مفهوم الأوراق التجارية و مبادئ القانون الصرفي
المبحث الأول: مفهوم الأوراق التجارية.
المطلب الأول: تعريف الأوراق التجارية.
فرع الأول: تعريف المشرع
فرع الثاني: تعريف الفقهاء.
المطلب الثاني: خصائص و أنواع الأوراق التجارية.
الفرع الأول: خصائص الأوراق التجارية
الفرع الثاني: أنواع الأوراق التجارية.
المطلب الثالث: وظائف الأوراق التجارية
الفرع الأول: كأداة للائتمان
الفرع الثاني: كأداة وفاء
المبحث الثاني: مبادئ القانون الصرفي
المطلب الأول: مبدأ الكفاية الذاتية للورقة التجارية: ( مبدأ الشكلية)
المطلب الثاني: مبدأ استقلال التوقيعات
المطلب الثالث: مبدأ تطهير الدفوع
المطلب الرابع: مبدأ التضامن الصرفي بين الموقعين و تجريده.
تعريف الاوراق التجارية في القانون التجاري الجزائري:
اورد المشرع الجزائري السندات التجارية في الكتاب الرابع من القانون التجاري وخصص الباب الاول منه للسفتجة و سند لأمر و الشيك.
ثم اضاف بابا ثالثا بموجب المرسوم التشريعي 93/08 وخصصه لسند التخزين وسند النقل وعقد تحويل الفاتورة وعقد تحويل الفاتورة والمشرع الجزائري على غرار باقي التشريعات لم يعط تعريفا معينا للسندات التجارية (الاوراق التجارية).
الا انه ادرج بموجب القانون رقم 05/02 المؤرخ في 2005/02/06 فصلا اخر للباب المتعلق بالشيك تحت عنوان (عوارض الدفع) واستنادا الى الوظائف والخصائص التي يمكن استنتاجها وفي ضوء تعريفات الفقه يمكن التوصل الى تعريفها بأنها ((صكوك محررة وفق اشكال معينة قابلة للتداول بالطرق التجارية وتمثل حقا بملبغ معين من النقود يستحق الوفاء لدى الاطلاع او بعد اجل قصير وجرى العرف على قبولها كأداة للوفاء)).
خصائص الأوراق التجارية
تنحصر الأوراق التجارية في أربعة أمور جوهرية :
أ. الأوراق التجارية صكوك تمثل حقا نقديا :
تتمثل الأوراق التجارية دائما حقا بمبلغ من النقود ، فهي صكوك ترتب حقوق دائنيه محلها دائما مبلغ من النقود و تسمح لنا هذه الخصيصة باستبعاد بعض الصكوك الذائعة في الحياة التجارية من نطاق الأوراق التجارية كسند الشحن البحري مثلا إذ أن هذا الصك يمثل بضاعة و لا يمثل حقا بمبلغ نقدي و بإيصالات الإيداع التي تمثل البضائع و الأشياء المودعة و لا تعبر عن حق نقدي .
ب. الأوراق التجارية صكوك قابلة للتداول بالطرق التجارية:
تمثل الطرق التجارية للتداول في التظهير و التسليم فالصك إذا كان اذنيا أي لإذن أو لأمر شخص معين فانه ينتقل بمجرد كتابة على الصك تفيد تنازل صاحبه عن حق الثابت فيه إلى الغير دون أن يتطلب الأمر إجراء آخر ، أما إذا كان الصك لحامله أي أن صاحب الحق الثابت في الصك يتحدد بشخص الحائز للورقة فان تداوله يتم عن ريق التسليم أي المناولة اليدوية .
و لا تنتقل الأوراق التجارية إلا بهذين الطريقتين للتداول أما إذا كان الصك يتداول عن طريق حوالة الحق المدنية فلا يعد من قبيل الأوراق التجارية .
ت. الأوراق التجارية صكوك قصيرة الأجل:
تكون الأوراق التجارية مستحقة الأداء إما بمجرد الاطلاع عليها أو بعد اجل قصير فإذا كان الحق الثابت في الورقة مستحق الأداء بعد اجل طويل فلا تعد الورقة من الأوراق التجارية و على ذل لا تعتبر الأوراق المالية التي تصدرها الأشخاص المعنوية من الأوراق التجارية لأنها و أن كانت قابلة للتداول بالطرق التجارية و تمثل حقا بمبلغ من النقود عادة ما تكون طويلة الأجل و أمثلة الأوراق المالية الأسهم و السندات التي تصدرها شركات المساهمة .
ث. الأوراق التجارية صكوك يقبلها العرف التجاري كأداة للوفاء :
لابد لي نكون بصدد ورقة تجارية أن تجري العرف التجاري على قبولها كأداة للوفاء أي أنها تستطيع أن تحل محل النقود في الوفاء و الخصائص الثلاثة السابقة للأوراق التجارية هي التي تفسر لنا قبول العرف التجاري لها كأداة للوفاء : فهي تمثل حقوقا نقدية يسهل تداولها بسبل سريعة و غير معقدة و هي قصيرة الأجل من حيث استحقاق قيمتها إلا أن ذل لا يعني أن العرف التجاري يقبل بالضرورة أية ورقة تحتوي على هذه الخصائص كأداة للوفاء .
و يتعين بطبيعة الحال أن تجتمع هذه الخصائص الأربعة السابقة في الورقة التجارية لي يمكن اعتبارها من الأوراق من الأوراق التجارية إذ أن كل خصيصة تمثل جانبا جوهريا فيها .
أنواع الأوراق التجارية:
لقد نص القانون التجاري الصادر بأمر 75/59 المؤرخ في 20 رمضان 1395 الموافق ل 26 سبتمبر 1975 في الكتاب الرابع على أنواع الأوراق التجارية .
1. السفتجة: هي محرر مكتوب وفق أوضاع شكلية مذكورة في القانون تتضمن أمرا صادرا من شخص هو الساحب إلى شخص آخر هو المسحوب عليه بان يدفع لأمر شخص ثالث هو المستفيد مبلغا معينا بمجرد الاطلاع أو في ميعاد معين أو قابل للتعيين ، و تعتبر السفتجة أهم الأوراق التجارية لأنها تتضمن جميع العمليات التي يدور حولها قانون الصرف و تفترض السفتجة ثلاثة أشخاص :
· الساحب : و هو من يحرر الورقة و يصدر الأمر التي تتضمنه .
· المسحوب عليه : و هو من يصدر إليه الأمر .
· المستفيد : و هو من يصدر الأمر لصالحه .
و تفترض السفتجة وجود علاقات سابقة على إنشائها بين هؤلاء الأشخاص الثلاثة و تعتبر تجاريا بحسب الشكل طبقا للمادة 30 ق.ت التي تنص " يعد عملا تجاريا بحسب شكله ، التعامل بالسفتجة بين كل الأشخاص " فاستنادا إلى هذا النص يعتبر التزام كل شخص وقع على السفتجة عملا تجاريا مطلقا سواء كان هذا الشخص تاجرا أو غير تاجر و سواء تعلق تحرير السفتجة أو تحويلها بعملية تجارية أو عملية مدنية و هذا طبقا لما قضت به المادة 389 ق . ت (تعتبر السفتجة عملا تجاريا مهما كان الأشخاص ).
2. السند لأمر : هو محرر مكتوب وفق أوضاع شكلية مذكورة في القانون يتضمن تعهد من رف محرره بدفع مبلغ معين بمجرد الاطلاع أو في ميعاد معين أو قابل للتعيين لأمر شخص آخر هو المستفيد ، و يختلف السند لأمر عن السفتجة من حيث الشكل إذ السفتجة تفترض وجود ثلاثة أشخاص عند تحريرها بينما السند لأمر لا يتضمن عند إنشائه إلا شخصين هما المحرر و المستفيد و يستند هو الآخر إلى علاقة سابقة بين هذين الشخصين يصبح فيها المحرر مدينا للمستفيد فنشا لأمره سندا يتعهد فيه بدفع قيمة الدين في تاريخ معين ، كما يختلف السند لأمر عن السفتجة من حيث طبيعة الالتزام الثابت في كل منهما إذ يعتبر الالتزام على السفتجة عملا تجاريا مطلقا ، أما الالتزام على السند لأمر فلا يون عملا تجاريا إلا إذا كان محرر السند تاجرا أو صدر السند بمناسبة عملية تجارية .
3. الشيك : هو محرر مكتوب وفق أوضاع شكلية ذكرها القانون و يتضمن أمرا صادرا من شخص هو الساحب إلى شخص آخر هو المسحوب عليه الذي غالبا ما يكون بنكا ، بان يدفع لشخص ثالث هو المستفيد أو لحامله إذا كان الشيك للحامل مبلغا معينا بمجرد الاطلاع على الشيك .
و يختلف الشيك عن السفتجة في كونه دائما مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع لأنه أداة وفاء فحسب و لا يقوم بوظيفة الائتمان كما لا يعد عملا تجاريا إلا إذا حرر بمناسبة عمل تجاري أو وفاء لدين من بيعة تجارية و سواء قام بتحريره تاجر أو غير تاجر غير انه إذا قام بتحريره تاجر قامت قرينة على أن الشيك يتعلق بشؤون تجارية و من ثم يعد عملا تجاريا غير أن هذه يمكن دحضها بجميع وسائل الإثبات .
لم يقتصر المشرع الجزائري على اعتبار أوراقا تجارية تلك الأوراق التقليدية التي انتشر صيتها في السوق و في معاملات التجار سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي بل أضاف أوراقا أخرى و اخضع تداولها للطرق التجارية المعروفة منها التطهير و هذا في المرسوم التشريعي رقم 93-08 المؤرخ في 3 ذي القعدة عام 1413 الموافق لـ 25افريل 1993 متمم و معدل للأمر رقم 75-59 مؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق لـ 26 سبتمبر سنة 1975 و المتضمن للقانون التجاري و تتمثل هذه الأوراق في :
1. سند النقل : و هو عبارة عن صك تجاري يمثل ملكية بضاعة معينة و محددة يصدر من الناقل الذي يلتزم بتسليمها من المرسل إلى المرسل إليه و هو قابل للتداول عن طريق التظهير [8].
2. سند الخزن : هو عبارة عن إيصال أو سند ضمان يمثل بضاعة معينة و محددة مودعة في مخزن عام أو مخازن عامة تسلمه هذه الأخيرة لصاحب البضاعة .
3. عقد تحويل الفاتورة : هو عبارة عن عقد تحل بمقتضاه شركة متخصصة تسمى " وسيط" محل زبونها المسمى " المنتمي " عندما تسدد فورا لهذه الأخيرة المبلغ التام لفاتورة لأجل محدد ناتج عن عقد و تتكفل عدم التسديد و ذلك مقابل اجر .
الوظائف الاقتصادية للأوراق التجارية
تقوم الأوراق التجارية في الحياة اليومية للتجار بالعديد من الوظائف الاقتصادية نجملها فيما يلي :
الورقة التجارية كأداة ائتمان :
يلعب الائتمان دورا هاما في الحياة التجارية فالتجار يتعاملون فيما بينهم بالأجل فيحرر التاجر هذا السند بالدين فإذا احتاج التاجر الآخر إلى النقود يظهر السند لتاجر و تظل الورقة التجارية تتداول بين التجار حتى يستفي حقها و هذا ما يبعث كل الثقة و الائتمان بين التجار في سائر معاملاتهم و إذا كانت سهولة تداول الورقة التجارية بعملية التظهير البسيطة عامل أساسي في تحقيق وظيفتها كأداة ائتمان فان الخصم هو العامل المشجع على أداء هذا الدور .
مفهوم الخصم (Escompte) : و هو التقدم بالسند التجاري وقت الحاجة للأموال لدى إحدى المصارف و تحويله إلى نقود بقيمة المدونة بصلبه و يرجع الفضل في عملية الخصم هذه إلى السيد باترسن مؤسس مصرف انجلترا و كان ذلك في القرن 18 لما رأى بان المصارف تسيء استخدام النقود المودعة لديها و ذل بشراء البضائع بقيمتها و قد تتقلب أسعارها في أوقات لاحقة فرأى بان تشرى السفاتج التي يسحبها البائعون على مشتريهم بثمن البضاعة مقابل اقتطاع نسبة معينة من قيمتها تساوي سعر الخصم إضافة إلى عمولة المصرف ، فأصبحت المصارف تقبل على خصم السندات و هو الأمر الذي شجع على بروزها كأداة ائتمان هامة .
الورقة التجارية كأداة وفاء :
بالرغم من أنها أداة ائتمان فهي أيضا أداة وفاء إذ كل ورقة تجارية تجسد في الحقيقة قيمة نقدية معينة صالحة بذاتها لان تكون بديلا عن النقد فيستطيع حاملها إذا احتاج إلى نقود أن يخصمها لدى احد البنوك فيحصل فورا على قيمتها نقدا و يتم الوفاء عندئذ بالنقود لكنه لم يقع بهذه الصورة إلا مرة واحدة و أغنى عن استعمال النقود مرات عديدة و يشترط شرطان حتى تؤدي الورقة التجارية دورها كأداة وفاء :
· سهولة تداولها أي انتقال الحق الثابت فيها عن ريق التظهير البسيط عكس حوالة الحق المدينة المعقدة .
· إدخال الثقة في نفس حاملها و طمأنته على انه سيستوفي حقه عند الاستحقاق و بذلك أحاطها المشرع بالعديد من المبادئ و القواعد التي تكفل وفاءها و هي :
- مبدأ قبول السفتجة من المسحوب عليه مما يزيد في ضمان الوفاء .
- إقرار مبدأ تضامن الموقعين دون حاجة إلى اشتراطه .
- إقرار مبدأ تظهير الدفوع الذي يحمي الحامل من الدفوع التي كان بإمكان المدين (المسحوب عليه)من اشارتها تجاه الموقعين السابقين .
- إقرار قاعدة استقلال التوقيعات .
- رفض إعطاء مهلة للوفاء بعد تاريخ الاستحقاق .
- حق الحامل في توقيع الحجز التحفظي على منقولات المدين .
- عدم الموافقة على المعارضة في الوفاء إلا في حالات استثنائية .
مبادئ القانون الصرفي
ينشأ عن الأوراق التجارية التزام يختلف عن الالتزامات المعهودة في القواعد العامة، وهو الالتزام الصرفي، وتخضع كل الأوراق التجارية إلى قانون يسمى قانون الصرف، ويقصد به النظام القانوني الخاص بالأوراق التجارية، ويقوم الالتزام الصرفي (و هو الالتزام الناشئ عن التوقيع على الورقة التجارية بقصد الوفاء بقيمتها ، فبمجرد هذا التوقيع يصبح الموقع ملتزما بالوفاء بقيمة الورقة لحاملها الشرعي في ميعاد الاستحقاق)، على عدة مبادئ، تميزه عن غيره من الالتزامات التجارية الأخرى، وتتمثل فيما يلي:
مبدأ الكفاية الذاتية للورقة التجارية: ( مبدأ الشكلية)
يتعين كتابة الالتزام الصرفي، وهذا الأخير لا ينشأ إلا إذا أفرغ في محرر مكتوب، ويجب أن تتضمن هذه الكتابة بيانات معنية حددها القانون، بحيث يكفي مجرد الاطلاع على الصك، لتحديد طبيعة ومدى التزام من وقع عليه، فقواعد الشكلية الصرفية تعد من النظام العام، ومن ثم فإن الورقة التي لا تتضمن كافة البيانات الالزامية، لا تعد ورقة تجارية، وبالتالي تخرج من نطاق تطبيق أحكام قانون الصرف، وتنطبق عليها الأحكام العامة في القانون المدني، لذلك يحدد قانون الصرف شكل السند ويجعل من استيفاء السند للشكل المطلوب معيار حاسما لاكتساب السند صفة الورقة التجارية وبالتالي تطبيق أحكامه عليه ، ومهما يكن من أمر فإن مبدأ الشكلية للأوراق التجارية لا يعطيه فقط القوة الإنشائية للحق الثابت فيه، بل يوفر الأمان والطمأنينة لحامله في الحصول على هذا الحق، كما يسهل تداوله بين المتعاملين به.
مبدأ استقلال التوقيعات:
يعتبر التزام كل موقع على الورقة التجارية قائما بذاته ومستقلا عن التزامات الموقعين الآخرين، بحيث لا يتأثر أو يزول بزوال التزامات بقية الموقعين، سواء أكانوا سابقين أم لاحقين له.
بمعنى أنه إذا كانت أحد التواقيع باطلة، فإن ذلك لا يؤثر على باقي التوقيعات، حيث تبقى صحيحة وسارية على أصحابها، فمثلا لو أن التزام الساحب كان باطلا لسبب من أسباب البطلان، فلا أثر لهذا البطلان على الالتزامات الأخرى، بل يقتصر هذا البطلان على العلاقة المباشرة بين الساحب والمستفيد، دون أن يطال باقي الالتزامات، فيكون المسحوب عليه الموقع بالقبول ملزما بالوفاء بالسفتجة، بالرغم من بطلان العلاقة بين الساحب والمستفيد، بمعنى أن الساحب هو وحده من يستطيع التمسك بالبطلان، ولا يستفيد باقي الموقعين من هذا الدفع.
و قد أكدت المادة 393 ( ق.ت.ج) في فقرتما الثانية هذا المبدأ بنصها:".....إذا كانت السفتجة محتوية على تواقيع أشخاص ليست لهم أهلية الالتزام بموجبها، أو على توقيعات مزورة أو منسوبة لأشخاص وهمين، أو على تواقيع ليس من شأنها لأي سبب آخر إلزام الأشخاص الذين وضعوا توقيعهم على السفتجة أو وقع عليها باسمهم، فإن ذلك لا يحول دون صحة التزامات الموقفين الآخرين على السفتجة "
مبدأ تطهير الدفوع:
يقصد بهذا المبدأ أن كل شخص وضع توقيعه على الورقة التجارية ينشأ في ذمته التزام صرفي قائم بذاته ومستقل عن التزامات غيره من الموقعين، بحيث يكون ملتزما بوفاء قيمة الورقة متى امتنع المدين الأصلي عن الوفاء في ميعاد الاستحقاق، ويرتب على ذلك أن بطلان التزام أحد الموقعين لنقص في أهليته أو لعيب في رضائه، لا يؤثر على صحة التزامات الموقعين الآخرين .
مثال ذلك: عقد صفقة محلها غير مشروع (مخدرات) ، وقام المدين بتحرير ورقة تجارية بثمن هذه البضاعة، فقيام المستفيد بتظهير الورقة التجارية لمظهر إليه حسن التية، فإن هذا الأخير يتلقى هذه الورقة خالية من العيوب التي تشوبها، بمعنى أن الساحب لا يجوز له أن يدفع - في مواجهة المظهر إليه حسن التية- ببطلان التزامه، لعدم مشروعية المحل، فالتزام الساحب في مواجهة دائنه المباشر" المستفيد الأول "، مستقل عن التزامه تجاه الحامل.
مبدأ التضامن الصرفي بين الموقعين:
إن الغرض من هذا المبدأ هو تقوية ضمانات حصول الحامل على حقه الثابت في السند التجاري، حيث أقر المشرع مبدأ التضامن الصرفي بين جميع الموقعين على السند التجاري تجاه الحامل حسن التية، وهذا ما أقرته الماده 432 (ق.ت.ج) في نصها:"إن ساحب السفتجة وقابلها ومظهرها وضامنها الاحتياطي، ملزمون جميعا لحاملها على وجه التضامن".
بموجب هذا المبدأ يحق لحامل السند التجاري، إذا امتنع المدين الأصلي عن وفاء قيمته في ميعاد استحقاقه، الرجوع على الموقعين على السند التجاري من أجل الوفاء بقيمة هذا السند ، وله الحق في مطالبة جميع الموقعين أو أي واحد منهم على انفراد، باعتبارهم مسؤولين مسؤولية تضامنية عن الوفاء في ميعاد الاستحقاق، وله الحق في سحب سفتجة رجوع ، وله الحق في توقيع الحجز التحفظي على منقولات المدين، كما أن له حق ملكية مقابل الوفاء الموجود لدى المسحوب عليه ، غير أنه لا يجوز للحامل الرجوع على هؤلاء، سواء مجتمعين أو منفردين، إلا بعد القيام بالإجراءات التي يتطلبها القانون لذلك، منها الذهاب للمسحوب عليه (المدين الأصلي) في يوم استحقاق السند التجاري، وامتناع هذا الأخير عن الدفع، وعلى الحامل أن يثبت الامتناع عن الدفع، وإجراء ما يعرف باحتجاج عدم الوفاء، وإلا كان حاملا مهملا يسقط حقه في الرجوع على الضامنين ، كما يلزم الحامل بقبول الوفاء الجزئي للورقة التجارية، وهذا خلافا للقواعد العامة التي لا تجبر الدائن على القبول بالوفاء الجزئي لدينه، إلا أن قاعدة التضامن المفترض بين الموقعين على السند التجاري، تجاه الحامل حسن التية قاعدة قانونية بسيطة، لا تتعلق بالنظام العام، وبالتالي يجوز الاتفاق على مخالفتها، حيث أجاز القانون للمتعاملين إدراج شرط عدم الضمان عند تظهير السند التجاري، وعند إدراج هذا الشرط لا يمكن للحامل الرجوع على هؤلاء، ما عدا الساحب الذي لا يمكنه في جميع الأحوال إدراج هذا الشرط في السند التجاري، باعتباره المدين الأصلي فيه، وهو المنشئ له، وبالتالي فهو الضامن الأصلي فيه، ولا يمكنه إعفاء نفسه من ضمان الوفاء بقيمة السند التجاري، وإن أدرج هذا الشرط في السند التجاري يعتبر كأن لم يكن، وهذا ما أشارت إليه المادة 394 (ق.ت.ج) بقولها: " الساحب ضامن قبول السفتجة ووفائها ويمكن لو أن يعفي نفسه من ضمان القبول،و كل شرط يقضي بإعفائه من ضمان الوفاء يعد كأن لم يكن "
قسوة الالتزام الصرفي:
جعل المشرع من الالتزام الصرفي التزاما شديد القسوة، ثقيل الوطأة على المدين حماية لحق الحامل،لأن هذه القسوة تدفع المدين إلى الحرص على الوفاء بقيمة الول٠قة التجارية في ميعاد الاستحقاق. تظهر قسوة الالتزام الصرفي في سلسلة من الأحكام المشددة، تضمنها قانون الصرف؛ من بينها اعتبار جميع الموقعين على الورقة التجارية مسؤولين على وجه التضامن في مواجهة الحامل عن الوفاء بقيمتها ، وأيضا من القواعد التي تعتبر قاسية تجاه المدين في السند التجاري، إلزامه بدفع قيمته في يوم استحقاقه، بصرف النظر عن ظروفه المادية، وإن لم يفعل ترفع عليه دعوى مباشرة، قد تؤدي إلى شهر إفلاسه، وهذا ما قضت به المادة 407 (ق.ت.ج) بقولها: " إن القبول يلزم المسحوب عليه بأن يدفع مبلغ السفتجة في الاستحقاق، وعند عدم الدفع يمكن للحامل وإن كان الساحب نفسه رفع الدعوى مباشرة على القابل والناجمة عن السفتجة، للمطالبة بكل ما يحق بمقتضى المادتين 433، 434".
تسري كذلك الفوائد القانونية في مواجهة المدين الصرفي، ابتداء من تاريخ الاستحقاق، كما أن هذا المدين محروم من نظرة الميسرة، التي يجوز منحها طبقا للقواعد العامة، إذ ليس له أي حق في الحصول على مهلة قضائية للوفاء ، بسبب ما تتميز به الأوراق التجارية من سرعة في تنفيذ الالتزامات، فإذا تقاعس المدين عن الوفاء بقيمة الورقة التجارية عند الاستحقاق، وجب على الدائن إثبات ذلك في ورقة رسمية هي الاحتجاج، والذي يضر سمعة التاجر وائتمانه، ويلحق ضررا بليغا به، ويمهد لطلب شهر إفلاسه؛
غير أن قانون الصرف لم يكن مشددا فقط على المدين تجاه الحامل، بل شدد على الحامل أيضا، حيث ألزمه بأن يحرص في المطالبة بالوفاء من المدين الأصلي في الميعاد المحدد، ذلك أن الوفاء من قبل المدين الأصلي يبرئ كل الموقعين السابقين على السند التجاري، كما تبدو قساوة أحكام قانون الصرف بالنسبة للحامل أيضا، في تقريره لسقوط الحقوق الناشئة عن السندات التجارية، في مدة قصيرة تختلف باختلاف الملتزمين بها، حيث تتقادم دعاوى الرجوع بالنسبة للحامل والمقامة ضد المسحوب عليه القابل بمضي ثلاث(03) سنوات، تحسب ابتداء من تاريخ الاستحقاق، وتسقط دعاوى الرجوع التي يرفعها الحامل ضد المظهرين، أو الساحب بمضي عام واحد تحسب ابتداء من تاريخ الاحتجاج المحرر في المدة القانونية، أو من تاريخ الاستحقاق، إذا كان السند يتضمن شرط الرجوع بدون مصاريف، ويعود السبب في قصر هذه المدة إلى سنة، في كون هؤلاء الملتزمين ما هم إلا ضامنون على خلاف المسحوب عليه القابل، بحيث يتحول بمجرد توقيفه على الشد في القبول، إلى مدين أصلي في هذا السند، إذ يلزمه القبول بدفع قيمة السند في يوم استحقاقه.
إقامة التوازن بين مصلحة الدائن ومصلحة المدين:
يقوم القانون الصرفي على رعاية حقوق الدائن، وأخذ المدين المتخلف عن تنفيذ التزامه بالشدة، ومع ذلك فإن القانون يعمل على إقامة التوازن بين مصلحة الدائن ومصلحة المدين، حتى لا ينفر المدينون من التعامل الأوراق التجارية، فمن ناحية يفرض القانون على الحامل القيام بواجبات معينة في آجال قصيرة، بحيث إذا تخلف عن القيام بها في المواعيد المحددة، أصبح غير جدير برعاية المشرع، وسقط حقه قبل الموقعين على الورقة التجارية، ولا يبقى أمامه إلا الرجوع على المدين الأصلي، ومن هذه الواجبات ضرورة المطالبة بقيمة الورقة في ميعاد الاستحقاق، وإعلان احتجاج عدم الدفع إلى المدينين، الذين يريد الرجوع عليهم خلال عشره أيام الموالية لعمل الاحتجاج ، وتكليف المدنيين الذين يريد الرجوع عليهم، الحضور أمام المحكمة المختصة في خلال المدة المحددة لإعلانهم الاحتجاج؛ ومن ناحية أخرى نجد أن القانون قد خفف ويسر الأمر على المدين، فجعل الالتزام الصرفي يتقادم بثلاث سنوات، وقرر سقوط حق الحامل المهمل في مطالبة معظم الموقعين على الورقة التجارية.
تجريد الالتزام الصرفي:
يعتبر الالتزام الصرفي لكل موقع التزاما مجردا، بمعنى أنه منفصل تماما قبل الحامل ،عن العلاقة الأصلية التي أدت إلى إنشائه،وذلك حق لا يتعذر تداول الورقة التجارية بسبب علاقات أجنبية عنها، ويتفرع على خاصية التجريد، أنه لا يجوز للمدين الصرفي أن يدفع في مواجهة الحامل حسن النية بالدفوع المشتقة من سبب الالتزام الصرفي، أي العلاقة الأصلية كبطلان هذه العلاقة أو انقضائها.
مثلا لو أن أحمد "الساحب" حرر سندا تجاريا لصالح أو لأمر علي" المستفيد" ، وكان سبب تحرير هذا السند هو الوفاء بدين قمار، ثم قام علي بدوره بتظهير السند إلى محمد الذي لا يعرف طبيعة العلاقة التي بين كل من أحمد وعلي، فإن لمحمد في حالة امتنع المسحوب عليه عن دفع قيمة السند يوم استحقاقه الرجوع على الساحب، باعتبار المدين الأصلي في السند و ضامنه ، ولا يستطيع الساحب الدفع بعدم مشروعيته سبب التزامه، لأن الالتزام الناشئ عن توقيعه على السند مجرد، ولا علاقة له بالعلاقة السابقة التي أدت إلى إنشاء السند، ألا وهي علاقة مديونية أساسها القمار( سبب غير مشروع )، ورغم بطلان التزام الساحب في هذا المثال لعدم المشروعية بسبب تحرير السند، إلا أن هذا البطلان يسري فقط في علاقته بالمستفيد الأول أي دائنه المباشر، ولا يمكنه الاحتجاج به تجاه محمد، لأن الالتزام الصرفي ،التزام مجرد ليست له صلة بالعلاقة السابقة عنه وقد تبنى المشرع هذا المبدأ في نص المادة 400 من (ق.ت.ج) بنصها:" لا يمكن للأشخاص المدعى عليهم بمقتضى السفتجة، أن يحتجوا على الحامل بالدفوع المبنية على علاقاتهم الشخصية بالساحب أو بحامليها السابقين، ما لم يكن الحامل قد تعمد عند اكتسابه السفتجة الإضرار بالمدين".
تجدر الإشارة إلى أن خاصية الشكلية والاستقلال والتجريد، هي خصائص متداخلة؛ بحيث يصعب تمييز إحداها عن الأخرى، وهي تهدف جميعا إلى حماية الحامل حسن النية من الدفوع المستمدة من الظروف الخارجية عن نص الورقة، والتي يمكن أن توثر في حقه.
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى
النقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق