الأحد، 12 نوفمبر 2023

إستبعاد تطبيق القانون الأجنبي - الغش نحو القانون

 

إستبعاد تطبيق القانون الأجنبي - الغش نحو القانون

إن حجر الأساس في تنازع القوانين هو وجود علاقة مشوبة بعنصر أجنبي، فإنه من المتصور أن يعرض نزاع مشوب بعنصر أجنبي على القضاء مما يثير إشكالية القانون واجب التطبيق على النزاع، وهنا يتبين دور قواعد الإسناد في تكييف المسألة و تسنيدها وصولاً للقانون واجب التطبيق على موضوع النزاع، ولما كان الأمر كذلك فإنه من المتصور أن يقوم أحد أو كل أطراف علاقة قانونية ما مشوبة بعنصر أجنبي بغش نحو قاعدة الإسناد التي ينص عليها قانون إحدى الدول التي قد يعرض النزاع حول هذه العلاقة – إذا ما ثار- على إحدى محاكمها بنيّة التهرب من تطبيق أحكام قانون ما، أو بغية تطبيق قانون معين عن طريق التحايل الذي قام به على ضابط الإسناد.

إن الغش نحو القانون كسبب لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي – كغيره من موضوعات تنازع القوانين – يكاد يكون نادر التطبيق في واقعنا المحلي، لكنه موضوع قديم حديث غير مشبع بالبحث على الصعيد العربي خصوصاً.

رأت فكرة “الغش نحو القانون كسبب لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي” النور عام 1876 عندما عرضت “قضية الأميرة دوبوفرمون” على القضاء الفرنسي، و تتلخص وقائع هذه القضية المشهورة في أن أميرة بلجيكية الأصل تزوجت بالأمير الفرنسي “دوبوفرمون” و استقرت معه في فرنسا و اكتسبت الجنسية الفرنسية، و على إثر خلاف نشب بينهما حاولت الأميرة الفرنسية بلجيكية الأصل الحصول على الطلاق، وحيث أن القانون الفرنسي آنذاك كان يمنع الطلاق فقد لجأت الأميرة إلى التجنس بجنسية إحدى الدويلات الألمانية (Saxe-Altembourg) التي يجيز قانونها الطلاق، و تمكنت بعد ذلك من الطلاق من زوجها الأول الأمير دوبوفرمون و تزوجت بأمير روماني يدعى (بيبسكو) في برلين ومن ثم استقرت معه في فرنسا، وعندها قرر الأمير الفرنسي –زوجها الأول- إقامة دعوى يطالب فيها بإعلان بطلان الزواج الثاني لكون الطلاق لا يعتبر صحيحاً، لأنه تم بعد تغيير الجنسية، وفعلا تم إقامة الدعوى بمراحلها إلى أن وصلت محكمة النقض الفرنسية التي قررت

في قرارها الصادر بتاريخ 18/03/1878 عدم الاعتراف بالتطليق الذي تم بالخارج و إعلان بطلان الزواج الثاني على أساس أن الطلاق لم يتم إلا بعد تغيير الزوجة لجنسيتها، و هو ما يشكل غشاً نحو القانون. ومنذ ذلك التاريخ و إلى يومنا هذا لا تزال الفكرة قيد الدراسة و التطوير و الشرح و التفسير.

و منذ عرضت تلك الدعوى الشهيرة على القضاء في فرنسا، استقر القضاء الفرنسي على الأخذ بفكرة الغش نحو القانون الدولي الخاص كسبب لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي، و قد أفسح لهذه النظرية مجالاً للتطبيق لم تحظ به في أغلب الدول و الأنظمة القانونية حول العالم، وقد كان الأبرز في معالجة هذه المسألة والاجتهاد فيها وضبطها، مما أثر في الدراسات التي تتناول هذا الموضوع، فلم تعرف أغلب الأنظمة الانجلوسكسونية هذا المبدأ من مبادىء القانون الدولي الخاص، ولذا كانت أبرز المراجع التي تتحدث عن هذا الموضوع مراجع فرنسية أو متأثرة بالمدرسة القانونية الفرنسية.

وقد أخذ القضاء في دول مثل بلجيكا و إيطاليا بهذه النظرية مع تضييق نطاق تطبيقها بينما كان تطبيقها في دول أخرى كألمانيا نادرا جدا، أما في البلاد الانجلوسكسونية فإن الفقه لم يهتم بها إطلاقا و من النادر أن نجد تطبيقها لها في القضاء، كما أن بعض الدول مثل سويسرا عالجت هذه المشكلة بنصوص تشريعية في حالات محددة دون أن تضع لها قاعدة عامة. أما في الجزائر فقد تبنى المشرع الجزائري هذه النظرية بموجب نص المادة 24/1 من القانون المدني:” لا يجوز تطبيق القانون الأجنبي…..أو ثبت له الاختصاص بواسطة الغش نحو القانون…”



أولا- تعريف الغش نحو القانون:

تناول الفقه تعريف الغش نحو القانون فعرفه البعض على أنه :" قيام الفرد بإرادته بتغيير ظرف الإسناد قاصداً تطبيق قانون هو غير القانون المختص أصلاً بحكم النزاع". كما عرفه الفقيه الأمريكي مارتن ولف على أنه: "هو قيام الأطراف – في علاقة قانونية – الذين يرغبون بإحداث آثار قانونية معينة محظورة في القانون الذي يخضعون له بخلق تغيير بطريقة اصطناعية وغير طبيعية يؤدي إلى تغيير ضابط الإسناد في العلاقة".

كما عرفه البعض على أنه ” ذلك الدفع الذي يتمسك به في مواجهة الأشخاص لاستبعاد القانون الأجنبي الذي عمدوا إلى إخضاع تصرفاتهم إليه بخلقهم ظروفا خاصة تسمح بإسنادها إليه بدلا من القانون الوطني الواجب التطبيق أصلا و العمل بأحكام هذا القانون في النهاية”.

 و عليه يمكن تعريف الغش نحو القانون على أنه "التحايل الذي يقع من أحد الأطراف في علاقة مشوبة بعنصر أجنبي تجاه ضابط الإسناد بتغيير ظرف الإسناد بنية التهرب من تطبيق أحكام قاعدة الإسناد الوطنية".

وبالمثال يتضح المقال؛ لذا سأعرض أمثلة يستوضح من خلالها فكرة الغش نحو القانون، ومنها :         1. قيام شخص أمريكي الجنسية يبلغ من العمر 19 عاماً بإبرام عقد في أمريكا مع جزائري يقيم في أمريكا بحيث يرتب العقد آثاراً في الجزائر بغية التذرع بنقص الأهلية وفقاً للقانون الأمريكي الذي يحدد سن الرشد بسن 21 عاماً بغية تطبيق نص المادة 10 من القانون المدني الجزائري واعتبار العقد مشوب بعيب من عيوب الإرادة بغية التحلل من هذا الالتزام.

2. الزواج بين ابناء العم من الدرجة الأولى محظور وفقاً للقانون الأسباني، واللذان يريدان الزواج هما ابناء عم اسبانيين فيقومون بعقد الزواج في دولة كالجزائر، وتكون قاعدة الإسناد الإسبانية هي التي تحدد القانون الواجب التطبيق على الزواج على أنها قانون مكان إبرام الزواج مثلاً، فيكون هذا الزواج خاضعاً للقانون الجزائري بسبب تغيير الأطراف لظروف تؤدي إلى تغيير ضابط الإسناد.

3. زوجان نمساويان يعتنقان المذهب الكاثوليكي يرغبان بالطلاق المدني وإنهاء رابطة الزوجية، لكن قانونهما وهو القانون النمساوي لا يجيز لهما الطلاق فيلجئان لتغيير موطنهما أو جنسيتهما فينتقلا الى هنغاريا التي يبيح قانونها الطلاق، فيستفيدان من القانون الهنغاري من خلال تحايلهم وتغيير ضابط الإسناد في القانون النمساوي.

ثانيا-الطبيعة القانونية لفكرة الغش نحو القانون الدولي الخاص:

يرى الباحث أن للغش نحو القانون الدولي الخاص طبيعةً خاصةً تختلف عن النظام العام وعن التعسف باستعمال الحق؛ ذلك أن الغش نحو القانون يقوم على فكرة أساسية وضميرية في الوقت ذاته، وهي أن يقوم أحد أطراف العلاقة التي يشوبها عنصر أجنبي بارتكاب فعل مادي بنية التحايل على قاعدة الإسناد الوطنية، ويكون هذا الفعل مشروعاً في أغلب الأحوال المتصورة، حيث لا يشكل الفعل المادي الذي يرتكبه “المتحايل” مخالفةً للقانون؛ حيث أنه وفي حال أن يكون الفعل غير مشروع جزائياً فيترتب عليه مسؤولية جزائية، وإن لم يكن الفعل مشروعاً مدنياً وقد أدى لضرر لحق بخصمه فيترتب عليه مسؤولية المتحايل المدنية المتمثلة بالتعويض أو أيّ مقتضى قانوني آخر، غير أنه في حالة الغش نحو القانون الدولي الخاص فإنه يرتب جزاء من نوع آخر يصح أن نقول أنه “من جنس عمله” الذي ارتكبه قاصداً التهرب من أحكام قاعدة الإسناد الوطنية باستبعاد تطبيق القانون الأجنبي الذي تم التحايل على قاعدة الإسناد بغية تطبيقه، أو تهرباً من تطبيق أحكام القانون الذي عينته قاعدة الإسناد، وهذا الجزاء ذو طبيعة خاصة تختلف عما بيّناه سابقاً، كما ستبين الدراسة لاحقا آثار الدفع بالغش نحو القانون.

 

 

ثالثا- عناصر الغش نحو القانون:

في معرض تعريف الغش نحو القانون أن الغش نحو القانون هو التحايل الذي يقع من أحد الأطراف في علاقة مشوبة بعنصر أجنبي اتجاه ضابط الإسناد بتغيير ظرف الإسناد بنية التهرب من تطبيق أحكام قاعدة الإسناد الوطنية. وعليه، يتبين أن للدفع بالغش نحو القانون شرطان هما أن يقوم أحد الاطراف في علاقة قانونية مشوبة بعنصر أجنبي بتغيير ظرف الإسناد، وهذا هو العنصر المادي ، وكذلك أن يكون هذا التغيير بنيّة التهرّب من تطبيق أحكام قاعدة الإسناد الوطنية وهذا هو العنصر المعنوي .

1- العنصر المادي للغش نحو القانون:

يشترط للدفع بالغش نحو القانون أن يتوافر عنصر مادي في الغش وهو إجراء تغيير إرادي في ضابط الإسناد، ويجب أن يكون هذا التغيير في ضابط من ضوابط الإسناد التي يمكن تغييرها إرادياً، ويكون ذلك على سبيل المثال بتغير الجنسية أو الموطن أو موقع المنقول أو مكان إبرام العقد.
ويشترط أن يكون هذا التغيير فعلياً إذ لو كان تغير ضابط الإسناد صورياً فهنا لا حاجة لإعمال الدفع بالغش نحو القانون، إذ يكفي بهذه الحالة التمسك بأحكام الصورية لإهدار كل أثر لهذا التغير، فإذا غير شخص موطنهُ صورياً فلا عبره في هذا التغير، فالعبرة في الموطن الحقيقي.

ويشترط أيضاً أن يكون التغيير مشروعاً، إذ لو كانت الطريقة المستخدمة في التغير غير مشروعة كأن يتم تغير الجنسية عن طريق الغش في أحكام قانون الجنسية، فإنه لا يجوز في هذه الحالة الاعتداد بالجنسية المكتسبة عن طريق الغش وتكون العبرة بالجنسية الأولى.
وكحالة افتراضية عملية، قد يتعاقد متعهد مناسبات روسي مقيم في الإمارات مع مواطن جزائري مقيم في الجزائر على إدارة حفل متعلق بجماعة الإخوان المسلمين في الجزائر ويشترط على الجزائري في المفاوضات الشفوية أن يتم إبرام العقد وتوقيعه في المملكة العربية السعودية، التي تعتبر جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية محظورة، على الرغم من أنه ليس للعقد ولا لأطرافه او آثاره ارتباطاً بالمملكة العربية السعودية، وبالفعل تم توقيع العقد لدى الكاتب العدل في محكمة الرياض بالمملكة العربية السعودية، ووفقا لأحكام وشروط العقد فقد تم تنفيذ الحفل موضوع العقد من قبل المواطن الجزائري، إلا أنه وبعدما أتم المواطن الجزائري تنفيذ العقد وطالب الروسي المقيم في الإماراتي بأتعابه العقدية تمنع الروسي، وكان قد اتخذ الجزائر بعد تنفيذ العقد موطنا له، فأقام المواطن الجزائري دعوى لدى محكمة بداية عمان يطالب فيها الروسي المقيم في الجزائر بأتعابه العقدية، وأثناء المحاكمة دفع محامي المتعهد الروسي ببطلان عقد إدارة الحفل مستنداً إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تعتبر تنظيما إرهابيا في المملكة العربية السعودية، وبالتالي فموضوع العقد مخالف للنظام العام السعودي حين نسلّم بأن الإرهاب مخالف للنظام العام بصورة تحرم الجهة التي يعتبر وجودها مخالفاً للنظام العام من التصرف. وعليه، وبتطبيق أحكام المادة (24) من القانون المدني الجزائري فإن العقد حري بإعلان بطلانه.

يتبين من خلال المثال التوضيحي المذكور آنفا، أن متعهد الحفلات الروسي قد أصرّ على إبرام العقد في المملكة العربية السعودية، بنية التهرب المسبقة من أحكام القانون الجزائري فيما لو تم ابرام العقد في الجزائر، حيث أن هذا النوع من العقود ليس مخالفا للنظام العام بموجب القانون الجزائري، بينما هو مخالف للنظام العام السعودي، فقد قصد المتعهد الروسي ابرام العقد في المملكة العربية السعودية من أجل تطبيق القانون السعودي القاضي باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة محظورة واعتبار العقد المبرم لإدارة حفل يخص هذه الجماعة عقداً باطلاً لا يرتب أثراً ولا ترد عليه الإجازة، وبالتالي يحرم الجزائري من حقه في تقاضي الأجر عن ما قدمه من أعمال.
ويتبين الركن المادي للغش نحو القانون في المثال السابق بتحايل متعهد الحفلات الروسي على قاعدة الإسناد الجزائري المتمثلة في المادة (24) من القانون المدني الجزائري بتغييره لمكان إبرام العقد قاصداً اللجوء لتطبيق أحكام قانون المملكة العربية السعودية، وبهذا يمكن للمدعي (الجزائري) أن يدفع بحالة الغش نحو القانون بقصد استبعاد تطبيق القانون الأجنبي (السعودي) وتطبيق القانون الجزائري، والحكم له بأتعابه عن ما قدمه من أعمال.

2- العنصر المعنوي للغش نحو القانون

سبق وأن بينت الدراسة أنه يشترط للدفع بالغش نحو القانون أن يتوافر عنصر مادي في الغش وهو إجراء تغيير إرادي في ضابط الإسناد، وبالإضافة للعنصر المادي يجب أن يتوافر عنصر معنوي يتمثل في نية التهرب من أحكام قانونٍ ما، أو بغية التوصل تحايلاً على تطبيق قانونٍ ما، كما هو الحال في المثال الفرضي الذي تم ذكره سابقاً.

وهنا يشترط أن يكون الباعث الرئيسي من تغيير ضابط الاسناد هو نقل الاختصاص من قانون دولة الى قانون دولة أخرى؛ أي التهرب من أحكام قانون والإلتجاء إلى قانون آخر تعينه قاعدة الإسناد. وللمحكمة سلطة تقديرية في تقرير وجود نية الغش من عدمها وهذا ما قد يثير صعوبة من الناحية النظرية إذ أن المعيار الشخصي في البحث عن النية صعب التحقق ولذلك يلجأ القاضي إلى معيار موضوعي بحيث يستخلص النية من وقائع كل قضية على حدة ومن خلال بعض القرائن. والتي يمكن ومن خلال البحث أن نشير منها على سبيل المثال:

– التزامن بين تغيير ضابط الإسناد وبين طلب تطبيق القانون الذي يشير إليه هذا الضابط.
– التسهيلات التي ينطوي عليها القانون الجديد لصالح الشخص الذي قام بتغيير ضابط الإسناد.

 

رابعا- آثار الدفع بالغش نحو القانون:

بما أن الغش نحو القانون يتم بتغيير أحد أطراف العلاقة إرادياً لضابط الإسناد بقصد التحايل على ضابط الإسناد في القواعد الوطنية الإسناد الوطنية، فإن هذا التغيير قد يتم إما عن طريق إتيان واقعة مادية كتغيير مكان إبرام العقد أو بإتيان عمل قانوني من شأنه أن يؤثر في تغيير ضابط الإسناد كتغيير الجنسية مثلاً. ويثور التساؤل هنا حول أثر تطبيق نظرية الغش نحو القانون فيما إذا كان يتناول النتيجة التي ابتغاها “المتحايل” على القانون والمتمثلة بقصده التهرب من أحكام قاعدة الإسناد الوطنية، أو فيما إذا كان يتناول النتيجة والسبب فيتدخل في الواقعة التي غيرت ضابط الإسناد بإبطال الجنسية التي اتخذها المتحايل بنية التحايل على ضابط الإسناد في قاعدة الإسناد الوطنية، كما أن التحايل الذي يرتكبه المتحايل قد يكون بنية التهرب من تطبيق أحكام قانون ما، أو بغية تطبيق أحكام قانون آخر غير ذلك الذي تحدده قاعدة الإسناد الوطنية.

1- الأثر السلبي للغش نحو القانون:

فوفقاً لهذا الأثر يتم استبعاد القانون الذي تم الغش بقصد تطبيقه، واللجوء لتطبيق القانون الذي تحدده قاعدة الإسناد فيما لو لم يتم التحايل عليها. ويثور التساؤل هنا فيما إذا كان هذا الاستبعاد يشمل النتيحة التي ابتغاها المتحايل نتيجة تحايله، أم أنه يشمل أيضاً السبب الذي قام به متحايلاً على ضابط الإسناد؟
وفي ذلك انقسم الفقه إلى اتجاهين في هذا الصدد:

الإتجاه الأول: فبعض الفقهاء يرى بأن هذا الاستبعاد يشمل النتيجة (تطبيق القانون الأجنبي) فقط دون الوسيلة (الأفعال التي أدت الى تغيير ضابط الاسناد)، ذلك أن الوسيلة ما دامت من حق الشخص وغير مخالفة للنظام العام أو الآداب وبما أن دولة اخرى قررتها فيعترف فيها دون ترتيب نتيجة نقل الاختصاص إلى قانون آخر، وهذا هو التوجه الغالب في التشريعات والفقه والقضاء وهذا ما أميل اليه بوجه نظري؛ حيث أن الحكم بصحة الوسيلة لا يعود تقريره للقاضي الوطني بما أن هذه الوسيلة قد منحت بمقتضى قانون أجنبي يجيزها.

         الإتجاه الثاني:  أما البعض الآخر من الفقهاء فيرى أن استبعاد تطبيق القانون الأجنبي الذي تم التوصل إليه بالتحايل على ضابط الإسناد يشمل النتيجة والوسيلة معاً وهذا هو الاتجاه الغالب في الفقه الفرنسي حيث يرى الفقه الغالب في فرنسا أن جزاء الغش يشمل الغاية و الوسيلة، ففي قضية “بوفرمون” مثلاً يجب ألا يقتصر أثر الغش على عدم نفاذ الطلاق و الزواج الثاني الذي أبرمته وفقاً لقانون جنسيتها الجديدة و إنما يجب أن يمتد أيضا إلى الوسيلة التي استعملتها و هي تجنسها بالجنسية الألمانية فتبقى بذلك فرنسية ليس فقط بالنسبة لتنازع القوانين و إنما أيضا بالنسبة لجميع المجالات الأخرى.، فإذا تم التحايل على ضابط الإسناد من خلال تغيير الجنسية مثلا وحتى لو كان هذا التغيير مشروعاً من حيث الأصل إلا أنه يحكم ببطلانه لأن القصد من وراءه غير مشروع وهو التحايل على القانون فلا يعترف القانون وفقا لهذا الرأي بالجنسية الجديدة، والانتقاد الذي يوجه إلى هذا الرأي أن الحكم في صجة هذه الوسيلة من عدمها هو للقانون الذي رتب هذا المركز القانوني وليس لقانون القاضي.

وبالتالي يمكن القول أن الأثر السلبي للدفع بالغش نحو القانون يقتصر على استبعاد تطبيق القانون الأجنبي الذي أراد المتحايل أن يلجأ إلى تطبيق أحكامه كنتيجة لغشه نحو ضابط الإسناد في قاعدة الإسناد الوطنية، دون أن يتناول السبب الذي أتاه المتحايل غاشاً في قواعد القانون الدولي الخاص، ذلك أن السبب في حد ذاته مشروع ابتداءً، ومن ثم فإنه وفي الحالات المتصورة قانوناً وفي تغيير الجنسية كمثال ليس للقاضي من سلطة في اعتبار الجنسية التي يتمتع بها الغاش نحو القانون بنية تغيير ضابط الإسناد باطلة أو غير قانونية، إذ أن السلطة في ترتيب هذا المركز القانوني تعود لقانون آخر غير قانون القاضي، وهو الذي يقرر الأوضاع التي تمنح بموجبها الجنسية أو المراكز القانونية وهو أيضا الذي يحدد كيفية بطلانها أو سحبها، وليس قاضي الموضوع الذي ينظر النزاع.

2-  الأثر الإيجابي للغش نحو القانون:

يتناول أغلب الدارسين للغش نحو القانون الدولي الخاص كسبب لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي الأثر المترتب عليه من ناحيتيه، الأثر السلبي، والأثر الإيجابي، ويتناولون الاثر الإيجابي على أنه يشكل جزاء على التحايل على القانون، بحيث يستبعد تطبيق القانون الذي أراد الشخص الاستفادة من أحكامه وتطبيق القانون الأصلي الذي تم التحايل ضده، ووجود هذا الأثر مترتب على وجود الأثر السلبي لا بل هو من مستلزمات وجوده، فلو وجد الأثر السلبي دون الإيجابي لقررت محكمة الموضوع بعد ثبوت واقعة الغش نحو القانون استبعاد تطبيق القانون الأجنبي وفقا للأثر السلبي ومن ثم توقفت دون معرفة أو تحديد القانون واجب التطبيق و لذلك كان لزاماً أن يتقرر تطبيق القانون المتحايل عليه لكي يوجد قانون يحكم المسألة، وإلا لأصبحت الفكرة من أساسها مستحيلة التطبيق.


وخلاصة القول أن للغش نحو القانون أثر سلبي ينطوي على استبعاد تطبيق القانون الأجنبي الذي قصد المتحايل تطبيقه بالغش نحو القانون، وتطبيق القانون الأصلي الذي نصت عليه قاعدة الإسناد في الوقت ذاته، وأن الأثر الإيجابي ما هو إلا نتيجة مترتبة على الأثر السلبي للغش نحو القانون.

 

ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...

لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى النقر هنا

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق