بحث حول : جريمة المضاربة غير المشروعة
جريمة المضاربة غير المشروعة
إن مبدأ حرية التجارة و الاستثمار الذي وضع أسسه المشرع الدستوري، ورفع أعمدته قانون المنافسة، يرتبط بالضرورة بقاعدة اعتماد مبادئ المنافسة الحرة، مع ضمان التوازن العام للسوق من خلال محاربة و حظر الممارسة المنافية لها ،التي تسعى إلى المساس بتلك الحرية وعرقلة المنافسة حسب السير الطبيعي لقاعدة العرض والطلب.
ولما كان تجريم المضاربة غير المشروعة يتوخى بالأساس وضع حد للتجاوزات التي من شأنها تعطيل أو توجيه آلية العرض والطلب، أو التأثير على وظائف السوق على نحو معين، وذلك بإتباع أساليب وطرق احتيالية تنطوي على الغش والخداع للتأثير والتلاعب في أسعار الأوراق المالية، بغرض الاستفادة من الفوارق التي تحصل بالأسعار لتحقيق مكاسب مالية سريعة ، وهذا ما يظهر بشكل واضح من خلال مقتضيات المادة 172 من قانون العقوبات.
الكلمات المفتاحية: المضاربة غير المشروعة، الأوراق المالية، التلاعب بالأسعار،المنافسة.
Résumé:
En raison de l'intérêt du législateur pour la protection du consommateur, plusieurs lois et règlements ont été surveillés à son égard, dont le plus important est la loi 09-03 relative à la protection des consommateurs et à la suppression de la fraude, modifiée et complétée, et le champ d'application de cette loi a été déterminé par le lieu de consommation représenté dans les biens et services ou ce que l'on appelle le produit.
Alors que la criminalisation de la spéculation illicite vise essentiellement à mettre un terme aux excès qui perturberaient ou dirigeraient le mécanisme de l'offre et de la demande, ou affecteraient les fonctions du marché d'une certaine manière, en adoptant des méthodes et des méthodes frauduleuses impliquant la fraude et la tromperie pour influencer et manipuler les prix des titres, Afin de profiter de la différence de prix pour réaliser des gains financiers rapides, et cela est clairement démontré par les dispositions de l'article 172 du Code pénal.
Mots-clés: spéculation illégale, valeurs mobilières, manipulation des prix, concurrence.
مقدمة:
شهدت الجزائر في الآونة الأخيرة تحولات اقتصادية وسياسية هامة و حساسة ،وذلك بانتقالها من النظام الاشتراكي الذي يعتمد على احتكار الدولة للجانب الاقتصادي والتدخل المستمر في جميع الميادين ، إلى النظام الليبرالي الذي يعتمد على فتح المجال الاقتصادي ،و حتى السياسي أمام الأفراد و العمل على تكريس مبدأ المنافسة الحرة.
و الحقيقة أن المنافسة الحرة ترتبط ارتباطا وثيقا بالاقتصاد الحر فلا يتصور فصلهما، إذ لا يمكن تصور اقتصاد متفتح دون منافسة حرة ولا منافسة حرة دون اقتصاد حر، غير أنه إذا كان المبدأ هو الاعتراف بحرية التجارة و الصناعة وكذا حرية المنافسة ،فإنه لا يمكن الأخذ بهذا المبدأ على إطلاقه، فالغرض من هذا المبدأ ليس الانسحاب الكلي للدولة من الاقتصاد ،وإنما الغرض منه هو التحول من الدولة المتدخلة إلى الدولة الضابطة هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن فتح باب المنافسة المطلقة من شأنه أن يؤدي إلى تجاوزات و مخالفات تهدف أساسا إلى احتكار السوق وبالتالي قتل المنافسة، وهو ما يتنافى مع أهداف قانون المنافسة، لذلك عمدت مختلف التشريعات في العالم ومن بينها الجزائر إلى التدخل لضبط المنافسة من خلال تجريم الممارسات التي تؤدي إلى عرقلة أو تشويه أو تقييد المنافسة في السوق.
و من بين هذه الممارسات غير المشروعة ، تلك التي من شأنها تعطيل أو توجيه آلية العرض والطلب، أو التأثير على وظائف السوق على نحو معين، وذلك بإتباع أساليب وطرق احتيالية تنطوي على الغش والخداع للتأثير والتلاعب في أسعار الأوراق المالية، بغرض الاستفادة من الفوارق التي تحصل بالأسعار لتحقيق مكاسب مالية سريعة ،لا تكون ناتجة عن عاملي العرض والطلب بل تكون بسبب تلك الأفعال غير المشروعة، وهو ما يسمى بالتلاعب بأسعار الأوراق المالية أو ما يطلق عليها بالمضاربة غير المشروعة ،التي جرمتها أغلب التشريعات لخطورتها على الاقتصاد الوطني للدولة ، و الآثار السلبية التي تنتجها في الأسواق المالية ،لأنها تؤدي إلى تضليل القيمة الحقيقية للورقة المالية وتمس بالسير الطبيعي والمعتاد لعمل السوق المالية .
إن موضوع بحث جريمة المضاربة غير المشروعة،من المواضيع المهمة في الوقت الحاضر لما يتضمنه من أهمية كبيرة في مجال الكشف والتعرف على الجرائم التي تمس الاقتصاد الوطني للدولة و المستثمرين ، والتي باتت ترتكب بكثرة في وقتنا المعاصر و بوسائل حديثة من قبل أشخاص محترفين وذو خبرة فنية عالية في السوق المالية ،و هو ما يطرح إشكالية الجزاءات الجنائية المفروضة بحق مرتكبي جريمة التلاعب بأسعار الأوراق المالية ،والحد من وقوعها ولعل السبب في ذلك هو طبيعة هذا النوع من الجرائم، التي منها صعوبة تحديد أي الأفعال أو السلوكيات يعد مشروعا و أيها لا يعد كذلك.
و بناء على ما ذكر جاءت هذه الورقة البحثية لتسلط بعض الضوء على هذه الجريمة و فق المحاور التالية.
المحور الأول: مفهوم المضاربة غير المشروعة.
للوقوف على مفهوم المضاربة غير المشروعة، يجب علينا التطرق إلى المقصود بالمضاربة (أولا) ، ثم نعرج إلى تحديد المقصود بالمضاربة غير المشرعة (ثانيا) ، مع تسليط بعض الضوء على آثارها(ثالثا).
أولا – المقصود بالمضاربة:
لمصطلح المضاربة تسميات عدة،فالمضاربة هي تسمية أهل العراق، ويطلق عليها أيضا لفظ القراض أو المقارضة. فتسمية عقد الضاربة بالمقارضة ترجع على أن المضارب يقطع الطريق بسعيه في طلب الربح أو لأن رب المال قطع للعامل قطعة من ماله ، والمضارب قطع من الربح الحاصل بسعيه.
فالمقارضة و القراض مصطلحان فقهيان لمسمى واحد وهو المضاربة.
المعنى اللغوي للمضاربة:
المضاربة مأخوذة من الضرب في الأرض بمعنى -السفر أو التجارة- لأن الربح يحصل عليه غالبا فيه. ومنه قوله تعالى في سورة النساء الآية 101:"وإذا ضربتم في الأرض".وأيضا قوله تعالى "...وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله.."الآية 20من سورة المزمل.
فتسمية المضاربة لفظ يشتمل على البيع والشراء وهو طبيعة عقد المضاربة وهو في قبيل الألفاظ العامة التي يوصف بها كافة العقود. ()
ب- المعنى الاقتصادي للمضاربة:
يطلق على عملية تداول الأوراق المالية بسوق الأوراق المالية بالمضاربة ، ويقال ضارب في السوق أي اشترى عند انخفاض السعر وانتظر حتى يرتفع السعر ليبيع، وقد يهبط السعر فتحدث عندئذ الخسارة، والمضاربة هي عملية بيع أو شراء يقوم بها أشخاص خبيرون بالسوق للانتفاع من فروق الأسعار، وإن المضاربة في سوق الأوراق المالية تؤدي إلى التوازن المستمر بين العرض والطلب من خلال التعادل بينهما، مما تعمل على توازن الأسعار بحيث تقلل من تقلباتها، والتشجيع على توظيف الأموال مما يؤدي إلى تفعيل وتوسيع نشاط السوق. ()
كما تعرف المضاربة أيضا على أنها :" تحقيق الربح عن طريق استثمار المال وحده والمضاربة هي الفرق بين أسعار البيع والشراء، مع الترقب والترصد لانتهاز كل فرصة مواتية للشراء بأبخس الأثمان أو البيع بأعلاه." ()
كما تعتبر المضاربة أيضا، عملية بيع أو شراء يقوم بها أشخاص لديهم خبرة بالسوق للانتفاع من فروق الأسعار، ويقال ضارب في السوق، اشترى في الرخص، وتربص حتى يرتفع السعر ليبيع وقد يهبط السعر فيصاب بخسارة. ()
ج- المعنى القانوني للمضاربة:
إن قانون المدني الجزائري لم يشر إلى المضاربة، وأغفلها كعقد من العقود المسماة الواقعة على الملكية مكتفيا بذكر عقد الشركة بوجه عام. كما انه ابعد من ذلك لم يشر إليها حتى للأنواع الخاصة بالشركة ولا حتى في القانون.
ولكن بتصفح قانون العقوبات الجزائري المشروع قام بتجريم المضاربة غير المشروعة وذلك بموجب المادة 172منه التي تنص على:يعد مرتبكا لجريمة المضاربة غير المشروعة ويعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 20.000دج إلى200.000دج ،كل من احدث بطريق مباشر أو عن طريق وسيط رفعا أو خفضا مصطنعا في أسعار السلع أو البضائع أو الأوراق المالية العمومية أو الخاصة أو شرع في ذلك…." ()
ثانيا – المقصود بالمضاربة غير المشروعة:
المضاربة على نوعين هما المضاربة المشروعة والمضاربة غير المشروعة التي يطلق عليها مصطلح التلاعب بالأسعار. فاستقراء نصوص التشريعات المنظمة للأسواق المالية ولنشاط التداول نجدها لم تعرض تعريفا محددا لجريمة التلاعب بأسعار الأوراق المالية(المضاربة غير المشروعة)، وإنما اكتفت بتعداد الصور التي يمارس التلاعب بأسعار الأوراق المالية.
أ- المعنى الاقتصادي للمضاربة غير المشروعة:
وعرفت المضاربة غير المشروعة بأنها " قيام شخص أو مجموعة الأشخاص المتعاملين في سوق الأوراق المالية بأفعال وممارسات غير مشروعة، من شأنها إحداث توجيه زائف للأسعار بهدف التأثير على أسعار الأوراق المالية لكي تباع وتشترى بسعر أعلى أو أقل من السعر الذي يحدث نتيجة العمليات الطبيعية للعرض والطلب " ، وعرفت هيئة الأوراق المالية والبورصة الأمريكية ،التلاعب بأنه " سلوك متعمد بهدف خداع المستثمرين من خلال التأثير على أسعار الأوراق المالية في السوق" . ()
ب- المعنى الفقهي للمضاربة غير المشروعة:
عرف الفقه جريمة التلاعب بأسعار الأوراق المالية بأنها العمليات غير المشروعة التي تحدث في سوق الأوراق المالية التي يقوم بها الأشخاص المتعاملون في السوق، للتلاعب بأسعار ورقة مالية معينة لتحقيق منافع معينة نتيجة الارتفاع أو الانخفاض المصطنع للأسعار في السوق ، وعرفت أيضا بأنها "عمليات التحايل والخداع والممارسات غير المشروعة إلى تهدف إلى إعاقة العمل في البورصة وخلق الانطباع المزيف عن السعر الحقيقي للورقة المالية في البورصة ".()
و يقصد أيضا بالمضاربة غير المشروعة:" اتخاذ وسائل غير مشروعة للتأثير على سعر ورقة مالية ما، لكي يتم تداولها بسعر أعلى أو أقل من السعر الذي يسفر عنه العرض والطلب في الظروف الطبيعية." ()
وبناء على ما تم ذكره أعلاه، يمكن تعريف جريمة المضاربة غير المشروعة بأنها عملية تستهدف الإخلال بقاعدة العرض والطلب التي تقوم على أساس الالتزام واحترام المنافسة الصحيحة والعدالة في تحديد الأسعار والشفافية في التعامل، وذلك من خلال القيام بممارسات غير مشروعة تتخذ عدة صور تنطوي على الغش والخداع والاحتيال وتضليل المتعاملين في الأوراق المالية بخصوص السعر الحقيقي لها. ()
ثالثا- آثار المضاربة غير المشروعة:
للمضاربة غير المشروعة أضرار وآثار سلبية على أسواق المال،فقيام متداول أو تواطؤ مجموعة من المتداولين بالتدخل في قوى السوق (العرض والطلب) لتحقيق مصلحة خاصة مما ،يؤثر بالسلب على كفاءة السوق، لأنه يقوم باستدراج بقية المتداولين لتوفير السيولة وتنفيذ الصفقات عند أسعار بعيدة بدرجة أو بأخرى عن القيم الفعلية للأوراق المالية.
وفي الأجل الطويل يؤدي انتشار التلاعب في السوق إلى زيادة احتمال وقوع غبن في التداول فتقل الثقة في السوق من جانب المتداولين الأمر الذي يجعلهم ينصرفون عن هذه السوق مما يتسبب في إضعاف سيولة السوق.
يؤدي التلاعب بالأسعار إلى زيادة حدة تقلب الأسعار والكميات المعروضة والمطلوبة من الأوراق المالية، فالأصل أن "البورصة هي مرآة الاقتصاد" فإذا كانت أسعار الأوراق المالية فيها ليست حقيقية وإنما أسعار مصطنعة فإنها تكون صورة زائفة غير حقيقية عن وضع الاقتصاد. وينتج عن الوضع السيئ الناتج عن التلاعب بالأسعار وضعف الثقة في البورصة المصرية أن يفقد صغار المستثمرين الجانب الأكبر من رؤوس أموالهم التي استولى عليها المتلاعبون بالأسعار مما يساهم بالتالي في حدة الركود ونقص السيولة.كما ينتج عن جشع المتلاعبين بالأسعار ومناورات المقامرين اهتزاز السوق واستفحال أمرها.
ليس هذا فحسب بل قد يؤدي التلاعب بالأسعار إلى آثار معنوية سيئة حيث إن التحول المفاجئ إلى الثراء وتضخم الثروة دون جهد أو سبب جدي ظاهر، قد يؤدي بالناس إلى عدم الجد والمثابرة، وربما تكون دعوة صريحة للمقامرة خصوصا لدى الشباب خاصة العاطلين من خريجي الجامعات . ()
وعلى المستوى العالمي، فإن إعادة هيكلة المؤسسات المالية العالمية والأسواق المالية سارع بتكوين ثروات هائلة ناتجة غالبا عن المضاربات غير المشروعة، وفي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ارتفع عدد المليارديرات من13 ملياردير سنة 1982 إلى 149 ملياردير سنة 1996 ، وأن نادي المليارديرات في الكرة الأرضية يضم حاليا 450 عضوا يملكون ثروة تفوق قيمة الناتج القومي الإجمالي لمجموعة الدول الفقيرة في العالم حيث يعيش 56 % من شعوب العالم ومدلول ذلك غاية في الخطورة إذ يعني أن تلك المؤسسات تتمتع بمقدرة مالية تفوق كل مؤسسات الإصدار في العالم أجمع التي لا تستطيع سواء فرادى أو مجتمعين أن تكافح ضد المضاربة غير المشروعة التي تقوم بها هذه المؤسسات. و يمكن أن يتحول المال في أيدي هذه المؤسسات إلى أسلحة الدمار الاقتصادي الشامل إذا استخدم بطريقة منحرفة.
لهذه الأسباب جرمت كافة التشريعات ومنها التشريع الجزائري كافة صور المضاربات غير المشروعة، وأهمها التلاعب بالأسعار، ولعل أحد أهم آليات محاربة ظاهرة التلاعب بالأسعار، وتحقيق الكفاءة لسوق المال، هو إقرار مبدأ الشفافية والإفصاح. ()
المحور الثاني: الوسائل المفضية لتحقيق جريمة المضاربة غير المشروعة.
تجدر الإشارة إلى أهم السمات التي تمتاز بها هذه الجريمة ،أنها تتسم بالتنوع والابتكار والتجديد المستمر في وسيلة ارتكابها ،لأن هذه الوسائل ترتكب من قبل أشخاص محترفين يصعب إثبات الدليل ضد أفعالهم المرتكبة ،حيث يقومون في أحيان كثيرة بتنفيذ هذه الأفعال عن طريق تكوين عصابات إجرامية منظمة، تعمل على تقسيم الأدوار فيما بينهم لتسهيل ارتكابها ،ويسعون دائما إلى اللجوء لهذه الأساليب لتجنب الوقوع تحت طائلة القانون. ()
وقد ذكر المشرع الجزائري بعض الوسائل لتحقق جريمة المضاربة غير المشروعة على سبيل المثال، حيث نص في المادة 172 من قان العقوبات على ما يلي : " يعد مرتكبا لجريمة المضاربة غير المشروعة ويعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 20.000دج إلى200.000دج كل من أحدث بطريق مباشر أو عن طريق وسيط رفعا أو خفضا مصطنعا في أسعار السلع أو البضائع أو الأوراق المالية العمومية أو الخاصة أو شرع في ذلك :
-1بترويج أخبار أو أنباء كاذبة أو مغرضة عمدا بين الجمهور.
2- أو بطرح عروض في السوق بغرض إحداث اضطراب في الأسعار.
3- أو بتقديم عروض بأسعار مرتفعة عن تلك التي كان يطلبها البائعون.
4- أو بالقيام بصفة فردية أو بناء على اجتماع أو ترابط بأعمال في السوق أو الشروع في ذلك بغرض الحصول على ربح غير ناتج عن التطبيق الطبيعي للعرض والطلب.
5- أو بأي طرق أو وسائل احتيالية." ()
من خلال تحليل هذه المادة يستخلص أنها تطبق على كل تدخل إداري على مستوى الأسعار والتي تؤثر على الآليات الطبيعية للأسعار وفقا لقانون العرض و الطلب، سواء بالرفع أو الخفض المصطنع، باستعمال إحدى الوسائل المذكورة في المادة .
وهذه الوسائل كل من أتى بها يكون مرتكب لجنحة المضاربة غير المشروعة، وهذه الوسائل وردت على سبيل المثال و ليس للحصر ،وهذا ما يستنتج من الصيغة الواسعة للفقرة الأخيرة من المادة، لأنه و كما ذكرنا آنفا، أن هذه الجريمة تتسم بالتنوع والابتكار والتجديد المستمر في وسيلة ارتكابها ، وسيتم التطرق لدراسة هذه الوسائل أو الصور كل واحدة على حدا.
أولا- ترويج أخبار كاذبة أو مغرضة:
بمعنى إشاعة أخبار تخالف الحقيقة، وهو أمر شائع وكثير الحدوث كمثال على الإخفاء العمدي لسلعة معينة ذات استهلاك واسع و إشاعة خبر ندرتها أو قطع تموين السوق بها، أو ترويج خبر حول إحتمال حدوث ندرة في السوق لبعض المواد الأساسية وانقطاعها فيتهافت الناس على شرائها فيبيعها صاحبها عندئذ بالسعر الذي يريد مما يؤدي إلى التأثير على نظام السوق و إلى إحداث اضطرابات فيه و تقلبات غير منتظرة في أسعاره، بينما الواقع لا ينبئ بحدوث أو بتحقق مثل هذه الأخبار الكاذبة و المغرضة في السوق حول سلعة منافس ما بغرض استبعاده ،كما قد تكون نتيجة استغلال تعسفي لوضع مهيمن وذلك بقيام المؤسسة المهيمنة بنشر أخبار كاذبة، قصد زيادة أسعار منتجاتها. ()
ثانيا- طرح عروض في السوق بغرض إحداث اضطراب في الأسعار:
كمبدأ عام كل عون اقتصادي حرفي ممارسة أسعار أقل من أسعار منافسيه، فهو أمر مشروع لا يمنعه القانون غير أن هذه الممارسات قد تلحق الضرر بالمستهلكين إذا كانت خادعة أو كانت دافعة إلى شراء غير مبرر وفي هذه الحالة تشكل هذه الممارسات ركن مادي لجريمة المضاربة بالأسعار وهذه الممارسات يمكن أن تشكل تسعير عدواني، أو بيع بأسعار مخفضة تعسفيا ناتجة عن اتفاقات بين الأعوان الاقتصادية أو التعسف في استغلال وضعية الهيمنة قصد إخراج منافسين من السوق، أو منع وافدين جدد من الدخول إلى السوق . ()
ثالثا- تقديم عروض بأسعار مرتفعة عن تلك التي يتطلبها البائعون:
أي أن يعرض تاجر نوع من البضاعة بسعر أعلى من سعرها الحقيقي و يستحوذ على أكبر كمية منها ويطرحها في السوق مسيطرا ومنفردا ببيعها ومن ثم يحدد السعر الذي يريد.
رابعا- الحصول على ربح غير ناتج عن التطبيق الطبيعي للعرض و الطلب :
بمعنى القيام بأعمال أو الشروع فيها من طرف الأعوان الاقتصاديين، و التي تؤدي أو من شأنها أن تؤدي إلى الحصول على أرباح دون أن يكون ذلك ناتج عن الخضوع لحرية المنافسة و للعرض و الطلب وفي هذا المجال تدخل الاتفاقات المحظورة المنصوص عليها في المادة 06 من الأمر 03-03 المتعلق بالمنافسة، ذلك أن الاتفاقات تعرف بأنها تبني خطة مشتركة بين مؤسستين تهدف إلى الإخلال بالمنافسة داخل السوق للسلع أو الخدمات فهي ممارسات جماعية تقوم بها مؤسسات متعددة تهدف إلى استبعاد منافسين متواجدين في السوق، أو منع دخول منافسين جدد مهما كانت الوسائل المستعملة ،فهي محظورة من أمثلتها الاتفاق على البيع بسعر واحد، أو الاتفاق على القيام بإجراء خفض في الأسعار بغية إقصاء منافسين ضعاف ليست لديهم القدرة على مجاراتهم في هذه التخفيضات وبالتالي لا يستطيعون تحمل هذه المنافسة فيتعرضون للخسارة مما يضطرهم للانسحاب، وهو أمر من شأنه أن يؤدي إلى المساس بحرية المنافسة وحتى القضاء عليها و يفتح الباب لهؤلاء المضاربين للسيطرة و التحكم في السوق ومن هذا تحالف موزعي نفس المنتوج على خفض الأسعار الأمر الذي يمس بالمؤسسة المنتجة. ()
المحور الثالث: أركان جريمة المضاربة غير المشروعة و الجزاءات المقررة لها.
المضاربة غير المشروعة هي عملية تلبيسية تهدف إلى إحداث تقلبات غير طبيعية في السوق ، وقد نص المشرع الجزائري على جريمة المضاربة غير المشروعة في قانون العقوبات و التي كيفها على أساس أنها جنحة ، في القسم السابع من الفصل الخامس من الكتاب الثالث في الجزء الثاني وذلك في المادتين 172 - 173 منه وجريمة المضاربة هي كباقي الجرائم تشترط ركنين هما الركن المادي والركن المعنوي، كما قرر لها العقوبات في نص هاتين المادتين.و هو ما سنتطرق له في النقاط التالية.
أولا - أركان جريمة المضاربة غير المشروعة:
ككل جريمة لا بد من توافر الركن المادي الذي يتمثل في الفعل أو السلوك المجرم بنص قانوني و الركن المعنوي الذي يمثل القصد الجنائي، لهذا سوف يتم تبيان الركن المادي لهذه الجنحة، ثم الركن المعنوي.
الركن المادي لجريمة المضاربة غير المشروعة:
الركن المادي للجريمة هو الفعل أو الامتناع عن الفعل الذي بواسطته تنكشف الجريمة و يتمثل الركن المادي لهذه الجنحة في مساهمة شخص طبيعي مساهمة شخصية في الممارسات المنافية لمنافسة بوصفه فاعل أصلي أو شريك و حاسمة في تصور تنظيم و تنفيذ الممارسات المجرمة.
1- المساهمة الشخصية:
يشترط أن يساهم شخص طبيعي مساهمة شخصية في ارتكاب جريمة ،وهذا الشرط يبدو زائد اعن الحاجة في المسائل الجنائية، لأنه يطبق مبدأ شخصية الجريمة الجنائية و العقوبات ، حيث تنص المادة 167من التعديل الدستوري لسنة 2020() "تخضع العقوبات الجزائية لمبدأي الشرعية و الشخصية"، فالعقوبة يجب أن تكون شخصية تطبق على مرتكب الجريمة فقط ، فالمسؤولية الجنائية شخصية لا يتحملها إلا من اكتملت في سلوكه وإرادته أركان الجريمة سواء كفاعل أصلي أو شريك .
وهذا في الحقيقة ينفي كل قرينة على المسؤولية الجزائية لمسيري الشركات على الممارسات المنافية للمنافسة، المرتكبة من طرف هذه الشركات ،فلا تقوم مسؤوليتهم الجزائية إلا إذا ثبت مساهمتهم الشخصية، لا شك أنه لابد أن يعاقب جزائيا مسير الشركة التي هددت منافسيها لمشاركتها في اتفاقات الأسعار أو على توزيع موضوع السوق، بتكييف إجراءات المناقصة عندما يثبت أنه قد استخدم وسائل احتيالية لتنظيم و تنفيذ الاتفاقات غير المبررة. ()
وهذه المشاركة تنتج عن عناصر متعددة نصت عليها المادة 172 من قانون العقوبات و تتمثل في :
- كل من أحدث بطريق مباشر أو عن طريق وسيط رفعا أو خفضا مصطنعا في أسعار السلع أو البضائع أو الأوراق المالية العمومية أو الخاصة.
- كل من شرع في بترويج أخبار أو أنباء كاذبة أو مغرضة عمدا بين الجمهور.
- كل من شرع في طرح عروض في السوق بغرض إحداث اضطراب في الأسعار.
- كل من شرع في تقديم عروض بأسعار مرتفعة عن تلك التي كان يطلبها البائعون.
- كل من شرع في القيام بصفة فردية أو بناء على اجتماع أو ترابط بأعمال في السوق أو الشروع في ذلك بغرض الحصول على ربح غير ناتج عن التطبيق الطبيعي للعرض والطلب.
- كل من شرع في بأي طرق أو وسائل احتيالية ، في إحداث بطريق مباشر أو عن طريق وسيط رفعا أو خفضا مصطنعا في أسعار السلع أو البضائع أو الأوراق المالية العمومية أو الخاصة. ()
2- المساهمة الحاسمة.
المشرع الفرنسي يشترط أن يكون الشخص قد ساهم في تخطيط، تنظيم و تنفيذ الممارسات المعنية بصفة شخصية و حاسمة، هذا الوصف عادل من شأنه أن يضيق من حقل التجريم على خلاف المشرع الجزائري، لم يشترط المساهمة الحاسمة في المادة 15 من الأمر الملغى. ()
الركن المعنوي لجريمة المضاربة غير المشروعة:
جريمة المضاربة غير المشروعة من الجرائم العمدية،إذ يتطلب لقيامها توافر القصد الجرمي العام ،فضلا عن القصد الجرمي الخاص، ويتمثل القصد الجرمي العام بعنصري العلم و الإرادة لدى الجاني حيث يقوم هذا الركن بتوافر العلم لدى الجاني بأن ما يقوم به من تعاملات كاذبة وزائفة ومضللة أو أي أفعال أخرى غير مشروعة من شانها التأثير على أسعار الأوراق المالية وان تتجه إرادته إلى القيام بتلك الأفعال بقصد التأثير على أسعار الأوراق المالية ارتفاعا وانخفاضا لتحقيق أهداف شخصية يسعى إلى تحقيقها من خلال تلك الأفعال، أما القصد الجرمي الخاص فيتمثل بانصراف نية الجاني بالإخلال بالسير الطبيعي والمعتاد لعمل سوق الأوراق المالية أو خلق انطباع كاذب ومضلل عن فعالية السوق، وإيقاع الغير في غلط لحثهم على بيع أو شواء الأوراق المالية لتحقيق منفعة شخصية من ذلك . ()
إن المشرع الجزائري اشترط توافر القصد الجرمي الخاص إضافة إلى القصد الجرمي العام، فلا يكفي علم الجاني وانصراف إرادته إلى ما يقوم به من معاملات كاذبة وزائفة أو احتيال أو إعطاء صورة غير صحيحة من سعر ورقة مالية أو حجم تداولها أو أي ممارسات أخرى لها تأثير على أسعار الأوراق المالية بالارتفاع أو الانخفاض، بل لابد من توافر نية التلاعب بالأسعار، فضلا عن توافر النية السيئة بالتأثير على سوق الأوراق المالية والإخلال بآلياته الطبيعية، من خلال إعطاء صورة غير صحيحة عن سعر ورقة مالية أو حجم تداولها أو خلق انطباع كاذب ومضلل عن فعالية السوق.
و يرى بعض الفقه أن الركن المعنوي في شل هذه الجرائم الماسة بالاقتصاد يتضاءل دوره ، حرصا على تنفيذ السياسة الاقتصادية للدولة ، وهنا المشرع لا يتقيد بالأحكام المقررة بالقانون العام ويكتفي هنا بتجريم السلوك الإجرامي والنتيجة الضارة المرتبة عنه وعلاقة السببية بينهما() .
ثانيا - الجزاءات المقررة للمضاربة غير المشروعة:
إن العقوبات المقررة لجريمة المضاربة غير المشروعة، هي عقوبات أصلية تتمثل في الحبس و الغرامة ،و الملاحظ على هذه الجريمة أنه تغيب فيها العقوبات التكميلية.
أ- الحبس: الحبس هو عقوبة أصلية مانعة للحرية أي سالبة لها، وقد حددت عقوبة الحبس على جريمة المضاربة غير المشروعة من ستة(06) أشهر إلى خمس(05) سنوات، حسب نص المادة 172 من قانون العقوبات.
أما المادة 173 من نفس القانون ،فرفعت الحد الأدنى لعقوبة الحبس إلى سنة(01)واحدة ، في حالة إذا ما وقع رفع أو خفض الأسعار أو شرع في ذلك على الحبوب أو الدقيق أو المواد التي من نوعه والمواد الغذائية أو المشروبات أو المستحضرات الطبية أو مواد الوقود أو الأسمدة التجارية تكون العقوبة الحبس من سنة إلى خمس سنوات.
ب- الغرامة: الغرامة عقوبة أصلية في مواد الجنح و المخالفات ويقصد بها إلزام المحكوم عليه بأنه يدفع إلى خزينة الدولة مبلغا مقدرا في الحكم، فالمادة 172 من قانون العقوبات قد حددت الحد الأدنى للغرامة المفروضة على مرتكب جريمة المضاربة غير الشرعية بخمسة عشرين ألف دينار جزائري (20.000دج (، والحد الأقصى بمائتي ألف دينار جزائري (200.000دج).
أما المادة 173 من قانون العقوبات،فقد خفضت في الحد الأقصى للغرامة لتصبح 100.000 دج، إذا ما وقع رفع أو خفض الأسعار أو شرع في ذلك على الحبوب أو الدقيق أو المواد التي من نوعه والمواد الغذائية أو المشروبات أو المستحضرات الطبية أو مواد الوقود أو الأسمدة التجارية. ()
خاتمة:
أوضحت دراسة موضوع جريمة المضاربة غير المشروعة ، أنها من الجرائم الاقتصادية، لأنها تشكل خطورة كبيرة على الاقتصاد الوطني للدولة واقتصاد المستثمرين، وعلى الثقة المالية للدولة، وتتميز بنشاط ذي طبيعة خاصة، وتتطلب في معظم الأحيان اللجوء إلى الخبرة الفنية، حيث تظهر الصعوبة في تحديد أي الأفعال أو السلوكيات يعتبر مشروعا وأيها لا يعتبر كذلك.
كما تبين من خلال البحث وجود أحكام خاصة بشأن تطبيق العقوبة في جريمة المضاربة غير المشروعة ، و المتمثلة في عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات رغم أنها من الجرائم الاقتصادية، كما نرى أن الغرامة المحددة بـ 20.000دج إلى200.000دج (م172 من قانون العقوبات) ، هي غرامة لا تعبر عن حجم الآثار السلبية التي تحدثها هذه الجريمة ، و على هذا الأساس نقترح على المشرع العمل بطريقة النسب المؤوية في تحديد قيمة الغرامة مقارنة بنسبة الضرر الواقع.
كما نرى أن الغرامة المحددة في نص المادة 173 من قانون العقوبات،يجب مراجعتها من قبل المشرع ، لأن المضاربة في المواد المقننة، يجب أن تكون قيمتها أكبر ، حتى يتوقف جشع التجارفي أوقات الندرة ، و ما وقع الزيادات في المواد الأساسية خلال جائحة كورونا ببعيد(مادة السميد أنمودجا).
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل البحث مع التهميش الجاهز للطباعة يرجى النقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق