الخميس، 16 نوفمبر 2023

بحث حول :النقود الالكترونية و العملات الافتراضية

 

بحث حول :النقود الالكترونية و العملات الافتراضية

خطة البحث

مقدمة 

المبحث الأول: مفهوم النقود الالكترونية. 

المطلب الأول: التعريف بالنقود الالكترونية.
الفرع الأول: تعريف النقود الالكترونية.

الفرع الثاني: خصائص النقود الالكترونية. 

الفرع الثالث: أشكال النقود الالكترونية.

المطلب الثاني: التكييف القانوني للنقود الالكترونية.
الفرع الأول: الطبيعة القانونية للنقود الالكترونية.

الفرع الثاني: الأحكام القانونية للنقود الالكترونية.

الفرع الثالث: النقود الالكترونية في التشريع الجزائري.

المبحث الثاني: مفهوم العملات الافتراضية 

المطلب الأول: التعريف بالعملات الافتراضية.
الفرع الأول: تعريف العملات الافتراضية.

الفرع الثاني: أهم العملات الافتراضية.

الفرع الثالث: خصائص العملات الافتراضية. 

المطلب الثاني: التكييف القانوني للنقود الالكترونية.
الفرع الأول: الطبيعة القانونية للعملات الافتراضية.

الفرع الثاني: حكم العملات الافتراضية في القانون الجزائري.


الخاتمة


مقدمة :

تحتاج المعاملات التي تجري بعوض إلى أداء المقابل، إذ في بداية الحياة البشرية سادت المقايضة كوسيلة تسمح بالحصول على المقابل عينا من خلال تبادل منتجات وسلع بأخرى، ثم تلت هذه الحقبة مرحلة العملات المعدنية والورقية التي تصدرها السلطات النقدية لكل دولة على حدة. كما سمح تطور التجارة والقطاع المصرفي بتشكل الأوراق التجارية من كمبيالات وشيكات وسندات إذنية، بوصفها صكوكا مكتوبة تقبل التداول بالطرق التجارية، لاسيما أن العرف استقر منذ مدة طويلة على قبولها كأداة للوفاء بدلا من النقود.

في سياق التوجهات الجديدة التي عرفها القانون التجاري، ظهر القانون التجاري الرقمي أو الإلكتروني، والذي امتد تأثيره ليشمل العمليات المصرفية. ولقد كان من نتائج هذا التحول الذي ارتبط أساسا بشبكة الإنترنت، وبالتجارة الرقمية أو الإلكترونية، حدوث تغير عميق على مستوى القواعد القانونية، وكذا المفاهيم التقليدية التي اعتدنا عليها في النصوص التشريعية والأحكام القضائية والعمل الفقهي. إذ سمحت رَقمنة العمل المصرفي، بتطوير أشكال أخرى من وسائل الأداء،تعتمد أساسا على الآلة وشبكة الإنترنت ، وساهمت هذه الثورة التقنية في إيجاد مجموعة من الظواهر الجديدة؛ كوسائل الدفع الالكترونية المختلفة، وأدى هذا التطور التكنولوجي إلى إحداث موجة من التغيير في الأوساط المالية، بسبب التطور في لغات البرمجة وتكنولوجيا التشفير، ومن رحم هذا الفضاء الرقمي ولد وظهر على الساحة ما يسمى بالعملات الرقمية.

و يمكن تقسيم العملات الرقمية إلى ثلاثة أشكال رئيسية هي العملات الافتراضية، والعملات الإلكترونية، والعملات الرقمية القانونية التي تصدرها البنوك المركزية أو مؤسسات النقد.

فإذا كانت النقود الالكترونية لا تثير جدلا بالتعامل بها في الأوساط المالية العالمية على اعتبار النقود الالكترونية صيغة غير مادية للنقود الورقية،ذلك بأن إصدارها يتمثل في تحويل شكل النقود من الصيغة الورقية إلى الصيغة الالكترونية ، فإن العملات الإفتراضية وعلى الرغم من الانتشار الواسع لها، ودخول أوساط كثيرة في التعامل بها، إلا أن هناك غموضا كبيرا يكتنِف هذا النوع من العملات، لأسباب عديدة تتعلق بالظروف التي ظهرت فيها ومصادر نشوئها، فضلا عن خصائصها وطبيعتها، التي ما زالت تثير حولها الغموض والشكوك.

و على ضوء ما تقدم ، قمت بدراسة واقع العملات الرقمية في التشريع من خلال الوقوف عند مبررات و خلفيات الموقف الرسمي الجزائري، و مآلاته في ظل التطور المتسارع لهذه العملات و القبول الذي تحظى به لدى عدد من الدول، وهو ما قد يغير هذه النظرة مستقبلا إذا ما أخذنا بعين الإعتبار المؤشرات الإقتصادية التي تحكم السوق المالية العالمية .

و عليه فقد ركزنا إشكالية بحثنا في التساؤل عن مضمون الموقف القانوني الجزائري من التعامل بالعملات الرقمية ؟

و انطلاقا من هذه الإشكالية قمت بتقسيم هذه الدراسة لمبحثين، حيث تناولت في المبحث الأول مفهوم النقود الالكترونية، أما المبحث الثاني فخصصته لدراسة مفهوم العملات الافتراضية.

المبحث الأول: مفهوم النقود الالكترونية. 

تعد النقود الالكترونية إحدى أهم أشكال التطور التكنولوجي الحاصل في الصناعة المصرفية، ومن أهم نتائج العولمة المالية وتحرير الخدمات المالية، مما جعلها مثارة للاهتمام بين الباحثين والمتخصصين،وهو ما يستلزم ضرورة دراسة وتحديد مفهوم النقود الالكترونية،لذا فمن اجل الوقوف على تحديد هذا المفهوم لابد من عرض الموضوع من خلال ثلاثة مطالب سنتناول في المطلب الأول التعريف بالنقود الالكترونية،ثم نبين التكييف القانوني لها في المطلب الثاني.

المطلب الأول: التعريف بالنقود الالكترونية.

إن التعريف بالنقود الالكترونية يستلزم الوقوف على تحديد تعريف للنقود الالكترونية ،ومن ثم بيان خصائصها ،فضلاً عن ذلك يمكننا أن نوضح في هذا المطلب أنواع أو أشكال هذه النقود ،لذا وفي ضوء ذلك سنقسم هذا المطلب على ثلاثة فروع نخصص لكل فقرة فرع مستقل، كالآتي:

الفرع الأول: تعريف النقود الالكترونية.

تناولت العديد من الأدبيات الاقتصادية مصطلحات مختلفة للتعبير عن مفهوم النقود الإلكترونية، فقد استخدم البعض اصطلاح النقود الرقمية (Digital Money)، أو العملة الرقمية (Digital currency) ،بينما استخدم البعض الآخر مصطلح النقود الإلكترونية (e-cash) cash Electronic ، وبغض النظر عن الاصطلاح المستخدم واختلاف الزوايا التي اعتمدت في تعريف النقود الإلكترونية، فإن التعبيرات المختلفة تشير إلى مفهوم واحد وهو النقود الإلكترونية (Electronic Money) ()،لذا فقد آثرنا استخدام المصطلح الأخير في دراستنا هذه نظرا لشيوع استخدامه ودلالته في نفس الوقت على مضمون ومعنى هذه النقود .

أولا- تعريف النقود الالكترونية في الاصطلاح الفقهي  :

اختلفت الاصطلاحات التي تعبر عن النقود الالكترونية واختلفت معها التعريفات،و لكن ما  يهمنا منها هو مدى تجاوب هذه التعريفات مع تعريف النقود والتي هي " أي شيء يتلقى قبولا عاما في التداول من اجل شراء السلع والخدمات والوفاء بالالتزامات "

أما من حيث تعريف النقود الالكترونية نلاحظ أن هنالك عدة تعريفات، فقد عرفها البعض بأنها " دفع أو تحويل الودائع المدخلة والمعالجة الكترونيا ضمن أنظمة البنوك الالكترونية"،غير أن الملاحظ على هذا التعريف انه يتطرق إلى وسيلة تحويل القيمة الكترونيا دون أن يتطرق إلى تعريف القيمة النقدية نفسها.

فيما ذهب رأي آخر إلى أن النقود الالكترونية " هي عملة نقدية الكترونية تتمثل في الوحدات الرقمية الموثقة والخاصة بالقيمة المحددة من قبل الجهة المصدرة لها ، والمخزنة على أداة أو وسيلة الكترونية ليتم تحويلها من المشتري إلى البائع أو إلى أي جهة أخرى"غير أن هذه التعريف قد عرف النقود الالكترونية كما ، بين الوسيلة التي يتم فيها خزن أو حفظ تلك النقود .

هناك تعريف أكثر دقة حيث عرف النقود الالكترونية بأنها " عبارة عن سلسلة من الأرقام التي تعبر عن قيم معينة تصدرها البنوك التقليدية أو الافتراضية لمودعيها ويحصل هؤلاء عليها في صورة نبضات كهرومغناطيسية على بطاقة ذكية أو على القرص الصلب ويستخدمها هؤلاء لتسوية معاملاتهم التي تتم الكترونيا"

ثانيا- تعريف النقود الالكترونية في الاصطلاح التشريعي  :

عرفت المفوضية الأوربية عام 1998 النقود الالكترونية بأنها " قيمة نقدية مخزنة بطريقة الكترونية على وسيلة الكترونية كبطاقة أو ذاكرة كمبيوتر ، ومقبولة كوسيلة للدفع بواسطة متعهدين غير المؤسسة التي أصدرتها ، ويتم وضعها في متناول المستخدمين لاستعمالها كبديل عن العملات النقدية والورقية ، وذلك بهدف إحداث تحويلات الكترونية لمدفوعات ذات قيمة محددة .

إلا أن هذا التعريف ليس مانعا تنقصه الدقة،حيث انه لا يستبعد دخول وسائل الدفع الالكترونية الأخرى. 

كما عرف القرار الأوربي سنة 46/2000 الصادر18/09/2000 النقد الالكتروني بأنه " قيم 

نقدية مخلوقة من المصدر مخزنة على وسيط الكتروني وتمثل إيداعا ماليا ، تكون مقبولة كوسيلة دفع من قبل الشركات المالية غير الشركة المصدرة ".

فيما عرف مؤتمر بازل Basil سنة 1996 النقود الالكترونية بأنها " قيمة نقدية في شكل وحدات ائتمانية مخزونة بشكل الكترونية أو على أداة الكترونية يحوزها المستهلك".

 أما البنك المركزي الأوربي فقد عرفها بأنها " مخزون الكتروني لقيمة نقدية على وسيلة تقنية يستخدم بصورة شائعة للقيام بمدفوعات لمتعهدين غير من أصدرها، دون الحاجة إلى وجود حساب بنكي عند إجراء الصفقة وتستخدم كأداة محمولة مدفوعة مقدما"

 ويعد هذا التعريف هو الأقرب للصواب نظرا لدقته وشموله لصور النقود الالكترونية و استبعاده للظواهر الأخرى التي ممكن أن تتشابه معها. ()


الفرع الثاني: خصائص النقود الالكترونية. 

من خلال التعريفات السابقة يمكننا أن نحدد خصائص النقود الالكترونية بما يلي :

أولاً - ذات قيمة نقدية: أي إنها تشمل وحدات نقدية لها قيمة مالية مثل عشرة ألاف دينار أو ألف دولار.، فحاملها الأول لابد له من دفع قيمة لا تقل عن قيمتها للحصول عليها من المصدر ، فهي بيانات على دعائم إلكترونية تمثل دينا على مصدرها، و من هنا تأخذ قيمتها النقدية، ويترتب على هذا أنها لا تعتبر بطاقات التعبئة الهاتفية من قبيل النقود الالكترونية حيث أن القيمة المخزنة على الأولى عبارة عن وحدات اتصال تليفونية وليست قيمة نقدية قادرة على شراء السلع والخدمات. 

ثانياً - مخزنة على وسيلة الكترونية : تعد هذه الصفة عنصرا مهما في تعريف النقود الالكترونية،حيث يتم شحن القيمة النقدية بطريقة الكترونية على بطاقة بلاستيكية أو على القرص الصلب للكمبيوتر الشخصي للمستهلك، وهذه الخاصية تميز النقود الالكترونية عن النقود القانونية والبطاقات الائتمانية التي تعد وحدات نقدية مصكوكة أو مطبوعة ، وفي الواقع فإنه يتم دفع ثمن هذه البطاقات مسبقا وشرائها من المؤسسات التي أصدرتها،ولهذا فإنه يطلق عليها البطاقات سابقة الدفع.

ثالثاً-عدم ارتباطها بحساب بنكي : تتجلى أهمية هذا العنصر في تمييزه للنقود الالكترونية عن وسائل الدفع الالكترونية الأخرى،أي لا يتم الاحتفاظ بأرصدة في حسابات مالية لدى البنوك ،فهذه الأخيرة عبارة عن بطاقات الكترونية مرتبطة بحسابات بنكية للعملاء حاملي هذه البطاقات تمكنهم من القيام بدفع أثمان السلع والخدمات التي يشترونها مقابل عمولة يتم دفعها للبنك مقدم هذه الخدمة.

رابعاً - قبول التعامل فيها بشكل واسع: تحظى النقود الالكترونية بقبولها في التعامل الواسع من الأشخاص والمؤسسات غير تلك التي قامت بإصدارها، فيتعين إذن ألا يقتصر استعمالها على مجموعة معينة من الأفراد،أو لمدة محدده من الزمن،أو في نطاق إقليمي محدد،فالنقود، ولكي تعد نقودا يتعين أن تحوز ثقة الأفراد وتنال قبولهم باعتبارها أداة صالحة للدفع ووسيطا للتبادل، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يجوز اعتبار هذه الوسائل نقودا الكترونية في حالة ما إذا كان مصدرها ومتلقيها هو شخص واحد. فعلى سبيل المثال،لا تعد بطاقات تعبئة الرصيد الهاتفي نقودا الكترونية نظرا لكون من أصدرها ومن يقبلها هو هيئة واحدة ، اي هيئة أو شركة الاتصالات الهاتفية، حيث لا يصلح العمل بهذه البطاقة إلا في أجهزة التليفون التي خصصتها تلك الهيئة أو الشركة لهذا الغرض، بالإضافة إلى أن أهم ما يميز النقود الالكترونية عن النقود التقليدية هو تنوع مصادرها فقد تكون الجهة المصدرة حكومية أو عن طريق مؤسسات وشركات خاصة مما يشجع عامل التنافس بشكل اكبر في النقود الالكترونية، أما النقود التقليدية فتتميز بوحدة المصدر ألا وهو البنك المركزي.

خامسا- تعتبر أداة وفاء: لا يمكن الحديث عن النقود إذا لم تكن أداة وفاء ، و المعنى أنها عندما تقدم إلى الطرف الآخر فإن قيمتها تنتقل مباشرة بشكل آني له دون تدخل طرف وسيط لتحقيق نقل الأموال ، كما يجب أن تكون هذه النقود صالحة للوفاء بالتزامات كشراء السلع والخدمات،أو كدفع الضرائب ..الخ. أما إذا اقتصرت وظيفة البطاقة على تحقيق غرض واحد فقط كشراء نوع معين من السلع دون غيره أو للاتصال التليفوني، ففي هذه الحالة لا يمكن وصفها بالنقود الالكترونية بل يطلق عليها البطاقات الالكترونية ذات الغرض الواحد. ()


الفرع الثالث: أشكال النقود الالكترونية.

تختلف صورة النقود الإلكترونية وأشكالها تبعاً للوسيلة التي يتم من خلالها تخزين القيمة النقدية، وكذلك وفقاً لحجم القيمة النقدية المخزونة على تلك الوسيلة التكنولوجية،فهناك معيارين لتمييز النقود الإلكترونية: معيار الوسيلة ومعيار القيمة النقدية، كما تتعد أشكال النقود الالكترونية تبعا لتعدد مؤسسات إصدارها، ويمكن القول أنها أهم أشكالها المشتركة تحدد فيما يلي:

أولا: النقود المخزونة إلكترونيا

يتم في هذا النوع من النقود تخصيص مبالغ في حافظة نقود الالكترونية، حيث يتم التخزين على بطاقة لها ذاكرة، تصبح غير قابلة للاستعمال بعد نفاذ المبالغ المحملة عليها، وهنالك حافظة النقود الافتراضية Porte Monnaie virtuel ، حيث لا يكون المبلغ المخصص بها ثابتا على بطاقة، بل على ذاكرة كمبيوتر البنك أو الجهة التي تقدم خدمة الدفع الالكتروني. ويقوم العميل بالحصول على وحدات النقد الالكتروني من البنك بالكمية التي يرغبها في صورة وحدات، يتم وضعها في محفظة النقود التي يختارها.

ثانيا: البطاقات البلاستيكية الممغنطة

وهي البطاقات البلاستيكية والمغناطيسية التي تصدرها البنوك لعملائها للتعامل بها بدلا من حمل النقود، و أشهرها الفيزا كارت (Visa Card)، و الماستر كارت (Master Card)، و أمريكان اكسبريس  (American Express)، وتكون هذه البطاقات مدفوعة القيمة المالية سلفا ومخزنة فيها ، ويمكن استخدام هذه البطاقات للدفع عبر الانترنت وغيرها من الشبكات ، كما يمكن استخدامها للدفع في نقاط البيع التقليدية  ، حيث يقوم المستخدم سلفا بدفع مقدار من النقود التي يتم تمثيلها بصيغة الكترونية رقمية على البطاقة الذكية وعندما يقوم المستخدم بعملية شراء سواء أكان ذلك عبر الانترنت أم في متجر تقليدي يتم خصم قيمة المشتريات وهنالك العديد من منتجات النقود الالكترونية التي يمكن إعادة تحميلها بقيمة مالية عن طريق إيداع نقود في البنك أو عن طريق أي حركة مالية أخرى ملائمة. ()

ثالثا: النقود الائتمانية الالكترونية

ويطلق عليها النقود الرقمية أو الرمزية أو القيمية E-Cash وتعرف بأنها تسجيل لقيمة العملة الموثقة والمقيدة في شكل الكتروني، ويمنح فيها البنك لحاملها تسهيلا ائتمانيا، حيث يستطيع استعمالها للحصول على السلع والخدمات، ويتولى البنك السداد ثم يقوم الحامل بسداد ما دفعه البنك مع الفوائد خلال اجل متفق عليه، ولا تمنح البنوك هذه البطاقات إلا بعد التأكد من ملائمة العميل أو الحصول منه على ضمانات عينية أو شخصية، وهي تمثل المفهوم الحقيقي للعملة الالكترونية لسببين: 

- السبب الأول: تسمح هذه النقود بالوفاء مباشرة بالمقابل النقدي للعقد الالكتروني عن طريق الانترنت، وذلك دون الحاجة إلى الاتصال بالمتعاقد أو تدخل وسيط، حيث تنقل العملة مباشرة من المشتري إلى البائع دون تدخل البنك أو الجهة التي تعمل على إدارة الدفع الاليكتروني.

- السبب الثاني: تتمثل هذه النقود في سلسلة من الأرقام التي تعبر عن قيم معينة تصدرها البنوك التقليدية أو الافتراضية لعملائها، ويتم الحصول عليها في صورة نبضات Gits كهرومغناطيسية على كارت ذكي أو على الهارد لايف.

رابعا: النقود الالكترونية البرمجية

هي بطاقة ذكية يمكن تثبيتها على الكمبيوتر أو تكون قرصا مرنا يمكن إدخاله في فتحة القرص المرن في الكمبيوتر ويتم نقل القيمة المالية )منه أو إليه( عبر الانترنت من خلال المحفظة الالكترونية.

وجدير بالذكر أن البطاقة الذكية هي بطاقة بلاستيكية مزودة بشريحة CHIP حسابية وهي قادرة على تخزين بيانات تعادل خمسمائة ضعف ما يمكن ان تخزنه البطاقات البلاستيكية الممغنطة، وبخلاف ما عليه الحال في النقود الالكترونية التي تعتمد على البرمجيات فقط فأنه يمكن استخدام البطاقات الذكية للدفع عبر الانترنت وفي الأسواق التقليدية، كونها فائقة القدرة على تخزين البيانات الخاصة بعميلها ، فهي كمبيوتر متنقل وتمثل حماية كبيرة ضد التزوير وسوء الاستخدام، حيث تتم لأجهزة قراءة البطاقات التي توضع في المواقع التجارية التدقيق في تفاصيل الحسابات المالية لصاحبها.

خامسا: الصكوك الالكترونية

الصك الالكتروني هو المكافئ الالكتروني للصكوك الورقية التي اعتدنا التعامل بها، والصك الالكتروني هو وثيقة الكترونية موثقة ومؤمنة تحتوي على البيانات التالية، يحتوي على رقم الصك واسم الدافع ورقم حساب الدافع واسم المصرف واسم المستفيد والقيمة التي ستدفع، ووحدة العملة المستعملة وتاريخ الصلاحية والتوقيع الالكتروني، يرسلها مصدر الصك إلى مستلم الصك)حامله ( ليعتمده ويقدمه للبنك الذي يعمل عبر الانترنت، ليقوم البنك أولا بتحويل قيمة الصك المالية إلى حساب حامل الصك وبعد ذلك يقوم بإلغاء الصك و إعادته الكترونيا إلى مستلم الصك ليكون دليلا على انه قد تم صرف الصك فعلا ويمكن لمستلم الصك أن يتأكد الكترونيا قد تم بالفعل تحويل المبلغ لحسابه، ويتعهد فيها البنك بسداد الصكوك التي يحررها العميل بشروط معينة، حيث يقوم البنك بفتح حساب وتحديد التوقيع الالكتروني للعميل، ويخطر كل من الطرفين بتمام إجراء المعاملة المصرفية، أي خصم الرصيد من المشتري و إضافته لحساب البائع.

وبشكل عام فإن أهم ما يميز الصك الالكتروني بأنه لا يشترط أن يكون مكتوبا بخط اليد، وموقعا بواسطة الشخص الذي يصدره)الساحب(بالشكل التقليدي لكي يكون قانونيا وصالحا للاستخدام. ()

المطلب الثاني: التكييف القانوني للنقود الالكترونية.

تختلف النقود الالكترونية عن بقية أنواع الأوراق التي تمثل قيمة معينة ويتم التعامل بها فهي تختلف عن الأوراق التجارية والأوراق المالية،ولعل جوهر هذا الاختلاف هو إصدار هذه الأوراق بقانون وطبعها بشكلية معينة تصدر عن البنك المركزي وهو ما يجعلها ملزمة القبول لدى الفرد بحيث لا يستطيع احد رفضها في التعامل،إن هذا الاختلاف يثير تساؤلا حول طبيعة القيمة المالية المخزنة الكترونيا ذلك أنها قد تصدر من البنك المركزي وقد تصدر من مؤسسات مالية أخرى،وهو ما يجعل عدها نقودا يلزم الأفراد بقبولها في التعامل أمرا محل نظر. 


الفرع الأول: الطبيعة القانونية للنقود الالكترونية.

تعددت الآراء واختلفت حول طبيعة النقود الإلكترونية وحقيقتها، ولقد رأى جانب من الباحثين أنها تمثل نقود حقيقية وذلك لكونها تقوم بكل الوظائف التي تقوم بها النقود التقليدية، إذ أنها تعبر من منظوره وسيطا للتبادل ومقياس ومخزن للقيمة، أما الجانب الآخر من الفقه فلا يعدها نقودا لكونها لا تحمل المعنى الحقيقي للنقود معللا ذلك بعدم خضوعها لرقابة البنوك المركزية وذلك وفقا لمتطلبات والآليات المحددة لها،و نظرا للاختلافات حول طبيعة هذه النقود برزت عدة نظريات حول تحديد هذه الطبيعة أهمها:

أولا: النقود الإلكترونية صيغة غير مادية

إن الأساس الفكري لهذه النظرية مبني على أن النقود تمثل رمزا للقيمة وليس القيمة ذاتها، إذ أن المراحل التي مرت بها النقود من حيث التمثيل المادي تطور من أول صوره )المقايضة( إلى الصورة المعدنية ثم الصورة الورقية لها ويعد استخدام الوسائل الإلكترونية الصورة الأحدث للنقود الأكثر تعقيدا. وبناء على ذلك تعتبر هذه النظرية النقود الإلكترونية صيغة غير مادية للنقود ، غير أن هذه النظرية تثير مشاكل واقعية حيث أن النقود التي يتم دفعها لشحن البطاقات بالنقود الإلكترونية تبقى داخل النظام النقدي، فنكون أمام ازدواج في الكتلة النقدية، لأنها تستخدم بشكل متزامن فالنقود التقليدية موجودة ومستخدمة في الوقت الحاضر نفسه الذي استخدمت به النقود الإلكترونية. ()

ثانيا: النقود الالكترونية أداة تبادل وليس أداة دفع

مضمون هذه النظرية أن الاختلاف بين النقد التقليدي والنقد الالكتروني يكمن في أن الأخير لا

يصدر عن البنوك المركزية، ونستدل إلى التفرقة بين أداة الدفع و أداة التبادل بناء على أن الأولى عند الاستخدام تؤدي إلى إتمام عملية البيع لكنه يتطلب عملية إضافية تتمثل بالدفع النهائي بين مختلف عمليات التبادل، و تعتبر هذه النظرية أن إصدار النقود نوع من بيع أصول المصدر لأنها مقابل مبلغ من النقود التقليدية إذ أنها مبادلة نقد بنقد، والنهاية الطبيعية للنقود الالكترونية أن مصدرها يرجعها كأنه قام بشرائها من الباعة الذين اشتروا بها السلع والخدمات، وهذا يلزم المصدر حفظ النقد التقليدي. ويؤكد نائب رئيس بنك mark twain bank أنه لا يوجد لنقود جديدة لكن النقود الالكترونية آلية جديدة في تحريك أموال نقدية عن بعد . ()


ثالثا: النقود الالكترونية أداة ائتمانية

يدور مضمون هذه النظرية حول نقطة جوهرية هي أن جميع صور النقود هي أشكال للائتمان، كما أنها أدوات للتبادل، وتعتبر النقود الالكترونية ائتمانا، لأن الرصيد المسجل الكترونياً والذي يعتبر نوعاً من أنواع الديون لمصدرها، كما أنها تنتج عمليات الدفع الآمنة إذ تستخدم البنوك التي تتعامل بها أجهزة خادمة تتدعم ببروتوكول الحركات المالية الآمنة. وهذا يجعل عمليات دفع النقود الالكترونية أكثر أماناً. 

رابعا: النقود الالكترونية صورة افتراضية لتدفق ثلاثي الأقطاب

ذلك المقابل الذي يتلقاه مصدر النقود الالكترونية من نقد تقليدي هو عبارة عن وديعة مصرفية

لدى طرف ثالث، إذ إن إصدار النقود الالكترونية لدى المصدر لا يشكلان عملية واحدة بل يجب التفريق بين عمليتين، هما عملية تقديم الوديعة وعملية إصدار النقود، فصاحب الحساب يقرض الأموال لمصدر النقود الالكترونية مما لصاحب الحساب على سبيل القرض لا الحيازة النهائية ويعتبر أصحاب هذه النظرية أن حياة النقود الالكترونية تمر بثلاث مراحل هي: 

1- الإصدار لصالح مالك البطاقة.

2- انتقال النقود الالكترونية من مالك البطاقة إلى شخص آخر. 

3- تدمير النقود الالكترونية() في حالة استلام الشخص الثالث للنقود التقليدية من المصدر والتي تكون مساوية لقيمة النقود الالكترونية.

و عليه لا تعتبر النقود الالكترونية أصلا ماليا إذ من غير الممكن اعتبارها مالا حقيقيا إنما هي صورة افتراضية للدورة الكاملة المتكونة من إيداع النقد التقليدي و إصدار النقد الالكتروني وفي آخر المطاف تدمير النقود بعد كل عملية من هذه العمليات. ()


الفرع الثاني: الأحكام القانونية للنقود الالكترونية.

بعد التعرف على مفهوم النقود الالكترونية، وطبيعتها القانونية ، نرى أن لهذه النقود نظاما متكاملا ينشئ بين أطرافه " المصرف المصدر، العميل المستهلك، التاجر " جملة من الالتزامات المتقابلة، أي أن التزام كل طرف يقابله التزاما من الطرف الآخر، على النحو التالي:

أولا: التزامات مصدر النقود

يقع على عاتق الجهة المصدرة للنقود الالكترونية سواء كان البنك المركزي أو أي مؤسسة مالية أو مصرفية، جملة من الالتزامات تجاه عملائه المتعاملين بالنقود الالكترونية، وهؤلاء العملاء إما أن يكونوا مستهلكين للنقود الالكترونية و إما أن يكونوا تجارا.و ذلك و فق ما يلي:

1- تمكين العميل من التعامل بالنقود الالكترونية:إن أول التزام يقع على عاتق المصرف المصدر هو تمكين العميل من استخدام نظام الدفع بالنقود الالكترونية، من خلال تسليمه أداة الدفع التي تمكنه من إجراء المدفوعات إلى التاجر، سواء كانت الوسيلة المستخدمة بطاقة ذكية أم محفظة الكترونية، وإذا تم استخدام البطاقة الذكية عبر شبكة الانترنت في هذه الحالة على المصرف المصدر أن يسلمه القارئ الخاص به.و إذا كان استخدام البطاقة الذكية عند نقاط البيع، فيتطلب تزويد التاجر بالنهاية الطرفية المناسبة والتي تكون مزودة بمحفظة تختلف عن المحفظة الالكترونية الخاصة بالعميل المستهلك.

وفي كل الأحوال كان لزاما على المصرف المزود لتلك الأجهزة أن يسلمها وهي صالحة للاستعمال، وإلا انعقدت مسؤوليته عن جميع الأضرار التي تلحق بالعميل نتيجة الأخطاء الفنية، ولا يمكن دفع تلك المسؤولية إلا إذا اثبت انه قام بتسليم هذه الأدوات صالحة للاستعمال.

2- التزام المصرف المصدر بتقديم المعلومات : يلتزم المصرف المصدر للنقود الالكترونية بإحاطة العميل (المستهلك) بجميع المعلومات المتعلقة بالنقود الالكترونية وكيفية استخدامها، وبأسماء التجار المشتركين في نظام الدفع بواسطة النقود الالكترونية، وأماكن استخدامها، والحدود القصوى لشحن أداة الدفع وبيان أماكن الشحن الخاص بها ...الخ.

3- الالتزام بالمحافظة على السرية المصرفية:يعتبر الالتزام بالمحافظة على السرية المصرفية من أهم الالتزامات الملقى على عاتق المصرف المصدر للنقود الالكترونية وعلى المصارف بصفتها التقليدية بوجه عام، هذا ما أكدته القوانين المصرفية، فهذا الالتزام لا يعتبر التزاما قانونيا فحسب بل هو أيضا التزام أخلاقي، و مما يثير الانتباه انه كلما زادت السرية المصرفية كلما زاد خطر انتشار عمليات غسيل الأموال التي تتخذ من السرية المصرفية ستار لها، لذا كان لابد من إقامة توازن دقيق بين المحافظة على السرية المصرفية وحق الدولة في الاطلاع والتوثق ضمن ضوابط وأسس محددة.

و بالتالي فان الالتزام بالمحافظة على السرية المصرفية ركن مهم من أركان العمل المصرفي، فلا يجوز للمصرف المصدر الكشف عن السر المصرفي إلا في الحدود التي ينص عليها القانون.

4- التزام المصرف المصدر للنقود الالكترونية باستردادها:على المصرف المصدر للنقود الالكترونية التزام تجاه العميل المشترك في نظام الدفع بالنقود الالكترونية المستهلك لتلك النقود والتاجر بتحويلها إلى نقود تقليدية عند الطلب. ()

ثانيا: التزامات العميل المستهلك

إن على العميل أيضا جملة من الالتزامات تقع على عاتقه، والتي تقابل التزامات المصرف المصدر، هذه الالتزامات كما قيل سابقا غالبا ما تحددها عقود مبرمة ما بين المصرف المصدر والعميل والتي يتفرد المصرف المصدر في وضع شروط العقد.وعلى أية حال يمكن تحديد التزامات العميل المستهلك بما يلي:

1- التزام العميل بتزويد المصرف المصدر بالبيانات الضرورية واللازمة لتحديد شخصيته، مثل الاسم، والعنوان او البريد الالكتروني وتأريخ الميلاد وغيرها من البيانات التي تحدد هوية العميل.

2- استخدام الأدوات الالكترونية استخداما سليما: فبعد إدخال المعلومات يزود العميل بالبرامج الخاصة بنظم الدفع بالنقود الالكترونية و أداة الحماية الخاصة بها، فتعتبر هذه الأدوات وسيلة للتعرف والتحقق من شخصية العميل بمجرد إتمام إدخالها بنجاح، فيعتبر العميل بذلك هو مصدر جميع البيانات من تعليمات ومعاملات، لأن العميل يختار وسائل الدخول الخاصة به المتمثلة في كلمة المرور والرقم السري، ولكن على المصرف المصدر في هذه الحالة واجب توفير للعميل إمكانية تعديل الرقم السري وقتما يشاء مع إعلام المصرف المصدر، حتى يتمكن من حمايتها من تدخل الغير.

كذلك من الواجبات المكملة التي تلقى على عاتق العميل في المحافظة على أداة الدفع، هو منع الغير من استخدامها، لان أداة الدفع هي شخصية بالنسبة للعميل، لذا كان عليه أن يحتفظ بها بشكل آمن ولا يسمح للغير بالاطلاع عليها أو المشاركة في استخدامها.فإذا ما اخل العميل بالتزامه فانه يتحمل المسؤولية عن سوء استخدام الخدمة الناتج عن عدم الالتزام بإجراءات الحماية أو الناتج عن قيامه بالكشف عن إجراءات الحماية آو مخالفتها لدى الاستخدام.

وبالتالي كان للمصرف المصدر المتعاقد مع العميل الحق في إنهاء اشتراكه وعدم السماح له بإجراء مدفوعاته باستخدام النقود الالكترونية ويتحمل المسؤولية عن جميع العمليات الغير مرخص لها.

3- التزام العميل المستهلك بالإخطار عن الفقدان أو السرقة :يقع على العميل واجب إخطار المصرف المصدر عند تعرض أدواته الخاصة بالدفع للسرقة أو الضياع أو دخول الغير إلى نظامه الخاص، لكي يتمكن الأخير بإبطال أو وقف الأجهزة الخاصة بالعميل. وفي جميع الأحوال يجب أن يتم الإخطار كتابة إلى جهة الإصدار، ومتى ما تم ذلك ينتج أثره من وقت حدوثه، ويلاحظ أن شرط الكتابة هنا ليس شرطا لصحة الإخطار وإنما هو لتيسير الإثبات بان الإخطار قد وصل إلى المصرف المصدر، لذلك يمكن لهذا الإخطار أن يتم بأي وسيلة سريعة كالتلفون أو التلكس أو الفاكس ، أو حتى عن طريق البريد الالكتروني أو بواسطة الهواتف الجوالة عن طريق رسالة نصية.

4- إعادة أداة الدفع عند انتهاء التعاقد: عند انتهاء التعاقد مع المصرف المصدر للنقود الالكترونية، يكون على العميل إعادة أداة الدفع إلى ذلك المصرف، سواء تم إنهاء التعاقد مع المصرف بانتهاء مدته، أو كان الانتهاء نتيجة فسخ العقد أو غلق الحساب، وغيرها من الأسباب التي تؤدي إلى انتهاء حالة التعاقد ما بين المصرف والعميل. ()

ثالثا: التزامات التاجر

الطرف الأخير في حلقة نظام الدفع بالنقود الالكترونية هو التاجر،  و الذي  تترتب عليه التزامات يمكن إجمالها كالآتي:

1- الالتزام بقبول الدفع بالنقود الالكترونية: إن أول ضمان للتعامل بالنقود الالكترونية و أول طريق في سبيل انتشارها هو منحها قوة الوفاء بالالتزامات ،بالتزام المتعاملين بها بقبولها ومنهم التاجر الذي يبيع سلعه ويقبل الوفاء بأثمانها بواسطتها، لان عدم قبول التاجر بها للوفاء يؤدي إلى جعل تلك النقود عديمة الفائدة وليس لها قيمة في التعامل .

2- الالتزام بالتأكد من صحة وصلاحية النقود الالكترونية المقدمة إليه: يلتزم التاجر بالتأكد من صحة وصلاحية محفظة النقود الالكترونية المقدمة إليه من قبل العميل (المشتري)، وذلك لمنع عمليات التحايل المتمثل بالتزييف أو أنها قد تم إنفاقها من قبل،ولكن إذا ما تم إشعار التاجر من قبل المصرف المصدر، بان البطاقة المقدمة في الوفاء بطاقة مسروقة، في هذه الحالة يلتزم برفض الوفاء بها ومصادرتها لمصلحة المصرف المصدر ،فإذا ما أخل التاجر بهذا الالتزام، أو أنه قبل الوفاء بتلك النقود على الرغم من علمه بعدم صلاحيتها، في هذه الحالة يتحمل المسؤولية عن المدفوعات التي تتم بها، وبالتالي سقوط حقه في مطالبة المصرف المصدر بتحويل النقود الالكترونية التي تلقاها إلى نقود تقليدية. ()

الفرع الثالث: النقود الالكترونية في التشريع الجزائري.

عزمت الجزائر على تطبيق أنظمة الدفع النقدي الالكتروني من خلال الجهود المبذولة في هذا المجال، كاستخدام أخر التكنولوجيا النقدية في إصدار البطاقات الالكترونية وتوفير وسائل القبول وخلق

المناخ الملائم لانتشارها من خلال إنشاء هيئات متخصصة بالإضافة إلى سن القواعد والقوانين اللازمة

لضمان توافقها مع ما هو معمول به على المستوى الدولي، و تبلورت هذه الإصلاحات بإصدار قانون النقد الالكتروني بالجزائر في العام 2013 تلته مجموعة من المحاولات لكنها بقيت في مراحلها التجريبية ماعدا بعض المشاريع التي دخلت حيز التنفيذ نذكر منها: 

  • تجربة بنك القرض الشعبي الجزائري حيث بدأ نشاطه في مجال استخدام النقود الالكترونية في العام  1990وذلك من خلال الانخراط في شبكة فيزا الدولية كعضو أساسي مصدر وقابل للتعامل بهذه البطاقات، وبعد ذلك وفي العام 1991 قبل التعامل ببطاقات ماستر كارد الدولية، وحاليا توصل إلى إصدار بطاقات فيزا الدولية ذات الرقاقة الالكترونية وهي أخر ما توصلت إليه تكنولوجيا البطاقات المصرفية وفق المعايير الدولية . EMV

  • تجربة بنك الفلاحة والتنمية الريفية : يقوم هذا البنك بإصدار بطاقات السحب الخاصة به والتي يتم

منحها للعمال الذين يتقاضون رواتبهم من وكالاته .

  • تجربة البنك الخارجي الجزائري حيث يتولى هذا البنك إصدار البطاقات الالكترونية المسبقة الدفع

القابلة للشحن والخاصة بعمليات شراء الوقود من خلال محطات الخدمة المتوفرة .

تجربة بريد الجزائر والذي أوكلت له مهمة تسيير أمور الموزعات الصرفات الآلية المنتشرة في كافة المدن الجزائرية. ()

المبحث الثاني: مفهوم العملات الافتراضية 

العملات الافتراضية تشبه العملات الإلكترونية من حيث الصفة ، وأيضاً من ناحية أنه يتم تداولها عن طريق الشبكة الإلكترونية، ولكن الفرق بينهما أن النقود الإلكترونية في أصلها هي نقود حقيقية مثل الدولار أو اليورو أو الدينار، تم تحويلها إلى وحدات إلكترونية مدفوعة مقدماً، ومخزنة على الأجهزة الإلكترونية، وغير مرتبطة بحسابات بنكية، أما العملات الرقمية فا تمثل أية عملة من العملات الحقيقية القانونية، إنما هي عملة مستقلة في ذاتها وغير مغطاة بأية عملة أخرى ولا مرتبطة بأية جهة سيادية أو مركزية.

عند الحديث عن العملات الافتراضية فيجب الكلام عن تقنية البلوك تشين والتي تعتبر هي الأساس الذي تعمل عليه هذه العملات وبسبب اختراع هذه التقنية تطورت أمور كثيرة وسوف تتطور أيضاً أمور أكبر حتى قال أحد المتخصصين أن اختراع البلوك تشين يعادل اختراع الإنترنت.

و البلوك تشين(Block Chain) هي قاعدة بيانات موزعة تمتاز بقدرتها على إدارة قائمة متزايدة باستمرار من السجلات المسماة (كتل(، تحتوي كل كتلة على الطابع الزمني ورابط إلى الكتلة السابقة ، صممت سلسلة الكتل بحيث يمكنها المحافظة على البيانات المخزنة ضمنها والحيلولة دون تعديلها، أي أنه عندما تخزن معلومة ما في سلسلة الكتلة لا يمكن لاحقا القيام بتعديل هذه المعلومة. وتم  طرح مفهوم سلسلة الكتلة عام 2008 من طرف رجل يدعى ساتوشي ناكاموتو (Satoshi Nakamoto) الذي كتب في السنة اللاحقة جزءا أساسيا من كود العملة الرقمية البتكوين(Bitcoin) ، التي تعد كأول تطبيق عملي لفكرة العملات المشفرة (cryptocurrency) التي تم الحديث عنها لأول مرة سنة 1998 من قبل Wei Dai في قائمة  cypherpunksالبريدية ، و كانت فكرة الكاتب تتمحور حول شكل جديد من المال يعتمد التشفير للتحكم في إنشائه و التعامل به. ()


المطلب الأول: التعريف بالعملات الافتراضية.

منذ ظهور هذا النوع من العملات ، استعملت العديد من المصطلحات للتعبير عنها ، فنتحدث عن "العملة الافتراضية" ، " العملة المشفرة" ، " العملة الرقمية"،"العملة اللامركزية"، "العملة البديلة". ومن أجل توحيد الرؤى تدخلت فرقة مجموعة العمل المالي (FATF)، حيث نشرت في يونيو 2014، المعايير الخاصة بتعريف و تصنيف العملات الافتراضية. ()


الفرع الأول: تعريف العملات الافتراضية.

تعد العملات الافتراضية من أحدث أشكال النقود الرقمية، وقد شاع وانتشر استخدام التعامل بها في العقدين الأخيرين في كثير من الدول؛ لانخفاض رسومها وتكلفتها، وسهولة استعمالها، وسرعتها، حيث يتم الدفع فورا دون الحاجة إلى أية وسائطَ أخرى، وهي عملات تنشأ بواسطة نظام متكامل تقنيا، بواسطة فرد، أو مجموعة، أو شخصية معروفة، أو بلا هوية.

أولا- التعاريف الفقهية للعملات الافتراضية:

التعريف الأول: أنها "تمثيل رقمي للقيمة، يصدر بواسطة مطورين خاصين باعتباره وحدة حساب، ويمكن الحصول عليه وتخزينه والوصول إليه والتعامل به إلكترونيا، ويستخدم لمجموعة متنوعة من الأغراض عند اتفاق طرفين على استعماله".

التعريف الثاني: "تمثيل رقمي لقيمة نقدية ليست صادرة عن بنك مركزيّ أو عن سلطة عامة، وليست مرتبطة بالضرورة بالعملة الورقية، ولكنها مقبولة لدى أشخاص طبيعيين أو اعتباريين كوسيلة للدفع، ويمكن نقلها وتخزينها أو تداولها إلكترونيا".

التعريف الثالث: "عملة افتراضية تعمل خارج نظام النقد الرسمي، فهي تمثيل رقمي للقيمة النقدية صادر عن غير البنك المركزي والمؤسسات الائتمانية، تستمد قيمتها من الثقة الكائنة في القبول الطوعي لها".

التعريف الرابع:  "عملا ت افتراضية من شخص إلى آخر، يستخدم فيها الترميز )التشفير(، ويمكن أن تنشأ وتتداول وتخزن وتتبادل من خلال شبك ة افتراضي ة تقبل عملة الترميز وتعتبرها وسيلة للتبادل".()

ثانيا- تعاريف المؤسسات المالية:

لقد تعددت التعريفات المرتبطة بالعملات المشفرة من وجهة نظر المؤسسات والمنظمات الدولية والبنوك المركزية، وبالرغم من ذلك التعدد إلا أن جميع الجهات تتفق على أن العملات المشفرة هي بمثابة تفرع للعملات الرقمية ومنها الافتراضية، وندرج على النحو التالي لأهم التعريفات التي تم إيرادها للعملات المشفرة:

  • صنف البنك المركزي الأوروبي (ECB) العملات المشفرة بأنها مجموعة فرعية من العملات الافتراضية وذلك ضمن تقريره حول العملات الافتراضية لعام (2012) ، وبالتالي فإن العملات المشفرة مثل "البتكوين" تعتبر عملة افتراضية مرتبطة بالعملات القانونية أو الاقتصاد الحقيقي بشكل ثنائي، ويمكن شرائها وبيعها مقابل العملات القانونية، كما أنه يمكن استخدامها لشراء البضائع الإلكترونية والحقيقية أو المادية. ويقدم البنك المركزي الأوروبي في تقرير آخر له حول العملات الرقمية لعام  2015  تعريفا للعملات الافتراضية وذلك بوصفها أنها" تمثيل رقمي للقيمة، لا تصدر من قبل البنوك المركزية أو مؤسسات الإقراض أو مصدري النقود الإلكترونية والتي يمكن في بعض الظروف استخدامها كبديل عن النقد" ، بالإضافة إلى التوضيح بأن العملات المشفرة مثل البتكوين تعتبر عملة افتراضية لامركزية بشكل ثنائي.

  • على صعيد آخر، صندوق النقد الدولي (IMF) في عام  2016 توافق الصندوق من حيث تصنيف العملات المشفرة مع البنك المركزي الأوروبي وذلك باعتبار أن العملة المشفرة "مجموعة فرعية من العملات الافتراضية"، ومن حيث التعريف فينظر الصندوق إلى العملات المشفرة على أنها " تمثيل رقمي للقيمة، صادرة عن مطورين خاصين ، ومقومة في وحدة الحساب الخاصة بهم"، وقد غطى هذا التعريف مجموعة واسعة من العملات الافتراضية، حيث من الممكن أن يشمل هذا التعريف سندات الدين البسيطة التي يتم إصدارها من قبل جهات غير رسمية، بالإضافة إلى العملات الافتراضية المدعومة بالأصول مثل الذهب ، والعملات المشفرة مثل البتكوين.

  • أما بنك التسويات الدولية (BIS) ومن خلال لجنة المدفوعات و البنى التحتية لأسواق المال  (CPMI)المنبثقة عنه،فقد عر العملات المشفرة على أنها عملات رقمية تحمل الصفات التالية :

1 - أصول يتم تحديد قيمتها من خلال مبدأ العرض والطلب ، وهي مماثلة في مفهومها للسلع مثل الذهب ، ولكن مع قيمة جوهرية حقيقية  (Intrinsic Value) صفرية، وبعكس النقود الإلكترونية فهي لا تشكل التزاما على أي من الأفراد أو المؤسسات وغير مدعومة من أي جهة تنظيمية.

2- يتم تناقل قيمتها من شخص إلى آخر إلكترونيا مع غياب الثقة بين جميع الأطراف وبدون وجود وسطاء، ويستخدم بعضها تكنولوجيا "السجلات الموزعة" لهذه الغاية.

3 - لا يتم إدارتها من قبل جهة أو شخص معين.

  • قام كذلك البنك الدولي (WB) بتصنيف العملات المشفرة على أنها "مجموعة فرعية من العملات الرقمية"، كما عرفها على أنها "تمثيل رقمي للقيمة، ومقومة في وحدتهم الخاصة من الحساب حيث أنها تختلف عن النقود الإلكترونية التي تعتبر وسيلة دفع رقمية مقومة بالعملات التقليدية". كما صنف العملات المشفرة مرة أخرى على أنها عملة رقمية تعتمد على تقنيات علم التشفير.

في ضوء ما تقدم، من الممكن تعريف العملات المشفرة على أنها " تمثيل رقمي للقيمة يتم تداولها إلكترونيا في مجتمع افتراضي محدد أو غير محدد، تعتمد في مبدأ إصدارها وتداولها على تقنيات علم التشفير، ولا تصدر عن بنك مركزي أو سلطة رقابية أو تنظيمية وإنما يصدرها ويراقبها مطوروها، ولا تشكل التزام على أية جهة بما في ذلك مطوروها". ()

الفرع الثاني: أهم العملات الافتراضية.

لیس البتكوین وحده في عالم العملات الافتراضية باعتباره أول عملة من هذا النوع، فهناك العدید منها تأخذ شهرتها وأهمیتها من حیث عدد مستخدمیها، وكذا من ناحیة علاقتها بالبتكوین، فقد تدخلت الهندسة المالیة مثلاً لتحسین التعامل بالبتكوین، بتجزئته للقضاء على الندرة إن حصلت أو تحسین الأمان بالتعامل به، ومنها:

أولا. البتكوین :Bitcoin (BTC)

تعتبر عملة البتكوین من أهم وأشهر العملات التشفیریة، فهي عملة افتراضية ظهرت عام 2009 من قبل شخص مجهول أطلق على نفسه "ساتوشي ناكاموتو"، ونشأت البتكوین عبر عملیة حاسوبیة معقدة، ثم جرت مراقبتها بعد ذلك من جانب شبكة حواسیب حول العالم، وللحصول علیها على المستخدم شراؤها وٕ إجراء المعاملات بها من خلال بورصات رقمیة مثل  Coinbase،فالبتكوین لیست موجودة بالفعل ولكنها مفاتیح رقمیة مسجلة في محفظة رقمیة یمكنها أن تدیر التحویلات

ومن ممیزات عملة البتكوین:

- عملة لا مركزیة: طرح شخص أطلق على نفسه الإسم الرمزي ساتوشي ناكاماتو فكرة البتكوین للمرة الأولى في ورقة بحثیة، ووصفها بأنها نظام نقدي إلكتروني یعتمد في التعاملات المالیة على مبدأ الند للند، وهو مصطلح تقني یعني التعامل المباشر بین مستخدم وآخر دون وجود وسیط .

- توصف البتكوین بأنها عملة رقمية ذات مجهولیة، بمعنى أنها لا تمثلك رقما متسلسلا ولا أي وسیلة أخرى كانت من أي نوع تتیح تتبع ما أنفق للوصول إلى البائع أو المشتري، مما یجعل منها فكرة رائجة لدى كل من المدافعین عن الخصوصیة، أو بائعي البضاعة غیر المشروعة (مثل المخدرات) عبر الإنترنت على حد سواء.

- یقوم البتكوین على التعاملات المالیة بین شخصین مباشرة دون وجود هیئة وسیطة تنظم هذه التعاملات، حیث تذهب النقود من حساب مستخدم إلى آخر بشكل فوري ودون وجود أي رسوم تحویل ودون المرور عبر أي بنوك أو أي جهات وسیطة من أي نوع كان.

- - قال محافظ بنك إنجلترا المركزي البریطاني) مارك كارني) إن البتكوین فشلت كعملة وفقا للمؤشرات المعیاریة، وٕأنها لیست مخزنا للقیمة أو وسیلة مفیدة لشراء الأشیاء، وأوضح قائلا:" إنها فشلت بشكل كامل تقریبا حتى الآن في الجوانب التقلیدیة للأموال. إنها لیست مخزنا للقیمة لأنها شدیدة التقلب. لا أحد یستخدمها كوسیلة للتبادل "، لكن كارني أقرَّ في الوقت ذاته أن التكنولوجیا التي تستند إلیها العملة الرقمیة الأشهر في العالم قد تكون مفیدة كوسیلة للتحقق من الصفقات المالیة بطریقة غیر مركزیة.

ثانيا . لیتكوین : Lietcoin (LTC) 

هذه العملة التشفیریة تعتبر الفضة للبتكوین كونه ذهباً، ظهرت في سنة 2011 على ید شارلي لي Charlie Lee وهو مهندس سابق في شركة غوغل Google  وخریج معهد ماساتسوسیش للتكنولوجیا، فاللتكوین یعتمد على شبكة عالمیة للدفع مفتوحة المصدر، ولا تخضع لأي جهة مركزیة مثلها مثل البتكوین مستخدمة الـ "Scrypt"كدلیل للعمل، وقد جاء اللیتكوین من أجل إیجاد تولید أسرع للكتلة النقدیة وبالتالي تیسیر التعامل ، كما أضحى اللیتكوین أكثر إقبالا علیه من طرف التجاروخاصة بعد منتصف 2018 بحیث أصبح له سقفاً بـ 5.03 ملیار دولار وبقیمة رمزیة مقدرة بـ 60.89 دولار.

ثالثا . إثوریوم  Ethereum (ETH):

تم تقدیم هذه العملة من طرف Vitalik Buterin وهو عالم كمبیوتر روسي  كندي الجنسیة، ثم تأت في 30 جویلیة 2015 ، فهي عبارة عن منصة برمجیةغیر مركزیة تضطلع بإنشاء العقود الذكیة والتطبیقات الموزعة على رمز التشفیرالخاص بها، وهذا ما یمیزها عن البتكوین، ولقد حظت هذه العملة منذ مارس 2017بشعبیة وشهرة كبیرة لتصبح الیوم ثاني عملة تشفیریة من ناحیة التداول، یطلق على منصة الاثریوم بالـ "الأيثر" Ether و هو العملة المتداولة ضمن هذه المنصة، من ناحیة المبدأ لیست شبیهة بالبتكوین، بل هي مجرد وسیط مالي ضروري من أجل تشغیل العقود الذكیة، والعقود الذكیة هي عبارة عن عقد مالي یقصد تشغیله تلقائیاً عندما یتم إستیفاء شروط معینة ودون وجود طرف ثالث.

رابعا . زاد كاش :Zcash (ZEC)

هي عملة غیر مركزیة مفتوحة المصدر تم إطلاقها في أواخر سنة2016  ،میزتها أنها تحفظ الخصوصیة والشفافیة ، فالـ ZECهي عبارة عن استخدام https ،إن استخدام هذه العملة یمكن من عدم كشف سریة المعلومات إلا لطرفي العملیة، وقامت الشركة المصدرة لعملة زاد كاش ببرمجتها بإستخدام لغة  C++ وهي اللغة  الأساسیة في إنشاء أي عملة رقمیة ولكن تختلف العملات فیما بینها من خلال طریقة البرمجة لذا توجد أكثر من عملة وكل منها ممیزتها وخصائصها.

خامسا . عملة الریبل  Ripple (XRP):

بحلول عام 2018 أصبحت هذه العملة الثالثة عالماً من ناحیة قابلیة السیولة، فهي من إنتاج شركة أوبن كوین(Open coin) سنة 2013 برئاسة الشریك المؤ"كریس لارسن"، وكان الهدف تحریر الأفراد من قیود الشبكات المالیة وتكالیفها، وتنشد الحفاظ على تدفق المال بحریة، فهي إذا شبكة مفتوحة المصدر تنقل هذه العملة من خلالها، وٕایجاد عملة لا مركزیة، وتخطط الشركة لإنشاء 100

ملیار من عملة الریبل في آخر المطاف، ومن المقرر أن یتم الإفراج عن نصفها للتداول، في حین تخطط الشركة للاحتفاظ بالنصف الآخر ، وما یمیز الریبل عن البتكوین هو إنخفاض تكلفته بحیث أنه لا یتطلب التعدین من ناحیة بنیتها وبالتالي تقلل من إستنزاف طاقة الكمبیوتر ووقت إستجابة الشبكة، ففي جوان 2018 بلغ المتداول منها ما قيمته 19.07 ملیار دولار بقیمة رمزیة لها مقدرة بـ 0.486 دولار.

سادسا . عملة داش  Dash (DASH):

تتمیز عن البتكوین كونها أكثر سریة منه، بحیث تقدم الداش مزیداً من عدم كشف الهویة لأنها تعمل على شبكة ماستر كارد غیر مركزیة، تمكن من عدم تعقب المعاملات، ظهر الداش عام 2014 وتم تطویرها من طرف إیفان دیفییلد  Evan Duffield وبحلول جوان 2018 بلغ قیمة سقفها 2.19 ملیار دولار بقیمة رمزیة  تقدر بـ 0.266 دولار. ()

الفرع الثالث: خصائص العملات الافتراضية. 

عند التأمل في حقيقة هذه العملات الرقمية وكيفية عملها والتعامل معها، تظهر عدة خصائص لها، ويمكن إجمالها فيما يأتي:

- نظام الإصدار )التعدين): تختلف عملية إصدار العملات الإفتراضية نهائيا عن النقود القانونية )الورقية( أو النقود الرقمية التي يتم إصدارها من البنوك المركزية، والتي تستمد سلطة إصدارها من سيادة الدولة التي تخضع لها، في حين أن إصدار العملة الافتراضية تتطلب برامجَ خاصة لعملية إصدارها، وتتم هذه العملية بقيام المعدنين )الشركات أو الأفراد( باستخدام برنامج التعدين الخاص بالعملة الافتراضية المتوفرة للعامة عبر أجهزة الحاسب الآلي المرتبطة بشبكة الإنترنت، وتتم عملية الإصدار بحلّ مسائلَ معقدة لا يستطيع العقل البشري حلها إلا بواسطة أجهزة الحاسب، وكلما كانت الأخيرة ذات كفاءة عالية زادت عملية التعدين وحصول المعدن على عدد من العملات الافتراضية التي يتم تخزينها في محفظة إلكترونية خاصة بالمعدن.

إن الحصول على العملة الافتراضية لا يتم فقط بواسطة عملية التعدين، بل يمكن شراء العملة من قبَل المعدنين لها عبر المواقع أو البورصات المالية المخصصة لبيع العملات الافتراضية. ()

- هذه العملات غير ملموسة وليس لها أي وجود فيزيائي، إنما هي عملات رقمية وهمية افتراضية لا وجود لها حقيقة في أيدي الناس، ومشفّرة أي لا يُعرف أصحابها ولا يمكن تتبع عمليات البيع والشراء التي تتم بها حول العالم.

- التذبذب الكبير في أسعار هذه العملات، فقد ترتفع بشكل جنوني في فترة وجيزة، وقد تنخفض كذلك، بحيث يكون المالكون لها على مخاطرة كبيرة، فقد يتحقق لهم ربح كبير أو خسارة كبيرة غير متوقعة في عشية وضحاها ومن غير مقدمات ،ومن غير وجود أسباب منطقية أو تحليل اقتصادي، وقد وصف موقع " البتكوين " بأن سعره "متطاير"،فقد بينت إحصائيات سنة 2017 ان سعر البتكوين في بداية العام قدر بـ 1000دولار، ثم قفز خلال أشهر في نفس السنة إلى قرابة 20000 دولار!.  وأن هذه العملة عبارة عن أصول عالية المخاطر . 

- إمكانية إصدارها من أي شخص في العالم يتقن استخدام علم الحاسوب والبرمجيات و الخوارزميات الرياضية.

- عدم وجود سلطة رقابية أو قانونية عليها، فهذه العملات موجودة على الشبكة العنكبوتية، وتنتقل من بلد إلى آخر بكل حرية ودون أية حواجز أو حدود، ولعل " البتكوين " أبرز نموذج لنشاط اقتصادي حر، حيث دأبت الأدبيات الاقتصادية الرأسمالية على ترسيخ مفهوم الحرية الاقتصادية في الإنتاج والتملك والتبادل، وتقليل القيود والحواجز في انتقال رؤوس الأموال من مكان إلى آخر، وها هي عملة البتكوين  مثلا، جاءت كتطبيق عملي وواقعي لهذه الأفكار، حيث لا رقابة محلية ولا دولية عليها، ولا قيود ولا ضوابط لها، ولا تقنينات ولا تشريعات، بل هي عبارة عن نقود تسبح في الفضاء الإلكتروني بكامل حريتها.

- عدم وجود أي غطاء لهذه العملات سواء من الذهب والفضة أم من العملات الدولية الأخرى كالدولار واليورو أو غيرها.

- عدم وجود وسطاء بين البائعين والمشترين لهذه العملة، بل لا حاجة إلى وسطاء، لأن عملية التبادل تتم بسهولة وسرعة فائقة عن طريق شبكة الإنترنت من خلال مبدأ الند بالند(peer to peer ( ،ومن غير كلفة أو رسوم مادية كالموجودة ، في تحويلات الأموال المعهودة.

- أن التعامل بهذه العملات إنما يكون على شبكة الإنترنت فقط، فلا يمكن الذهاب إلى البنوك أو أية مؤسسة مالية أخرى لإجراء معاملاتٍ يكون فيها البتكوين طرفاً فيها على سبيل المثال. ()


المطلب الثاني: التكييف القانوني للنقود الالكترونية.

أثارت الطبيعة القانونية للعملات الافتراضية ومدى صحة وصفها بالنقود خلافا كبيرا في الأدب الاقتصادي وذلك على الرغم من الاتفاق على أهمية هذه النقود في التجارة الالكترونية. وقد تركز هذا الخلاف حول تحديد طبيعة هذه النقود وهل تعد نقود ا تؤدي نفس الوظائف التي تؤديها النقود، وفي حالة ما إذا كان الأمر كذلك فهل تعد العملات الافتراضية نوع جديد من العملات يضاف إلى العملات الورقية والمكتوبة أم أنها تنتمي إلى واحدة من هذه الأنواع.


الفرع الأول: الطبيعة القانونية للعملات الافتراضية.

أحدثت العملات الرقمية اختلافا ونزاعا حول مدى اعتبار العملات الرقمية شكلا جديدا من أشكال النقود قانونيا من عدمه، ومن مميزات اختلاف الفقهاء أنه يسهم في الوصول للطبيعة النقدية للنقود الافتراضية ، وعليه سوف نتطرق لوظائف النقود الرئيسة ثم نتطرق لآراء الفقهاء؛ للوصول إلى رأي مرجح حول الطبيعة القانونية، على النحو الآتي:

أولا- وظائف النقود : يمكن تحديد وظائف النقود الأساسية فيما يلي:

1- النقود وسيط عام مقبول في التبادل: فالنقود هي الوسيط العام الذي يمكن مبادلته في مقابل أي سلعة أو خدمة، فيتنازل عنها المشتري في مقابل حصوله على الشيء الذي يتنازل عنه البائع للحصول على النقود، وهي بذلك تمثل قوة شرائية عامة تمكن حيازتها من الحصول على أي سلعة أو خدمة يرغب في شرائها ويتطلب نجاح النقود في تأدية هذه الوظيفة، أن تكتسب صيغة القبول العام بين جميع المتعاملين.

2 - النقود مستودع للقيمة: ليس من الضروري أن يقوم كل فرد يحوز مبلغا من النقود بإنفاق كل ما معه في شراء سلع وخدمات في الحال، فقد يؤخر حائزو النقود جزءا منها لإنفاقه في المستقبل، وهنا تقوم النقود بوظيفة (مستودع القيمة) بمعنى أنها تقوم بعملية تخزين لقيمة السلع التي سيتم شراؤها بها مستقبلا، ويتطلب نجاح النقود في تأدية هذه الوظيفة تمتعها بثبات قيمتها الحقيقية في المستقبل، وإلا لأصبح من الأفضل شراء بعض السلع المعمرة والتي ترتفع قيمتها في المستقبل بدلا من الاحتفاظ بالنقود.

3 - النقود مقياس أو معيار للقيمة: تستخدم وحدة النقد كمعيار تنسب إليه قيم جميع السلع والخدمات المختلفة، وهي بذلك تساعد في تقييم السلع المختلفة بدلالة الوحدات النقدية، وبذلك يمكن مقارنة هذه القيم ببعضها البعض، وعلى هذا الأساس تتحدد قيمتها التبادلية، ويتطلب نجاح النقود في تأدية هذه الوظيفة تمتع قيمتها الحقيقية بالثبات النسبي، لأنه من المعروف، أن النقود تفقد قيمتها في أوقات التضخم حيث ينخفض حجم السلع والخدمات التي تشتريها وحدة النقد.

4 - النقود مقياس للمدفوعات الآجلة: يمكن استخدام النقود في إبراء التزامات مالية حالية في وقت لاحق، وبذلك تعتبر النقود مقياسا أو قاعدة للمدفوعات الآجلة أي تلك التي تستحق في تاريخ مستقبل، و يتطلب نجاح النقود في تأدية هذه الوظيفة ثبات قيمتها الحقيقية مستقبلا، والا تعرض الدائن إلى خسارة حقيقية إذا انخفضت القيمة الحقيقية للنقود في المستقبل، ولذلك كثيرا ما يضار الدائن في أوقات التضخم حيث سيستفيد المدين. والسبب في ذلك هو أن ارتفاع الأسعار يصاحبه انخفاض في القدرة الشرائية للنقود. 

ثانيا- رأي الفقهاء في الطبيعة القانونية للعملات الافتراضية : لو تأملنا الوظائف الرئيسية للنقود السابق عرضها ومدى توافرها في العملات المشفرة  لوجدنا أنفسنا أمام فريقين:

الفريق الأول: يرى أن هذه الوظائف لا تتحقق بصورة مقبولة في العملة المشفرة،لما يوجه لها من انتقادات من الناحيتين القانونية والاقتصادية مما بضعف من مكانتها ودورها كوحدات نقدية، و يظهر هذا فيما يلي:

- بداية لا تستطيع هذه العملة المشفرة القيام بالوظائف الرئيسية للنقود،فلا يتم بها قياس السلع مباشرة، بل لابد من تقييمها بعملة أخرى، ثم يتم بعد ذلك التبادل بها.

- لا تصلح هذه العملة المشفرة أن تستخدم كمستودع للقيمة ومخزن للثروة، نظرا للتقلبات الكبيرة المستمرة في قيمتها، وعدم قدرتها على المحافظة على القدرة الشرائية، وتأثرها السريع بأي حدث تقني، أو فني،أو اختراق، أو موقف رسمي.

- ليس لها سعر محدد يمكن المحافظة عليه والعمل على استقراره؛ لأنها لا تخضع لأي بنك مركزي يتحكم في الكميات المصدرة منها، فلا يمكن تحديد القيمة الاسمية أو القيمة السوقية لها لعدم جود سلطة نقدية مختصة بتحديد قيمتها الاسمية.

- عدم وجود أي سلطة مالية أو قيادة مركزية تضبط إصدارها وتتحكم في عرضها وترقب أسعارها وتدعمها وتحميها وتمكنها من القيام بالتغيرات المطلوبة لمواجهة تحديات السوق.

-لا توجد أي جهة من أي نوع تتحكم في إصدارها سوى العرض والطلب، فتفقد بذلك أهم شروط العملة التقليدية؛ وهو الاستقرار النسبي في قيمتها على الأقل في الأجل القصير.

- تصدر من أشخاص مجهولي الهوية، ويتم تبادلها بأسماء مستعارة وغير حقيقية، مما قد يشجع على عمليات النصب والاحتيال المالي، وعدم القدرة على المطالبة القانونية للمتسبب لعدم معرفة هويته الحقيقية. 

فهي بذلك أبعد ما تكون عن العملات التقليدية لفشلها في القيام بالوظائف الأساسية للنقود.

أما الفريق الثاني: فيرى أن وظائف النقود متحققة في العملة المشفرة ويجيب عن الإشكالات التي أوردها الفريق الأول في النقاط التالية:

- وظائف النقود وضابطها قبول الناس وهذا متحقق، وإن كان من الطبيعي أن هذه الثقة لا تأتي جملة واحدة وإنما تأتي تدريجيا، فثقة الناس تزيد يومأ بعد يوم وهناك مئات من المتاجر قبلتها كأداة دفع. فالعملة المشفرة لديها المقومات للقيام بهذه الوظيفة كالنقود الورقية. 

- عدم وجود ضامن لها أمر واقع؛ لأنه لا مصدر لها بخلاف النقود الورقية فلها مُصدر، وعدم الضمان يتعوض بعدم إمكانية التزوير، واستحالة انتحال ملكيتها.

- عدم وجود سلطة مركزية للعملات المشفرة لا يقدح فيها، فقد استعاض مخترعوها بتقنية بلوك تشين. 

الرأي المختار: أن العملة المشفرة وعلى رأسها البتكوين لا تقوم بوظائف النقد جميعها حتى يصح إطلاق صفة النقد عليها، وإنما تقوم بالبعض، فهي تعتمد على الانترنت بشكل كلي، ومثل هذا الاعتماد يعني استحالة تبادل هذه العملة في حال انقطاع شبكة الانترنت، فهي مقتصرة على مجموعة معينة من الناس، وأصل النقد ما كان مقبولا كوسيط للشراء والتعاملات المالية، بمعنى أنه يمكن أن يستخدم للشراء والبيع على نطاق واسع.

فلو تبادل اثنان؛ أحدهما يعطي ملابس، ويأخذ الآخر مقابل ذلك طعاما؛ لما اعتبر الطعام ولا الملابس نقودا، لكن لو فرض جدلا أن ملابس معينة أصبحت تقبل بشكل واسع جدا لتبديلها بأي سلع أخرى، وأصبح الناس يحتفظون بها لوقت الحاجة، ليس لأنها ملابس، بل لأنها محفظة للمال، يباع ويشترى بها لأخذت حكم النقود، وإن كان هذا غير متصور واقعا، ولم يحدث في التاريخ سوى في أوقات محدودة؛ نتيجة ظروف معينة وغير دائمة. ()


الفرع الثاني: حكم العملات الافتراضية في القانون الجزائري.

تعد دولة ألمانيا أولى الدول التي اعترفت رسميا بأن البتكوين نوع من النقود الإلكترونية، وهو ما سمح للحكومة الألمانية بفرض ضريبة على الأرباح على الشركات التي تتعامل بهذه العملات، كما منحت محكمة العدل الأوروبية هذه العملة بعض الشرعية في أكتوبر 2015 ، عندما حكمت باعتبار البتكوين عملة تقابل السلعة، وبالتالي فهي معفاة من ضرائب القيمة المضافة عندما يبادل الأفراد اليورو مقابل البتكوين .

أما الصين التي كانت من أكبر أسواق العملات الافتراضية في العالم، فقد منعت التعامل بالبتكوين في أواخر عام 2017 على الرغم من أنها كانت تتطلع قبل هذا التاريخ لأن تكون رائدة تكنولوجيا البلوك تشين، ونفس الموقف اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية بمنعها للبتكوين وإمكانية تتبع الأشخاص الذين يقومون بطرح تداولات بها لأنها تؤثر على استقرر السوق .

أما عن بلادنا العربية فلم يصدر عن صندوق النقد العربي - الذراع الفني في المجال المالي و النقدي لجامعة الدول العربية - موقف واضح حول البتكوين والعملات الافتراضية لصعوبة تحديده في هذه المرحلة من التعامل مع العملة الافتراضية، وقد صرح رئيس مجلس الصندوق عبد الرحمن عبد الله الحميدي خلال افتتاح الدورة العادية الحادية و الاربعين لمجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربي المنعقدة بدولة الإمارات العربية المتحدة : "أن التنامي الكبير في استخدام

العملات الافتراضية في الآونة الأخيرة يفرض تحديات على البنوك المركزية العربية، ولعل تنامي استخدام العملات الافتراضية بما في ذلك على صعيد التحويلات عبر الحدود وتداعيات ذلك على استقرار القطاع المالي والمصرفي، يفرض تحديات على المصارف المركزية ..." .

هذه بعض النماذج التي تبين التباين الواضح في المواقف اتجاه العملات الافتراضية، والتي تعكس حجم التخوف الذي يحيط بسوق هذه العملات، وهو ما يحيلنا لعرض موقف المشرع الجزائري منها. إذ يفيد خبراء المالية أن تداول العملات الافتراضية قد عرف إقبالا في الآونة الأخيرة، حيث أن هناك عددا من الشباب الجزائري تمكن من فهم وتنمية البتكوين ونظيرتها بفضل تحكمه بالتقنية والتكنولوجيا.

أولا- رفض التعامل بالعملات الافتراضية في الجزائر:

إن خطورة التعامل بالعملات الافتراضية واستقطابها لبعض الفئات المشبوهة، بالإضافة إلى تطلبها لنظام إلكتروني محكم تفتقده الجزائر، جعل المشرع الجزائري يقر صراحة منع تداول العملات الافتراضية التي ليس لها تغطية نقدية ولا تمر عبر البنوك.

وقد جاء هذا المنع بمقتضى قانون المالية لسنة 2018 () في مادته 117 التي جاء فيها:" يمنع شراء العملة الافتراضية وبيعها و استعمالها وحيازتها

العملة الافتراضية هي تلك التي يستعملها مستخدمو الإنترنت عبر شبكة الإنترنت، وهي تتميز بغياب الدعامة المادية كالقطع و الأوراق النقدية وعمليات الدفع بالصك أو بالبطاقة البنكية

يعاقب على كل مخالفة لهذا الحكم طبقا للقوانين والتنظيمات المعمول بها"

من خلال المادة سالفة الذكر اتخذ المشرع الجزائري موقفه الصريح بمنع العملات الافتراضية في الجزائر، سواء تعلق الأمر بشرائها أو بيعها أو استعمالها أو حيازتها، وهو الموقف الذي رأى فيه خبراء اقتصاديون ومتخصصون في تكنولوجيا الإعلام و الاتصال حماية لاحتياط الجزائر من العملات الأجنبية خاصة في الوقت الرهن، وفي نفس الوقت قررا يتماشى مع موقف غالبية الدول الرافضة لهذه العملات، و التي يرى فيها أنها مواد للمضاربة و التهرب الضريبي، على شاكلة جل الدول العربية التي أعلنت عن إجراءات ضد هذه العملات سواء بمنع تداولها أو إطلاق فتاوى شرعية ضدها. 

وبالرغم من أن البيانات الصادرة عن الجزائر تشير إلى محدودية تداول العملات الافتراضية إلا أن هذا المنع المفاجئ كشف حجم تخوف الحكومة الجزائرية من تحول العملة المشفرة إلى ملاذ مالي مربح في ظل ما تعيشه العملة المحلية - الدينار- من انهيار في قيمتها.

وقد كشف أحد المستثمرين الجزائريين في العملات الافتراضية أن إقبال الجزائرين على هذه العملات مازال في أولى خطواته، لهذا يضطر هؤلاء غالبا للعمل مع شركات ومنصات أجنبية، على اعتبار أن الجزائر لا توفر بعد إطار قانونيا يسمح بتطوير أنظمة تساعد على التعامل السلس بهذه المنتجات المالية.

من ناحية أخرى اعتبر الخبير الاقتصادي جمال نور الدين أن منع الحكومة الجزائرية تداول البتكوين وباقي العملات الافتراضية بصفة عامة ،يرجع كذلك إلى الخوف من تداعيات ارتفاع الإقبال على التعامل بها، وهو ما يعني - في نظره - أن الحكومة تستبق الأحداث من خلال تحصين احتياطي و رصيد البلاد من العملات الأجنبية من تطورات قد لا يمكن التحكم بها مستقبلا ، وهو ما اعتبره ذات الخبير عودة إلى النظام الاشتراكي المنغلق على نفسه.

ثانيا- مبررات وخلفيات رفض المشرع الجزائري للعملات الافتراضية:

إن رفض الجزائر للتعامل بالعملات الافتراضية ينبع من وعيها التام بخطورتها وتأثيراتها على الاقتصاد الوطني، وهذا في ظل غياب بنية تكنولوجية قوية تسمح بضبط نشاط و رواج مثل هذه العملات، كما أن السلبيات والمخاطر المصاحبة لاستخدامها تجعل بلدنا حذرة إزاء أي إجراء يتعلق بها. 

فإذا أخذنا إيجابيات هذه العملات من وجهة نظر مؤديها، فإننا نتصادف مع نتيجة تفيد بأن هذه الايجابيات قد تشكل أحد السلبيات التي تدعم فكرة الرفض، فالسرية والخصوصية التي تميز العملات الافتراضية قد تنعكس أيضا بسلبيات عليها، كونها قد تعطي سهولة للعمليات المشبوهة وغير القانونية التي تتم من خلال شبكة الإنترنت، فالخصوصية التي وفرتها هذه العملة جعلها مقصدا لعمليات غسل الأموال وبيع المنتجات المسروقة والممنوعة كالمخدرات .

 كما أن الشكوك المصاحبة لعملية تعدين هذه العملات جعلت من الصعب تحديد المعادلات التي يقوم الجهاز بحلها على وجه دقيق، ما أدى إلى توليد فكره أو شك في وجود منظمات تعمل في الخفاء لحل معادلات قد تحتاج إلى مئات السنين في أوقات وجيزة، وفي الوقت نفسه قد يؤدي تعدين هذه العملات إلى توجيه هجمات إليها يجملها المختصون في نوعن : يتمثل النوع الأول في قيام مستخدم ما باستعمال أو استهلاك نفس البتكوين مرتين لنفس العنوان، أما النوع الثاني فيتمثل في قيام أحد المستخدمين بإدراج صندوق سجلات وهمي داخل النظام وعلى إثره يمكن أن يحصل على عدد من البتكوين الجديدة دون وجه حق .

وما أثار حفيظة المشرع الوطني كذلك هو التقلبات الكثيرة التي يعرفها سعر العملات الافتراضية و القرصنة التي يمكن أن تتعرض لها ما دامت مخزنة ضمن محافظ رقمية يجعلها عرضة للسرقة والتلاعب في حسابات المستخدمين ٠ وقد بدا جليا في المشروع التمهيدي لقانون المالية 2018 أن المشرع الجزائري قرر عدم السماح بتداول العملات الافتراضية لسد الباب أمام تسهيل عمليات تمويل الارهاب وغسل الأموال، فالجزائر من الدول التي تنادي دائما بالقضاء على منابع تمويل الجماعات الإرهابية، ناهيك عن التهرب الضريبي التي سيتمخض عن تداولها، بسبب صعوبة تحصيل الضرائب من طرف الجهات الحكومية بناءا على ربط الضريبة على تلك الصفقات، نظرا لأن هذه الأخيرة تتم خفية عبر شبكة الأنثرنت . 

إذا وفي ظل غياب جهة تشرف على مراقبة هذه العملات كالسلطات المالية أو النقدية في الدولة، وفي ظل عدم صدورها عن أي بنك مركزي أو مؤسسة دولية رسمية تبقى هذه العملات الافتراضية تفتقر إلى الحماية القانونية وتعرض المتداولين لخسائر يصعب

الخاتمة:

لقد نجحت النقود الالكترونية في فرض نفسها باعتبارها إستراتيجية تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تنفيذ و تنمية الأعمال المصرفية خاصة، ورغم أنها لا تزال في مراحلها المبكرة من التطور، فقد أكدت أنها قناة مصرفية هامة تحقق العديد من المزايا لكل من مؤسسات الأعمال والمستهلكين على حدا سواء كما تثير مجموعة من الآثار على مستقبل إدارة السياسة النقدية.

عزمت الجزائر على تطبيق أنظمة الدفع النقدي الالكتروني من خلال الجهود المبذولة في هذا المجال، كاستخدام آخر التكنولوجيا النقدية في إصدار البطاقات الالكترونية وتوفير وسائل القبول وخلق المناخ الملائم لانتشارها من خلال إنشاء هيئات متخصصة بالإضافة إلى سن القواعد والقوانين اللازمة لضمان توافقها مع ما هو معمول به على المستوى الدولي، و تبلورت هذه الإصلاحات بإصدار قانون النقد الالكتروني بالجزائر في العام 2013.

فإذا كانت النقود الالكترونية لا تثير جدلا بالتعامل بها في الأوساط المالية العالمية على اعتبار النقود الالكترونية صيغة غير مادية للنقود الورقية، فإن العملات الإفتراضية وعلى الرغم من الانتشار الواسع لها، ودخول أوساط كثيرة في التعامل بها، إلا أن هناك غموضا كبيرا يكتنِف هذا النوع من العملات، لأسباب عديدة تتعلق بالظروف التي ظهرت فيها ومصادر نشوئها، فضلا عن خصائصها وطبيعتها، التي ما زالت تثير حولها الغموض والشكوك.

والمشرع الجزائري من خلال موقفه الرافض للعملات الافتراضية سار على نهج الدول التي لم تسمح بتداول هذه العملات بأي شكل من الأشكال، ونص على معاقبة كل من يخالف هذا المنع طبقا للقوانين والتنظيمات المعمول بها، وهو بذلك قد قطع الطرق أمام الممارسات المحتشمة التي قام بها مجموعة من المستثمرين الشباب في السنوات الأخيرة، وتفادي الآثار السلبية التي تنجم عن تدفق هذه العملات والتي قد تنعكس بالسلب على الاقتصاد الوطني وتضعف احتياطي العملات الأجنبية. 

إن هذا المنع يؤيد أن ظاهره العملات الافتراضية لا زالت تحتاج إلى دراسة عميقة، بالنظر إلى أبعادها الفنية الدقيقة و الحاجة الشديدة لضبط شروط معاملاتها والتكييف الصحيح لها، فسوقها تنطوي على مخاطرة يصعب التنبؤ بانعكاساتها كونها محكومة بعوامل غير منضبطة وغير مستقرة، مما يجعلها سريعة التقلب وشديدة الغموض.


 

ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...

لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى النقر هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق