الأحد، 12 نوفمبر 2023

الركن المادي للجريمة

 

الركن المادي للجريمة

لا تقوم الجريمة بشكل قانوني صحيح إلا إذا توفرت أركانها الثلاثة  المعروفة ،ويعد الركن المادي من الأركان الرئيسة وعليه ستتم دراسته كما يلي :

أولاًّ: تعريف الركن المادي

كما هو معلوم فإن قانون العقوبات لا يعاقب على النوايا الداخلية للإنسان مهما كانت هيئة ما لم تخرج إلى الواقع المادي الملموس فلابد إذا من نشاط مادي ظاهر حتى يمكن العقاب عليه، وهذا هو لما يشكل الركن المادي للجريمة، إذا عرف هذا الأخير بأنّه " الفعل والامتناع الذي بواسطته تكشف الجريمة ويكتمل جسمها" كما عرف بأنّه " المظهر الخارجي لنشاط الجاني والذي يمثل في السلوك الإجرامي الذي يجعله القانون مناطا ومحلا للعقاب...." كما عرف آخر"كل العناصر الواقعية التي يتطلبها النص الجنائي لقيام الجريمة فهو كل ما يدخل في النموذج التشريعي للجريمة وتكون له طبيعة مادية ملموسة"وتبدو أهمية الركن المادي كبيرة في الجريمة لأن القانون لا يمكنه العقاب على مجرد النوايا أو التفكير في الجريمة والنزاعات النفهية لوحدها بل لا بد للعقاب عليها أن تترجم إلى نشاط مادي ملموس يظهر للعيان.

ثانيا : عناصر الركن المادي

يتكون الركن المادي للجريمة من ثلاث عناصر مرورية لقيامه ، وهي على النحو التالي: السلوك الإجرامي، النتيجة الإجرامية ،علاقة السببية بين السلوك الإجرامي والنتيجة.

وسنتناول بالدراسة كل عنصر من هذه العناصر كما يلي:

1 - السلوك الإجرامي: يقصد بالسلوك الإجرامي السلوك المادي الصادر عن الإنسان والذي يتعارض مع القانون فهو فعل صادر عن إنسان إذ لا جريمة دون فعل ،والفعل يتضمن الفعل الإيجابي كما يتضمن الفعل السلبي (الامتناع(  كما يجب أن يصدر هذا السلوك عن إرادة الإنسان المدركة.

أ- الفعل الإيجابي: يقصد بالفعل الإيجابي كل حركة عضوية يقوم بها الإنسان أو تصدر عنه وهو في كامل

قواه المدركة فإذا صدرت هذه الحركة العضوية بالشكل المبين ومتعارضة مع ما يقرره القانون تكون قد شكل الصورة المادية للفعل الإجرامي في شكله الإيجابي، كما انه يجب استبعاد الحركة العضوية غير الإدارية من دائرة السلوك الإجرامي فلا جريمة على الفعل إذا كان غير إرادياً، كأن يضغط شخص على مراكز تجمع الأعصاب في ساق ثان فتصيب شخصا آخراً من يصاب بإغماء فيسقط على طفل صغير فيؤذيه فلا جريمة عليه.

ب- الفعل السلبي: يقوم الفعل السلبي على إحجام الشخص على الإتيان بفعل أمر به القانون ، فالشخص هنا يقوم باتخاذ موقع سلبي تجاه القاعدة القانونية التي توجب عليه العمل، كالقاضي الذي تمنع عن الفصل في الدعوى ،أو الأم التي تمتنع عن إرضاع طفلها ،أو الشاهد الذي يمتنع عن الإدلاء بشهادته وبالتالي فإن الفعل السلبي هو فعل إرادي مثله الفعل الإيجابي الذي يرتب المسؤولية الجنائية على صاحبه.

والأصل أنّ السلوك الإجرامي بصورتيه لا يتأثر بالوهيلة المستعملة فيه، فمن يقوم بجريمة قتل يستوي فيه أن يستعمل وهيلة السلاح الناري أو السلاح الأبيض كالعصا وغيرها. إلا أن القانون قد يعتد بالوهيلة في بعض الحالات فيجعل منها ظرفاًّ مشددّاً للعقوبة ومن ذلك استعمال السم في جريمة القتل .والسرقات التي تتم عن طريق تسور الجدران أو كسر الأقفال وغيرها.

كما لا يهتم المشرع عادة بمكان وقوع الجريمة فيستوي أن يرتكب الجاني السلوك الإجرامي في مكان دون آخر. غير انه قد يعتد به في بعض الجرائم فيجعله ركنا في الجريمة أو يرتبه كظرف،مشدّداً لها.

وقد يعتد أيضا المشرع بوقت ارتكاب الجريمة أو السلوك الإجرامي فهناك جرائم لا تقوم إلا في زمن معين كوقت الحرب وارتكاب السرقة ليلا....إلخ،.

2  النتيجة الإجرامية: تعتبر النتيجة العنصر الثاني في الركن المادي في الجريمة فهي الأثر المادي الخارجي الذي ترتبه الجريمة. وقد اختلف الفقه حول مفهوم النتيجة إلى رأيين أحدهما يقول بالمفهوم المادي للنتيجة والثاني بالمفهوم القانوني لها.

أ المفهوم المادي للنتيجة: يقصد بها كل تغيير يرتبه السلوك الإجرامي في الوسط الخارجي فنتيجة القتل وفاة الشخص ونتيجة السرقة نقل الملكية ونتيجة الضرب الإصابة في جسم الإنسان بعد أن كان سليماً.

وأخذا بهذا المعيار قسم الفقهاء الجرائم إلى نوعين: جرائم مادية ذات نتيجة كجريمة القتل والسرقة والضرب... وجرائم شكلية أو ما يسمى )جرائم السلوك المحض(. التي لا تتطلب توافر النتيجة من ذلك ترك الأطفال، شهادة الزور...إل.خ

ب المفهوم القانوني للنتيجة: يبرز مفهوم النتيجة في هذا العنصر في الاعتداء على المصلحة أو الحق الذي يحميه القانون أو التهديد بالاعتداء عليه. فنتيجة القتل هي الاعتداء على حق الحياة فنتيجة الضرب والجرح هي الاعتداء على سلامة الجسم . ويؤدي الأخد هدا المفهوم أن لكل جريمة نتيجة حتى تلك الجرائم التي يطلق عليها جرائم السلوك المحض لأنها لا تخلوا من خطر يهدد المصلحة المحمية من الناحية القانونية.

وبناءً على ذلك قسم الفقه الجرائم حسب هذا المفهوم إلى نوعين: جرائم ضرر وجرائم خطر، فالأولى التي يتحقق فيها العدوان على المصلحة المحمية قانوناً والثانية فيقصد بها الأفعال التي جرمها المشرع وحتى وإن لم تصل إلى الاعتداء على الحق  المحمي ومن ذلك الشروع في الجريمة.

وبالرغم ما سبق فإنه يتضح العلاقة الموجودة بين المفهومين للنتيجة فالمفهوم القانوني للنتيجة ما هو إلاّ تكييف قانوني للنتيجة بم هومها المادي .

وقد اعتد المشرع الجزائري في الكثير من نصوصه بالمفهوم المادي للنتيجة ولا أدل على ذلك من تعريفه لجريمة القتل وفي جرائم العنف.

 3 علاقة السببية:لكي يأخد الركن المادي صورته النهائية لابد من تحقق رابطة السببية بين  السلوك الإجرامي وبين النتيجة حتى يمكن القول أن هذا الفعل هو الذي أحدث هذه النتيجة فعلاقة السببية إذا هي صلة تربط الفعل بالنتيجة. إذ يمكن إسناد النتيجة إلى فع الجاني. وعلاقة السببية هي ظاهرة مادية لأنها تربط بين الفعل والسلوك المادي وبين النتيجة وهي كذلك ظاهرة مادية..

مشكلة علاقة السببية: لا يثور أي  أشكال أو صعوبة عندما يتضح أن الفعل الإجرامي الذي أتاه الجاني هو ال أحدث النتيجة الجرمية فهنا علاقة السببية واضحة فمن يطلق النار على آخر ليقتله فلا شك أنّ فعل الإطلاق هذا سبب الوفاة كنتيجة لذلك فعلاقة السببية قائمة ولا شك  ن الفاعل يتحمل المسؤولية الجنائية.

لكن المشكلة تدور عندما تتداخل عوامل أخرى إلى جانب فعل الجاني وتساهم معه في إحداث النتيجة فهنا يصعب تحديد صلة السببية وبالتالي مسؤولية الفاعل و هذه العوامل قد تكون سابقة لفعل الجاني أو معاصرة أو لاصقة له. وبما أ ن هذه العوامل تختلف حدتها قوة و ضعفا، الظاهر منها والخفي والمألوف والشاذ. فقد برزت على مستوى الفقه الجنائي عدة نظريات حاولت توضيح مشكلة علاقة السببية وذلك على النحو التالي:

أ ولاً: نظرية السبب الأقوى: يرى أصحاب هذه النظرية أنه إذا تعددت العوامل في إحداث النتيجة الجرمية فإنه لابد أنّ يكون معها سبب أساهي وقوي، والذي يحدد النتيجة والعوامل الأخرى ما هي إلا عوامل مساعدة فقط هيئت الظروف لذلك، فإذا كان فعل الجاني هو السبب الأقوى في إحداث النتيجة قام صلة السببية بين فعله والنتيجة ،أماّ إذا كان فعل الجاني ما هو إلاّ فعل مساعدة فلا يترتب عليه إذا المسؤولية الجنائية. وقد تعرضت هذه النظرية لحملة انتقاذات نوردها كالآتي:

· تضعف من مركز الضحية وتراعي أكثر مصالح المتهم على حسابه.

· تؤدي إلى إفلات المتهم من المسؤولية لو تداخلت مع فعله عوامل أجنبية ولو كانت تافهة.

· صعوبة بحث السبب الأقوى من الأسباب الأخرى.

· إهدارها لنظرية المساهمة الجنائية )فعل الشريك لا يعد فعلاً قوياً(.

ثانياً: نظرية تعادل الأسباب: يرى أصحاب النظرية أنّ جميع الأفعال متساوية في إحداث النتيجة مهما كان مقدار مساهمتها في ذلك ولو كان تافهة إذا أنها لا تفرق بين سبب قوي وآخر غير قوي ما دام أنها شاركت كلها في إحداث النتيجة الإجرامية.

فمن ضرب وجرح ثم أهمل في علاج جسمه أو إهمال الطبيب المعالج في ذلك، فإن الشخص الذي ضرب  أول مرة يسأل عن النتيجة الجرمية بالرغم من تداخل العوامل الأخرى في حدوثها.

ودليل هذا الرأي ترتكز على القول أن العوامل اللاحقة أو المعاصرة ما كان لتحدث لو لا فعل الجاني ومن ثم فإن فعله هو السبب في حدوث النتيجة أ ما في حال توا فر عوامل شاذة مع فعل الجاني في إحداث النتيجة فهنا نفرق بين حالتين:

الحالة 1 إذا أحدثت النتيجة بفعل العوامل الشاذة وفعل الجاني ولو بقدر ضئيل من هذا الأخير إذا بقي ضمن العوامل المساعدة على إحداث النتيجة فإن صلة السببية لا تنقطع بهذا الشكل .

الحالة 2 إما إذا كانت النتيجة ستحدث حتماًّ بفعل العوامل الشاذة حتى يتخلف فعل الجاني، فإن علاقة السببية هنا تنقطع.و قد انتقدت هذه النظرية كالآتي:-

· تبدأ بتساوي جميع الأسباب ثم تنتهي بتحميل كل النتائج لفعل الجنائي.

· تسوي بين الأسباب المختلفة)القوي والضعيف منها( مجافاة لروح العدالة.

· تحميل المسؤولية للجاني بالرغم من تداخل عوامل غير مألوفة.

ثالثا: نظرية السبب الملائم: يرى أصحاب هذه النظرية أنّه إذا كان بمقتضى السير العادي للإحداث أن فعل الجاني يمكن أن يؤدي إلى النتيجة فهنا تقوم صلة السببية بين فعل الجاني والنتيجة ولو تداخلت عوامل جديدة ولكنها كانت عوامل مألوفة مع فعل الجاني فإن صلة السببية تقوم أيضاً فالنتيجة تنسب إلى الجاني إذا كان فعله ملائما لأحداثها ضمن الظروف، والعوامل التي أحاطت بالفعل .و التحقق من توافر صلة السببية بفعل الجاني في هذه النظرية ،نتسائل إذا كان فعل الجاني بجانب العوامل العادية  يمكن أن يؤدي إلى النتيجة؟ فإذا كان كذلك فإن علاقة السببية لا تنقطع.

إذا تداخلت عوامل غير مألوفة شاذة بجانب فعل الجاني فإنّ صلة السببية تنقطع هنا والجاني هنا يتحمل نتائج فعله مع العوامل المألوفة دون العوامل الشاذة الأخرى.

وتعد عوامل مألوفة تلك العوامل التي كان بإمكان الجاني أن يعلم بها أو يستطيع ذلك أو يتوقع حدوثها بعد ارتكاب الفعل المجرم أمّا العوامل الشاذة فهي العوامل المفاجئة التي لا يمكن الفعل بها أو توقع حدوثها.

وقد وجهت الانتقادات الآتية لهذه النظرية: حيث يرى معظم الفقه أن هذه النظرية معقولة ومنطقية تتوسط النظيرتين السابقتين، إلا أنها لا تأخد بمساواة جميع الأسباب في حدوث النتيجة ولاتستنفد جميع الأسباب لكنها نظرية معتدلة تنحصر علاقة السببية في مجال معقول ومنطق ينسجم مع قواعد العدالة.

ومع ذلك فقد انتقدت من النظرية وعلى أسس أنها تحكمية إذ تستعبد بعض العوامل بدون مبرر وهي ساهمت في إحداث النتيجة . وبالرغم من هذه الانتقادات تبقى هذه النظرية  هي المعقولة والأولى

بالإتباع نظراً للمواصفات التي المذكورة سابقا.

 

ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...

لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى النقر هنا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق