ذلك إلى مجموعة أو شبكة "réseau" لمحافظي الحسابات سواء كانت وطنية أو دولية, وأن المصادقة على الحسابات ليست النشاط الحصري لها, وأن بين أعضائها مصلحة اقتصادية مشتركة, كما يلزم محافظي الحسابات بإعلام الشخص المعنوي بالمجموع الإجمالي للأجور التي يتقاضاها من طرف هذه المجموعة بمناسبة الخدمات – التي لا تتعلق مباشرة بمهمة محافظ الحسابات – والتي تقدمها هذه المجموعة لشخص معنوي مراقب أو مراقب للشخص الأول, وذلك في حالة وقوع هذه الحالة .

ولأن الهدف من مهمة محافظ الحسابات هو ممارسة رقابة قوية وفعالة لمصلحة المساهمين في الشركة, فإن ضمان استقلاليته وحياده في هذه المهمة, لا يغني عن ضمانات فعالية دوره.

الفرع الثاني: ضمانات فعالية دور محافظ الحسابات

حتى يستطيع محافظ الحسابات إنجاز مهمته على الوجه الذي يتوخاه المشرع ويتمناه المساهمون يجب أن تتوافر له جميع الامكانيات اللازمة لمباشرة أعمال الرقابة دون عوائق, إلا أن ذلك غير كافي إذا لم يتمتع محافظ الحسابات بالكفاءة المهنية التي تؤهله للقيام بوظيفته وتحقيق أهدافه.


أولا: ضمانات الكفاءة

يتمثل الواجب الرئيسي لمحافظ الحسابات في التعامل مع إحداثيات ومعطيات مالية, وتعاملات فنية قانونية ومحاسبية للوصول للغاية المقصودة في ضمان مصلحة الشركة والمتعاملين معها

ولأن إعداد نظام محاسبي قوي, سواء من حيث أساليب وطرق المراجعة أو من حيث كفاءة المراقبين, لا يخدم فقط الشركات وإنما يخدم الاقتصاد الوطني للدول, ذلك أنه يساهم في حماية الادخار القومي, فإن مختلف التشريعات تشترط أن يكون محافظ الحسابات ذا كفاءة كافية لممارسة مهامه, هذه الكفاءة والقدرة التي تكون باتباع مبادئ وأسس في ممارسة المهنة, والتي تشرف عليها وتراقبها هيئات مهنية.

  1. التنظيم القانوني للمهنة في الجزائر:

في مجال المراجعة والعمل المحاسبي سنّت الجزائر عدّة نصوص قانونية, وذلك حسب توجهها الاقتصادي والاجتماعي, من الاقتصاد المغلق ذو الطبيعة الاشتراكية والتسيير المركزي إلى الانفتاح على العالم الخارجي وتبنّي اقتصاد السوق.

ومن هذه القوانين نجد القوانين المتعلقة بتنظيم مهنة المراجعة والعمل المحاسبي, فأصدر المشرع  الأمر 69/107 المؤرخ في 31 ديسمبر 1969 والمتعلق بقانون المالية 1970 في مادته 39, والذي بدأ به التنظيم الفعلي لمهنة المراجعة في المؤسسات العمومية الجزائرية, صدر بعدها المرسوم 70-173 المؤرخ في 16 نوفمبر 1970 ويتعلق بواجبات ومهام محافظ الحسابات للمؤسسات الوطنية والشبه عمومية, ثم الأمر رقم 71-82 المؤرخ في 29 ديسمبر 1971 المتضمن تنظيم مهنة المحاسب والخبير المحاسبي, والملاحظ على هذه النصوص أن مهنة محافظة الحسابات كانت تابعة وبشكل مباشر لوزارة المالية.

ولطبيعة الاقتصاد واحتكار الدولة للحياة الاقتصادية, كان تأخر وبطؤ في تطور مهنة مراجعة الحسابات, واستمر ذلك إلى غاية 1988 وهو تاريخ صدور القانون 88-01 المؤرخ في 12 جانفي المتعلق بالاستقلالية للمؤسسة العمومية, والتي أصبحت تخضع للقانون التجاري.

ومن أهم وأبرز النصوص التي ظهرت مجسدة بذلك التوجه الجديد للمشرع الجزائري, صدر قانون 91-08 والمتعلق بتنظيم مهنة الخبير المحاسب ومحافظ الحسابات والمحاسب المعتمد, والذي بيّن شروط وكيفيات ممارسة هذه المهن بكل استقلالية ونزاهة, كما نص على إنشاء منظمة وطنية للخبراء المحاسبين ومحافظي الحسابات والمحاسبين المعتمدين, والتي تجمع الأشخاص الطبيعيين والمعنويين المؤهلين لممارسة المهنة.

وفي 13 جانفي 1992 صدر مرسوم تنفيذي رقم 92-20 يحدد تشكيل مجلس النقابة الوطنية للخبراء المحاسبين ومحافظي الحسابات والمحاسبين المعتمدين, وتبعه المرسوم التنفيذي 96-136 والذي يتضمن أخلاقيات مهنة الخبير المحاسب ومحافظ الحسابات والمحاسب المعتمد, فحدد القواعد الأخلاقية للمهنة.

بعدها تم إنشاء مجلس وطني للمحاسبة (CNC) كهيئة استشارية لدى وزارة المالية, يهتم بشؤون البحث والتقييس في المجال المحاسبي وذلك من خلال المرسوم التنفيذي رقم 96-318 المؤرخ في 25 سبتمبر 1996.

وتعتبر الفترة من 1991 إلى 2009, محطة تاريخية هامة لتطور مهنة المراجعة والمحاسبة في الجزائر, حيث أصبحت المهنة حرة ومفتوحة لجميع من تتوفر فيهم شروط ممارستها دون الرجوع إلى وزارة المالية, وبذلك تكون المهنة قد حققت مكسبا ضخما والمتمثل في الاستقلالية والحياد.

وفي اطار الإصلاح المحاسبي الذي سعت إليه الجزائر, نتيجة انتقال الاقتصاد الجزائري من اقتصاد اشتراكي إلى اقتصاد السوق, وضغوطات الهيئات الدولية (صندوق النقد الدولي, البنك الدولي, المنظمة العالمية للتجارة) قصد الالتزام بمعايير المحاسبة الدولية, كذلك عدم ملائمة المخطط المحاسبي الوطني مع احتياجات الشركات الأجنبية القائمة بالجزائر, ضف إلى ذلك إفرازات العولمة التي تقتضي تغييرات جذرية في الميدان المحاسبي, وأخيرا محاولة جلب المستثمر الأجنبي من خلال تدويل الاجراءات والمعاملات المالية والمحاسبية لوقايته من مشاكل اختلاف النظم المحاسبية.

لأجل كل ما سبق, ولأنه لا يمكن إحداث إصلاح محاسبي دون أن يمس هذا الإصلاح المهنيين وقانون تنظيم المهنة, فقد صدر القانون رقم 10-01 المؤرخ في 29 جوان 2010 المتعلق بمهن الخبير المحاسب ومحافظ الحسابات والمحاسب المعتمد.

وقد منح هذا القانون صلاحيات أوسع للسلطات العمومية من خلال استعادة وزارة المالية صلاحيات تنظيم الوظيفة وممارسة الوصاية عليها, حيث حاول هذا القانون ادخال مراقبة النوعية المهنية والتقنية لعمل الخبراء المحاسبين والمحافظين المحاسبين والمحاسبين المعتمدين والتي تمارسها وزارة المالية, كما ينص على جملة من الشروط الواجب توفرها لممارسة المهن السابقة, على أن تتكفل الوزارة بتكوين هؤلاء الخبراء رفقة وزارة التكوين المهني.

وقد هدف هذا القانون أيضا إلى الجمع في تنظيم واحد للأصناف المهنية التي تختلف في مهامها ومصالحها.


ومن أهم ما جاء به هذا القانون إعادة تشكيل الهيئات المشرفة على مهنة المراجعة, فعلى مستوى المجلس الوطني للمحاسبة نص على إنشاء مجلس وطني للمحاسبة تحت سلطة الوزير المكلف بالمالية, كما حدد تشكيلته ومهامه ولجانه لاحقا.

كما تضمن القانون الجديد الفصل بين المهن الثلاثة بإنشاء ثلاثة مجالس وطنية لها علاقة مباشرة بالمجلس الوطني للمحاسبة والمتمثلة في: 

  • المصنف الوطني للخبراء المحاسبين l’ordre national des experts comptable

  • الغرفة الوطنية لمحافظي الحساباتla chambre national de CNC 

  • المنظمة الوطنية للمحاسبين المعتمدينl’organisation national des comptable Agrées

وفيما يخص محافظ الحسابات, فقد تناول القانون, مهامه, ومسؤولياته, وسلطاته.

  1. معايير ممارسة مهنة محافظ الحسابات:

تعتبر هذه المعايير بمثابة الموجه والمرشد بالنسبة لمحافظ الحسابات, وهي قواعد وأحكام يلتزم بها المهني لحسن أداء وظيفته ولضمان الكفاءة في هذا الأداء, ويمكن في هذا المجال أن نتكلم على:

  1. استقلال وحياد محافظ الحسابات:

لقد أخذت هذه المسألة حقها وتم الإشارة إليها مفصلة, ومفادها أن محافظ الحسابات لا يمكن إلا أن يكون مستقلا في أداء وظيفته, وتقتضي استقلاليته إبعاده عن كل أنواع الضغوط المادية منها والمعنوية, المباشرة وغير المباشرة, النفسية, المالية, وما تعلق منها بتبعة السلطة.

وقد تناول المشرع هذه المسألة وعالجها في العديد من النصوص سواء في القانون السابق 91-08 أو في القانون الحالي 10-01, وحتى في قانون تنظيم المهنة والقانون التجاري.

وإذا كان محافظ الحسابات في الجزائر مستقلا في أداء مهنته عن الشركة التي يراقبها, لكن هل هو مستقل نظاميا؟.

ما أخذ على قانون 10-01 وبالرغم من مزاياه, هو أنه جعل مهنة حرّة تابعة للسلطات العمومية (وزارة المالية), وهو أمر غير مقبول ويتنافى مع ما هو معمول به دوليا.

وقد عبر المهنين عن امتعاضهم ورفضهم لهذه التبعية, وعلية فعلى المشرع مراجعة ذلك.


  1. العناية المهنية اللازمة وجودتها:

إن محافظ الحسابات ملزم ببذل العناية المهنية اللازمة أثناء تأدية مهامه, حيث تتعلق العناية المهنية بما يقوم به المحافظ من أعمال وبمستوى دقة القيام بها, فتنص المادة 59 من القانون 10-01 على أن محافظ الحسابات يتحمل المسؤولية العامة عن العناية بمهمته, ويلتزم بتوفير الوسائل دون النتائج, وعليه فإن محافظ الحسابات ملزم ببذل العناية اللازمة تحت طائلة المسؤولية.

ومما جاء به قانون 10-01 هو إنشاء لجنة مراقبة الجودة على مستوى المجلس الوطني للمحاسبة والتي لها مهمة الرفع من جودة أداء المهنيين وتتولى المهام الآتية:

  • إعداد طرق العمل في مجال الخدمات.

  • إبداء الآراء واقتراح مشاريع النصوص التنظيمية في مجال النوعية.

  • ضمان جودة المراجعة الموكلة للمهنيين.

  • إعداد معايير تتضمن كيفية تنظيم المكاتب وتسييرها.

  • إعداد التدابير التي تسمح بضمان مراقبة جودة خدمات المكاتب.

  • ضمان متابعة مدى احترام قواعد الاستقلالية والأخلاقيات.

  • تنظيم ملتقيات حول النوعية التقنية للأشغال والأخلاقيات والتصرفات التي يجب على المهنيين التحلي بها في مجال الاستشارات والعلاقات مع الزبائن.

وأخيرا نقول أن المشرع الجزائري وحرصا منه على تطبيق النصوص التي جاء بها قانون 10-01 فقد نص على عدة نصوص تطبيقية هي:

  • مرسوم تنفيذي رقم 11-24 يحدد تشكيلة المجلس الوطني للمحاسبة وتنظيمه وقواعد سيره.

  • مرسوم تنفيذي رقم 11-25 يحدد تشكيلة المجلس الوطني للمصف الوطني للخبراء المحاسبين وصلاحياته وقواعد سيره.

  • مرسوم تنفيذي رقم 11-26 يحدد تشكيلة المجلس الوطني للغرفة الوطنية لمحافظي الحسابات وصلاحياته وقواعد سيره.

  • مرسوم تنفيذي رقم 11-27 يحدد تشكيلة المجلس الوطني للمنظمة الوطنية للمحاسبين المعتمدين وصلاحياته وقواعد سيره.

  • مرسوم تنفيذي رقم 11-28 يحدد تشكيلة اللجنة الخاصة المكلفة بتنظيم انتخابات المجالس الوطنية للمصف الوطني للخبراء المحاسبين والغرفة الوطنية لمحافظي الحسابات والمنظمة الوطنية للمحاسبين المعتمدين وصلاحياتها.

  • مرسوم تنفيذي رقم 11-29 يحدد رتبة ممثلي الوزير المكلف بالمالية لدى المجالس الوطنية للمصف الوطني للخبراء المحاسبين والغرفة الوطنية لمحافظي الحسابات والمنظمة الوطنية للمحاسبين المعتمدين وصلاحياتهم.

  • مرسوم تنفيذي رقم 11-30 يحدد شروط وكيفيات الاعتماد لممارسة مهنة خبير محاسب ومحافظ الحسابات والمحاسب المعتمد.

  • مرسوم تنفيذي رقم 11-31 يتعلق بالشروط والمعايير الخاصة بمكاتب الخبير المحاسب ومحافظ الحسابات والمحاسب المعتمد.

  • مرسوم تنفيذي رقم 11-32 يتعلق بتعيين محافظ الحسابات.

وهي نصوص تؤكد على الاهتمام بتنظيم المهن السابقة ومنها مهنة محافظ الحسابات, تنظيما يؤكد على ضرورة التمتع بالكفاءة كضمانة لفعالية دور محافظي الحسابات, لكن ذلك لا يتحقق إلا بإعطائهم سلطات كافية لتحقيق هذه الفعالية.

ثانيا- وظائف وسلطات محافظ الحسابات:

إن الاختصاص الأصيل, والوظيفة الأساسية لمحافظ الحسابات, هي مراقبة حسابات الشركة, وبالتالي الوضع المالي والمحاسبي للشركة, لكن وبالنظر لتطور الحياة الاقتصادية فإنه وبالإضافة لهذه الوظيفة التقليدية ظهرت وظائف أخرى لمحافظ الحسابات تتعلق في مجملها برقابة مدى انتظام الحياة القانونية للشركة.

وتشترك هذه الوظائف كلها في كونها تصب في مجرى واحد هو حماية مصلحة الشركة وتقوية وضعية المساهمين فيها بإمدادهم بكل ما يتعلق بالشركة, وهو ما يمكنهم من التصرف بعلم ودراية, لكن ولإتمام مهمته, فإن القوانين زودت محافظ الحسابات بسلطات ومزايا لا غنى له عنها.

I- وظائف محافظ الحسابات:

إن الوظيفة الكلاسيكية لمحافظ الحسابات هي رقابة حسابات الشركة, لكن وإلى جانب هذه الوظيفة فإنه هناك وظائف أخرى.

1-وظيفة مراقبة الحسابات:

هي الوظيفة التقليدية والأولى والأهم لدى محافظ الحسابات, يمارسها على نحو متصل, ويلتزم فيها بالمراجعة المستمرة والمتكررة لحسابات الشركة.

إن حسابات الشركة من ميزانية وجرد وجدول نتائج وغيرها من أهم المعايير التي تعتمد لتقييم نشاط الشركة وقدراتها, ليس من المساهمين فقط بل ومن الغير, ذلك أنها المظهر الخارجي والحقيقي لوضعية الشركة, لكن بشرط أن تكون هذه الحسابات معبرة بصدق عن الوضع الحقيقي للشركة, وهو ما تضمنه مهمة محافظ الحسابات.

  • إن إثبات ومصادقة محافظ الحسابات حول سلامة حسابات الشركة التي يراقبها وانتظامها, وصحة البيانات المالية الواردة في تقرير مجلس الإدارة, وصحة اجراءات الجرد السنوي وسلامة الميزانية, يضفي قدرا كبيرا من الوضوح والموضوعية على المعلومات والبيانات المقدمة إلى الجمعية العامة للمساهمين, التي تستطيع بذلك, وقد تحقق لها وضوح الرؤية أن تناقش عن علم, وأن تتخذ القرار المناسب بشأن اعتماد الحسابات والميزانية.


ومراقبة الحسابات على هذا النحو أداة فعالة لتحقيق التوازن بين مصلحتين قائمتين ومشروعيتين: حماية المساهمين الذين قد لا تؤهلهم ثقافتهم المالية والاقتصادية والقانونية لمباشرة الرقابة على حسابات الشركة ومراجعة دفاترها, وحماية مصلحة الشركة نفسها من جانب آخر, ذلك أن اجازت الرقابة المطلقة لكل مساهم ومع تعدد المساهمين من شأنها أن تعطل أعمال الإدارة وأن تفشي أسرار الشركة التجارية والمالية.

  • إضافة إلى ما سبق فإن رأي محافظ الحسابات في القوائم المالية والمركز المالي للشركة التي يراقب حساباتها, ودرجة السيولة والربحية لديها يضفي مزيدا من الثقة على المعلومات المالية التي تقدمها للغير المتعامل مع الشركة, والمستثمرين الذين يرغبون في شراء أسهمها أو الاكتتاب في السندات التي تصدرها, ذلك أن الغير لا يركن إلى الحسابات التي تعدها إدارة الشركة وحدها, لكن متى كانت هذه الحسابات قد حظيت برأي ايجابي من محافظ للحساب تتوافر فيه شروط الخبرة والحياد, فإن ذلك يكسبها قوة في إقناع ذوي الشأن,و يعطي للشركة ائتمان أكبر.

  • ويقصد بانتظام الحسابات هو أن النتائج التي تحتويها هذه الحسابات قد تم التوصل إليها باتباع القواعد المحاسبية اللازمة, والتي تنص عليها القوانين والتنظيمات, وذلك طبعا إذا كانت الشركة ملتزمة بمسك حسابات منتظمة ومنضبطة وواضحة. 

أما صحة الحسابات فيقصد بها مدى تطابقها مع الإمكانات والقدرات الحقيقية للشركة, النشاطات التي قامت بها خلال السنة المالية, فتكون خالية من كل غش أو تدليس أو إخفاء أو إبدال أو تضليل, قد يلجأ إليه مسيرو الشركة والقائمون بإدارتها لإنهاء تجاوزاتهم أو أخطائهم في التسيير.

  • هل الحسابات التي أعدها وقدمها مسيرو الشركة والقائمون بإدارتها تعبر بشكل صادق ووفيّ عن النشاطات والعمليات والنتائج التي حققتها الشركة خلال السنة المالية؟, هذا هو السؤال الذي يجب على محافظ الحسابات أن يجتهد للإجابة عليه وبكل دقة ووضوح, معتمدا في ذلك على خبرته وكفاءته والقواعد المهنية المعمول بها, وبكل استقلالية وحياد.

  • إن محافظ الحسابات هو مصدر رئيسي لتوفير المعلومات للمشاركين في رأس المال, وتجنيب الشركات المدخرة من الانهيار والفضائح والافلاسات الناتجة عن التضليل والإيهام وعدم صدق الحسابات, ويؤكد هذا الكلام الواقع العملي, فانهيار شركة "ENRON", كانت نتيجة التقارير المالية المضللة, والتي أخفت بواسطتها إدارة الشركة خسائر ضخمة, وكان نتيجة ذلك أن اصدرت الولايات المتحدة قانون ساربانيس أوكسليloi de Sarbanes Oxley , والذي يحظر على شركات المحاسبة تقديم كل من خدمات المراجعة والتدقيق, والاستشارات الإدارية.

  • لأجل كل ما سبق فإن كل التشريعات المقارنة, ألزمت محافظ الحسابات بالرقابة على صحة حسابات الشركة, باعتبارها الوظيفة الأساسية, وهو ما قام به المشرع الجزائري من خلال عدّة نصوص منها ما جاء في القانون التجاري المعدل والمتمم, فكلف محافظ الحسابات بمهمة وصفها بالدائمة, بالتحقيق في الدفاتر والأوراق المالية للشركة, وفي مراقبة انتظام حسابات الشركة وصحتها ... يصدقون على انتظام الجرد وحسابات الشركة والموازنة وصحة ذلك.

كما نص على مهمة محافظ الحسابات في مراقبة وفحص الحسابات, القانون 10-01 في مادته 23 فقرتها الأولى والثانية.

وفي حالة إعداد الشركة لحسابات مدعمة "comptes consolidés", فإن محافظ الحسابات يشهد أيضا على صحة وانتظام الحسابات المدعمة وصورتها الصحيحة, وذلك بناء على الوثائق المحاسبية وتقرير محافظي الحسابات لدى الفروع التابعة للشركة.

وإضافة لما سبق فقد ألزم قانون أخلاقيات المهنة محافظ الحسابات عند ممارسة مهامه المتعلقة بالتفتيش والرقابة الحسابية أن ينفذ الخدمات المطلوبة بعناية وأن يحترم الآجال المتفق عليها، وأن يتابع في مجال رقابة الحسابات كل التحريات الضرورية التي من شأنها أن تكوّن لديه رأيا معللا ومؤسسا.

و لا تحقق الرقابة على الحسابات أهدافها ، إلا إذا أعلم بها المساهمون و كل من يعنيه الأمر و هو ما يلحق بمحافظ الحسابات وظيفة أخرى.

2- وظيفة إعلامية:

باعتباره وكيلا عنهم ولو معنويا أو أخلاقيا, فإن محافظ الحسابات هو عين المساهمين داخل الشركة, ذلك أن مهامه تحقق لهم أكبر قدر من الشفافية والإفصاح, فهو  بالإضافة للمصادقة على المعلومات المقدمة لهم من الجهاز الإداري, فإنه يعتبر كذلك مصدرا آخر للإعلام داخل الشركة, ومما يجعل المعلومات التي يقدمها ذات أهمية هي أنها صدرت عن خبير مؤهل مستقل وحيادي, وله عدّة مسائل وعمليات تخضع لرقابته.

لكن لمن تقدم هذه المعلومات؟.

  1. الجهاز الإداري:

يطلع مندوب الحسابات مجلس الإدارة أو مجلس المديرين أو مجلس المراقبة, حسب الحالة, بعمليات المراقبة والتحقيق التي قام بها ومختلف عمليات السبر (Sandage) التي أداها, كذلك يعلمهم بمناصب الموازنة والوثائق الأخرى المتعلقة بالحسابات التي يرى ضرورة إدخال تغييرات عليها بتقديم كل الملاحظات الضرورية حول الطرق التقييمية المستعملة في إعداد هذه الوثائق, كذلك يتم إعلامهم بالمخالفات والأخطاء التي يكتشفها.

وقد ألزم المشرع الجزائري محافظ الحسابات بهذا الإعلام, وذلك عن طريق التعديل الذي جاء به المرسوم التشريعي 93-08, وحسنا فعل المشرع بهذا النص, ذلك أنه وتحقيقا لمصلحة الشركة فإن محافظ الحسابات ملزم في حالة اكتشافه أثناء تأدية مهامه أخطاء أو عدم انتظام في الوثائق المحاسبية للشركة, بإبلاغ الجهاز الإداري للشركة لاتخاذ ما يلزم من الاجراءات, وكذا لتفادي وصول الأمر للجمعية العامة التي قد تتخذ قرارات حاسمة نتيجة ذلك.

كما نصت المادة 23 من القانون 10-01 في فقرتها الخامسة, على أن يضطلع محافظ الحسابات بإعلام المسيرين والجمعية العامة بكل نقص قد يكتشفه أو اطلع عليه, ومن طبيعته أن يعرقل استمرار استغلال المؤسسة أو الهيئة.

ولا نخلط بين وظيفة الإعلام التي يقوم بها محافظ الحسابات اتجاه الجهاز الإداري وبين ما تقديمه لاستشارات محاسبية جبائية, وبالتالي الوقوع في حالة من حالات التنافي, فالكثير من الشركات تلجأ إلى محافظي حساباتها تسألهم الرأي والمشورة في المسائل المحاسبية والمالية, كطريقة إمساك الدفاتر أو تنظيم الرقابة الداخلية على حساباتها, أو المشاكل التي تعترض إدارة الحسابات, لكن هذه المشورة لا تكون من باب العمل الإضافي وإنما من باب التشاور.

  1. اتجاه المساهمين:

إن مهمة محافظ الحسابات تنص أساسا على حماية مصالح المساهمين, وذلك بالرقابة على حياة الشركة, وإعلام المساهمين نتائج هذه الرقابة حتى يكونوا على بيّنة من أمرهم ويقرروا ما يرونه مناسبا ويخدم مصلحتهم.

وتكون وسيلة محافظ المحاسبات في إعلام المساهمين التقارير التي يضعها تحت تصرف المساهمين والتي يبدي فيها رأيه حول العمليات الرقابية التي قام بها ونتائجها.

ولأن مهام محافظ الحسابات تنوعت واتسعت فإن هناك نوعين من التقارير:

ب-1- التقرير العام le rapport général

على محافظ الحسابات واجب تقديم تقريره العام السنوي إلى الجمعية العامة للمساهمين يتضمن ما بذله من جهد في فحص ومراجعة دفاتر الشركة وحساباتها وميزانيتها, وأن يضمن كذلك في تقريره موقف إدارة الشركة من تمكينه من الحصول على البيانات والايضاحات التي طلبها, وما يكون قد كشفه من مخالفات لأحكام هذا النوع من الشركات، أو أحكام نظام الشركة, ورأيه في مدى مطابقة حسابات الشركة للواقع.

والتقرير العام هو خلاصة عمل المحافظ خلال سنة مالية, وهو يمثل وجهة النظر الفنية من الناحية المحاسبية عن وضع الشركة المالي, وهو يجسد المهمة الأساسية التي من أجلها وجدت هيئة محافظة الحسابات, وأعطيت لها صلاحيات واسعة وكل ذلك توطئة لأن يكون تقريرها يعكس صورة صادقة وحقيقية للوضع المالي للشركة, والذي يكون قد أُعدّ بكل استقلالية فلا يتلقى محافظ الحسابات أي توجيهات أو تعليمات بشأن مضمون تقريره العام.

وإذا كان المشرع الجزائري لم ينص على مضمون التقرير العام, واكتفى بالتنظيم المحاسبي, فإن هذا التقرير يتضمن غالبا:

  • ما إذا حصل المحافظ على المعلومات والايضاحات التي يرى ضرورتها لأداء مأموريته على وجه مرض.

  • ما إذا كان من رأيه أن الشركة تمسك حسابات ثبت له انتظامها, وفي حالة وجود فروع للشركة, ما إذا اطلع على ملخصات وافية عن نشاط الفروع, وما إذا كانت الحسابات المدعمة صحيحة ومنتظمة.

  • ما إذا كانت الميزانية وحساب الأرباح والخسائر متفقة مع الحسابات والملخصات, وما إذا كانت تعبر عن الوضعية الحقيقية للشركة.

  • ما إذا كان الجرد قد أجري وفقا للأصول المرعية, مع بيان ما جدّ من تعديل على طريقة الجرد التي تم اتباعها في السنة الماضية.

  • ما إذا كان من رأيه في ضوء المعلومات والايضاحات التي قدمت له أن هذه الحسابات تتضمن كل ما نص القانون ونظام الشركة, على وجوب اثباته فيها, وما إذا كانت الميزانية تعبر وبشكل واضح عن المركز المالي الحقيقي للشركة, وما إذا كان حساب الأرباح والخسائر يعبر عن الوجه الصحيح عن أرباح الشركة أو خسائرها عن السنة المالية المنتهية.

  • ما إذا كانت البيانات الواردة في تقرير مجلس الإدارة المشار إليها في القانون متفقة مع ما هو وارد في دفاتر الشركة, والوثائق المرسلة للمساهمين, حيث ينبغي للجمعية العامة سماع تقرير محافظ الحسابات قبل إصدار قرارها بالتصديق على قرار مجلس الإدارة, وذلك تحت طائلة البطلان.


  • يشير إلى المخالفات والأخطاء التي اكتشفها مع تأثيرها بالأرقام على النتيجة.

  • بيان ما إذا كان محافظ الحسابات قد حصل على المعلومات والايضاحات التي يرى ضرورتها لأداء مهمته على وجه مرض, مع توضيح الظروف التي تمت فيها هذه المهمة, وما إذا كانت هذه الظروف تمكن من ممارسة رقابة سليمة وصحيحة.


  • ما إذا كان محافظ الحسابات قد أتم المهمة المسندة إليه بالمادة 715 مكرر 4 من القانون التجاري, وفي حالة تعيين الشركة لأكثر من محافظ حسابات فإنه يتعين على هؤلاء إعداد تقاريرهم القانونية بصفة مشتركة, حيث يعبرون فيها عن آرائهم حتى وإن كانت مختلفة.

وكنتيجة لمهمة المراقبة التي قام بها, فإن محافظ الحسابات يشير إلى النتيجة التي وصل إليها, وينقسم موقفه حسب ما وصل إليه إلى ثلاثة:  

  • إما يصادق على حسابات الشركة ويشهد على انتظامها, وأن محاسبتها تعبر وبصدق عن الوضعية المالية الحقيقية لها, وبعدم وجود مخالفات لأحكام القانون أو القانون الأساسي.

  • إما يصادق بتحفظ, فإذا لاحظ محافظ الحسابات أن بعض عناصر الميزانية لا تعبر بصورة صحيحة عن مضمونها, كالمبالغة مثلا في تقدير الاستهلاكات, أو أن بعض دفاتر الشركة غير منتظمة, أو أن بعض القيود غير واضحة في حساب الأرباح والخسائر, فعليه أن يضمن تقريره التحفظات المناسبة, ويجب أن يعبر بوضوح وبعبارات صريحة عن هذه التحفظات.

وعليه أن يذكر حتى تلك التحفظات والمخالفات التي نبّه مجلس الإدارة لها,  كما سبق تبيينه ويبقى رأي محافظ الحسابات ايجابيا بالنسبة للمواضيع الأخرى التي لم يشملها التحفظ.

  • إما يرفض المصادقة على حسابات الشركة متى اكتشف وجود مخالفات أو أخطاء جسيمة تفسد دلالة هذه الحسابات في مجملها فلا تعطي صورة صادقة للمركز المالي للشركة, كما يجوز أن يرفض إصدار هذه الشهادة إذا حالت إدارة الشركة بخطئها بينه وبين القيام بواجبات وظيفته, فلم تمكنه مثلا من الاطلاع على مستنداتها الحسابية أو تحقيق موجوداتها والتزاماتها.

ويلتزم محافظ الحسابات في هذه الحالة, بتوضيح الأسباب التي دفعته إلى رفض إصدار هذه الشهادة وذلك في تقريره المرفوع للجمعية العامة, وذلك تحت طائلة مسؤوليته.

وبالنظر لكثرة المسائل التي يراقبها, فإن مهمة الإعلام التي يقوم بها محافظ الحسابات لا تقتصر على التقرير العام.

ب-2- التقارير الخاصة:

بالنظر لتخصصه و كفاءته وحياده, ولأنه يمارس الرقابة الخارجية يكلف محافظو الحسابات وإضافة إلى ما سبق ذكره, بالرقابة على العديد من العمليات والتصرفات التي تقوم بها الشركة والجهاز الإداري بالتحديد, كما يراقب مدى توفر بعض الشروط التي فرضها القانون سواء على أعضاء الجهاز الإداري أو على التصرفات التي تقوم بها الشركة.

وللتأكد من صحة وسلامة هذه العمليات يلزم محافظ الحسابات بوضع تقارير خاصة, ومصدر التزامه هو القانون, فلا يحتاج إلى تكليف خاص من قبل الشركة لإجرائها وإنما هي جزء لا يتجزأ من مهمته الرقابية لدى الشركة

وعلى خلاف التقرير العام, فإن التقارير الخاصة يرفع بعضها للجمعية العامة العادية, والبعض الآخر للجمعية العامة غير العادية, وذلك حسب طبيعة موضوعها, كالآتي:

  • تقرير خاص حول الاتفاقات المنظمة المبرمة بين الشركة ومسيريها (وقد تم تناوله).

  • تقرير حول أسهم الضمان التي يجب حوزتها من طرف مسيري الشركة والقائمين بإدارتها وقد سبق الإشارة إلى هذا المسألة سابقا, حيث يسهر محافظو الحسابات وتحت مسؤوليتهم على امتلاك مجلس الإدارة للنسبة المحددة قانون من الأسهم والمتخصصة لضمان التسيير, ويبلغون عن كل مخالفة في تقريرهم المرفوع للجمعية العامة العادية.

  • تقرير  خاص حول أعلى خمسة أجور للقائمين بالإدارة, والتي تكون محل إعلام للمساهمين قبل انعقاد الجمعيات العامة العادية.

وإذا كانت هذه التقارير قد تم النص عليها في القانون التجاري, فإن نصا جديدا تضمنه القانون 10-01 الذي جاء في مادته 25 الجديدة بكل التقارير التي يعدّها محافظ الحسابات, فنصت وإضافة للتقارير السابقة على:

  • تقرير حول الامتيازات الخاصة الممنوحة للمستخدمين, لكن ما المقصود بالمستخدمين؟ هل هم القائمون بالإدارة أو المقصود بهم العمال؟ بالرجوع للنص الفرنسي نجده يستعمل مصطلح personnel, أي العمال والمستخدمين, وعليه فإن هؤلاء بدورهم يخضعون لرقابة المساهمين, وذلك عن طريق رقابة محافظ الحسابات, للنظر في مدى ملائمة هذه الامتيازات لوضعيتهم ووضعية الشركة.

  • تقرير خاص حول الرقابة الداخلية: والمقصود بها هنا الرقابة المحاسبية التي يجب أن تمسكها الشركة داخلها, والتي يجب أن تحرص بأن تكون سليمة وقادرة على استشعار المخالفات والأخطاء, ومتمكنة من القيام برقابة داخلية فعالة وقوية, وهي من أهم توصيات قواعد حوكمة الشركات.

  • تقرير خاص في حالة ملاحظة تهديد محتمل على استمرار الاستغلال, وهو ما يطلق عليه بإجراء الإنذار procédure d’alerte, والتي سنتناولها لاحقا.

والملاحظ أن كل هذه التقارير ترفع للجمعية العامة العادية, وأضافت المادة 25 السابقة, في فقرتها الأخيرة أن معايير التقارير وأشكال وآجال إرسالها إلى الجمعية العامة وإلى الأطراف المعنية تحدد عن طريق التنظيم.

أما عن التقارير الخاصة التي ترفع للجمعيات العامة غير العادية فتتكلم أساسا عن:

  • تقرير خاص بتحويل شركات المساهمة, وهو ما نص عليه المشرع الجزائري ويرفع هذا التقرير للجمعية العامة غير العادية, ويشهد محافظ الحسابات في تقريره أن رؤوس الأصول تساوي على الأقل رأس مال الشركة, وهو حكم جديد جاء به المشرع الجزائري بالمرسوم 93-08.

  • تقرير خاص بتخفيض رأس مال الشركة: يضمنه محافظ الحسابات أسباب التخفيض ومدى جديتها

  • تقرير خاص بزيادة رأس المال: يقدم محافظ الحسابات تقريرا حول عمليات الزيادة ومدى صحة المعلومات المحاسبية الخاصة بها والمقدمة من الجهاز الإداري, ويتدخل في حالة إلغاء الحق التفاضلي في الاكتتاب, فيضع تقريره حول هذه المسألة تحت طائلة بطلان المداولة, كذلك يتدخل محافظ الحسابات بتقرير خاص في حالة إصدار الأسهم الذي يتم باللجوء العلني للادخار دون حق التفاضل في الاكتتاب في الأسهم و الذي لا يمنح لصاحبها نفس حقوق الأسهم القديمة, فيحدد سعر الإصدار من الجمعية العامة غير العادية بناء على عدّة تقارير أهمها تقرير محافظ الحسابات.

والحكمة هذا أن هذا النوع من الإصدار من شأنه انخفاض قيمة الأسهم القديمة وفي هذا مساس بحقوق المساهمين القدامى,  وللتأكد من حتمية وجدية أسباب الإصدار على هذا النحو يتدخل محافظ الحسابات.

وفي الأخير نقول أن اتخاذ الجمعيات العامة قرارها في إحدى الحالات التي يتعين فيها تقديم تقرير خاص من محافظ الحسابات, دون مراعاة لهذا الإجراء, فإن قرارها في هذه الحالة يقع باطلا بنص مختلف القوانين والتشريعات

ج -محافظ الحسابات والالتزام بالإفصاح والشفافية (سوق المال):

إن من أهم القواعد والأحكام العالمية لتسيير الشركات وحمايتها والتي تتضمنها حوكمة الشركاتgouvernance d’entreprise, هي الشفافية والإفصاح داخل الشركات, لاسيما تسييرها وبالأخص حياتها المالية, التي غالبا ما تكون مجالا خصبا للغموض والتحايل.

وعليه, و باعتباره طرفا محايدا مستقلا ، فإن محافظ الحسابات الذي يمارس رقابة مالية خارجية ، هو ملزم  حسب هذه القواعد بالتحلي بالإفصاح والشفافية عند ممارسة وظيفته الإعلامية سواء اتجاه الجهاز الإداري وخاصة اتجاه المساهمين.

لكن يقع عليه كذلك التزام واضح بالإفصاح والشفافية اتجاه الهيئات المنظمة لهيئات سوق المال, والتي تمارس هي الأخرى رقابة خارجية  حمائية للشركات التي تكون أسهمها مسعرة في البورصة, ونتيجة لهذا يلتزم محافظ الحسابات بهذه القواعد حماية للشركة ومساهميها وتأدية لمهامه داخل الشركة.

  1. وظائف أخرى: حماية لمصلحة الشركة ومصلحة المساهمين وأطراف أخرى, وإضافة لما سبق, فإن لمحافظ الحسابات وظائف أخرى يمكن اعتبارها غير دائمة, أي مناسبتية, يمارسها عند تحقق شروطها:

  1. مهمة الإنذار والإشعار: procédure d’alerte

منذ قانون 1 مارس 1984 المتعلق بالوقاية من الصعوبات داخل الشركاتla prévention des difficultés des entreprise  في فرنسا ،فإن محافظ الحسابات ملزم بلفت انتباه مسيري الشركة في حالة وصول الشركة إلى حالة مقلقة, تستدعي التدخل فورا من الجهاز الإداري.

ومضمون مهمة الإخطار أو الانذار أن يكتشف محافظ الحسابات وأثناء ممارسة مهمة الرقابة الدائمة داخل الشركة, أفعالا من طبيعتها عرقلة استمرار الاستغلال, فيلزم وكخطوة أولى إبلاغ رئيس مجلس الإدارة أو مجلس المديرين بالأفعال التي اكتشفها, وفي حالة عدم الإجابة خلال 15 يوما, أو إذا كانت الإجابة لا تضمن استمرار الاستغلال, يطلب محافظ الحسابات من رئيس مجلس الإدارة أو رئيس مجلس المديرين باستدعاء مجلس الإدارة أو مجلس المراقبة لمداولة حول هذه الأفعال, ويدعى محافظ الحسابات لهذا الاجتماع.

يعلم محافظ الحسابات كل من لجنة المؤسسة comité d’entreprise ورئيس المحكمة التجارية بهذه الإجراءات.

في حالة عدم الاستجابة أو الاستجابة غير الكافية, يعدّ محافظ الحسابات تقريرا خاصا بالمسألة يعرض على الجمعية العامة للمساهمين التي يتم استدعاؤها.

وفي حالة عدم الاستجابة أو الاستجابة غير الكافية لإعادة الاستغلال, فهو ملزم بإعلام رئيس المحكمة التجارية،ويقوم محافظ الحسابات بالإجراءات السابقة تحت طائلة العقوبات والمسؤولية بكل أنواعها.

 وعن المشرع الجزائري فلم يكن ينص على هذا الاجراء الهام, والمحقق لمصلحة الشركة والمساهمين, إلا أن التعديل الذي جاء به المرسوم التشريعي 93-08 ولا سيما المادة 715 مكرر11 الجديدة قد نصت على هذه المهمة لمحافظ الحسابات, وبنفس الاجراءات السابقة, ما عدا ملاحظتين:

  • استعمل المشرع مصطلح "يجوز لمندوب الحسابات ..." وهو مصطلح لا يدل على الالزام, وهو نفسه في النص الفرنسي, وهو ما لا يتلاءم وطابع الالزام الذي يميز هذه الاجراءات التي و بالنظر لأهميتها البالغة كان لابد من عدم ترك القيام بها لإرادة محافظ الحسابات.

  • لم ينص المشرع الجزائري وفي حالة عدم الرد أو الرد غير الكافي من طرف الجمعية العامة على اللجوء للجهاز القضائي كما فعل المشرع الفرنسي, وبهذا فقد ترك الأمر للجهاز الإداري والجمعية العامة, وهو أمر لا نراه سويا خاصة, وكما سبق تفصيله, أن الجهاز الإداري هو المتحكم في الجمعيات العامة في الكثير من الأحيان.

  1. استدعاء الجمعيات العامة:

من أهم مهام محافظ الحسابات استدعاء الجمعيات, هذا الاستدعاء, وكما بينا, الذي يعود في أصله لأجهزة التسيير, إلا أنه وحفاظا على مصلحة الشركة والمساهمين, فإن لمحافظ الحسابات استدعاء الجمعية العامة بشرط توفر حالة الاستعجال, هذه الحالة التي تشترط وصول الشركة لحالة تستوجب اجتماع المساهمين الذين هم مصدر كل السلطات, وذلك لاتخاذ ما يلزم من اجراءات لتفادي الخطر المحدق بالشركة, مهما كان نوعه.

  1. مهمة التبليغ عن الأخطاء والمخالفات:

يكلف محافظو الحسابات, وتحت طائلة مسؤوليتهم الجزائية, بالتبليغ عن المخالفات والأفعال الجنحية التي اكتشفوها خلال ممارسة مهامهم, وذلك للجمعية العامة المقبلة, ولوكيل الجمهورية على التوالي, وهو حكم جديد بالنسبة للمشرع التجاري الجزائري, جاء به الرسوم التشريعي 93-08, مواكبا بذلك العديد من التشريعات منها الفرنسي

ويعاقب المشرع الجزائري جزائيا محافظ الحسابات الذي لم يكشف الوقائع الإجرامية التي اكتشفها لوكيل الجمهورية

وتعبر المهام والوظائف السابق ذكرها عن اتساع مجال نشاط محافظ الحسابات في شركات المساهمة, فأصبحت رقابة الحسابات جزء من مهامه التي تنص على الرقابة على قانونية حياة الشركة, لكن ولضمان حسن أداء مهامه وبالتالي الكفاءة في الأداء, فإن محافظ الحسابات يخضع لالتزامات مهنية لابد من اتباعها.

IIسلطات محافظ الحسابات:

إن من أهم ضمانات كفاءة محافظ الحسابات, السلطات التي يتمتع بها داخل الشركة, والتي بغيابها سيصعب عليه أداء وظائفه والوصول للنتيجة المرجوة, باعتبارها الآلية والوسيلة التي يحقق بها رقابته.

1- سلطات البحث و التحري :

إن مراقبة فعالة من طرف محافظي الحسابات لأعمال الإدارة والتسيير تتطلب تمكن المحافظ من الاطلاع على شؤون الشركة بما فيه الكفاية, وأن يتم الاعتراف له بسلطات واسعة للتحري ليس فقط بالشركة الأم وإنما بالنسبة للشركات التابعة, إذا تعلق الأمر بمجموعة شركات.

أما عن محل التحري والبحث والفحص, فإن محافظ الحسابات له أن يفحص ويطلع على جميع الوثائق والمستندات والدفاتر والسجلات والعقود و المراسلات ومحاضر الاجتماعات, وبصفة عامة  كل الوثائق التي يرى ضرورة الاطلاع عليها والمتعلقة بممارسة مهامه في الرقابة, خاصة منها المتعلقة بالحسابات وذلك طيلة أيام السنة, حسب ما نص عليه المشرع التجاري الجزائري

وأضاف قانون تنظيم المهنة بأن يقدم القائمون بالإدارة في الشركات كل ستة أشهر على الأقل كشفا محاسبيا لمحافظ الحسابات, يعد حسب مخطط الحصيلة والوثائق المحاسبية المنصوص عليها قانونا

2-الحق في الحصول على المعلومات :

يتعلق هذا الحق بسلطة البحث والتحري التي تهدف بدورها لإحاطة محافظ الحسابات بكل المعلومات التي يحتاجها لإتمام مهامه على أكمل وجه.

لكن وبالإضافة لما سبق فإن لمحافظ الحسابات أن يطلب كل التوضيحات والمعلومات وأن يقوم بكل التفتيشات التي يراها لازمة, ولم يكتف المشرع الجزائري بذلك بل ويمكن لمحافظ الحسابات أن يطلب من الأجهزة المؤهلة, الحصول في مقر الشركة على معلومات تتعلق بمؤسسات مرتبطة بها أو مؤسسات أخرى لها علاقة مساهمة معها.

ولضمان ممارسة سلطاته فقد عاقب المشرع الجزائري مسيري الشركة والقائمين بإدارتها في حالة عرقلة مهام محافظ الحسابات بعدم تمكينه من الوثائق والتوضيحات التي يطلبها, فسلط عقوبات جزائية على كل من رئيس الشركة والقائمون بإدارتها ومديريها العامين أو كل شخص في خدمة الشركة, يتعمد وضع عائق لمراجعة الحسابات أو المراقبات التي يقوم بها مندوب الحسابات, ففرض الحبس من سنة إلى خمس سنوات والغرامة من 20000 إلى 500000 دج أو إحدى هاتين العقوبتين.

وفي كل الحالات فإن محافظ الحسابات, وفي حالة عرقلة مهامه, فإنه يبلغ بذلك كتابيا هيئات التسيير قصد تطبيق أحكام القانون التجاري

ونشير أنه لا يجوز النص في القانون الأساسي للشركة على تغيير السلطات التي يخولها القانون لمحافظ الحسابات, لكن لا مانع من أن يقرر له اختصاصات أوسع, دون التدخل في التسيير

ونقول في نهاية كلامنا عن النظام القانوني لمحافظ الحسابات أنه وبالرغم من وجود نصوص تعترف وتبرز دور محافظي الحسابات, وتوفر المراقبة المالية والمحاسبية اللازمة للشركة, وتحفظ حقوق المساهمين, إلا أن دور محافظ الحسابات ومهما اجتهد واجتهدت معه النصوص, يبقى ناقصا, ما لم يتكاثف ويتعاون معه المساهمون وذلك باستخدام ما تتضمنه تقاريره من بيانات وايضاحات, فلا يمكن للمساهمين السلبيين, ومهما قدم لهم الاستفادة من مندوب الحسابات.

من جهة أخرى فإن مراقبة محافظ الحسابات هي رقابة تأتي بعد أن تتخذ القرارات من الجهاز المسير, لكن وبالرغم من هذا يبقى وجود محافظ الحسابات في الشركة من أكبر الضمانات التي نحمي بها مصلحتها ومصلحة المساهمين فيها, خاصة وأنه يمارس مهامه تحت طائلة المسؤولية.

المطلب الثاني: مسؤولية محافظ الحسابات

باعتباره من المهنيين المكلفين بمهمة تخضع لعدة قواعد وضوابط, فإن محافظي الحسابات هم تحت طائلة المسؤولية, في حالة الإخلاص بواجباتهم المهنية أو الخروج عنها, فيتعرضون للمسؤولية المدنية, الجزائية والتأديبية.

الفرع الأول : المسؤولية المدنية

من المقرر أن محافظي الحسابات مسؤولون مدنيا عن الأخطاء التي يرتكبونها أثناء تأدية مهامهم والتي تسبب أضرارا للشركة, فمحافظ الحسابات ملزم في مهمته بأن يبذل عناية الرجل المعتاد, فإذا أخطأ أو أهمل أو قصر في القيام بواجبه فهو مسؤول اتجاه الشركة والغير حسن النية والمساهمين بتعويض ما أصابهم من ضرر جراء تصرفاته.

لكن ما نوع المسؤولية هنا, هل هي عقدية أم تقصيرية؟.

تحديد نوع المسؤولية المدنية لمحافظ الحسابات يرتبط بالتكييف القانوني لعلاقته بالشركة, هل هو وكيل عن المساهمين؟ أم هو عضو بالشركة يكلف بمهام حددها القانون؟.

لقد كان ينظر, وكما سبق تفصيله, لمحافظ الحسابات على أنه وكيل عن المساهمين وعليه تتحدد مسؤوليته المدنية وفق قواعد المسؤولية العقدية أساسها إخلاله بعقد الوكالة الذي يربطه بالشركة وأساسا بالمساهمين الذين لهم إقامة دعوى المسؤولية عن الأخطاء والأفعال التي صدرت عنه.

إلا أنه وبتراجع هذا التكييف, ولأن مهمة محافظ الحسابات لم تعد تتعلق بالمساهمين فقط, وأنها منظمة بقواعد قانونية منها ما هو تجاري ومنها ما هو مهني, فإن هذا يحيلنا إلى قواعد المسؤولية التقصيرية.

وقد فقد التمييز بين نوع مسؤولية محافظ الحسابات المدنية هل هي عقدية أم تقصيرية أهميته فِقها, فكلاهما يقوم على خطأ واجب الاثبات, ذلك أن محافظ الحسابات ملزم ببذل عناية, كما أن واجباته قد حددها المشرع تحديدا آمرا.

أولا :شروط المسؤولية

عن شروط انعقاد المسؤولية المدنية لمحافظ الحسابات فإنها تقوم على وجود خطأ الذي يتطلب انحراف محافظ الحسابات عن السلوك الفني المألوف في القيام بمهمة الرقابة, والذي يعد خروجا عن الأصول المستقرة في المهنة, مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الخارجية التي أحاطت بت.

   واشتراط الحيطة والحذر في محافظ الحسابات والتزامه بقواعد المهنة لا يعني أن نتطلب فيهم قدرات خارقة في الفهم والاستيعاب واستخلاص النتائج, واكتشاف كل الأخطاء أو كافة المعلومات المغلوطة التي تتضمنها الوثائق المحاسبية, وإنما يسألون عن تلك الأخطاء الظاهرة, أو عدم الانتظام الواضح في الحسابات, فلا يمكن لمحافظ الحسابات أن يتحقق عن يقين بأن الميزانية مثلا تعبر عن الوضع الحقيقي للشركة, كونها تتكون من عناصر احتمالية, لكنه يمكن أن يتيقن من أنها أعدت بناء على حسابات صحيحة.

- كشرط آخر يجب تحقق ضرر للشركة من جراء خطأ محافظ الحسابات, وقد يكون ضررا ماديا أو أدبيا ويقع عبء إثبات الضرر على من يدعيه

- ولاكتمال قيام المسؤولية فلابد أن يكون الضرر اللاحق بالشركة أو بالغير ناتج عن الخطأ الذي قام به 


محافظ الحسابات, وتنتفي هذه العلاقة إذا ثبت أن الضرر كان لابد أن يقع حتى لو غاب خطأ محافظ الحسابات.

ومتى توفرت عناصر المسؤولية على النحو السابق, فلا يقبل من محافظ الحسابات أن يدفع بالغلط في القانون

أو بحسن نيته, أو بضيق الوقت, أو بقلة الأتعاب التي يحصل عليها, كما لا يجوز له أن يتذرع بعدم تعاون مديري الشركة معه وأنهم قد وضعوا عراقيل في طريقه حتى لا يمارس حقه في الاطلاع, ذلك أن القانون قد فصل ووجد حلا لهذه الحالة.

ولا تقتصر مسؤولية محافظ الحسابات على ما صدر منه وحده, بل يعتبر مسؤولا عن الإهمال و التقصير الصادر من مساعديه تطبيقا لقواعد مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه.

وبالرجوع للقانون الجزائري, فقد حمّل محافظ الحسابات المسؤولية المدنية في حال ارتكابه أخطاء أو تقصير أدى إلى إلحاق أضرار بالشركة, وذلك عبر عدّة نصوص, منها العام كما هو حال المادة 124 من القانون المدني الجزائري, ومها ما نص عليه القانون التجاري, الذي جعل محافظ الحسابات مسؤولا سواء اتجاه الشركة أو اتجاه الغير عن الأضرار الناجمة عن الأخطاء واللامبالاة التي يكون قد ارتكبها في ممارسة وظيفته.

ولا يكونون مسؤولين مدنيا عن أخطاء أجهزة التسيير, إلا إذا لم يكشفوا عنها في تقريرهم للجمعية العامة أو لوكيل الجمهورية رغم اطلاعهم عليهاوحسب قانون تنظيم المهنة, فإن محافظ الحسابات لا يتبرأ من مسؤوليته فيما يخص المخالفات التي لم يشترك فيها إلا إذا أثبت أنه قام بالمتطلبات العادية لوظيفته, وأطلع مجلس الإدارة, الجمعية العامة ووكيل الجمهورية بما اكتشفه.

وقد جاء هذا القانون بحكم جديد, فحماية لمحافظ الحسابات لاسيما عند حسن نيته, فقد ألزم محافظ الحسابات باكتتاب عقد تأمين لضمان مسؤوليه المدنية التي يتحملها أثناء تأدية مهامه, كما يضمن عقد التأمين للمكتتب من طرف الغرفة الوطنية لمحافظي الحسابات النتائج المالية للمسؤولية المدنية التي يتحملها محافظ الحسابات وغير المشمولة بعقد تأمين.

ثانيا:دعوى المسؤولية 

يكون محافظ الحسابات الذي يقع تحت طائلة المسؤولية المدنية خصما في أحد الدعويين أو كلاهما:

  1. دعوى الشركة: والتي تهدف إلى تعويض الضرر الذي يلحق بالشركة كشخص معنوي مستقل عن مجموع المساهمين فيه, وتباشر الشركة نفسها هذه الدعوى بقرار من الجمعية العامة للمساهمين, التي تعين من يقوم بمباشرة الدعوى باسمها, والذي عادة ما يكون مجلس الإدارة.

  2. الدعوى الفردية:والتي يمارسها كل من أصابه ضرر شخصي ترتب نتيجة لإخلال مراقب الحسابات بتنفيذ واجباته الوظيفية قبل الشركة, فيجوز للمساهم الذي لحقه ضرر شخصي مستقل عن الشركة من جراء خطأ محافظ الحسابات أن يطالبه بالتعويض عن هذا الضرر, كما يجوز لدائن الشركة مطالبة محافظ الحسابات بتعويض الأضرار التي نتجت عن أخطائه

وبالنظر لحجم المخالفة التي قام بها محافظ الحسابات فإنه يمكن متابعته جزائيا.

الفرع الثاني : المسؤولية الجزائية

بالنظر لحجم والمصالح التي تحتويها شركات المساهمة فإن أي خلل في إدارتها أو رقابتها يتعدى أثره دائرة المصالح الخاصة ليمس الأمن الاقتصادي والاجتماعي, وهو ما دفع المشرع بفرض جزاءات رادعة للمخالفات التي يرتكبها سواء القائمون بإدارتها أو حتى المتكلفين برقابتها وهم محافظو الحسابات.

وقد تناول المشرع الجزائري المسؤولية الجزائية لمحافظي الحسابات كما يلي:

  1. عاقب على الممارسة غير الشرعية لمهنة محافظ الحسابات بالحبس من 06 أشهر إلى سنة واحدة وهذا في حالة العود, وذلك في المادة 73 من القانون 10-01 المنظم للمهنة.

  2. عاقب على المنح عمدا أو الموافقة على البيانات غير الصحيحة التي وردت في التقارير المقدمة للجمعية العامة المدعوة للبث في إلغاء حق الأفضلية في الاكتتاب بالحبس من 06 أشهر إلى سنتين وبغرامة من 20000 إلى 500000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين, المادة 825 من القانون التجاري.

  3. عاقب على الممارسة العمدية وقبول الاحتفاظ بوظائف محافظ الحسابات بالرغم من عدم الملاءمة القانونية بالحبس من شهرين إلى 06 أشهر وبغرامة من 2000 إلى 200000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين, وذلك بنص المادة 829 من القانون التجاري.

  4. عاقب محافظ الحسابات الذي تعمد تقديم معلومات كاذبة أو تأكيدها, أو عدم الكشف عن الوقائع الاجرامية التي علم بها لوكيل الجمهورية بالحبس من سنة إلى 05 سنوات, وبغرامة من 20000 إلى 500000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين, وذلك بالمادة 830 من القانون التجاري.

  5. يعاقب محافظ الحسابات الذي لا يلتزم بالسر المهني بالحبس من شهرين إلى 06 أشهر وبغرامة من 500 إلى 5000 دج, بنص المادة 830 من القانون التجاري والمادة 301 من قانون العقوبات, ولا تنعقد المسؤولية الجزائية إلا لمحافظي الحسابات من الأشخاص الطبعيين, فإذا ارتكب الفعل المجرم شخص اعتباري كشركة مدنية لمحافظي الحسابات, فإن الدعوى الجزائية لا تتحرك إلا في مواجهة الشريك الشخص الطبيعي الذي قام بهذا الفعل, وهذا على خلاف المسؤوليتين المدنية والتأديبية.


الفرع الثالث: المسؤولية التأديبية

قد يعرض محافظ الحسابات باعتباره عضوا في هيئة مهنية لعقوبات تأديبية وفقا لأحكام المادة 63 من القانون 10-01 والتي بموجبها يتحمل المهني (الخبير المحاسب, محافظ الحسابات, المحاسب المعتمد) المسؤولية التأديبية او الانضباطية أمام اللجنة التأديبية للمجلس الوطني للمحاسبة حتى بعد استقالتهم من مهامهم عن كل مخالفة أو تقصير تقني أو أخلاقي في القواعد المهنية عند ممارسة وظائفهم, ومن بين ما يعتبر مخالفات أو تقصير نذكر:

  1. خرق القانون والقواعد المهنية.

  2. التقصير المهني الخطير او التهاون.

  1. السلوك غير الملائم والمتعارض مع نزاهة وأمانة وشرف المهنة, حتى وإن لم يتعلق بالمهنة.

أما العقوبات التأديبية التي يمكن أن تلحق بمحافظ الحسابات, حسب درجة خطورة الفعل المرتكب تصاعديا فهي:

  1. الإنذار

  2. التوبيخ

  1. التوقيف المؤقت لمدة أقصاها 6 ستة أشهر

  1. الشطب من الجدول

ويبقى لمحافظ الحسابات حق الطعن في العقوبة التي تسلط عليه أمام الجهات القضائية المختصة طبقا للإجراءات القانونية المعمول بها.

وإذا كان المشرع قد فرض على محافظ الحسابات العقوبات السابقة فبالنظر لأهمية وخطورة واتساع المهمة التي كلف بها, وهي الرقابة على قانونية حياة الشركة ونشاطها, واكتشاف والتنبيه لكل ما يمس مصلحة الشركة ومصلحة الشركاء, وهي رقابة خارجية يشترك فيها مع هيئات أخرى تمارس هي الأخرى رقابة خارجية بغية تنظيم والرقابة على الشركات لكن المدخرة منها في سوق المال.

 

ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...

لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى النقر هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق