البطلان المترتب عن تخلف أركان الشركة
لقيام الشركة توافر مجموعة من الأركان الموضوعية العامة لا غنى عنها في أي تصرف قانوني، ( الرضا، الأهلية، المحل والسبب)، أركان موضوعية خاصة ( تعدد الشركاء، الحصص، هدف تحقيق الربح، اقتسام الأرباح والخسائر) وأركان شكلية تستقل بأحكامها الشركات ( الكتابة، التسجيل والإشهار القانوني)، ويترتب على تخلف أي ركن من الأركان الموضوعية العامة أو الخاصة أو الأركان الشكلية لعقد الشركة بطلان الشركة، ويكون البطلان إما نسبيا أو مطلقا أو بطلان من نوع خاص حسب الركن المتخلف، والأصل أن البطلان مهما كان نوعه يؤدي إلى زوال العقد بأثر رجعي وإعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد إلا أن الطبيعة الخاصة لعقد الشركة تجعل أن ذلك لا يطبق بصفة مطلقة، لأن ذلك قد يضر بحقوق الغير ويهدر كافة المعاملات التي قامت بها الشركة مع الغير الذي لا يعلم بشأن هذا البطلان. الأمر الذي يدفعنا للتساؤل في هذا الصدد حول مدى تطبيق القواعد العامة على عقد الشركة التجارية في حالات البطلان؟
و للإجابة على هذه الإشكالية سنقوم بدراسة حالة البطلان المترتب عن الإخلال بأركان الشركة سواء كانت أركان عامة أم خاصة أو الأركان الشكلية.
أولا – البطلان المترتب عن تخلف الأركان العامة للشركة:
1- البطلان المطلق: يبطل عقد الشركة مطلقا إذا كان الرضا منعدما، أو كان المحل أو السبب مخالف للنظام
العام والآداب العامة، كالاتجار بالمخدرات أو التهريب، أو إذا تضمن عقد الشركة شرط الأسد، ويحق لكل ذي كل مصلحة أن يتمسك به، كما يمكن للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ولا يزول البطلان بالإجازة ولا يمكن تصحيحه، وتسقط دعوى البطلان بمضي15 سنة من تاريخ إبرام العقد كذلك يؤدي البطلان المطلق إلى فسخ العقد وزوال العقد بأثر رجعي، ويعود المتعاقدون إلى الحالة التي كانوا عليها من قبل.
2- البطلان النسبي: إذا شاب أحد الشركاء عيب من عيوب الرضا كالإكراه والغلط والتدليس، أو كان الشريك قاصرا فإن البطلان يقع لمصلحته فقط دون بقية الشركاء، ويسقط حق الشريك في طلب البطلان إذا أجاز العقد سواء كانت الإجازة صريحة أو ضمنية حسب المواد 100 و 101 ق م ، ويسقط حقه إذا لم ، يتمسك به الشريك خلال 05 سنوات، ويبدأ سريان هذه المدة في حالة نقص الأهلية من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب، وفي حالة الإكراه من يوم انقطاعه، غير أنه لا يجوز التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت 10سنوات من وقت تمام العقد.
وإذا كان الأصل أن أثر البطلان النسبي يقتصر على من شرع هذا البطلان لمصلحته، إلا أن هذا الأثر يمتد
مع ذلك إلى بقية الشركاء إذا تعلق الأمر بشركة من شركات الأشخاص، فيؤدي النطق به إلى انهيار العقد برمته بالنسبة لكافة الشركاء لأن الشريك في هذا النوع من الشركات محل اعتبار خاص عند التعاقد، أما إذا تعلق الأمر بشركات الأموال التي تقوم على الاعتبار المالي فإن أثر البطلان يقتصر على من شاب العيب رضاه، ويظل العقد صحيحا منتجا لأثاره بالنسبة لباقي الشركاء.
ثانيا – البطلان المترتب عن تخلف الأركان الخاصة للشركة
لا تثور مشكلة البطلان بالمعنى القانوني الدقيق عند تخلف ركن تعدد الشركاء أو تقديم الحصص أو نية الاشتراك، لأن العقد في هذه الأحوال يستحيل أن يكون عقد شركة لفقدانه المقومات التي تجعله قادرا على خلق شخص معنوي يتمتع بكيان مستقل عن شخصية المتعاقدين ، فإذا تخلف ركن من الأركان الموضوعية الخاصة فإننا لا نكون بصدد عقد الشركة، فهذه الشروط هي التي تميز الشركة كشخص معنوي له ذمة مالية خاصة، ومشكل البطلان لا يثار لأن الشركة تكون منعدمة، كاشتراط المشرع في شركة المساهمة أن لا يقل عدد الشركاء عن 07 ،و في الشركة ذات المسؤولية المحدودة يجب أن لا يزيد عدد الشركاء عن 50 شريكا حسب المادة 590 من القانون التجاري المعدلة بالقانون 15-20 المؤرخ في 30/12/2015.
كذلك يترتب على عدم تقديم حصص الشركاء بطلان الشركة، لأن الحصص هي بمثابة الضمان العام للمتعاملين مع الشركة، الأمر الذي يجب معه تقديم الحصص، ويجب الالتزام بالحد الأدنى لرأس المال المنصوص عليه في القانون حسب نوع الشركة .
ولكن إذا انتفت نية اقتسام الأرباح والخسائر أو كان العقد يحتوي على شرط الأسد الذي يهدف إلى منع أحد الشركاء من الحصول على الأرباح أو إعفائه من الخسائر، تكون الشركة باطلة بطلانا مطلقا.
ثالثا – البطلان المترتب عن تخلف الأركان الشكلية للشركة
حسب المادة 418 من القانون المدني يعتبر البطلان المترتب عن تخلف ركن الكتابة ذو طبيعة خاصة، فلا هو بطلان مطلق لأن المحكمة لا تستطيع أن تقضي به من تلقاء نفسها، ولا هو بطلان نسبي لأن التمسك به جائز لكل ذي مصلحة وعليه:
- ففي العلاقة بين الشركاء و الغير:لا يجوز للشركاء التمسك بالبطلان لعدم الكتابة لأنهم أهملوا القيام بالتزام قانوني، و لا يجوز لهم الاستفادة من خطئهم. أما الغير فيجوز له التمسك ببطلان الشركة أو بقيامها أو بما أدخل عليها من تعديلات و ذلك حسب مصلحته، و له أن يُثبت ذلك بكافة طرق الإثبات.
- وفي العلاقة بين الشركاء:يجوز لكل شريك أن يتمسك بالبطلان كما لو طالبه مدير الشركة أو باقي الشركاء بحصته في رأس المال فيجوز له أن يمتنع عن تقديمها مستندًا إلى بطلان الشركة. على أنه ليس لهذا البطلان أثر رجعي بل يقتصر أثره على وقت طلب الحكم بالبطلان.
رابعا - تصحيح البطلان :
دعمًا منه للائتمان التجاري حاول المشرع الجزائري التدخل في كثير من النصوص محاولا الحفاظ على المشروع قائمًا، لأن زواله سيكون له أثرًا بالغًا على الحقل التجاري و الائتمان من جهة، و على من يتعامل مع هذا المشروع من جهة أخرى. فنلاحظ أنه مرة يسعى إلى ترجيح المصلحة العامة إن دعت الضرورة لذلك، و مرة أخرى يسعى إلى الحفاظ على مصلحة الشركاء و المتعاملين معهم. و كان في الحالتين حكيمًا، و حكمته تتجلى في كونه عندما أجاز التصحيح أجازه لأسباب منها ما هو فني و منها ما هو مصلحي، فالأول هو أنه عندما يزول سبب البطلان تنقضي الدعوى، والثاني هو أن المشرع لا يلتمس الأخطاء للشركة حتى يحكم ببطلانها بل نراه يُشجعها دعمًا منه للائتمان التجاري. و على هذا الأساس فإنه يمكن تصحيح البطلان لأي سبب كان ماعدا بطلان المحل والسبب إذا كانا يخالفان النظام العام و الآداب العامة.
خامسا - تقادم دعوى البطلان :
دعوى بطلان الشركة تنقضي بانقضاء ثلاث سنوات من يوم العلم بسبب البطلان، مع مراعاة الفترة التي نصت عليها الفقرة الأولى من المادة 738 تجاري و هي ستة شهور من تاريخ الإنذار بطلب تصحيح البطلان. أما بالنسبة لدعاوى المسؤولية الناجمة عن إبطال الشركة فيسرى التقادم اعتبارًا من التاريخ الذي اكتسب فيه حكم البطلان قوة الشيء المقضي و لمدة ثلاث سنوات، و هو ما أكدته المادة 743 من القانون التجاري الجزائري.ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة
النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى
النقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق