تحليل المادة 174 من القانون المدني
قد يتضمن لجوء الدائن
إلى التنفيذ العيني المباشر مساسا بحرية المدين الشخصية وهذا غير جائز طبقا لشروط
التنفيذ العيني وفي هذه الحالة خوله القانون اللجوء إلى وسائل أخرى وصولا إلى حث
المدين على التنفيذ العيني للإلتزام، وإذا لم ينجح في ذلك يلجأ الدائن إلى التنفيذ
بطريق التعويض.
وهناك وسيلتين لحث المدين على التنفيذ العيني هما، الإكراه البدني و
هو ملغى في المواد المدنية ،و وسيلة
الغرامة التهديدية
التي تطرق إليها المشرع في نص المادة 174 من القانون المدني ، التي سنتناولها
بالدراسة في هذه البطاقة كنمودج تطبيقي لتحليل نص قانوني.
أولا- التحليل
الشكلي:
المادة 174 ق م
" إذا كان تنفيذ الالتزام عيناً غير ممكن أو غير ملائم، إلا إذا قام به
المدين نفسه، جاز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التنفيذ وبدفع غرامة
إجبارية إن امتنع عن ذلك.
وإذا رأى القاضي أن مقدار الغرامة ليس كافياً
لإكراه المدين الممتنع عن التنفيذ، جاز له أن يزيد في الغرامة كلما رأى داعياً
للزيادة".
أ- موقع النص : النص المعني هو المادة 174 من القانون المدني الصادر بموجب الأمر رقم 75 – 58 مؤرخ في 26 سبتمبر سنة 1975 ، معدل و متمم بالقانون قانون 05-10 المؤرخ في 20 جوان 2005. وقد جاءت هذه المادة في الكتاب الثاني منه تحت مسمى الإلتزامات و العقود، من الباب الثاني و عنوانه آثار الإلتزام في المبحث الأول تحت عنوان التنفيذ العيني الجبري.
ب- بنية النص:
×
البنية الطبوغرافية )البناء المطبعي: (
تتألف المادة 174 ق م من فقرتين، الفقرة الأولى: تبدأ من
" "
إذا كان تنفيذ " وتنتهي
عند
" إن امتنع عن ذلك " ، الفقرة الثانية تبدأ من " وإذا رأى القاضي" وتنتهي عند
" كلما رأى داعياً للزيادة " .
× البنية اللغوية )البناء اللغوي والنحوي(البناء المنطقي:
و قد جاءت فقرات
المادة محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع الغرامة التهديدية ،و كمثال على ذلك
نشير إلى " غرامة إجبارية" ، " المدين الممتنع" ، " حكم
بإلزام" .
وتعتبر المادة
السالفة الذكر من القواعد المكملة لأنها تتعلق بالمصالح الخاصة بالأفراد أولا،
واعتماد المشرع على مصطلح "جاز " الذي يفيد التخيير لا الإلزام.
ثانيا- التحليل الموضوعي
)تحليل مضمون
النص(:
1-
فهم وتحديد القاعدة القانونية:
من خلال قراءة
نص المادة 174 ق م يتضح أن المشرع قصد بها الوسيلة التي من خلالها يستطيع الدائن
أن يجبر الدائن الممتنع عن التنفيد العيني لإلتزام و الذي تكون شخصيته محل اعتبار (تدخل
المدين شخصيا) ، كما تطرق المشرع في الفقرة الأولى من المادة إلى شروط اللجوء
للغرامة التهديدية ، أما الفقرة الثانية فقد وضحت سلطات القاضي في تعديل مقدار
الغرامة إن رأى أنها غير كافية لإكراه المدين عن التنفيذ .
2-
تحديد الإشكالية:
و بتحديد مضمون
المادة 174 ق م يمكن طرح عدة تساؤلات
نلخصها في الإشكالية التالية : ما هو النظام القانوني للغرامة التهديدية ؟
3-
خطة المناقشة:
سأتناول هذا البحث في مقدمة ومبحثين، يبين الأول منهما مفهوم الغرامة التهديدية وذلك من خلال مبحثين، خُصص المطلب الأول التعريف بالغرامة التهديدية ، أما في المطلب الثاني فيبين الطبيعة القانونية للغرامة التهديدية. في حين عالج المبحث الثاني من هذا البحث شروط الغرامة التهديدية وآثارها، وذلك من خلال مطلبين، عرض المطلب الأول شروط الغرامة التهديدية، وبين المطلب الثاني آثارها. ومن ثم خُتِم البحث بخاتمة تتضمن ما توصل إليه البحث.
مقدمة:
الأصل في تنفيذ الالتزام- طوعاً أو جبراً- هو التنفيذ العيني، ويعني التزام المدين بأداء ما التزم به فعلاً وبذاته لا بشيء آخر، وبمعنى آخر أداء المدين موضوع التزامه ذاته ووفق الطريقة المحددة له قانوناً أو اتفاقاً. فإذا كان المدين قد التزم بنقل ملكية شيء معين، فالتنفيذ العيني لالتزامه يكون بنقل ملكية هذا الشيء بذاته.
وإذا كان قد التزم بالقيام بعمل معين، فالتنفيذ العيني لالتزامه يكون بالقيام بذلك العمل بعينه. والأصل أيضاً أن يقوم المدين بتنفيذ التزامه طوعاً، فإذا رفض ذلك يحق للدائن اللجوء إلى القضاء من أجل الحصول على حكم بإجبار المدين على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً.
والإجبار في التنفيذ العيني على شكلين وهما: الإجبار المباشر، والإجبار غير المباشر، والغرامة هي وسيلة من وسائل التنفيذ العيني الجبري غير المباشر.
ونظام الغرامة التهديدية التهديدية هو، في الأصل، نتاج الاجتهاد القضائي في فرنسا وبعد ذلك تدخل المشرع الفرنسي وأقر نظاماً قانونياً متكاملاً للغرامة التهديدية، وأما القانون المدني الجزائري فقد نص على أحكام الغرامة التهديدية في المادتين 174 و 175
منه.
المبحث الأول: مفهوم الغرامة التهديدية
المطلب الأول: التعريف بالغرامة التهديدية
الفرع الأول:تعريف الغرامة التهديدية
يمكن تعريف الغرامة التهديدية بأنها وسيلة مالية يلجأ إليها الدائن من أجل إجبار المدين بطريق غير مباشر على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً، إذا كان محل التزامه عملاً أو امتناعاً عن عمل، عندما يكون هذا الالتزام قائماً على الاعتبار الشخصي للمدين بحيث لا يكون التنفيذ العيني ممكناً أو ملائماً إلا إذا قام به المدين نفسه.
الفرع الثاني: خصائص الغرامة التهديدية
-الغرامة التهديدية هي وسيلة إكراه تنصب على أموال المدين، وتهدف إلى التغلب على تعنته وامتناعه عن تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً. وحتى يكون الإكراه مجدياً تقدر الغرامة عن كل وحدة زمنية يتأخر فيها المدين عن تنفيذ التزامه (ساعة، يوم، أسبوع، شهر...)، أو عن كل مرة يخل فيها بالتزامه.
- يعد الحكم الصادر بالغرامة التهديدية حكماً مؤقتاً لا نهائياً، وذلك لأنه لا يفصل في موضوع النزاع، وإنما يهدف إلى التغلب على تعنت المدين وإجباره على الوفاء بالتزامه عيناً، ومن ثم لا يكون واجب التنفيذ حتى لو كان صادراً عن محكمة آخر درجة.
الحكم بالغرامة التهديدية هو حكم تابع لأنه يستند إلى حكم أصلي صادر بحق المدين متضمناً إلزامه بتنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً.
المطلب الثاني :
الطبيعة القانونية للغرامة التهديدية
وما دامت الغرامة التهديدية هي وسيلة غيرمباشرة من وسائل التنفيذ العيني الجبري، فهي تختلف من ناحية عن التعويض، وتختلف من ناحية أخرى عن العقوبة الخاصة.
الفرع الأول: التمييز بين الغرامة التهديدية وبين التعويض
تتميز الغرامة التهديدية عن التعويض القضائي من ناحية، وعن التعويض الاتفاقي أو الشرط الجزائي
من ناحية ثانية.
الفرع الثاني: التمييز بين الغرامة التهديدية وبين العقوبة الخاصة
تبدو الغرامة التهديدية، أول وهلة، عقوبة خاصة تفرض على المدين بسبب رفضه الخضوع إلى حكم القاضي. وعلى الرغم من هذا الشبه بين الغرامة التهديدية وبين العقوبة الخاصة إلا أن الغرامة التهديدية لا تعد عقوبة خاصة في القانون الجزائري؛ وذلك لأن العقوبة الخاصة نهائية، ويجب تنفيذها طبقاً لمنطوق الحكم الذي قررها أما الغرامة التهديدية فهي جزاء مؤقت لا تنفذ إلا بعد أن تتحول إلى تعويض نهائي ويجوز للمدين أن يطلب إعادة النظر فيها من أجل تخفيضها أو إلغائها.
المبحث الثاني : شروط الغرامة التهديدية وآثارها
المطلب الأول : شروط الغرامة التهديدية
الفرع الأول : الشروط المتعلقة بموضوع الالتزام وتنفيذه
- وجود التزام على عاتق المدين يمتنع عن تنفيذه بخطأ منه
- أن يكون التنفيذ العيني للالتزام لا يزال ممكناً
- أن يكون محل التزام المدين القيام بعمل أو الامتناع عن عمل
الفرع الثاني: الشروط المتعلقة بطرفي الالتزام
- أن يكون تدخل المدين ضرورياً من أجل تنفيذ الالتزام تنفيذاً عينياً
- أن يطالب الدائن بالحكم بالغرامة التهديدية
المطلب الثاني: آثار الغرامة التهديدية
الحكم بالغرامة التهديدية في القانون الجزائري هو حكم مؤقت، ولا تتحول الغرامة التهديدية إلى تعويض نهائي إلا بعد أن يتحدد موقف المدين منها، ومن ثم تتم تصفيتها. وأما القانون الفرنسي فإنه يميز بين نوعين من الغرامة التهديدية، وهما:
الغرامة التهديدية المؤقتة ويمكن تعديلها في أثناء تصفيتها، والغرامة التهديدية النهائية ولا يمكن تعديلها في أثناء تصفيتها
الفرع الأول :
موقف المدين من الحكم بالغرامة التهديدية
تهدف الغرامة التهديدية إلى الضغط على إرادة المدين وحمله على تنفيذ التزامه تنفيذاًعينياً، ومن ثم التغلب على تعنته وانصياعه للحكم القضائي المتضمن إجباره على تنفيذ التزامه. ويستنفد الحكم بالغرامة التهديدية أثره إذا امتثل المدين له ونفذ التزامه، أو إذا أصبح التنفيذ العيني مستحيلاً، كما لو هلك الشيء محل الالتزام هلاكاً كلياً، أو إذا استمر المدين في غيه وفي تعنته ورفض الخضوع للحكم الصادر بالغرامة التهديدية بحيث لم يعد هناك جدوى من فرضها.
ومن ثم إذا امتثل المدين للحكم ونفَّذَ التزامه في الأجل الذي حددته له المحكمة ،لا يحكم عليه بشيء ما لم يكن قد أعذر قبل ذلك للوفاء بالتزامه، فيلزم عندئذٍ بتعويض الدائن عن الضرر الذي لحق به بسبب تأخير المدين عن الوفاء بالتزامه من وقت الإعذار. أما إذا امتثل المدين للحكم ونفّذ التزامه بعد الأجل الذي حددته المحكمة، أو إذا أصر المدين على عدم تنفيذ التزامه واستمر في تعنته ، أو إذا أصبح التنفيذ العيني مستحيلاً، فيجب على القاضي في مثل هذه الحالات تحويل الغرامة التهديدية إلى
تعويض نهائي.
الفرع الثاني : تصفية الغرامة التهديدية وتحويلها إلى تعويض نهائي
عندما يستنفد الحكم بالغرامة التهديدية أثره يتحول إلى تعويض نهائي وذلك بناء على طلب يقدمه الدائن إلى محكمة الموضوع. ويشمل هذا التعويض النهائي، على غرار التعويض العادي، ما فات الدائن من كسب وما لحقه من خسارة نتيجة عدم تنفيذ المدين لالتزامه في حال إصراره على عدم التنفيذ، أو نتيجة تأخره في تنفيذ التزامه في حال امتثاله للحكم الصادر بالغرامة التهديدية وتنفيذ التزامه بعد الأجل الذي حددته له المحكمة.
خاتمة: والغرامة التهديدية هي وسيلة إكراه مشروعة تمارس على المدين من أجل حمله على تنفيذ التزامه.
وحتى تحقق هذه الوسيلة هدفها يجب أن يكون معدلها مرتفعاً مما يخيف المدين ويجبره على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً. و الحكم بها يعتبر هو حكم مؤقت، ولا تتحول الغرامة التهديدية إلى تعويض نهائي إلا بعد أن يتحدد موقف المدين منها، ومن ثم تتم تصفيتها.
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة
النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى
النقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق