الثلاثاء، 14 نوفمبر 2023

أسباب انقضاء الدعوى العمومية

 

 أسباب انقضاء الدعوى العمومية

         يقصد بانقضاء الدعوى العمومية عند الفقه "استحالة دخولها في حوزة القضاء المختص بنظرها أو استحالة استمرارها في حوزته" ،هذه الاستحالة تتجسد في عدة حالات أو أسباب جاءت في نص المادة 6  ([1])من قانون الإجراءات الجزائية ، وقد قسمها الفقه إلى أسباب عامة تطبق على كل أنواع الجرائم و لا تحتاج إلى نص خاص لتنقضي بها الدعوى العمومية وأسباب خاصة تنقضي بها الدعوى العمومية في بعض الجرائم دون غيرها و تشترط وجود نص خاص لتطبيقها.

أولا - أسباب عامة لإنقضاء الدعوى العمومية:

أ- وفاة المتهم:

استنادا لمبدأ شخصية العقوبة الذي يقتضي ألا توقع العقوبة إلا على الجاني و لا تمتد لغيره فإنه من الطبيعي أن تنقضي الدعوى العمومية بوفاة المتهم، وتجدر الإشارة أن المشرع الجزائري في نص المادة 6 من ق إ ج نص على انقضاء الدعوى العمومية ما دام لم يصدر بشأنها حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي فيه، أي أن الوفاة يترتب عليها هذا الأثر إذا حدثت أثناء نظر الدعوى، ويستوي في ذلك أن تكون منظورة أمام المحكمة أو المجلس القضائي أو المحكمة العليا، أما إذا حدثت الوفاة بعد صدور الحكم البات فإن أثرها لا ينصرف إلى الدعوى التي انقضت بالحكم البات، وإنما ينصرف إلى تنفيذ العقوبة، و يترتب على ما قيل أعلاه ما يلي:

- إذا حدثت الوفاة قبل تحريك الدعوى العمومية تأمر النيابة العامة بحفظ أوراق القضية.

- إذا حدثت الوفاة وكان الملف أمام قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام فيصدر أمر أو قرار بألا وجه

للمتابعة.

- إذا حدثت الوفاة خلال مجلة المحاكمة سواء كان الملف أمام المحكمة أو أمام المجلس القضائي أو أمام أو قرار بانقضاء المحكمة العليا فيصدر حكما الدعوى العمومي.

ب – التقادم:

قبل الحديث عن أحكام التقادم يجب التفرقة بين تقادم الدعوى العمومية و تقادم العقوبة؛ ذلك أن تقادم العقوبة يعني مضي مدة زمنية محددة من تاريخ النطق بالحكم دون تنفيذه على المحكوم عليه، بينما تقادم الدعوى العمومية تحتسب فيه المدة ابتداء من تاريخ وقوع الجريمة أو من يوم انقطاع المدة بأي إجراء قضائي.

تنقضي الدعوى العمومية أيضا قبل المتهم بمضيء 10 سنوات كاملة في الجنايات( المادة 7 ق إ ج) و  03 سنوات في الجنح( المادة 8 ق إ ج)  و02 سنتين في المخالفات ( المادة 9 ق إ ج) من يوم ارتكاب الجريمة إن لم تتخذ خلال هذه الفترة إجراءات المتابعة أو التحقيق، أما إن اتخذت هذه الإجراءات خلال هذه الفترة، بتحريك الدعوى العمومية من النيابة أو المدعي المدني عن طريق الادعاء المدني أو بالتكليف بالحضور للمحكمة بناء على محضر جمع الاستدلالات إلخ... فإن مدة التقادم تكون منقطعة في هذه الحالة ولا يبدأ سريانها من جديد إلا من انتهاء آخر إجراء يتعلق بالتحقيق وذلك سواء بالنسبة للمتهمين الذين اتخذت ضدهم الإجراءات القاطعة للتقادم أو غيرهم ممن لم تتخذ ضدهم.


جرائم لا تخضع للتقادم أوتخضع لمدد أخرى:

- لا تنقضي الدعوى العمومية بالتقادم في الجنايات والجنح الموصوفة بأفعال إرهابية وتخريبية وتلك المتعلقة بالجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية أو الرشوة أو اختلاس الأموال العمومية... (م 8 مكرر)

- لا تتقادم الدعوى العمومية ولا العقوبة بالنسبة للجرائم المنصوص عليها في هذا القانون في حالة ما إذا تم تحويل عائدات الجريمة إلى خارج الوطن .( م 54 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته)

بدأ حساب التقادم:

يحسب التقادم بالتاريخ الميلادي وليس بالتاريخ الهجري، كما يبدأ حسابها من يوم وقئ الجريمة سواء علم بها أو لم يعلم، ويحدد هذا اليوم من خلال تاريخ ارتكاب الجريمة والذي يكون بتمامها وليس بتاريخ ارتكاب السلوك لإجرامي فقط، ولا توجد صعوبة إذا كان تاريخ ارتكاب السلوك هو نفسه تاريخ تمام الجريمة مثلما يحدث في الجرائم الوقتية مثل السرقة والضرب، أما إذا كانت الجريمة مستمرة مثل جريمة استعمال مزور فتسري مدة التقادم ابتداء من تاريخ انتهاء حالة لاستمرار في الاستعمال.

بالنسبة للحدث فقد أشارت المادة 8 مكرر1 بأنه بشأن الجنايات والجنح التي ترتكب ضده وليس من طرفه تكون ابتداء من بلوغه سن الرشد وهو 19 سنة كاملة، وحسنا فعل المشرع عندما غير طريقة حساب التقادم للحدث لأنها تشكل حماية له، خاصة إذا كان المتهم هو الشخص الذي يمارس الولاية عليه، بالإضافة وأن سن الرشد كفيل بجعله بالغا عاقلا مدركا لما قد ينجم عن تصرفه في تقديم الشكوى من عدمه.

 

ج - العفو الشامل:

يعرف العفو الشامل كذلك بالعفو العام وهو سبب من أسباب انقضاء الدعوى العمومية يمحو عن الفعل صفته الجزائية بأثر رجعي فيعتبر كما لو كان مباحا، ولذا يجب أن يصدر بقانون، أي أن يكون صادرا عن سلطة تشريعية، وهو ما نصت عليه المادة 7/140 من الدستور الجزائري.

يختلف العفو الشامل عن العفو الخاص الذي يصدر عن رئيس الجمهورية طبقا لنص المادة 7/91 من الدستور الجزائري ويكون ذلك في شكل مرسوم رئاسي باعتباره القاضي لأول في البلاد.

يمكن أن يكون العفو الشامل في أي مرحلة كانت عليها الدعوى:

- فإذا صدر قبل تحريك الدعوى فتصدر النيابة العامة أمرا بالحفظ.

- و إذا كانت مرفوعة أمام قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام يصدر أمر أو قرار بانتفاء وجه الدعوى.

- و إذا كانت الدعوى أمام المحكمة أو المجلس القضائي أو المحكمة العليا يصدر حكما أو قرار بانقضاء الدعوى العمومية أو بسقوطها.

- و إذا صدر حكما نهائيا ثم أصدرت السلطة التشريعية عفوا، فيترتب أثره القانوني و لا تطبق العقوبة.

 

د - إلغاء قانون العقوبات:

إن صدر قانون يلغي القانون الذي توبع المتهم بموجبه، انقضت الدعوى العمومية أخذا بقاعدة القانون الأصلح للمتهم,

هـ - صدور حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي فيه:

لما كانت الدعوى العمومية وسيلة الدولة لاقتضاء حقها في العقاب عن طرق طرح الخصومة الجنائية على القضاء، فإن صدور حكم فاصل في موضوع تلك الخصومة لابد أن يحدث أثره في انقضاء الدعوى العمومية، فهو السبب الطبيعي للانقضاء، على خلاف الأسباب لأخرى الني تنقضي بها الدعوى العمومية قبل وصولها إلى نهايتها ،  لكن ليس كل حكم فاصل في موضوع الخصومة الجنائية تنقضي به الدعوى العمومية، فيجب أن يكون هذا الحكم باتا ونهائيا يمثل الحقيقة فيما قضى به، ويكون كذلك إذا تم استيفاء جميع طرق الطعن؛ وهي المعارضة والاستئناف والطعن بالنقض، أو مضت المدة التي حددها القانون دون أن يتم الطعن في الحكم فأصبح نهائيا.

ثانيا - أسباب خاصة لإنقضاء الدعوى العمومية:

أ- تنفيذ اتفاق الوساطة:

قد أشار المشرع أنه يجوز لوكيل الجمهورية وقبل أي متابعة جزائية أن يعرض الوساطة على الضحية والمشتكى منه عندما يكون من شأنها وضع حد للإخلال الناتج عن الجريمة أو جبر الضرر المترتب عليها، وتكون الوساطة في جميع المخالفات وفي بعض الجنح . حددها على سبيل الحصر . من بينها السب والقذف ولاعتداء على الحياة الخاصة والتهديد والوشاية الكاذبة وعدم تسديد النفقة ... وغيرها، كما تكون بمبادرة من وكيل الجمهورية أو بطلب من الضحية أو المشتكى منه وبموافقة منهما، وتتم بموجب اتفاق مكتوب، ويدون في محضر يشمل هوية وعنوان الأطراف وعرضا للأفعال ويحدد مضمون الاتفاق وآجال التنفيذ، ويكون غير قابلا لأي طرق من طرق الطعن، بل يعد سندا تنفيذيا، ويتابع ويعاقب جزائيا كل من امتنع عمدا عن تنفيذ اتفاق الوساطة بجريمة التقليل من شأن الأحكام والقرارات القضائية الواردة بالمادة 2/147 من قانون العقوبات.

لم يقيد المشرع الأطراف بنقاط صلح معينة، بل فتح المجال للتراضي بينهما على أي اتفاق، بشرط ألا يكون مخالفا للقانون، ورغم ذلك رسم توجه معين قد يسير عليه المهتم والضحية عادة وهو إما إعادة الحال إلى ما كانت عليه، أو تعويض مالي، أو عيني عن الضرر. وفي حالة عدم تنفيذ اتفاق الوساطة في الآجال المحددة يمكن لوكيل الجمهورية اتخاذ ما يراه مناسبا بشأن المتابعة طبقا لمبدأ الملائمة.

بالنسبة للطفل فإنه يجوز إجراء الوساطة في كل الجنح والمخالفات وفي أي وقت قبل تحريك الدعوى العمومية من طرف وكيل الجمهورية طبقا لأحكام المادة 110 من قانون حماية الطفل رقم 15 - 12 المؤرخ في 15 جويلية 2015، باستثناء الجنايات التي لا تجوز فيها الوساطة. كما أجازت أن يتضمن كذلك محضر الوساطة تعهد الطفل تحت ضمان ممثله الشرعي تنفيذ التزام أو أكثر من الالتزامات التالية:

- إجرء مراقبة طبية أو الخضوع للعلاج

- متابعة الدراسة أو تكوين متخصص

- عدم الإتصال بأي شخص قد يسهل عودة الطفل إلى الإجرام.

ب- سحب الشكوى (التنازل عنها)

"التنازل عن الشكوى عبارة عن تصرف قانوني صادر عن الإرادة المنفردة  للمجني عليه ، يتم بمقتضاه التعبير عن نيته الصريحة في وقف سير إجراءات المتابعة في مواجهة المتهم، وذلك قبل الفصل نهائيا و بحكم بات في الدعوى العمومية"

إن الإعتبارات التي قيد بها المشرع حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية على شكوى المجني عليه ، هي نفسها التي يمكن من خلالها هذا الأخير من سحب شكواه، إذا رأى أن مصلحته تتعارض و السير في إجراءات الدعوى.

يعد التنازل جائزا في أي مرحلة كانت عليها الدعوى إلى غاية صدور حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقتضى منه .

- إذا حصل التنازل أمام الضبطية القضائية أصدرت النيابة العامة أمرا بحفظ الملف

- إذا حصل التنازل أمام قاضي التحقيق أو غرفة الإتهام أصدر أمرا أو قرارا بانتفاء وجه الدعوى

-إذا حصل أمام المحكمة أو المجلس القضائي أو المحكمة العليا صدر حكما أو قرارا بانقضاء الدعوى

جرائم التناول عن الشكوى:

بالنظر إلى قانون العقوبات نجده يميز بين نوعين من الجرائم ، النوع الأول هي الجرائم التي تكون مقيدة في تحريكها من المجني عليه و بالتالي سحبها و التنازل عنها بنفس الكيفية.

أما النوع الثاني فهو خاص بالجرائم غير مقيدة بشكوى و رغم ذلك يمكن التنازل عنها من طرف المجني عليه وهذا ما دعا بعض الفقه في الجزائر إلى التمييز بينهما في استعمال مصطلح "سحب الشكوى" إذا كانت الجريمة في الأصل مقيدة بها ، ومصطلح " الصفح" إذا كانت الجريمة في الأصل غير مقيدة بشكوى.

 

ج – المصالحة

تعرف المصالحة على أنها "إجراء يتم بمقتضاه انقضاء الدعوى العمومية من غير أن ترفع على المتهم إذا ما دفع مبلغا معينا للطرف عارض المصالحة في مدة محددة"، ولا زالت المصالحة في المواد الجزائية محل خلاف فقهي نظرا لما تطرحه من تناقضات في المبادئ العامة في القانون، ولهذا وجد معارضون و مؤيدون لفكرتها، فالمعارضون يستندون لكون المصالحة الجزائية تتعارض مع مبدأ المساواة في خضوع كل الجناة لمعاملة قانونية واحدة ،مما يؤدي للإعتقاد أن القانون يطبق على الفقراء فقط لعدم امتلاكهم المال للتصالح، دون أن ننسى أن المصالحة تؤدي إلى تحكم رجال الإدارة ، مما يجعلهم يميلون مع بعض الجناة على حساب البعض الآخر.

إلا أن المؤيدين لفكرة المصالحة يعطون تبريرات أكثر إقناعا و تأسيسا و أهمها أن المصالحة تجد لها مصدرا في الشريعة الإسلامية ،بالإضافة أن التشريعات التي أخذت بهذا الإجراء لم تقم بذلك إلا في الجرائم المالية غير الخطيرة و التي تكون عقوبتها عادة عبارة عن غرامة مالية ، كما تخفف المصالحة من أعباء القضاء، زيادة على أنه يجنب المتهمين أنفسهم تحمل إجراءات الدعوى وما تستجوبه من بذل للجهد والمال.

أما عن الجرائم التي تجوز فيها المصالحة فقد نص قانون الإجراءات الجزائية الجزائري بالمواد من 381 إلى 393 على إمكان انقضاء الدعوى العمومية في مواد المخالفات بدفع المخالف غرامة صلح مساوية للحد الأدنى المنصوص عليه قانون عقوبة للمخالفة المرتكبة، خلال ثلاثين يوما من تاريخ استلامه الأخطاء، بموجب خطاب موصى عليه من النيابة العامة سواء تم الدفع نقدا لدى المكتب المحصل أو بواسطة حوالة بريدية أو بواسطة طابع جبائي يعادل مبلغ الغرامة الواجبة الدفع.

 

ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...

لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى النقر هنا 

 



[1] - المادة 6:معدلة بالأمر 15-02"تنقضي الدعوى العمومية الرامية إلى تطبيق العقوبة بوفاة المتهم، وبالتقادم والعفو الشامل، وبإلغاء قانون العقوبات وبصدور حكم حائز لقوة الشيء المقضي.
غير أنه إذا طرأت إجراءات أدت إلى الإدانة وكشفت عن أن الحكم الذي قضى بانقضاء الدعوى العمومية مبني على تزوير، أو استعمال مزور، فإنه يجوز إعادة السير فيها، وحينئذ يتعين اعتبار التقادم موقوفا منذ اليوم الذي صار فيه الحكم أو القرار نهائيا إلى يوم إدانة مقترف التزوير أو استعمال المزور.
تنقضي الدعوى العمومية بتنفيذ اتفاق الوساطة وبسحب الشكوى إذا كانت شرطا لازما للمتابعة.
كما يجوز أن تنقضي الدعوى العمومية بالمصالحة إذا كان القانون يجيزها صراحة."

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق