الدراسة المسبقة كآلية لإنجاز الاستثمار
يحتل الاستثمار أهمية كبيرة بالنسبة للدولة والأفراد ، ولما كان تدفق رؤوس الأموال الأجنبية على محيط الدولة يؤدي إلى تغذية مركزة للاقتصاد الوطني فان الاستثمار الأجنبي يتفوق من هذه الناحية على الاستثمار الداخلي مما يقتضي توفير الضمانات اللازمة لتشجيع الاستثمار الاجنبي، وقد منح المشرع الجزائري وصفاً متميزاً للمستثمر بغض النظر عن جنسيته في الحقوق والامتيازات حيث نصت المادة المادّة 21 من القانون رقم 16-09 المتعلق بترقية الاستثمار " مع مراعاة أحكام الاتفاقيات الثنائية و الجهوية والمتعددة الأطراف الموقعة من قبل الدولة الجزائرية، يتلقى الأشخاص الطبيعيون و المعنويون الأجانب معاملة منصفة وعادلة، فيما يخص الحقوق والواجبات المرتبطة باستثماراتهم "،وهنا لنا أن نتساءل أولا ما الذي يطبع الاستثمار بالصفة الأجنبية ؟و من خلال استقراء المادة 4مكرر من الأمر 01-03 المتعلق بتطویر الاستثمار نستنتج أن على المستثمر الأجنبي قبل البدء في مشروعه الاستثماري الحصول على دراسة مسبقة من المجلس الوطني للاستثمار ،وبالتالي سوف نحاول في ھذا الصدد دراسة تشكيلة المجلس و الطبیعة القانونیة للدراسة المسبقة و تكيفها القانوني.
أولا - المقصود بالمستثمر الأجنبي :
المستثمر الأجنبي سواء كان شخص طبیعي أو اعتباري هو الذي یحمل جنسیة غیر جنسیة البلد المضیف،فقد أوضحت المادة 25/2للمركز الدولي لتسویة منازعات الاستثمار في اتفاقیة واشنطن سنة 1965لانعقاد اختصاص المركز، منها على أن " المقصود بالمستثمر الأجنبي أحد رعایا الدول المتعاقدة وذلك على النحو التالي:1- كل شخص طبیعي يحمل جنسية إحدى الدول المتعاقدة الأخرى خلاف الدولة الطرف في النزاع.
2- كل شخص معنوي يحمل جنسية إحدى الدول المتعاقدة الأخرى خلاف الدولة الطرف في النزاع...".
فهذا شرط لانعقاد الاختصاص للمركز المذكور، وهو أن یكون الطرف الثاني المتعاقد مع الدولة مستثمرا أجنبیا منتمیا لدولة أجنبیة أخرى طرفا في الاتفاقیة ویستوي أن یكون المستثمر شخصا طبیعیا أو اعتباریا.
بالنسبة للمشرع الجزائري و بالرجوع إلى قانون النقد والقرض90- 10على معیار الإقامة ومعیار الجنسیة نلاحظ انه اعتمد على معيار الإقامة و معيار الجنسية. غیر أن نص المادة 1 من الأمر رقم 01- 03 المتعلق بالاستثمار تثير مسألة المستثمر المقیم و غیر المقیم، لذا یتحدد هذا المفهوم بالنظر للعملة التي یستعملها هذا الأخیر لإنجاز استثماره.وعلیه فالمستثمر المقیم هو الشخص الطبیعي أو المعنوي الذي ینجز استثماراته بالدینار الجزائري أو بواسطة إسهامات عینیة تم اقتناؤها محلیا، أما المستثمر الغیر مقیم فهو ذلك الشخص الطبیعي أو المعنوي، الذي ینجز استثماراته بواسطة عملة قابلة للتحویل الحر وتكون مسعرة رسمیا من طرف البنك المركزي الجزائري أو بواسطة إسهامات عینیة مستوردة ، على هذا الأساس یأخذ قانون النقد و القرض بجنسیة رأس المال لا بجنسیة الأشخاص المالكین له.
فالعبرة بدولية الاستثمار تكون بالنظر لأجنبية رأس المال لا بالنظر لجنسية مالكه وقد أكدت على ذلك القواعد التي تحكم الاستثمار ولا يكون التمييز بين المستثمرين على أساس الجنسية إنما على أساس مصدر رأس المال للاستفادة من الامتيازات و الإعفاءات والتسهيلات التي تمنحها الدولة المضيفة ،والاتفاقيات ذات الصلة ومنها اتفاقية واشنطن لعام1965.
ثانيا - دراسة الطبیعة القانونیة للمجلس الوطني للاستثمار:
بصدور قانون المالیة التكمیلي لسنة 2009 ، ألزم المشرع الجزائري المستثمر الأجنبي بشروط مسبقة لتأسیس مشروعه الاستثماري في الجزائر، حیث نجد منها ضرورة خضوع المشروع الاستثماري للدراسة المسبقة ، حيث استحدث شرط إلزامية الدراسة المسبقة للمشروع الاستثماري الأجنبي من طرف المجلس الوطني للاستثمار بنص المادة 58 الفقرة 05 من قانون المالیة التكمیلي لسنة 2009.
تشكیلة المجلس الوطني للاستثمار:یضم المجلس الوطني للاستثمار أعضاء دائمون من مختلف القطاعات ذات الصلة، وهم حسب المادة 04 من المرسوم التنفیذي رقم 06-35 المتعلق بصلاحیات المجلس الوطني للاستثمار وتشكیله وتنظیمه:" الوزیر المكلف بالجماعات المحلیة- الوزیر المكلف بالمالیة- الوزیر المكلف بترقیة الاستثمارات- الوزیر المكلف بالتجارة- الوزیر المكلف بالطاقة والمناجم- الوزیر المكلف بالصناعة- الوزیر المكلف بالسیاحة- الوزیر المكلف بالمؤسسات الصغیرة والمتوسطة- الوزیر المكلف بتهیئة الإقلیم والبیئة.بالإضافة لحضور أعضاء آخرين یشاركون كملاحظین في اجتماعات المجلس وهم: رئیس مجلس الإدارة للوكالة الوطنیة لترقیة الاستثمار ومدیرها العام كأعضاء ملاحظین، دون أن یكون لهم حق التصویت، أو الاعتراض أو إبداء اقتراحات، كما یمكن الاستعانة عند الحاجة بكل شخص له كفاءة في مجلس الاستثمار".
من خلال عرضنا لتشكیلة المجلس نرى بوضوح بأن المجلس الوطني للاستثمار هو عبارة عن مجلس وزراء مصغر، یضم في تشكیلته 09 قطاعات وزاریة، مما یخلق تداخلا في اختصاصات المجلس ویعرقل السیر الفعال لأجهزة الاستثمار.
ثالثا - طبیعة الدراسة المسبقة التي یقوم بها المجلس الوطني للاستثمار:
حسب نص المادة 3من المرسوم التنفیذي رقم 06/355 السابق الذكر فإن المھام أو طبیعة الدراسة المسبقة للمجلس الوطني للاستثمار تتمحور في :
- یقترح ملائمة التدابیر التحفیزیة للاستثمار مع التطورات الملحوظة
- یدرس كل اقتراح لتأسیس مزایا جدیدة .
- یقترح على الحكومة كل القرارات والتدابیر الضروریة لتنفیذ إجراء دعم الاستثمار وترقیته.
- إعداد مقاییس بھدف انجاز مشاریع تخدم الاقتصاد الوطني.
1- التكییف القانوني الصریح لإجراء الدراسة المسبقة:
بالرغم من استحداث المادة 04 مكرر في الأمر رقم01-03 المتعلق بتطویر الاستثمار بموجب الأمر رقم09-01 المتضمن قانون المالیة التكمیلي لسنة، 2009 لم توضح أو تبین الطبیعة القانونیة لإجراء الدراسة المسبقة التي یقوم بها المجلس الوطني للاستثمار، وبسبب هذا الغموض فإن تكیفها یقوم على أساس فرضین: إما على أساس أنها إجراء شكلي (أ)، أو أنه یتعدى ذلك ویشكل شكلا من أشكال الاعتماد (ب).
أ- الدراسة المسبقة إجراء شكلي:
كرس المشرع الجزائري مبدأ حریة الاستثمار صراحة في المرسوم التشریعي رقم 93-12 المتعلق بترقیة الاستثمار، والأمر رقم 01-03 المتعلق بترقیة الاستثمار المعدل والمتمم، بالنسبة للاستثمار الوطني والأجنبي ، ولا یقیدها إلا النشاطات المقننة وحمایة البیئة، وبالنظر للمادة 4/4 مكرر من الأمر رقم 01-03، التي تنص على إجراء الدراسة المسبقة دون تبیان أبعادها.
وهو ما یمكن اعتبار فرض احترام الدراسة المسبقة على الاستثمار الأجنبي مجرد إجراء شكلي ، یتأكد من خلاله المجلس الوطني للاستثمار من صحة هذه المشاریع الاستثماریة، وتوفرها على الشروط القانونیة المقررة للاستثمار في الجزائر، وأن نص المادة لم یمنح صراحة السلطة التقدیریة عند إجراء تلك الدراسة ، فإن رفض تلك المشاریع الاستثماریة مستبعدة.
وبالتالي فإن إجراء الدراسة المسبقة التي یقوم بها المجلس الوطني للاستثمار تشبه إلى حد ما إجراء التصریح بالاستثمار لدى الوكالة(ANDI) ،لكن رغم ذلك فإن فرض هذا الإجراء یعد مساسا بحریة الاستثمار باعتباره تمییز بین المستثمر الأجنبي والمستثمر الوطني.
ب - الدراسة المسبقة شكل من أشكال الاعتماد
وفق نص المادة 04 مكرر الفقرة 04 من الأمر رقم01-03 المتعلق بتطویر الاستثمار فإن العبارات التي جاءت بها تكریسا لإجراء الدراسة المسبقة، فهي تعتبر قاعدة آمرة " یجب أن یخضع كل مشروع استثمار أجنبي مباشر أو استثمار بالشراكة مع رؤوس الأموال الأجنبیة..."
وهو ما یعني أنه إجراء إلزامي مفروض على كل أنواع الاستثمار الأجنبي التي تنجز في الجزائر وأن الاستثمارات التي لا تتحصل علیها لا تنشأ أبدا،و یتعدى إخضاع الاستثمار الأجنبي للدراسة المسبقة مجرد فحص المجلس الوطني للاستثمار لمشروعیة هذه الاستثمارات إلى منحه سلطة تقدیریة واسعة تخول له تقدیر مدى ملائمة هذه المشاریع، مما یعتبر أن الدراسة المسبقة التي یقوم بها المجلس الوطني للاستثمار هي شكل من أشكال الترخیص أو الاعتماد المسبق.
اعتماد هذا الإجراء جعل المستثمرین الأجانب ینفرون من الاستثمار في الجزائر، حیث سجل تراجعا في الاستثمارات الأجنبیة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا الإجراء یعتبر حمایة للاقتصاد .
-2 التكییف العملي لإجراء الدراسة المسبقة:
اعتبر المجلس الوطني للسجل التجاري الترخیص المسبق الذي یمنحه المجلس الوطني للاستثمار لكل مشروع استثمار أجنبي قبل إنجازه في الجزائر، من شروط تسجیل هذا الاستثمار في السجل التجاري الجزائري وذلك من خلال المذكرة التي أصدرها في 29 سبتمبر 2009 إلى مسؤولي المراكز الجهویة التابعة له، والتي أكد فیها أنه من الشروط الجدیدة لتسجیل الشركات في السجل التجاري عندما یتعلق بالاستثمار الأجنبي:
- احترام المشروع لنسبة مساهمة الطرف الوطني التي لا تقل عن %51
- حصول المشروع على ترخیص مسبق من المجلس الوطني للاستثمار، وكذا قیامه بإجراء التصریح المسبق أمام الوكالة الوطنیة لتطویر الاستثمار.
تكییف المركز الوطني للسجل التجاري لرأي المجلس الوطني للاستثمار بالترخیص المسبق یكون قد أخضع تسجیل الاستثمار الأجنبي في السجل التجاري لنفس النظام القانوني الذي تخضع له الأنشطة والمهن المقننة المحدد في القانون رقم 04-08، المتعلق بشروط ممارسة الأنشطة التجاریة.
-3 البحث عن تكییف لإجراءات الدراسة المسبقة في الإدارة الضمنیة للمشروع:
غیرت الجزائر من معالم سیاستها الاقتصادیة، خاصة في جانبها المتعلق بالاستثمار الأجنبي، وهذا نتیجة نزیف في العملة الصعبة نحو الخارج، حیث عرفت انخفاضا حادا في احتیاطاتها النقدیة من النقد الأجنبي، بسبب الارتفاع الكبیر لنسبة الواردات واختلال في میزان المدفوعات، وهو ما یدفع بالمشرع الجزائري في كل مرة إلى تعدیل أحكام قانون الاستثمار عند اعتماد قانون المالیة أو قانون المالیة التكمیلي.
من خلال هذه التعدیلات التي تبنتها الدولة الجزائریة، أظهرت صفتها المتدخلة، وٕ إظهار حذر شدید اتجاه مسألة الاستثمار الأجنبي، حیث فرضت قواعد تتنافى مع الإصلاحات التي بادرت بها في قوانین الاستثمار وأبرزت فیها الدولة بوضوح تراجعها عن سیاسة تشجیع الاستثمار الأجنبي والرغبة في التضییق علیه وفرض رقابة مشددة علیه للتحكم في الاحتیاطات المالیة من العملة الصعبة.
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى
النقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق