الاثنين، 13 نوفمبر 2023

إنشاء الرهن الرسمي - الشروط الشكلية و الموضوعية -

 

إنشاء الرهن الرسمي - الشروط الشكلية و الموضوعية -

إن الدائن حتى يضمن استيفاء حقه الشخصي كاملاً من مدينه في ميعاد الاستحقاق لا بد له من الحصول على تأمينات خاصة يتخطى بها عقبة إعسار المدين، أو غشه، أو إهماله؛ لأن الضمان العام للدائن لا يكفي. والتأمينات الخاصة نوعان: تأمينات شخصية وتأمينات عينية ، و سميت التأمينات العينية بهذه التسمية على أساس أنها ترد على شيء أو مال عيني من جهة ولأنها تعتبر من قبيل الحقوق العينية من جهة أخرى وهي على أربعة أنواع:الرهن الرسمي ،الرهن الحيازي ،حق الإختصاص،حقوق الإمتياز.

وسنختص بدراسة الرهن الرسمي بالتحديد من حيث شروطه الموضوعية و الشكلية،نظرا للأهمية العملية التي يكتسيها، و قد أورد المشرع الرهن الرسمي في المواد 882 إلى 936 من القانون المدني.

       الرهن الرسمي هو حق عيني ينشا بموجب عقد رسمي هو "الرهن" و يتقرر ضمانا للوفاء بدين على عقار مملوك للمدين أو لكفيل عيني ويكون بموجبه للدائن الحق في استيفاء دينه من ثمن هذا العقار متقدما في ذلك علي  الدائنين العاديين لمالك هذا العقار ، و الدائنين أصحاب الحقوق العينية على العقار المتأخرين في المرتبة ، و متتبعا هذا العقار تحد يد من  انتقلت إليه ملكيته ،  و عرف المشرع الجزائري "الرهن الرسمي " في المادة 882 من القانون المدني على انه  » الرهن الرسمي عقد يكسب  به الدائن حقا عينيا ، على عقار لوفاء دينه ، يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين التالين له في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد كان «                     

أولا- الشروط الموضوعية:

  يجب لصحة أي عقد من العقود ومن ذلك عقد الرهن الرسمي، توافر شروط موضوعية عامة تتمثل في التراضي، المحل، السبب، وشروط موضوعية خاصة ينفرد بها عقد الرهن الرسمي.

أ- الشروط الموضوعية العامة:

الأصل في جميع العقود واستنادا ّإلى المادة 59 من القانون المدني هو الرضائية والرضا هنا في الرهن الرسمي وباعتباره عقد يصدر عن كلا المتعاقدين، الراهن والمرتهن ويكون ذلك في شكل إيجاب وقبول.والغالب أن يكون الراهن هو المدين،ولكن ليس ثمة ما يمنع أن يكون الراهن شخصا آخر غير المدين،حيث يقوم هذا الأخير بتحرير رهن على عقار مملوك له ضمانا للوفاء بدين على غيره وهو الكفيل العيني ، ويجب كذلك ولصحة الرضا أن تكون إرادة الطرفين صحيحة خالية من العيوب

كما يجب أيضا وحسبما تشترطه المادة 884ق م أن يكون الراهن آهلا للتصرف والمقصود به هنا هو أهلية الآداء أو الوجوب،فبالنسبة للمدين الراهن، الرهن بالنسبة إليه من التصرفات الدائرة بين النفع والضرر وحتى يكون صحيحا تجب فيه أهلية التصرف.

أما إذا كان الراهن هو الكفيل العيني فهنا نميز بين فرضين:

فقد يكون متبرعا وهو الأصل، وباعتبار الرهن بالنسبة إليه من أعمال التبرع لذا يشترط فيه أهلية التبرع وهي بلوغه سن الرشد.

وقد يكون غير متبرع وذلك في حالة تلقيه لمقابل لما قدمه،فالرهن بالنسبة إليه من الأعمال الدائرة بين النفع والضرر وعليه يجب أن تتوفر فيه أهلية التصرف.

وإذا أوكل المدين شخصا ما ليقوم بإنشاء الرهن لمصلحته فلا بد أن تكون هذه الوكالة خاصة لأن الوكالة العامة تعطي له الحق فقط في أعمال الإدارة دون أعمال التصرف،وعليه يجب أن يكون الوكيل بالغا سن الرشد غير محجور عليه ومتمتعا بقواه العقلية.

أما فيما يتعلق بالدائن المرتهن فلم يتعرض المشرع لأهليته ،وتطبيقا للقواعد العامة فيعتبر الرهن بالنسبة إليه من التصرفات النافعة نفعا محضا لذا يكفي فيها أهلية التمييز.

 

ب- الشروط الموضوعية الخاصة:

هناك شروط ترتبط أساسا بالمدين الراهن والمتمثلة أساسا في إشتراط ملكية الراهن للعقار المرهون،إشتراط أهلية الراهن،كما أن هناك شروط تتعلق بالدين المضمون والعقار المرهون.

1- الشروط المتعلقة بالراهن: سواء كان الراهن هو المدين نفسه أو الكفيل العيني له،فإن المادة884من القانون المدني تشترط أن يكون الراهن مالكا للعقار وآهلا للتصرف فيه، والحكمة من هذا الشرط واضحة لأن من أهم آثار الرهن الرسمي ترتيب حق عيني تبعي للدائن على العقار المرهون يمكنه من استفاء حقه من ثمنه،فإذا لم يكن الراهن مالكا للعقار المرهون تخلف هذا الأثر والغرض المقصود من الرهن الرسمي.

وسنتطرق الآن إلى بعض الأوضاع الخاصة المتعلقة بشرط ملكية الراهن للعقار المرهون:

رهن ملك الغير:وهو الرهن الذي يعقده الراهن باسمه ولحسابه الخاص على عقار مملوك لغيره.

ولا يوجد نص صريح حول حكم رهن ملك الغير في القانون المدني الجزائري،لكن بالرجوع إلى المادة 884منه نجدها قد اعتبرت ملكية الراهن للعقار المرهون شرطا خاصا لإنعقاد الرهن الرسمي،ومن المعلوم أن الجزاء المترتب على تخلف شروط الإنعقاد هو البطلان المطلق،وهو ما يذهب إليه الفقه والقضاء الفرنسيين.،وتجدر الإشارة إلى انه وإن كان بيع ملك الغير عقد قابل للإبطال فإنه لا يمكن القياس على نصوصه وإعطاء نفس الحكم بالنسبة لرهن ملك الغير على أساس أنها نصوص إستثنائية،والإستثناء يحفظ ولا يقاس عليه.

2- الشروط المتعلقة بتخصيص الرهن: لتخصيص الرهن عدة مزايا سواء بالنسبة للدائن أو المدين أو حتى للإتمان العقاري،فهو يفيد المدين من حيث الإقتصار على رهن العقار أو العقارات التي تتناسب في القيمة مع الدين وتبقى باقي ممتلكاته غير مثقلة بالرهن وبإمكانه رهنها متى وجد ذلك لازما.

ويفيد الدائن من حيث تمكينه من معرفة ما يثقل عقارات مدينه من رهون وهو ما يسمح له بتقدير الوضعية المالية له،وعليه يختار العقار غير المثقل لتفادي تزاحم الدائنين.

وأخيرا فإن تخصيص الرهن يفيد الإئتمان العقاري حيث يسمح بتداول الأموال لأن الرهن العام يجمدها نتيجة شموله لجميع العقارات.

3- الشروط المتعلقة بالعقار المرهون: يشترط أن تكون الملحقات عقار سواء بطبيعتها أو بالتخصيص،كما يجب أن تكون الملحقات من توابع العقار المرهون.وهو ما تقضي به المادة 886 من القانون المدني .

وتجدر الإشارة إلى أن قاعدة إمتداد الرهن للملحقات ليست من النوع الذي يجوز الإتفاق على مخالفته.

أما بالنسبة للثمار فلا تعد من ملحقات العقار بإعتبار أن الحيازة تبقى للراهن،فله أن يستعمله ويستغله فإذا أنتج ثمارا كان له أن يقبضها.وهو ما نصت عليه المادة 887 من القانون المدني .

لكن هذا لا يبقى دائما حيث عندما تبدأ إجراءات التنفيذ على العقار المرهون فسيتم إلحاق الثمار بالعقار وبالتحديد من تاريخ تسجيل التنبيه بنزع الملكية.

أما في حالة إنتقال العقار المرهون إلى ملك الحائز فإن الثمار لا تلتحق بالعقار إلا من تاريخ توجيه الإنذار بالدفع أو التخلية للحائز.أنظر في ذلك المادة 888 من القانون المدني .

رهن المال المستقبلي: المقصود به أن يقوم الراهن برهن مال لا يملكه في الحال وليس له عليه أي حق ولكن يتوقع أن يتملكه في المستقبل بمقابل أو بدون مقابل.ويأخذ رهن المال المستقبلي نفس حكم رهن ملك الغير(المادة 891 من القانون المدني)،وعليه يعد باطلا بطلانا مطلقا وذلك لتعارضه مع أهم المبادئ التي يقوم عليها الرهن الرسمي:فهو يناقض قاعدة أو مبدأ التخصيص الذي يشترط التعيين الدقيق والكافي للعقار المرهون. كما يتعارض أيضا مع أهم شروط إنعقاد وصحة الرهن الرسمي وهي تملك العقار محل الرهن.

رهن المالك تحت شرط: إذا صدر الرهن من مالك العقار على شرط سواء كان واقفا أو فاسخا فإن الرهن صحيح،إلا أن مصيره يبقى مرتبطا بمصير الشرط ممن حيث تحققه أو تخلفه،فإذا كان الراهن مالكا للعقار على شرط واقف،كان رهنه صحيح،إلا أنه يبقى معلق على الشرط الواقف،فإذا تحقق الشرط يعتبر الراهن مالكا للعقار من تاريخ الإبرام،إعمالا لفكرة الأثر الرجعي،ومن ثمة تأكد الرهن وأعتبر أنه صادر من مالك العقار،أما إذا تخلف الشرط فإن ملكية الراهن تزول بأثر رجعي،وعد الراهن غير مالك للعقار،ومن ثمة أعتبر الرهن رهنا لملك الغير.

ثانيا- الشروط الشكلية:

لقد أشارت المادة 883 من القانون المدني إلى أن الرهن لا ينعقد إلا بعقد رسمي ،و المقصود بالرسمية هو أن يكون هناك ورقة رسمية يفرغ فيها عقد الرهن الرسمي حتى يكون هذا العقد صحيح(المادة 324 مكرر1).

ولتحقيق الرسمية المطلوبة لإنعقاد الرهن الرسمي لا بد من توفر شرطان:

×    إفراغ عقد الرهن في ورقة رسمية.

×  إدراج بيانات التخصيص من حيث العقار المرهون والدين المضمون في هذه الورقة الرسمية،حيث أن مبدأ تخصيص الرهن يقتضي التعيين الدقيق لكلا من العقار المرهون والدين المضمون تطبيقا لنص المادة891من القانون المدني الجزائري.

إذا كان المشرع الجزائري يشترط إفراغ عقد الرهن الرسمي في شكل معين فإنه تبعا لذلك يلزم توفر هذا الشرط في كل من الوكالة والوعد بالرهن ،والرسمية هنا هي شرط إنعقاد وليست شرط إثبات([1])،أي هي ركن في عقد الرهن الرسمي.

إشتراط الرسمية في التوكيل بالرهن الرسمي:التوكيل في عقد الرهن الرسمي يجب أن يتبعه من حيث شكليته أي لا بد هو الآخر أن يتم في ورقة رسمية.والوكالة في الرهن لا تكفي أن تكون عامة بل يجب تخصيصها،وعليه يجب أن يكون التوكيل بالرهن حاصلا في ورقة رسمية و أن يحدد فيه العقار محل التوكيل والدين المضمون،والحكمة من إشتراط شكلية التوكيل أن الأصيل لا يعبر عن إرادته إلا مرة واحدة عند الشكل المطلوب لإبرام العقد،أما إذا كان التوكيل بالرهن من المرتهن،فالأمر يختلف فلا تشترط فيه الرسمية ولا التخصيص بإعتبار الرهن عمل نافع نفعا محضا للمرتهن ولأن الرسمية لا تشترط وفقا للرأي الراجح إلا في رضا المدين الراهن،وعلى ذلك يصح أن يوكل الدائن المرتهن غيره بورقة عرفية.

إشتراط الرسمية في الوعد بالرهن: قد لا نكون بصدد عقد نهائي للرهن وإنما وعد بإبرامه والرهن كما رأينا يعد عقدا شكليا تجب فيه الرسمية والأمر نفسه بالنسبة للوعد بالرهن،فلا ينعقد إلا إذا أفرغ في ذات الشكل الرسمي المتطلب في عقد الرهن.وفضلا عن ذلك يجب أن يتضمن هذا الوعد بيانا بجميع المسائل الجوهرية اللازمة لعقد الرهن من حيث تعيين العقار المرهون وإلتزام الدين المضمون وتحديد مدة يلزم في خلالها إبرام العقد النهائي.والحكمة من ذلك أنه إذا لم يتم الوعد في نفس الشكل الذي يشترطه المشرع لتمام التصرف ذاته،فسيؤدي هذا إلى إمكان التهرب من شرط الشكل المطلوب،ثم تحدث بعد ذلك خصومة تعرض أمام القضاء فإذا حكم القاضي بصحة عقد الوعد قام الحكم مقام العقد دون أن تكون إجراءات الشكل قد روعيت في هذا العقد،وعلى هذا فالوعد بإنشاء رهن رسمي لا ينعقد إلا إذا أفرغ في شكل رسمي.

أما إذا لم تتوفر في عقد الوعد بالرهن الرسمية أو لم تتضمن الورقة الرسمية البيانات الخاصة بالعقار المرهون والدين المضمون فإن هذا الوعد لا يمكن أن يؤدي إلى إلزام الواعد بإبرام الرهن.

 

ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...

لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى النقر هنا 



[1] - تتميز شكلية الإنعقاد عن شكلية الإثبات فيما يلي: - شكلية الإنعقاد ركن وبالتالي يترتب على تخلفها البطلان المطلق أما شكلية الإثبات فليست ركن وبالرغم من تخلفها يبقى العقد صحيح.

- شكلية الإنعقاد تشترط الكتابة الرسمية أما شكلية الإثبات فيكفي أن تكون بورقة عرفية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق