الضمانات الممنوحة للإستثمارات
يعتبر موضوع الاستثمار الأجنبي من أهم الموضوعات الاقتصادية التي تشغل الدول النامية والمتقدمة على حد سواء باعتباره محركا للتنمية الاقتصادية، لهذا سعت الجزائر وكغيرها من الدول النامية لجذب أكبر عدد ممكن من الاستثمارات الأجنبية، وذلك برسم استراتيجية تشريعية تتضمن الحماية الكافية للمستثمر الأجنبي من خلال سن قوانين ونصوص تشريعية توفر الحماية التي يحتاجها المستثمر الأجنبي فأنشأ أجهزة خاصة للاستثمار ووفر ضمانات مختلفة، كما اعتمد كل الوسائل الوطنية والدولية التي توفر الحماية القانونية، فأبرمت الجزائر اتفاقيات وواكبت دول العالم في النظم المعتمدة لتسوية كل النزاعات التي يمكن أن تنقص من الحماية المقررة للاستثمار.
أولا - الضمانات ذات الطابع القانوني والمالي:
سعیا منه لخلق مناخ أكثر ملائمة للاستثمارات الأجنبیة، أدرج المشرع الجزائري مجموعة من الضمانات في القوانین المختلفة التي تكفل الحمایة للمستثمر الأجنبي، التي سنتطرق إلیها على النحو التالي:
1- الضمانات القانونية:
تعتبر الضمانات القانونية الممنوحة للمستثمر الأجنبي تلك الوسائل و الآليات التي رصدتها مختلف الدول باختلاف مستوياتها الإقتصادية لحماية الاستثمار الأجنبي من المخاطر غير التجارية التي يمكن أن يتعرض لها. حيث تتمثل هذه الوسائل التي تشكل في مجموعها الضمانات في: ضمان
حرية الاستثمار، ضمان المساواة بين المستثمرين (یُقصد بهذا المبدأ معاملة المستثمرین الأجانب بنفس المعاملة العادلة والمنصفة وذلك عملا بالمادة 32 من الدستور التي تضمن المساواة أمام القانون ،التي یُعامل بها المستثمرین الوطنیین في الجزائر وكذا المادة 21 من القانون 16-09 المتعلق بترقیة الاستثمار التي تنص:" مع مراعاة أحكام الاتفاقیات الثنائیة و الجهویة الموقعة من قبل الدولة الجزائریة، یتلقى الأشخاص الطبیعیون والمعنویون الأجانب معاملة منصفة وعادلة، فیما یخص الحقوق والواجبات المرتبطة باستثماراتهم" ). ، ضمان استقرار القوانين(كرّس المشرع الجزائري مبدأ التجمید التشریعي على الاستثمارات المُنجزَة في ظل القوانین الساریة المفعول من خلال عدم سریان القانون الجدید على الاستثمارات السابقة المنجزة إلاّ إذا طلب المستثمر ذلك، وهذا ما نصت علیه المادة 22 من القانون رقم 16- 09 المتعلق بترقیة الاستثمار التي تنص: "لا تسري الآثار الناجمة عن مراجعة أو إلغاء هذا القانون، التي قد تطرأ مُستقبلا، على الاستثمار المنجز في إطار هذا القانون، إلاّ إذا طلب المستثمر ذلك صراحة."، ضمان عدم نزع ملكية المشروع الاستثماري، ضمان حرية تحويل الأموال نحو الخارج، ضمان حماية المشروع الاستثماري من الحروب و الإضطرابات المدنية. غير أن كل هذه الوسائل تعتبر غير فعالة إذا لم تحط بآليات لحمايتها سواء تمثلت هذه الآليات - من جهة - في مؤسسات الضمان المتواجدة على المستوى الدولي كالوكالة الدولية لضمان الاستثمار، أو المتواجدة على المستوى الإقليمي كالمؤسسة العربية لضمان الاستثمار. و من جهة أخرى في آليات تسوية منازعات الاستثمار التي يمكن أن تطرأ بين المستثمر الأجنبي و الدولة المضيفة لاستثماره. مع التطرق لوضعية الجزائر اتجاه الاستثمارات الأجنبية و مدى توفيرها لضمانات الاستثمار2 - الضمانات المالية:
تتمحور هذه الضمانات حول حق الملكیة(كَرَّسَ المشرع الجزائري للمستثمر الأجنبي الحق في ضمان الملكیة على الاستثمارات التي أنجزها في التراب الجزائري، إذ نص علیه دستور 2016 في المادة 64 منه التي تنص على أنّ الملكیة الخاصة مضمونة، وكذا المادة 81 من نفس الدستور التي تنص على أنّه" یتمتع كلّ أجنبي یكون وجوده فوق التراب الوطني بطریقة قانونیة بحمایة شخصه وأملاكه طِبقاً للقانون"، وتضیف المادة 22 منه على "عدم نزع الملكیة إلاّ في إطار القانون مع تعویض عادل ومنصف
لصاحب الملكیة المُنتزعة"، كما نص القانون رقم 16-09 بموجب المادة 23 منه على ضمان حق الملكیة على الاستثمارات المنجزة من طرف المستثمر الأجنبي في الجزائر، على أن یتم تعویض هذا الأخیر بطریقة عادلة ومنصفة في حالة ما إذا كانت هذه الاستثمارات محل استیلاء أو نزع ملكیة من طرف الدولة). ، وحریة حركة رؤوس الأموال وٕ إعادة تحویلها(كرست قوانین الاستثمارات للمستثمر الأجنبي الحق في تحویل رؤوس أمواله ، وأن یتم التحویل وعائدات الاستثمار إلى بلده بشرط أن یكون المستثمر أجنبیا بعملة حرّة قابلة للتحویل مُسعّرة من قِبَل بنك الجزائر بانتظام، وهذا ما نصت علیه المادة 25 من القانون رقم 16-09 المتعلق بترقیة الاستثمار التي تنص:" تستفید من ضمان تحویل الرأسمال المُستثمر والعائدات الناجمة عنه، الاستثمارات المنجزة انطلاقاً من حصص نقدیة مستوردة عن الطریق المصرفي، ومدونة بعملة حرة التحویل یُسعرها بنك الجزائر بانتظام، ویتم التنازل عنها لصالحه، والتي تساوي قیمتها أو تفوق الأسقف الدنیا المحددة حسب التكلفة الكلیة للمشروع، ووفق الكیفیات المحددة عن طریق التنظیم. كما تُقبل كحصص خارجیة إعادة الاستثمار في الرأسمال للفوائد وأرباح الأسهم المصرح بقابلیتها للتحویل طبقا للتشریع والتنظیم المعمول بهما.
یُطبّق ضمان التحویل وكذا الأسقف الدنیا المذكورة في الفقرة الأولى أعلاه، على الحصص العینیة المنجزة حسب الأشكال المنصوص علیها في التشریع المعمول به، شریطة أن یكون مصدرها خارجیا، وأن تكون محل تقییم طبقا للقواعد والإجراءات التي حكم إنشاء الشركات. ویتضمن ضمان التحویل المذكور في الفقرة
الأولى أعلاه، كذلك المداخیل الحقیقیة الصافیة الناتجة عن التنازل وتصفیة الاستثمارات ذات مصدر أجنبي حتى وٕان كان مبلغها یفوق الرأسمال المستثمر في البدایة." )، وحمایة حقوق الملكیة الفكریة.
ثانيا - الضمانات ذات الطابع القضائي:
یكون من خلال ضمان الحق في اللجوء إلى القضاء الداخلي، و ذلك بتوفیر وتسهیل جمیع الإجراءات اللازمة للتقاضي بالنسبة للمستثمر الأجنبي من خلال السماح له بمقاضاة الدولة الجزائریة أمام أجهزتها القضائیة، عن طریق رفع دعوى قضائیة مُطالبا فیها التعویض عن الأضرار التي لحقت باستثماره، حیث یعتبر حق التقاضي من بین الحقوق التي كرسها دستور 2016للمواطنین الجزائریین أو الأجانب-المواد من 56إلى61-، أو من خلال ضمان الحق في اللجوء إلى محاكم التحكیم- التحكیم التجاري الدولي- فقد یتفق المُستثمر الأجنبي والدولة الجزائریة المُضیفة للاستثمار على إجراءات ووسائل مُعینة لتسویة النزاعات القائمة بینهما، وهذا ما كرسه المشرع في المادة24 من القانون المتعلق بترقیة الاستثمار، التي تنص: "یخضع كل خلاف بین المستثمر الأجنبي والدولة الجزائریة یتسبب فیه المستثمر أو یكون بسبب إجراء اتخذته الدولة الجزائریة في حقّه، للجهات القضائیة المُختصة، إلاّ في حالة وجود اتفاقیات ثنائیة أو متعددة الأطراف أبرمتها الدولة الجزائریة تتعلق بالمصالحة والتحكیم، أو في حالة وجود اتفاق مع المُستثمر ینص على بند یسمح للطرفین بالاتفاق على تحكیم خاص."
ثالثا - الضمانات القانونیة المُجسدة في إطار الهیئات الدولیةو الإقلیمیة:
من أجل توفیر الضمانات القانونیة للمستثمر الأجنبي، قامت الجزائر بالمُصادقة على عِدّة اتفاقیات دولیة مُنشئة لمُؤسسات دولیة متعلقة بضمان وحمایة الاستثمار، فاتفاقیة واشنطن المنعقدة في 18 مارس 1965 المنشئة للمركز الدولي لتسویة المنازعات المتعلقة بالاستثمار (CIRDI) كانت بمُبادرة من البنك العالمي للبناء والتعمیر(BIRD) ،إذ یُعتبر مركز التسویة كفرع من فروع هذا الأخیر ،لكن المركز منفصل عنه قانونيا ، حیث صادقت علیها الجزائر في 30 أكتوبر1995 .
كما كفلت الجزائر ضمان اللجوء إلى الوكالة الدولیة لضمان الاستثمار و تُعتبر الوكالة كفرع من فروع البنك العالمي، أُنشئت بموجب اتفاقیة سیول المُبرمة في 11 أكتوبر 1985 صادقت علیها الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 95-345 ، المؤرخ في 30 أكتوبر 1995رغبةً منها في ضمان الاستثمارات الأجنبیة من المخاطر غیر التجاریة، المتمثلة في المخاطر السیاسیة وعدم تحویل الأموال، ومخاطر نزع الملكیة أو التأمیم والإخلال بالعلاقة التعاقدیة والحروب والاضطرابات الأهلیة، وكذا تسویة منازعات الاستثمار المتعلقة بالمشاریع التي تُقدم ضمانات لها، وذلك عن طریق إبرام عقود التأمین و إعادة التأمین مع الدول الأعضاء.
إضافة لما سبق ذكره أبرمت الجزائر عدّ ة اتفاقیات دولیة ثنائیة الأطراف سواء مع الدول العربیة أو مع دول غیر عربیة، التي من خلالها نصت على مجموعة من الضمانات القانونیة .
من خلال استعراضنا لما سبق نصل إلى أنّ الجزائر بذلت جهودا كبیرة قصد استقطاب الاستثمارات الأجنبیة ویتجلى ذلك من خلال الإصلاحات التي باشرتها في منظومتها التشریعیة، بَدْءً من قانون النقد والقرض رقم 90-10الملغى بالقانون رقم 03-11 المعدل والمتمم إلىغایة القانون رقم 16-09
المتعلق بترقیة الاستثمار الساري المفعول حالیا، وذلك ما لم تكن هناك تعدیلات أخرى في السنوات الجاریة المُقبِلة نظرا لعدم الاستقرار في منظومتنا التشریعیة، فمن خلال أحكام هذا القانون نستخلص أن المشرع الجزائري قد منح ضمانات قانونیة للمستثمرین الأجانب لتشجیعهم على استثمار رؤوس أموالهم في الجزائر، وخلق بدیل آخر لقطاع المحروقات من خلال دعم وتطویر المؤسسات الناشئة مع إعادة تأهیلها، وكذا استحداث أنشطة جدیدة لتوسیع قدرات الإنتاج وتحقیق التنمیة الاقتصادیة وتوفیر السیولة الخ...، لكن بالرغم من توفیر المشرع الجزائري لكلّ هذه الضمانات إلاّ أنه لم یُحقّق القدر الكافي و اللازم من الضمانات على أرض الواقع إذ یعود ذلك لعدة أسباب والمتمثلة في:
- عدم الاستقرار التشریعي الذي یتذبذب بتعاقب الحكومات حیث لم یعرف الهدوء والاستقرار إلى وقتنا الحاضر؛
- عدم الإنفاق على البنیة التحتیة الأساسیة وذلك بتوفیر وتشیید وتطویر بعض المرافق التي من شأنها أن تُشَجِّع عملیة استقطاب الاستثمارات الأجنبیة، كإنشاء المطارات والقطارات السریعة والفنادق وزیادة تدفق الإنترنت و إدخال نموذج التصدیق الإلكتروني حیّز التطبیق الخ...؛
- المشاكل المُرتبطة بالتحویلات البنكیة لرؤوس الأموال التابعة للمستثمرین الأجانب التي تعود إلى بیروقراطیة إدارة المصارف وعدم عصرنتها وفقا لمستجدات الثورة الرقمیة؛
-عدم توجیه الاستثمارات الأجنبیة إلى القطاعات الإنتاجیة و مجال تكنولوجیات الاتصال والإعلام والبیئة الخ...، بالرغم من منح المشرع الجزائري لكلّ المزایا اللاّزمة لغرض استقطابها؛
- عدم توفیر المناخ الملائم للمستثمر الأجنبي وذلك یعود إلى عدم توفیر الحمایة والأمن اللاّزمین للاستثمارات الأجنبیة داخل البلاد، حیث أصبحت ظاهرة الإرهاب لشغل الشاغل في أیّة دولة من العالم التي تستلزم تضافر جهود كلّ الدول من أجل القضاء على هذه الظاهرة وقاعدة "تقنتورین" كأحسن دلیل على ذلك.
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى النقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق