بطاقة تقنية حول
: نظرية التكييف
القانون الدولي الخاص یعنى أساسا بحل التنازع بین القوانین ویتم حل ھذا التنازع بإعمال قواعد معینة تضع معیارا لتحدید القانون الواجب التطبیق بالنسبة لكل فكرة مسندة ومتى تعینت الفكرة المسندة تحددت قاعدة الإسناد الواجبة التطبیق ومتى تحددت هذه أمكن معرفة القانون المختص ویتم الفصل في النزاع.
لا یتسنى للقاضي أن یتبین القانون المختص إلا إذا تبین لھ أولا تحت أي فكرة مسندة تنطوي الحالة القانونیة المعروضة أمامھ، خصوصا وأن التشریعات تختلف فیما بینھا من حیث تقسیم الفكرة المسندة، وتحدید مضمونھا، فرغم أن التشریعات مثلا تعرف فكرة الأهلیة وفكرة الشكل والمیراث
وأثار الزواج...
لكن ما یعتبر فكرة داخلة في فكرة الأهلیة، في قانون معین، قد یعتبر من الشكل في قانون آخر، وما قد یندرج ضمن فكرة المیراث ضمن قانون ما، قد یعتبر من النظام المالي للزوجین في قانون آخر.
إزاء هذه الاختلافات بین التشریعات من جھة تقسیم الفكرة المسندة، وتحدید مضمونھا أصبح من اللازم حتى یتيسر تعیین القانون الواجب التطبیق على حالة قانونیة ما، تحلیل طبیعة تلك الحالة القانونیة بقصد إدخالھا في إحدى الأفكار المسندة وتسمى هذه العملیة التكییف.
أولا - مفهوم
التكییف وأهمیته:
ھو تشخیص حالة قانونیة معینة بقصد تصنیفھا بین مختلف الأفكار المسندة أو ھو وصل حالة قانونیة ما بإحدى الأفكار المسندة، أو ھو تحلیل للوقائع والتصرفات القانونیة تمھیدا لإعطائها الوصف القانوني السلیم ووضعھا من بین الأفكار المسندة أو التقسیمات السائدة .
لذاك التكییف ھو تحدید لمضمون الفكرة المسندة التي تعد من أھم عناصر قاعدة الإسناد، بالإضافة لضابط الإسناد والقانون المسند إلیه، وھو مسألة أولیة لازمة ومشكلة ملحة تفرض نفسھا على القاضي أو الباحث في مختلف فروع القانون الأخرى.
و قد عرف الفقه التكييف بأنه : ” تحديد
طبيعة المسألة التي تتنازعها القوانين, من أجل وضعها في نطاق طائفة من النظم
القانونية, لكي يسند حكمها إلى قانون معين”
ففي نطاق القانون المدني مثلا، یواجه القاضي مشكلة التكییف حینما یتصدى مثلا لتحدید الوصف السلیم للرابطة التعاقدیة المطروحة كالعقد مثلا ھل ھو إیجار، بیع، ھبة...
وفي نطاق القانون الجنائي یجد القاضي نفسھ لتشخیص الوقائع المطروحة علیه ،ھل ھي مثلا سرقة، خیانة أمانة، اختلاس أموال...؟
وتزداد أهمیة التكییف بصفة خاصة في مجال القانون الدولي الخاص، ذلك أن قواعد الإسناد لا تضع حلا لكل من المسائل المطروحة أمام القاضي على حدة، لكن تضع الحلول لكل طائفة من المسائل القانونیة المتشابهة المتجانسة، وھي التي تدعى الفكرة المسندة بوصفھا من عناصر قاعدة الإسناد، على نحو ما كان یقوم به القضاء الفرنسي من خلال العدید من القضایا التي ارتبط اسمھا بموضوع التكییف كقضیة ميراث المالطي([1])، و وصیة الهولندي([2]). ............ولتحميل البحث كاملا على Google Drive يرجى النقر هنـــا
[1] - ميراث المالطي: تتلخص وقائع القضية
في أن زوجان مالطيان قدما للعيش في الجزائر أثناء الاستعمار الفرنسي، تملك الزوج
عقارات في الجزائر و بعد وفاته طالبت الزوجة أمام محكمة الاستئناف بحقها في ميراث
زوجها على أساس قاعدة(نصيب الزوج الفقير) و هو نظام معروف في القانون المالطي دون
القانون الفرنسي الذي لم يكن يعترف للزوجة آنذاك إلا بحق اقتسام الأملاك المشتركة
و استرداد أملاكها الخاصة، في هذه الحالة أيضا يجد القاضي نفسه أمام مشكلة في
التكييف، فإما أن يكيف طلب المرأة على أساس أنه من قبيل الميراث المتعلق بالعقار و
بالتالي يطبق قانون موقع العقار و في هذه الحالة القانون الفرنسي و بالتالي يرفض
طلب الزوجة، و إما أن يكيف الواقعة على أساس أنها من النظام المالي للزوجين الذي
يدخل في طائفة الأحوال الشخصية و يحكمها قانون الجنسية و هنا القانون المالطي و
بالتالي يلتزم القاضي بالاعتراف للزوجة بحقها في تركة الزوج المتوفى.
[2] - وصية الهولندي: لقد أثار ورثة
هولنديون أمام المحاكم الفرنسية نزاعا يتعلق بوصية حررها هولندي في فرنسا بالشكل
العرفي أي بخط يده, إلا أنها لم تكن موثقة بالشكل الرسمي كما يشترط القانون
الهولندي, ومنه قدم الورثة طعنهم بعدم صحة الوصية لمخالفتها للمادة 992 من القانون
الهولندي التي تمنع الهولنديين ولو في الخارج من إجراء الوصية بكتابتها بخط الوصي,
وتستلزم إبرامها بشكل رسمي لدى الجهات المكلفة بتحرير العقود الرسمية. وقد تأسس
دفاع الموصى له على أن القانون المختص بشكل الوصية هو القانون الفرنسي. وقد ذهبت
المحكمة الفرنسية في حكمها الصادر في 23/3/1944 بأمه في حالة رفع دعوى أمام
المحاكم الفرنسية يثار النزاع فيها حول صحة الوصية الخطية الهولندي، يتعين الرجوع
إلى القانون الفرنسي لتكييف الشكل المطلوب، ولما كان القانون يعتبر شكل الوصية
سواء خطياً أو رسمياً مسألة تدخل في نظام شكل التصرفات، فبالتالي يخضع للقانون
الفرنسي وهو يقضي بصحة هذه الوصية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق