الأحد، 5 نوفمبر 2023

مبدأ الفصل بين السلطات

 

مبدأ الفصل بين السلطات

 

أصل المبدأ : يجد المبدأ أصله في الفلسفة الإغريقية ، وقد تناوله عدة فلاسفة ومفكرين منهم أفلاطون ، أرسطو ،جون لوك وغيرهم وإن كان هذا المبدأ إقترن بإسم مونتسكيو وفي كتابه "روح القوانين". 

إذا أوضح أفلاطون أن وظائف الدولة يجب أن تتوزع على هيئات مختلفة مع إقامة التوازن بينها لكي لا تتفرد إحداهما بالحكم، وما قد يؤدي إله ذلك من و وقوع الإضطربات و الثورات للتمرد على هذا الاستبداد.

أما أرسطو فقسم وظائف الدولة إلى ثلاث، وظيفة المداولة و الأمر و العدالة، على أن تتولى كل وظيفة منها مستقلة عن الهيئات الأخرى، مع قيام التعاون بينهما جميعا لتحقيق الصالح العام، بحيث لا تتركز الوظائف في يد هيئة واحدة.
 
و كان جون لوك أول من أبرز أهمية مبدأ الفصل بين السلطات في العصر الحديث في مؤلفه "الحكومة المدنية" الذي صدر سنة 1690 بعد ثورة 1688 في إنجلترا التي أدت إلى إعلان وثيقة الحقوق سنة 1689 .
و قسم جون لوك سلطات الدولة إلى ثلاث:
السلطة التشريعية، و السلطة التنفيذية، و السلطة الاتحادية، و أكد على ضرورة الفصل بين السلطتين التشريعية و التنفيذية، بحيث تتولى كل منها هيئة مستقلة عن الأخرى.
و برر لوك هذا الفصل على أساس طبيعة عمل السلطة التنفيذية بحيث يتطلب وجودها بصفة دائمة، في حين أن الحاجة ليست دائمة إلى وجود السلطة التشريعية من ناحية.
كما أن الجمع بينهما في هيئة واحدة سيؤدي حتما إلى الاستبداد و التحكم من ناحية أخرى.
والذي يمكن ملاحظته على أفكار لوك هو أنه لم يعر أهمية للقضاء ولم يتحدث عن استقلاله والسبب في ذلك هو أن القضاة حتى الثورة كانوا يعينون و يعزلون من الملك أما بعد الثورة فكانوا يعينون بواسطة البرلمان لكنهم لم يحصلوا على استقلال في وظائفهم.

عند مونتسكيو:
إن مبدأ الفصل بين السلطات لم يأخذ الأهمية الكبيرة التي نالها إلا بعد أن نشر مونتسكيو مؤلفه الشهير

"روح القوانين" سنة 1748.
و قد تضمنت نظرية مونتسكيو النقاط التالية:
أ- قسم السلطات العامة في الدولة إلى ثلاث، التشريعية، التنفيذية و القضائية و بين المهام الأساسية التي تضطلع بها كل سلطة.
ب- أكد على توزيع السلطات و فصلها بهذه الصورة أمر ضروري لأنها لو تجمعت في يد هيئة واحدة لأدى إلى الاستبداد.
ج- لم يتوقف مونتسكيو عند حد الفصل فقط و إنما استلزم قيام كل سلطة بمراقبة السلطات الأخرى لوقفها عند الحدود المقررة لها إذا اقتضى الأمر حتى لا تتجاوزها إلى الاعتداء على السلطات الأخرى.

 تعريف مبدأ الفصل بين السلطات : هو توزيع وظائف الدولة على هيئات منفصلة تستقل  كل منها عن الأخرى في مباشرة وظيفتها ، بحيث يتحقق داخل الدولة سلطة تشريعية تتمثل في وظيفة وضع القوانين ، وسلطة تنفيذية تتمثل في مهمة تنفيذ القوانين ، وسلطة قضائية تتمثل في مهمة الفصل في النزاعات والخصومات.

غير أنه لا يجب أن يفهم من مبدأ الفصل بين السلطات بأن كل سلطة مستقلة عن السلطة الأخرى تمام الإستقلال بحيث تكون كل منها بمعزل تام عن الأخرى وإنما المقصود بهذا المبدأ هو عدم تركيز سلطات الدولة وتجميعها في يد هيئة واحدة بل توزيعها على هيئات منفصلة ومتساوية بحيث لا يمنع هذا التوزيع و الإتصال من تعاون ورقابة كل هيئة على الأخرى.

 

مزايا مبدأ الفصل بين السلطات : إن الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات يؤدي إلى تحقيق ما يلي :

 

1)- صيانة الحرية ومنع الإستبداد : يؤدي نظام تركيز السلطات في هيئة واحدة إلى إساءة إستعمال السلطة التي تنتهي بالقضاء على حريات الأفراد وحقوقهم.

2)- إتقان الدولة وظائفها وحسن سير العمل بها : إن توزيع السلطات على عدة هيئات فيه نوع من التخصص وإعتناء كل سلطة بعملها ومجال إختصاصها مما يؤدي إلى إتفان العمل وإحادته.

3)- إحترام القوانين وحسن تطبيقها : يحقق مبدأ الفصل بين السلطات والقوانين ويكفل تطبيقها تطبيقا عادلا.

4)- تجسيد الديمقراطية : يعتبر مبدأ فصل السلطات من الركائز الأساسية التي تقوم عليها الدولة الديمقراطية ، فتوزيع السلطات بين هيئات مختلفة يساعد على ترقية وضمان الفكر الديمقراطي والعمل على تجسيده في الواقع العملي.

 

الإنتقادات الموجهة إلى المبدأ : إذا كان المبدأ المذكور قد ناصره البعض فإن هناك من عارضه ووجه إليه الإنتقادات التالية :

 

1)- السلطة تعتبر كل لا يتجزء فهي كالإنسان تماما حيث لا يمكن فصل أي جزء منه و إلا تعطلت وظائفه بالإضافة إلى أن توزيع السلطات بين هيئات مختلفة فيه تفتيت وتمييع للسلطة مما يؤدي إلى إضعافها.

2)- توزيع السلطة على هيئات مختلفة فيه تهرب من المسؤولية خاصة الأنظمة السياسية التي يطغى فيها حزب سياسي على الطبقات السياسية الأخرى ومثال ذلك أن تشرع سلطة ولا تلتزم سلطة أخرى بتنفيذ أو تطبيق قوانينها وهكذا.....

 

تطبيقات مبدأ الفصل بين السلطات  في الدساتير الحديثة :

إن مبدأ الفصل بين السلطات مطبق في جميع دول و دساتير العالم الحديثة فمثلا طبقته انجلترا في دستورها العرفي، و كذلك فرنسا طبقته ابتدءا من الثورة الفرنسية سنة 1789حيث كان الغرض من الاعتماد عليه هو كفالة الحقوق و الحريات من اعتداء الدولة.
وكذا طبقته الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1789 حيث استقلت السلطة القضائية بممارسة وظيفتها، و يتم اختيار القضاة عادة عن طريق الانتخاب، كما يتمتع أعضاء السلطة القضائية بحصانات معينة، و بنظام قانوني للمحاكم له ضمانات خاصة.
فإذا كان مفهوم المبدأ كما بيناه أعلاه، إلا أن المبدأ عرف تفسيرات متعارضة، أدت إلى إيجاد طريقتين:
-
الفصل المطلق، فنكون بصدد نظام رئاسي.
-
الفصل المرن، فنكون حينئذ في ظل نظام أو حكومة برلمانية أي نظام التعاون .
فالغرض من الفصل المطلق هو ضمان استقلال البرلمان عن الحكومة، فالدولة مقسمة بين ثلاث سلطات و يحكم المبدأ ثلاث عناصر هي: المساواة و الاستقلال و التخصص.

1) فالمساواة القصد منها أن لا تنفرد أية سلطة بسيادة الدولة و إنما تتقاسمها.
2
) أما الاستقلال فيكون على مستوى الهيئات و الوظائف بحيث لا يحق لعضو في السلطة أن يكون في آن واحد نائبا في البرلمان و وزيرا، كذلك فإن الهيئات مستقلة عن بعضها فلا وجود لتعاون بينهم أو لا يحق للبرلمان سحب الثقة من الحكومة كما لا يحق للحكومة حل البرلمان.
3
) في حين أن التخصص يعني أن كل هيئة تمارس وظيفة محددة فكل منها تقوم بوظيفتها لكنها لا تنجزها كاملة لأن ذلك يؤدي إلى تدخل في اختصاصات غيرها.
أما أصاحب الفصل المرن، فيعتبرون سلطات الدولة موزعة بين ثلاث، ولكل منها وظيفة متميزة، إلا أن هذا لا ينفي إمكانية التعاون بين الهيئات و الوظائف، فالوزراء يمكن أن يختاروا من البرلمان و أحيانا كلهم مثل بريطانيا، كما يمكن أن تشارك السلطة التنفيذية في ممارسة السلطة التشريعية كالمبادرة بتقديم مشاريع قوانين و حل البرلمان الذي يحق له بدوره سحب الثقة من الحكومة.

 مبدأ الفصل بين السلطات في الدستور الجزائري :

 

بعد التعديلات الدستورية لسنة 2016 على دستور 1996 والتي تم النص بمقتضاها صراحة على تبني المؤسس الدستوري الجزائري على مبدأ الفصل بين السلطات، وذلك في موضعين، أولا في الديباجة والتي جاء فيها"يكفل الدستور الفصل بين السلطات واستقلال العدالة والحماية القانونية، ورقابة عمل السلطات العمومية في مجتمع تسوده الشرعية ".

 وثانيا في المادة 14 التي نصت صراحة على أنه"تقوم الدولة على مبادئ التنظيم الديمقراطي و الفصل بين السلطات و العدالة الإجتماعية " .

 

ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...

لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى النقر هنا

 

 

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق