الأحد، 12 نوفمبر 2023

مبدأ الشرعية الجزائية

 

مبدأ الشرعية الجزائية

تعريف الجريمة:

أصل كلمة الجريمة من جرم وهي تعني كسب وقطع أي الكسب المكروه، فالجريمة بصورة عامة هي السلوك الإنساني المحظور الذي يخل بأمن المجتمع وسلامته، أو كل فعل أو تصرف أو ترك حرمه المشرع و قرر له العقوبة المناسبة،وعلى العموم فإنه يجب توفر ثلاثة أركان حتى تقوم الجريمة: الركن الشرعي (القانوني)، والركن المادي، والركن المعنوي
و ما يهمنا في هذا الموضوع هو الركن الشرعي للجريمة ولهذا الأخير عنصران:

1- خضوع الفعل لنص التجريم

2- مبدأ الشرعية الجزائية

التطور التاريخي مبدأ الشرعية الجزائية:

مبدأ الشرعية الجزائيةلم يظهر بظهور قانون العقوبات، كونه ظهر في مرحلة متأخرة من مراحل تطور هذا القانون في التشريعات الوضعية الأوروبية ،حيث يرجع الغالبية من الباحثين أن تاريخ المبدأ وأول ظهور له إلى فلاسفة عصر التنوير والنهضة في أوربا(مونتسكيو ومن بعده روسو وبيكاريا) في القرن الثامن عشر، غير أن الحقيقة هو أنه مبدأ ظهر قبل ذلك بكثير، حيث عرفته الشريعة الإسلامية في الوقت الذي كانت فيه أمم أوروبا تعاني من تحكم وتعسف السلطات، وحتى وإن عرفته بعض التشريعات الغابرة ما قبل الميلاد، مثل شريعة حمورابي، إلا أنه لم يكن سوى بلورة لقيم السلطة آنذاك .

وفي الشريعة الإسلامية قد دلت على المبدأ العديد من الآيات القرآنية الكريمة، مثل قوله عز وجل في الآية 15 من ســورة الإسراء :" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"، وقوله في الآية 38 من سورة الأنفال :" قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف"، وقوله عزل وجل في الآية 59 من سورة القصص :" وما كان لربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا"، وفي الآية 95 من سورة المائدة :" عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه"، ، وقوله أيضا في الآية 165 من سورة النساء: " لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل"،.

الأسس الفلسفية لمبدأ الشرعية الجزائية:

مبدأ الشرعية الجزائيةوجد نتيجة صراع مرير وطويل ضد التعسف والتحكم والطغيان واستبداد الحكام وتعسف السلطات، وبني على العديد من الأسس الفلسفية التي دفعت به إلى الوجود، حيث يعد اثر من آثار العقد الاجتماعي، وثمرة من ثمار مبدأ الفصل بين السلطات، أساسه المسؤولية الأخلاقية وقوامه مبدأ العدالة. غير أنه في الشريعة الإسلامية يعد اسمي منه في التشريعات الوضعية، كونه يقوم على قاعدتين أساسيتين، هما " لا حكم لأحكام العقلاء قبل ورود النص"، وقاعدة " الأصل في الأشياء الإباحة".

المقصود بمبدأ الشرعية الجزائية:

الأصل أن يقصد بمبدأ الشرعية الركن الشرعي للجريمة ، كما انه يفهم منها مبدأ المشروعية، لذا وجب علينا أن نفرق بين الشرعية والمشروعية. إذ في الكثير من الأحيان يستخدم المصطلحين للدلالة على نفس المعنى، غير أنه هناك اختلافات بين المصطلحين، حيث أن الشرعية تنصرف في المجال الجنائي إلى معاني قانونية، تتمثل في حصر مصادر التجريم والعقاب في نصوص قانونية محددة، وهي بذلك تتعلق بالنص الجنائي وبالعناصر الشكلية والموضوعية التي تضمن شروط صحة النص. بينما يقصد بالمشروعيـــــة، انتفاء التعارض بين الواقعة القانونية وبين نصوص التجريم والعقاب ، فهي بذلك تنصرف إلى أسباب الإباحة، حيث لا يوصف الفعل بعدم المشروعية إذا توفرت شروط تطبيق سبب من أسباب الإباحة التي بينها القانون، فالمشروعية تتعلق بالفعل، في حين أن الشرعية تتعلق بالنص.

أولا :تعريف مبدأ الشرعية الجزائية
عرف بالعديد من التعاريف التي يمكننا أن نجملها فيما يلي: " نص التجريم الواجب التطبيق على الفعل"، " النص القانوني الذي يبين الفعل المكون للجريمة ويحدد العقاب الذي يفرضه على مرتكبها"، وهناك من قال أنه: سيادة القانون وخضوع الجميع له حكاما ومحكومين، وسيادة القانون في مجال التجريم والعقاب يعني وجوب حصر الجرائم والعقوبات في القانون المكتوب، وذلك بتحديد الأفعال التي تعد جرائم وبيان أركانها، من جهة، ثم العقوبات المقرر لها ونوعها ومدتها، من جهة أخرى.وهناك من عرفه، أن الشرعية الجنائية تقضي وجوب وجود نصوص قانونية صادرة عن سلطة مختصة لضبط سياسة التجريم والجزاء والمتابعة الجزائية.
ثانيا: مضمون الشرعية الجنائية
القانون الجنائي بمختلف فروعه يخضع لمبدأ الشرعية، منذ تجريم الواقعة ووقوعها مرورا بمحاكمة الشخص وتوقيع العقوبة عليه وتنفيذها، وفي كل هذه المراحل يخضع القانون المسائل التي تمس بالشخص وحريته وكرامته سواء تعلق الأمر بالتجريم أو العقاب أو الإجراءات أو التنفيذ العقابي تكون النصوص خاضعة لمبدأ الشرعية الجزائية،ومقتضى  هذا المبدأ أن تراعيه السلطات الثلاث في الدولة في كل تصرفاتها وأعمالها القانونية، فمبدأ الشرعية الجزائيةيفرض نفسه على المشرع مثلما يفرض نفسه على القاضي، فالأول يحتكر سلطة التجريم والعقاب، بينما الثاني يقع عليه عبء التطبيق السليم لهذه النصوص، احتراما للإرادة العامة.

أقسام الشرعية الجنائية :
أولا: الشرعية الموضوعية( شرعية التجريم والعقاب)
وهي الحلقة الأولى أو القسم الأول من أقسام الشرعية الجنائية، وهو ما يعبر عنه بلا جريمة ولا عقوبة ولا تدبير أمن بغير نص حيث جاء في المادة
الأولى من قانون العقوبات الجزائري:" لا جريمة ولا عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون.".

ثانيا: الشرعية الإجرائية
وهي أن تكون الجهات والأجهزة والإجراءات التي تتبعها هذه الأخيرة مقررة بموجب نصوص قانونية، وهي الحلقة التي تكفل احترام الحرية الشخصية للمتهم، وافتراض براءته في كل إجراء من الإجراءات التي تتخذ ضده، وبذلك تكون الشرعية الإجرائية امتداد طبيعي لشرعية الجرائم والعقوبات، بل في الواقع أكثرها أهمية وأعظمها شأنا.

ثالثا: شرعية التنفيذ العقابي
شرعية التنفيذ العقابي تعد الحلقة الثالثة من حلقات الشرعية الجنائية، حيث تقتضي أن يجري تنفيذ الحكم الصادر ضد المتهم وفقا للكيفيات التي حددها القانون، تحت رقابة وإشراف القضاء، ، وأن يكون تنفيذ العقوبة خاضعا لإشراف قاضي يطلق عليه قاضي تنفيذ العقوبات.
تقييم مبدأ الشرعية الجزائية:

أولا: معارضي مبدأ الشرعية الجزائية
من بين الانتقادات التي وجهت له، عدم قدرته على إعطاء تعريف دقيق ومرض للجرائم، حيث هناك العديد من الأفعال التي تعد لا اجتماعية ولا أخلاقية ولا يستطيع المشرع الإحاطة بها، وحصرها من خلال نصوصه، مما يجعل الكثير من المجرمين يفلتون من العقاب، لذا يرى البعض الإفلات من المبدأ أو على الأقل إعطاء سلطة واسعة للقاضي في تفسير النصوص والقياس عليها. كما أخذ عليه، إهماله لشخصية الجاني، كونه هناك الكثير من الأشخاص الخطرين الذي يجب الحجز عليهم حتى قبل ارتكابهم للجرائم. وهناك العديد من الأشخاص لا يمكن القضاء على الخطورة الإجرامية لديهم حتى بعد انقضاء مدة عقوبتهم، ومع هذا النوع لا يستطيع لا المشرع ولا القاضي التحديد المسبق لمدة العقوبة الواجبة التطبيق عليهم، إذ ذلك مرهونا بزوال حالة الخطورة الإجرامية لديهم. وهي الانتقادات التي كان لها صدى عميق على التشريعات الجنائية النازية والشيوعية لغاية سنة 1958، حيث استبعد تطبيق المبدأ نهائيا، وجزئيا في التشريع الإيطالي الفاشي.
ثانيا: أنصار مبدأ الشرعية الجزائية
الانتقادات السابقة، أقلقت كثيرا أنصار مبدأ الشرعية، ودفعهم لعقد العديد من المؤتمرات الدولية للدفاع عنه، وتم الرد على الانتقادات السابقة، حيث رأوا أن إلغائه أو التقييد منه، يعيدنا إلى عهد استبدادية القضاة، ، وأما بخصوص الاستناد لحالة الخطورة للقول بمعاقبة الأشخاص بمجرد ظهورها لديهم، فتم الرد بالقول: من الذي يحدد هذه الخطورة، فإذا قلنا القاضي فإننا عدنا لعهد التحكم والأهواء، وإن قلنا المشرع فذلك يعني عودة لمبدأ الشرعية الجزائية، كما أنه لا يمكن التسليم بالنقد القائل بأن المبدأ يهمل شخصية الجاني، وذلك بالنظر لما يوفره مبدأ تفريد العقوبة المعمول به في جل الأنظمة العقابية، الذي يخفف من حدة مبدأ الشرعية الجزائية، بإعطاء نوع من الحرية للقاضي في مراعاة شخصية الجاني عن طريق وضع حدين للعقوبة يختار بينهما القاضي، وفقا لشخصية الجاني وظروف ارتكابه للجريمة وحالته. وكذا إقرار نظام التشديد في العقوبة والتخفيف فيها
.

أهمية مبدأ الشرعية الجزائية:
- يعد من أسس الحرية الفردية أي صمام الأمان للحريات الفردية ويضمن حقوق الأفراد بحيث يحدد الجرائم ويحدد العقوبات المقررة لها بشكل واضح حتى لا يترك ثغرات في القانون ويكون وسيلة تسلط بيد القضاة ً
- يعطي العقوبة أساس قانوني بحيث يجعلها مقبولة من قبل الرأي العام كونه وضع في سبيل المصلحة العامة بحيث يطبق على جميع الأشخاص الذين تتوافر فيهم الشروط المنصوص عليها في هذا النص دون التميز بينهم .
- الدور الوقائي للقانون وهذا الدور يتمثل بأن يكون الفرد على علم بالأفعال التي تعد جريمة والأفعال الغير مجرمة .

- يحمي جميع الأفراد في المجتمع المجرمين وغير المجرمين بحيث يحمي المجرم من نفسه بأن لا يقترف جريمة عقوبتها أشد من الجريمة المرتكبة وتحمي غير المجرمين من الأفعال التي قد يرتكبها المجرم .
نتائج مبدأ الشرعية الجزائية:
-  قاعدة عدم رجعية النص الجنائي (إلا ما كان أصلح للمتهم "استثناءًا") :لمعاقبة شخص لابد أن تكون الجريمة
قد حددت أركانها بموجب قانون مطبق وقت ارتكابها ، ولا يجوز معاقبة شخص على فعل كان مباحًا وقت ارتكابه ثم
صدر قانون يجرمه.
- حصر مصادر التجريم والعقاب في نصوص تشريعية مكتوبة
- حصر القياس في تفسير النصوص التجريم: ليس للقاضي أن يقيس فعلا لم يرد نص بتجريمه على فعل ورد نص في تجريمه،وهذا لا يمنع إمكانية خضوع النص التجريمي للتفسير الضيق أي البحث عن المعنى الذي يرمي إليه المشرع من وراء الألفاظ المستعملة في النص ويجب على القاضي أن يلتزم بحرفية النص الجنائي حتى لا يجرم فعلا لم يقصده المشرع.
-  قاعدة الشك تفسر لصالح المتهم: في حالة وجود غموض في النص الجنائي واستحال على القاضي تحديد
التفسير وتساوت في نظره وجوه متعددة، في هذه الحالة الشك يفسر لصالح المتهم والمجال الرئيسي لتطبيق هذه القاعدة الإثبات في المواد الجنائية، حيث إذا تعادلت أدلة الإدانة مع البراءة رجح الثانية، لأن الإدانة تبنى على اليقين والأصل في إثبات البراءة.

 

ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...

لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى النقر هنا 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق