بحث حول : حق المستهلك في العدول عن العقد
خطة البحث
مقدمة
المبحث الأول: ماهية الحق في العدول عن العقد.
المطلب الأول: مفهوم الحق في العدول عن العقد.
الفرع الأول: تعريف الحق في العدول.
الفرع الثاني: نشأة الحق في العدول.
الفرع الثالث: تمييز الحق في العدول عن النظم المشابهة.(الحق في الرجوع في عقد البيع الالكتروني في ...)
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للحق في العدول عن العقد. (حق العدول آلية لحماية المستهلك)
الفرع الأول: العدول عن العقد يعد حقا.
الفرع الثاني: العدول عن العقد يعد رخصة.
الفرع الثالث: العدول عن العقد يعد حق إرادي محض.
المبحث الثاني: أحكام الحق في العدول عن العقد.
المطلب الأول: نطاق تطبيق الحق في العدول عن العقد.
الفرع الأول: النطاق الشخصي للحق في العدول عن العقد. (حق العدول آلية لحماية المستهلك)
الفرع الثاني: النطاق الموضوعي للحق في العدول عن العقد.
الفرع الثالث: النطاق الزمني للحق في العدول عن العقد. (حق المستهلك في العدول في التشريع الجزائري)
المطلب الثاني: آثار ممارسة الحق في العدول عن العقد.(حق المستهلك في العدول في التشريع الجزائري)
الفرع الأول: آثار ممارسة الحق في العدول عن العقد بالنسبة للمستهلك.
الفرع الثاني: آثار ممارسة الحق في العدول عن العقد بالنسبة للمتدخل.
الخاتمة
مقدمة :
لقد ساهم التطور العلمي و التكنولوجي في ظهور أشكال عدة و جديدة للمنتجات و الخدمات المعروضة على المستهلكين ،كما ظهرت أساليب عدة لترويجها و عرضها تختلف تماما عن الأساليب التقليدية ،فأضحى مستهلك اليوم لا يرى سوى أعداد هائلة من السلع و الخدمات معروضة أمامه على شاشات التلفاز و الحاسوب و الهواتف الذكية ،و أيضا في المحال و المساحات التجارية الكبرى، مصحوبة بإعلانات و إشهارات مغرية و جذابة تدفعه إلى التعاقد.
وعند الحديث عن الحرية التعاقدية في مجال العقود، يتبادر إلى الذهن مباشرة أنه لابد من توفر تطابق إرادتين، وأن هناك توازنا بين طرفي هذا العقد باعتباره قائما على مبدأ سلطان الإرادة ، وإن كان هذا التوازن مكفولا في العقود التقليدية بموجب القواعد العامة في القانون المدني وفقا لنظرية عيوب الإرادة والعيوب الخفية، فإن التوازن العقدي في مجال عقود الاستهلاك يكاد يكون منعدما، كون أحد الأطراف في هذا العقد يكون في مرتبة أقل من نظيره المحترف، الذي تكون له الدراية الكافية بتفاصيل منتجه، بالإضافة إلى احترافيته في طريقة عرضه لسلعته أو خدماته.
و محاولة من المشرع الجزائري حماية الطرف الضعيف في عقود الاستهلاك في مواكبة للركب العالمي الحديث في هذا المجال ، استحدث آليات جديدة تضمن حماية المستهلك في كافة مراحل العقد،هذه الحماية التي يتمتع بها المستهلك قد تكون سابقة للعقد، تتمثل في إعلامه وتنويره بكل المعلومات الضرورية التي تهدف إلى حماية رضاه قبل إقدامه على إمضاء العقد وقد تكون هذه الحماية أثناء إبرام العقد، تتمثل في حمايته من الشروط التعسفية التي قد يدرجها المتدخل في العقد، وإجباره على أن تكون تلك المنتجات مطابقة للمواصفات القانونية ، وتأتي الحماية اللاحقة لإبرام العقد في مرحلة التنفيذ، فحاجة المستهلك للحماية في هذه المرحلة لا تقل أهمية عن المراحل التي تسبق إبرامه، لأن أهم حماية يحظى بها المستهلك بعد إبرامه للعقد هي حمايته من آثار مبدأ القوة الملزمة للعقد من خلال ممارسة حق العدول عن العقد بعدما أبرم صحيحا باعتباره.
إن مجرد الحدیث عن الحق في العدول عن العقد من شأنه إثارة حفیظة رجال القانون،لأن معناه قبول تحلل أحد المتعاقدین في العلاقات التعاقدیة وعدم احترامه لتعهده والرجوع عن التزامه الأصلي ، وهو ما يستدعي طرح إشكالية هذا البحث التي تنطلق من متغيرين، المتغير الأول ينطلق من القوة الملزمة للعقد الذي يتجسد في مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، إذ لا يمكن نقضه أو تعديله إلا باتفاق طرفيه أو للأسباب التي يقررها القانون، وبالتالي يعتبر العقد بمثابة القانون بالنسبة لطرفيه، والمتغير الثاني هو الاعتراف للمستهلك بحق العدول عن العقد الذي يبدو كاستثناء على مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، مما يقتضي التساؤل عن كيفية التوفيق بين مبدأ القوة الملزمة للعقد وحق العدول عن العقد؟
و تهدف هذه الورقة البحثية إلى تسليط الضوء عن الحق في العدول باعتباره ضمانة قانونية استحدثها المشرع الجزائري لحماية المستهلك في مرحلة تنفيذ العقد، كما يهدف إلى تحديد الأحكام الخاصة بممارسة هذا الحق،و للإحاطة بموضوع الدراسة تم إعتماد خطة بتقسيم ثنائي من مبحثين ، حيث عالجنا في المبحث الأول ماهية الحق في العدول عن العقد ، أما البحث الثاني فقمنا بتسلیط بعض الضوء على أحكام هذا الحق .
المبحث الأول: ماهية الحق في العدول عن العقد.
يعتبر العدول أحد أهم الوسائل القانونية التي أوجدتها التشريعات الحديثة في سبيل حماية المستهلك في المرحلة اللاحقة للتعاقد، فالمستهلك عادة ما يندفع إلى ابرم العقد في مناخ يحرضه فيه المُنتِج على الشراء تحت تأثير وسائل الدعاية والإعلان، كما أ ن القدرات التي يتمتع بها المنتج تمكنه من التحكم في نفسية المستهلك وتدفعوه إلى التعاقد بسبب حاجته إلى السلعة أو الخدمة دون دراسة متأنية وترو كاف من جانب المستهلك ، زيادة على ذلك عدم الدراية الكافية الموجودة لدى المستهلك سواء ما تعلق بالجوانب القانونية أو المعرفية أو الاقتصادية وعدم توفر الوقت الكافي للتفكير في جميع ما يبرمه فالعلاقة بينهما غير متوازنة.
و من هذا المنطلق فإننا سنحاول في هذا المبحث تحديد مفهوم حق العدول في المطلب الأول بينما سنخص المطلب الثاني للحديث عن الطبيعة القانونية لحق العدول عن العقد.
المطلب الأول: مفهوم الحق في العدول عن العقد.
باعتبار أن المستهلك يمثل الطرف الأضعف في العلاقة التعاقدية، فإنه قد تم منحه آلية يكفل بموجبها حقوقه،و المتمثلة في حق العدول عن العقد، هذه الآلية التي تباينت آراء الفقه القانوني حول طبيعتها.
ومن ثم فإنه سيتم من خلال هذا المطلب تعريف الحق في العدول عن العقد ( فرع أول(، ثم نشأة هذا الحق) فرع ثان(، ونختم المطلب بتمييز هذا الحق عن النظم المشابهة ( فرع ثالث(.
الفرع الأول: تعريف الحق في العدول.
قبل التطرق إلى تعريف حق العدول عن التعاقد تجب الإشارة لمسألة مهمة وهي أن الفقه والتشريع استخدما عدة مفاهيم و مصطلحات للتعبير عن الحق في العدول مثل الحق في الرجوع أو إعادة النظر...، وفي هذه الورقة البحثية سوف نعتمد مصطلح العدول للدلالة على رجوع المستهلك عن العقد والتخلي عنه، وذلك لاستخدامه من طرف المشرع الجزائري في القرض الاستهلاكي من خلال نص المادة11/2 من المرسوم التنفيذي رقم 15-114المتعلق بشروط و كيفيات العروض().
إن تعدد المصطلح في التعبير عن العدول، يدل على أنه لا يوجد تعريف جامع مانع لمصطلح الحق في العدول عن العقد حيث إن هذا المصطلح يعرف جدلا واسعا، إلا أن هناك العديد من الفقهاء والقانونيين يحاولون إعطاء تعريف واضح له.
حيث عرف البعض الحق في العدول بأنه: "حق المستهلك في إرجاع لسلعة أو رفض الخدمة في خلال مدة معينة يحددها القانون، دون التزام التاجر أو مقدم الخدمة بحسب الأحوال برد قيمتها، مع تحمل المستهلك مصاريف الرجوع فقط" ، وما يمكن ملاحظته من استقراء هذا التعريف أنه لم يفرق بين السلع والخدمات التي يمكن للمستهلك العدول عنها وتلك التي لا يمكنه الرجوع فيها، كون بعض السلع والخدمات لا تقبل الرجوع فيها بحسب طبيعتها.
في حين ذهب فريق آخر من الفقه إلى تعريف الحق في العدول بأنه: "ميزة قانونية أعطاها المشرع للمستهلك في الرجوع عن التعاقد، بعد أن يتم إبرام العقد صحيحا أو قبل إبرامه، دون أن يترتب على ذلك مسؤولية المستهلك عن ذلك الرجوع أو مسؤولية المتعاقد الآخر عما قد يصيبه من أضرار بسبب الرجوع" ،ويلاحظ على هذا التعريف أنه أعم من السابق حيث ربط الحق في العدول بوجود عقد مكتمل الأركان، وأعطى للمستهلك هذا الحق سواء في مرحلة إبرّام العقد أو في مرحلة تنفيذه، إلا أنه لم يبين ما إذا كان هذا الرجوع يطبق على السلع فقط أم يمتد إلى الخدمات كذلك، كما لم يوضح إذا كان المهني ملزما برد قيمة ما دفعه المستهلك أم أنه غير ملزم بذلك؟
وذهب فريق آخر من الفقه إلى تعريف الحق في العدول بكونه: "حق المستهلك في الرجوع عن العقد ونقضه بالإرادة المنفردة لعيب اكتشفه، إذ ما سارع بإبلاغ المنتج خلال فترة زمنية قصيرة" ، ويختلف هذا التعريف عما سبق كون هذا الأخير ربط حق المستهلك في العدول بوجود عيب في السلعة المقتناة فقط، وبالتالي يستنتج استبعاد حق المستهلك عن العدول في حالة حصوله على خدمة، وكذا في حالة إقدامه على الاقتناء دون تفكير، كما أن هذا التعريف لم يوضح القصد بمصطلح المنتج ما إذا كان يقصد به المتدخل، بصفة عامة أم أنه يقصد به منتج السلعة في حد ذاته. ()
وكل هذا النقد تم تفاديه من قبل البعض الآخر من الفقه الذي عرفه بكونه: "الحق الذي يعطى للمستهلك العدول عن العقد، وإعادة النظر فيه خلال فترة زمنية معينة من انعقاد العقد بالإرادة المنفردة، إذا كان قبوله متسرعا، ولا يحتاج هذا الحق إلى موافقة المتعاقد الآخر أو اللجوء إلى القضاء"، وما يمكن ملاحظته أن هذا التعريف يعد الأكثر توضيحا لمصطلح حق المستهلك في العدول، ولو أنه كان من المفروض حذف عبارة كان قبوله متسرعا، حيث إن هذه العبارة تفيد أن هذا السبب الوحيد الذي يجعل المستهلك يتراجع عن العقد، أما غير ذلك فمن غير الممكن، حيث إن هناك من فقهاء القانون من ذهبوا إلى تعريفه بأنه: "رخصة يتم سنها بموجب نص قانوني، أو تعاقدي مما يسمح بالتراجع عن الالتزام التعاقدي" . ()
الفرع الثاني: نشأة الحق في العدول.
يعتبر المشرع الفرنسي سباقا إلى إدراج هذا الحق وكان ذلك من خلال القانون الصادر في 13 يوليو 1971 والمتعلق بالتعليم بالمراسلة الذي نص على أحقية الطالب بالرجوع في التعاقد مع المؤسسة التي تقدم له التعليم بإرادة منفردة إذا رأى أن وسائل التعليم المستخدمة لا تتفق مع ما كان ينتظره، ثم ألحقه بقانون 72/60 الخاص بالتمويل الائتماني لسنة1972، والقانون 72/173 الخاص بالبيع بالمنزل لسنة 1972 والتي أعطى فيها المشرع الفرنسي للمستهلك حق العدول وسارت على هذه الفكرة معظم التشريعات الغربية() و بعض التشريعات العربية ، من بينها المشرع الجزائري الذي تناوله في المرسوم التنفيذي المنظم للقرض الاستهلاكي رقم 15/114 المؤرخ في 12 مايو 2015.
الفرع الثالث: تمييز الحق في العدول عن النظم المشابهة.
لقد اتضح لنا أن خيار العدول يدل على التراجع والرجوع، إنهاء و إزالة للعقد بإرادة منفردة ،وهي إرادة المستهلك، فهو بهذه الصفة قد يتشابه ويختلط ببعض النظم القانونية المعروفة في النظرية العامة للعقد، و التي تؤدي إلى زواله، فنميّزه عن البطلان (أولا)،ثم نميّزه عن القابلية للإبطال (ثانيا)، و أخيرا نميّزه عن الفسخ (ثالثا).
أولا- تمييز حق العدول عن البطلان:
البطلان هو جزاء يرتبه القانون على تخلف إحدى أركان العقد كتخلف الرضا أو المحل أو السبب أو الشكل في العقود الشكلية ، فأوجه الشبه بين خيار العدول والبطلان، أنه يترتب عن كلاهما زوال العقد، و يعتبر كأن لم يكن، ولا يترتب عنه أي أثر، كما أن ممارسة خيار العدول أو البطلان لا يترتب عنه أي حق في التعويض، إلا أن الفوارق بينهما عديدة، حيث يتميز الخيار في العدول عن العقد في كونه يمارس على عقد صحيح، مرتِبٌ لجميع آثاره ، بينما البطلان يكون العقد باطلا بطلانا مطلقا، أي معدوم في وجوده و آثاره هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الخيار في العدول يتقرر لفائدة شخص محدد، و هو المستهلك ، فهو يحقق مصلحة خاصة ، بيمنا البطلان يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، ومن ثمة يمكن أن يتمسك به كل ذي مصلحة. ()
ثانيا- تمييز حق العدول عن القابلية للإبطال:
يقترب حق العدول عن العقد من طلب الإبطال في العقد القابل للإبطال من حيث أنّه ينشأ في الحالتين عقد تام بين طرفيه، ويكون ركن الرضا فيهما معيبا، وبالتالي يثبت في كلا النظامين لأحد المتعاقدين خيار الاستمرار في العقد والإبقاء عليه أو إعدامه و إزالته .
ورغم هذا التقارب بين النظامين، فإنهما يختلفان في عدة فوارق، فالعقد القابل للإبطال هو عقد منتج لجميع آثاره ما لم يستعمل المتعاقد حقه في طلب الإبطال، وذلك بعكس حق العدول الذي يمنع العقد من ترتيب آثاره إلى حين انقضاء المدة الممنوحة لممارسته.
وبالنظر لسبب كل منهما، فالبطلان النسبي يكون بناء على أسباب محددة مسبقا وهي ما يصيب ركن الرضا من عيوب، و إذا أراد المتعاقد الذي عيبت إرادته ترتيب أثره فلا بد من إقامة دعوى طلب إبطال، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، بينما يثبت حق العدول للمستهلك الذي يباشره بإرادته المنفردة، وله أن يرجع عن العقد أو أن يبرمه دون حاجة لإقامة دعوى، أو تقديم الأدلة والأسباب. ()
ثالثا- تمييز حق العدول عن الفسخ:
الفسخ هو الجزاء المترتب على أحد المتعاقدين جراء الإخلال بالتزامه المنصوص عليه في العقد و أن لا يكون سبب الإخلال بالالتزام عدم الاستطاعة نتيجة للقوة القاهرة أو غيرها ، فيطالب الطرف الآخر بإنهاء الرابطة العقدية فيسمى ذلك فسخ ويكون بناء على حكم قضائي إذا لم يتفق الأطراف على عكس ذلك.يقع الفسخ بعد توجيه إعذار للطرف الذي تقاعس على تنفيذ التزاماته، إلا إذا اتفق الأطراف على أن العقد يكون مفسوخا من تلقاء نفسه ودون الحاجة للأعذار أو اللجوء للقضاء.
ويأتي الفسخ جزاء لمن أخل بالتزاماته في تنفيذ العقد كما يتبع الحكم بالفسخ، تعويضا للطرف المتضرر ويجيز القانون التنفيذ الجزئي للعقد في حالة الحكم بالفسخ.
أما العدول فيصدر عن المستهلك من تلقاء نفسه في المدة المحددة قانونا التي تلي الانعقاد مباشرة، ومن يمارس هذا الحق غير ملزم بتقديم الأسباب التي دفعته للتمسك به. فالحق في العدول مقرر قانونا ولا يحتاج إلى اتفاق الأطراف عليه، وكل اتفاق يسقط هذا الحق يعتبر لاغيا من أساسه لأنه من النظام العام فلا يعذر المهني قبل ممارسة حق العدول ولا يعوض بعده كما أن القانون لا يجيز فيه التنفيذ الجزئي.
هذه الحالات التي يختلف فيها الحق في العدول عن نظام الفسخ، ويلتقي النظامان ويتشابهان في صور أخرى تجعل من الفسخ يقترب من العدول. ()
فكلا الصورتين تمارسان بعد إبرام العقد وليس قبله أما أثرهما فهو إعدام العقد و إنهائه و إرجاعه إلى الحالة التي تسبق انعقاده وبالتالي إزالته وكأنه لم يكن أصلا. كما يجوز للأطراف تعليق هذا الحق ما لم يتعلق ذلك بالنظام العام. إلا أن الصورة الأقرب لتشابه الفسخ مع العدول هي الحالة التي يتفق فيها المتعاقدان على أن العقد يكون مفسوخا من تلقاء نفسه دون اللجوء للأعذار المسبق أو اللجوء للقضاء. لأن في هذه الحالة يتم الفسخ أو ممارسة الحق في العدول دون الحاجة إلى موافقة المتعاقد الآخر استنادا إلى اتفاق أو نص قانوني. ()
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للحق في العدول عن العقد.
إن تحديد الطبيعة القانونية لحق العدول يعد من أبرز المسائل القانونية التي أثارت جدلا فقهياً لغياب التحديد القانوني لها. فهناك جانب من الفقه يرى بأن الطبيعة القانونية للعدول عن العقد هو حق(فرع أول)، في حين يذهب رأي آخر إلى القول بأنّه رخصة (فرع ثاني)،كما يعتبره آخرون حق إرادي محض (فرع ثالث).
الفرع الأول: العدول عن العقد يعد حقا.
إتفق جانب من الفقه على اعتبار خيار العدول حقا، إلا أنّهم اختلفوا في تحديد نوع هذا الحق، إذ هناك من يرى بأنه حقا شخصيا، وآخر يعتبره حقا عينيا.
أولا- خيار العدول يعد حقا شخصيا: معناه أن للمستهلك الدائن الحق في مطالبة المتدخل المدين و إجباره على القيام بعمل معيّن أو الامتناع عنه. لكن يرد على هذا القول، أن في خيار العدول لا وجود لمثل هذه السلطة، إذ لا يحق للدائن مطالبة المدين بأي دور إيجابيا كان أم سلبيا. فهذا الحق في العدول يخول له فقط إمّا إتمام العقد أو نقضه.
ثانيا - يعد خيار العدول حقا عينيا: معناه أن للدائن أي المستهلك سلطة مباشرة على شيء معيّن، يكون له بمقتضاها الحق في استغلاله والانتفاع به. لكن لقي هذا الرأي معارضة من البعض، لأن خيار العدول لا يعد حقا عينيا ولا يمنح للدائن سلطة مباشرة على شيء معين ، بل يمنح له هذا الحق سلطة إتمام العقد أو التحلل منه فقط دون أية مسؤولية. ()
الفرع الثاني: العدول عن العقد يعد رخصة.
الرخصة تعني شرعا ما شرع من الأحكام للتخفيف عن الناس المكلفين في أحوال وأعذار خاصة تقع عليهم، و تعني الرخصة اصطلاحا استباحة المحظور مع قيام السبب الحاضر.
وكما علمنا سابقا أن حق التراجع عن العقد يعتبر وسيلة لانسحاب أحد المتعاقدين من العقد بإرادته المنفردة دون أن تترتب عليه أية مسؤولية وهو ما يمس من قدسية العقد وهذه الوسيلة في حد ذاتها تعتبر استثناء من مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، وتعتبر الرخصة استثناء من أصل كلي وهي العزيمة.
إلا أن هذا الرأي لم يسلم هو كذلك من الانتقاد على اعتبار أن الرخصة أشمل وأهم من حق التراجع هي تثبت لجميع الناس، وذات مصادر مختلفة بينما حق التراجع يثبت للمستهلك فقط، وكما حق التراجع عن العقد هو تعبير عن إرادة مخالفة لإرادته الأولى والرخصة هي تكون بعامل خارجي بعيدا عن إرادة المرخص له، أي لا تثبت لسبب معين بذاته كالحقوق و إنما بسبب الإذن العام من المشرع.
و الرخصة إذا تثبت للطرف الثاني لا يمكنها ترتيب آثار قانونية، بينما قرار المستهلك بممارسة حقه في التراجع ينتج عنه آثار قانونية. ()
الفرع الثالث: العدول عن العقد يعد حق إرادي محض.
الشرط الإرادي المحض هو ما توقف تحققه أو تحلفه على إرادة أحد المتعاقدين، دون اقترانها بعمل خارجي معين، وكما يعتبر الشرط الإرادي المحض شرطا تقييدا، وذلك إذا كان فسخ العقد منوطا بإرادة الدائن أو المدين ومبني على شرط فاسخ، عندئذ بمقتضى هذا الشرط يحتفظ الدائن أو المدين بالحق في إصدار إرادته في التراجع عن العقد وحل الرابطة التعاقدية في وقت لاحق على إبرام العقد()
و نظرا للانتقادات الواردة على الآراء السابقة، اتّجه رأي آخر ليوفق بينها وهو أن خيار العدول هو وسط بين الحق والرخصة. أي هو أعلى من مجرد رخصة وأقل من اعتباره حق. واعتباره حق إرادي محض أي سلطة مخولة لشخص من شأنها أن تتحكم في مصير العقد بالنفاذ أو النقض. ()
المبحث الثاني: أحكام الحق في العدول عن العقد.
يعتبر حق العدول عن العقد أحد الآليات التشريعية التي تلعب دورا أساسيا في حماية رضا المستهلك وذلك عندما يتعاقد دون إمكانية حقيقية لمناقشة شروط التعاقد، لذلك كان من الواجب إعطاء هذا الحق للمستهلك، و نظرا للأهمية البالغة التي يلعبها الحق في العدولّ، كونه يمكن المستهلك من إنهاء العلاقة التعاقدية التي تربطه بالمتدخل بإرادته المنفردة ،و يعتبر العقد في هذه الحالة كأن لم يكن ما قد ينتج عنه الإخلال بالمبادئ الأساسية للعقد، من خلال المساس بمبدأ القوة الملزمة للعقد.
و قد أولت كافة التشريعات الهادفة لحماية المستهلك هذا الحق عناية خاصة، حيث إنها نظمته بقوانين مستقلة، كل ذلك لمنع تعسف المستهلك خلال ممارسته لحقه في العدول، وبالتالي لم تجعل هذا الحق مطلقا، بل قيدته بأحكام خاصة.
و سنحاول التطرق للأحكام الخاصة بالحق في العدول من خلال تناول نطاق تطبيق هذا الحق في المطلب الأول، ودراسة آثار ممارسته في المطلب الثاني.
المطلب الأول: نطاق تطبيق الحق في العدول عن العقد.
حتى نتمكن من ضبط نطاق تطبيق الحق في العدول عن العقد ، لابد من تحديد الجانب الشخصي أي أطراف العلاقة الاستهلاكية ، كما يقتضي التطرق إلى النطاق الموضوعي لهذه العملية، وذلك بتحديد العقود التي يحظر على المستهلك ممارسة لحقه في الرجوع فيها ، و كذا تحديد النطاق الزمني لهذا الحق وذلك بتوضيح المهلة التي منحها المشرع للمستهلك حتى يتمكن هذا الأخير من ممارسته لحقه في العدول عن العقد.
الفرع الأول: النطاق الشخصي للحق في العدول عن العقد.
تتوقف دراسة النطاق الشخصي لحق العدول على تحديد أطراف العلاقة الاستهلاكية بين المتدخل الذي يتحمل هذا الحق أي المهني و المستهلك الذي يستفيد منه.
أولا - المستهلك صاحب الحق في العدول : يعرف المستهلك بأنّه، كل شخص طبيعي أو معنوي يحصل على السلع أو خدمات بمقابل أو مجانًا للاستعمال النهائي للمنتجات سواء كان استعمالا شخصيا أو عائليا. ()
وقد عرفته المادة 3 من قانون رقم 09-03 المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش()، كما يلي: " المستهلك: كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني بمقابل أو مجانا، سلعة أو خدمة موجهة للاستعمال النهائي من أجل تلبية حاجته الشخصية أو تلبية حاجة شخص آخر أو حيوان يتكفل به. "
فهذا التعريف الذي أورده المشرع، ضيق ويشوبه القصور، لأنّه ربط الاستهلاك بغاية معينة وهي تلبية حاجة شخصية أو عائلية أو غيرها دون الأخذ في الاعتبار عنصر التخصص. إذ أقصى من نطاق الحماية،الأشخاص الذين يقتنون الأشياء لغاية مهنية خارج تخصصهم.
ثانيا - المتدخل المدين: وهو الطرف الثاني لعقد الاستهلاك، يملك قوّة اقتصادية ومعرفية في مجال السلع والخدمات التي يتعامل فيها، تجعله يتفوّق على الطرف الثاني "المستهلك" لهذا كان هدف قانون حماية المستهلك هو تحقيق التوازن العقدي بين الطرفين ، وعرفه المشرع في المادة 3/7 من القانون رقم 09-03، السالف الذكر، كالآتي:"المتدخل: كل شخص طبيعي أو معنوي يتدخل في عملية عرض المنتوجات للاستهلاك".
ويقصد بعملية عرض المنتوجات للاستهلاك، مجموع مراحل الإنتاج والاستيراد والتخزين والنقل والتوزيع بالجملة وبالتجزئة وهذا طبقا للمادة 3/8من القانون رقم 09-03 السالف الذكر.
إن الهدف الذي توخاه المشرع من توسيع طائفة المتدخلين، هو توسيع حماية المستهلك حتى يتمكن من اختيار الشخص الأكثر ملاءة. وبهذا يكون قد ألقى الإلتزام بالسلامة على عاتق كل محترف سواء كان بائعا، منتجا، مستوردا أو موزعا. كما أنّه لم يخص هذا الالتزام المهني في علاقته بالمستهلك. ()
الفرع الثاني: النطاق الموضوعي للحق في العدول عن العقد.
يقترن حق العدول بالعقد المبرم بين المستهلك والمتدخّل، والذي يكون محله سلعة أو خدمة يقتنيها المستهلك لتلبية حاجاته الشخصية.
أولا -السلع المعنية بحق العدول : السلعة هي كل مال منقول سواء كان مركبا أو غير مركب أو مادة أولية أو تم تحويلها أو استعمل مرة واحدة أو عدة مرات.
إن حق العدول عن العقد أو على تنفيذ العقد يرد على المنقولات دون العقارات نظرا للشكلية المطلوبة في عقد البيع العقاري ، فتمنح للمستهلك فرصة للتروي والتفكير قبل إبرام العقد، وكما لا يرد هذا الحق على النقود و الأوراق المالية كالأسهم والسندات لأنها تخضع لقانون خاص به.
والسلع التي تكون محلا لحق العدول عن العقد حسب التشريع الجزائري في القرض الاستهلاكي هي السلع ذا المصدر الوطني والسلع التي تتوفر على شرط نسبة الإدماج المحدد في التنظيم.
تستثنى بعض السلع، لاعتبارات معينة، من نطاق العقود المعنية بحق العدول و هي:
أ-السلع متقلبة الأسعار: فالعقود التي ترد على السلع التي يتغير سعرها مع تقلبا السوق المالي تستثنى من نطاق ممارسة الحق في العدول عن العقد ، والعلة من هذا الاستثناء أنه إذا مارس المستهلك حقه في العدول عن العقد فإن المهني يكون ملزما برد المبلغ الذي دفعه المشتري عند التعاقد وهذا يكون مخالفا لسعر السلعة عند الرد.
ب - السلع المنتجة بطلب من المستهلك: يتعلق هذا الاستثناء بالسلع التي يتم تصنيعها لمستهلك معين بالذات و وفق متطلبا معينة وفقا للاتفاق المبرم بين المستهلك والمهني ويكمن الهدف الأساسي من وراء الاستثناء هو عدم الإضرار بالمهني، وذلك لأن هذه السلعة قد صنعت خصيصا للمستهلك ويصعب على المهني بيعها مرة أخرى بعد إرجاعها من المستهلك.
ج- السلع بحسب طبيعتها: وهي السلع التي لا يمكن إعادتها للبائع بحسب طبيعتها مثل الأشياء التي تتكون من عدة أجزاء.
د- السلع سريعة الهلاك والتلف: وهي الأشياء سريعة التلف والهلاك وهي مثل المواد الغذائية والأزهار ويكمن الهدف الأساسي من وراء هذا الاستثناء في عدم الإضرار بالمتدخل بعدما تكون السلعة قد فسد وتلف. ()
هـ - الصحف والمجلات والدوريات و التسجيلات و برامج الكمبيوتر: وقد نصت على هذا الاستثناء المادة 121-20-8 من قانون الاستهلاك الفرنسي وتتميز العقود التي يكون محلها الصحف والمجلات في أن استعمالها يكون له مدى زمني معين، وبعد انقضائه لا يكون للصحيفة أو المجلة أية قيمة، فلا يجوز منطقيا أن يتلقى المستهلك صحيفة أو مجلة فيقرأها ثم يطلب بحقه في العدول، أما بالنسبة للدوريات فإن العلة من استثنائها تتمثل في الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية حتى لا يقوم المستهلك بنسخها ثم إعادتها و هذا التسجيلات السمعية البصرية وبرامج الكمبيوتر. ()
ثانيا- الخدمة المعنية بحق العدول:
عرفت المادة 03/13من قانون حماية المستهلك وقمع الغش الخدمة بأنها " كل عمل يقدم، غير تسليم السلعة، حتى ولو كان هذا التسليم تابعا أو مدعما للخدمة المقدمة"
فالمقصود بالخدمة بالتالي الأنشطة الاقتصادية غير المجسدة في صورة سلعة مادية، و إنما تقدم في صورة خدمة أو نشاط مفيد لمن يطلبه مثل الخدمات المالية من البنوك أو الخدمات السمعية والبصرية.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع قد حصر محل الخدمة التي يستفيد منها المستهلك في خدمة التأمين على الحياة والتمويل عن طريق القرض الاستهلاكي.
فقد نص المشرع الجزائري من خلال نص المادة 119 مكرر 1 من الأمر المتعلق بالنقد والقرض() على أنه "يمكن أي شخص اكتتب تعهدا أن يتراجع عنه في أجل ثمانية أيام من تاريخ إبرام العقد".
كما تم تطبيق هذا الحق قانونا في مجال القرض الاستهلاكي، الذي ورد تعريفه في المرسوم التنفيذي 15-114 المتعلق بشروط وكيفيا العروض في مجال القرض الاستهلاكي هو " كل بيع لسلعة يكون الدفع فيها على أقساط مِؤجلا أو يجزأ "
وانطلاقا من هذا فإن حق العدول عن الاكتتاب يكون مقتصرا على عقد القرض الذي يكون محله تمويل عقد البيع الذي يكون سلعة لتلبية احتياجا الشخصية أو العائلية وليس للغرض المهني.
والمشرع تناول خدمة التامين كمحل لحق العدول للمؤمن له في العقد الذي يبرمه مع مؤسسات وبنوك التأمين. ()
الفرع الثالث: النطاق الزمني للحق في العدول عن العقد.
رغم كون العديد من التشريعات نظمت حق المستهلك في العدول عن العقد الذي يكون قد أبرمه على عجلة وّدون تفكير أو في حالة اكتشافه عيبا في محل ذلك العقد، إلا أن هذه التشريعات لم تتفق في تحديد مدة موحدة تمنح للمستهلك العدول في عقده فإن انقضت هذه المدة فلا يمكن للمستهلك ممارسة هذا الحق. ()
حيث إن المشرع الجزائري رغم كونه لم يصدر التنظيم الخاص بأحكام الحق في العدول ضمن قانون المستهلك إلا أنه قد منح المستهلك مدة (08)ثمانية أيام عمل للعدول في القرض الاستهلاكي عندما يكون محل القرض سلعة ما اقتناها المستهلك، وقد حسم المشرع الأمر بنصه على أن هذه المدة تحسب من تاريخ إمضاء العقد، )المادة 11 من المرسوم التنفيذي 15-114) ()أما إذا كان البيع تم في المنزل فقد منح المشرع للمستهلك مدة (07)أيام عمل فقط للتراجع عن العقد، ولم يول المشرع في هذه الحالة أي اهتمام لتاريخ الانعقاد، )المادة 14 من المرسوم التنفيذي15-114) () ومثال ذلك لو أن المحترف انتقل إلى منزل المستهلك وعرض عليه منتوجا ما، وتطابق إيجاب المحترف بقبول المستهلك وانعقد العقد، واتفق الطرفان على أن يكون تاريخ التسليم بعد شهر، فإن للمستهلك مدة (07)سبعة أيام من تاريخ تسلم السلعة حتى يعدل عن العقد ويبلغ المحترف بذلك، وليس لهذا الأخير أن يحتج بتاريخ إبرام العقد في مواجه المستهلك،
وهذا الحكم منطقي جدا كون المستهلك قبل تسلمه السلعة لا يمكنه التأكد من رأيه حولها.
كما قرّر المشرع الجزائري مدة شهر 30)) يوم للمتعاقد في عقد التأمين على الأشخاص للعدول عن تعاقده، يبدأ حساب المدة من يوم دفع القسط الأول، ويبلغ الطرف الآخر بقراره في العدول بموجب رسالة مضمونة الوصول )المادة 90 مكرر من القانون 95-07). ()
ويستنتج من نص المادة 22 من قانون التجارة الالكترونية )القانون رقم 05- 18) () أن المشرع قصد حق المستهلك في العدول بقوله: "يمكن للمستهلك الالكتروني إعادة إرسال المنتوج على حالته في أجل أقصاه( 04) أربعة أيام عمل ابتداء من تاريخ التسليم الفعلي للمنتوج".
كما يفهم من نص هذه المادة أن المشرع الجزائري منح للمستهلك الالكتروني مهلة (04) أيام للعدول عن تعاقده، لكن هذا العدولّ في هذه الحالة لابد أن يكون سببه عدم احترام المورد الالكتروني آجال التسليم. ()
المطلب الثاني: آثار ممارسة الحق في العدول عن العقد.
عندما يتسلم المستهلك السلعة أو يوقع على العقد، في العقود التي قرر فيها حق العدول ، يبدأ حساب مهلة العدول ، وتنشأ خلال هذه المدة التزاما لكلا الطرفين، وخاصة الالتزامات المتولدة عن تسليم السلعة، ولكن هذه الالتزامات ترتخي عند إبرام عقد الخدمة وذلك من أجل الحفاظ على إمكانية ممارسة المستهلك لحقه في العدول، وكذلك فسخ الالتزام التابع الذي أبرمه المستهلك بمناسبة تمويل العقد الذي تخلى عنه.
الفرع الأول: آثار ممارسة الحق في العدول عن العقد بالنسبة للمستهلك.
كون حق العدول مكفولاّ قانونا للمستهلك دون إبداء أي أسباب، بالإضافة إلى كونه مجانيا هذا لا يعني أن هذا الحق لا يرتب أي التزام في ذمة المستهلك، حيث إن هذا الحق في حد ذاته يرّتب في ذمة المستهلك إضافة إلى ضرورة إخطار المتدخل بعدوله عن العقد في المدة المحددة، وبالطريقة التي يشترطها القانون، بعضا من الالتزامات الأخرى يمكن إجمالها في:
أولا- رد المنتوج للمتدخل: إذا قرر المستهلك العدول عن العقد الذي أبرمه مع المتدخل في المدة المقررة قانونا، أوجب المشرع عليه رد السلعة الذي اقتناها إلى المتدخل على حالتها، أو التنازل عن الخدمة التي طلبها، قبل الشروع في تنفيذها، دون إدخال أي تغيير عليه، ودون إحداث أي خلل فيه.
كما أقر المشرع الجزائريّ للمستهلك إمكانية طلب استبدال المنتوج الذي اقتناه، شرط إعادة المنتوج الأول، ويمكن للمستهلك أيضا الذي أقر العدول بسبب عيب ما، أن يطلب من المتدخل أن يصلح ذلك العيب. ()
ثانيا- تحمل تكاليف الرد: على الرغم من كون المشرع الجزائري لم يحمل المستهلك العادل، مصاريف تراجعه إلا في حالة عقد التأمين بنصه في المادة 90 مكرر من القانون 95-07 : "....يجب على هذا الأخير المتدخل إعادة القسط الذي تقاضاه، بعد خصم تكلفة عقد التأمين..." ()،إلا أن هذا لا يتماشى مع الواقع، كون المستهلك وّإن تم إقرار حق العدول لصالحه، هذا لا يعني إلحاق ضرر بالمتدخل، حيث إن هذا الحق تم إقراره في الإطارّ التعاقدي لتحقيق التوازن العقدي بين المستهلك والمتدخل، وتحقيق التوازن يقتض ي عدم حماية طرف على حساب الطرف الآخر، والمشرع بمثل هذه الأحكام يخل بقاعدة استقرار المعاملات ككل، وليس فقط إحداث خلل في التوازن العقدي المنشود.
حيث إن المتدخل إذا ما قرر المستهلك العدول عن التعاقد الأكيد أنه سيلحقه ضررا، نتيجة لما فاته من كسب لو أنه قام ببيع سلعته، أو قدم خدمته وّقبض ثمنها، فمن المجحف تحميله نفقات إعادة المنتج أيضا. ()
فإن كان عدم تحميل المستهلك نفقات إعادة المنتوج يحمل في طياته بعضا من المنطقية، في حالة تنقل المتدخل إلى منزل المستهلك وعرض منتجه عليه، ومن ثم إبرام العقد، وقرر المستهلك العدول عن التعاقد مع عدم دفع أي نفقات لإعادة المنتوج إلى المتدخل أمرا مقبوّلا، فإنه ليس من المنطقي أبدا ألا يتحمل المستهلك نفقات إعادة المنتوج، في حالة ما إذا كان هذا الأخير هو من انتقل إلى المتدخل واقتنى منه سلعة، أو طلب منه خدمة معينة. إذا فمن المفروض أن ينظم المشرع الجزائري مثل هذه النقاط، في النصوص القانونية التي أشار فيها إلى حق المستهلك في العدول، ونأمل أن يتناولها التنظيم المنتظر. ()
الفرع الثاني: آثار ممارسة الحق في العدول عن العقد بالنسبة للمتدخل.
يترتب عن تنفيذ الحق في العدول آثار يتحملها المتدخل أو مورد السلعة أو مقدم الخدمة، وتتمثل هذه الآثار بصفه أساسية في رد الثمن الذي دفعه المستهلك نظير حصوله على الشيء المبيع.
أولا- رد مقابل المنتوج إلى المستهلك: ألزم المشرع المؤمن في عقد التأمين على الأشخاص، بإعادة القسط الذي تقاضاه من المؤمن له خلال أجل ثلاثين يوما الموالية لاستلام الرسالة وذلك بعد خصم تكلفة عقد التأمين.
غير أن المشرع، وخلافا لما ورد أعلاه، منع أي دفع نقدي من جهة المستهلك لصالح المتدخل بمناسبة القرض الاستهلاكي، حيث نص بأنّه: " عندما يتم بيع المنتوج على مستوى المنزل فإن مدة العدول تكون سبعة (07)أيام عمل مهما يكن تاريخ التسليم أو تقديم السلعة.
لا يمكن إجراء أي دفع نقدي قبل انتهاء هذه المدة".()
لقد أقر المشرع هذا الحكم بمناسبة تنظيمه لعملية البيع على مستوى المنزل، وكان من الأفضل إيراده كحكم عام، وبالتالي يمكن التصور خلال مهلة العدول عدم وجود التزامات متعلقة برد الثمن، إلا إذا قام المتدخل بتسليم السلعة قبل انقضاء أجل العدول، فانه يتحمل الأعباء المترتبة على ذلك، بما فيها تلك المرتبطة باسترداد الشيء المبيع من المستهلك () .
ثانيا- تحمل نفقات رد المنتوج :على خلاف العديد من التشريعات المقارنة، والتي تحمل المستهلك نفقات رده للمنتوج محل العقد الذي عدل عنه، نجد المشرع الجزائري في مجال التجارة الالكترونية، قد حمل تلك النفقات على عاتق المحترف أو ما يعرف بالمورد الالكتروني بلغة التجارة الالكترونية بنصه في المادة 23 القانون 18-05 على أنه ": ...وتكون تكاليف إعادة الإرسال على عاتق المورد الالكتروني... "
ما يمكن ملاحظته باستقراء كل النصوص القانونية، التي أشارّ فيها المشرع الجزائري إلى حق المستهلك في العدول، عدم توضيحه لحالة ما إذا رفض المحترف رد الثمن إلى المستهلك الذي عدل عن تعاقده، وبالتالي رفض عملية العدول في حد ذاتها. ()
الخاتمة:
إن سعي التشريعات إلى حماية المستهلك من خلال منحه حق العدول عن العقد، جعله يعد إحدى الركائز الأساسية التي يرتكز عليها في بناء حماية فعالة له، ويعتبر حق الرجوع عن العقد استثناء من القوة الملزمة للعقد، وذلك من اجل إعطاء الرضا قيمته الحقيقية والحفاظ على التوازن العقدي بين المستهلك والمتدخل، حيث أصبح هذه الحق في حد ذاته يمثل نظرية حماية المستهلك على القوة الملزمة للعقد.
وتتمثل أهميته حق العدول عن العقد أنه يتميز بالحماية المضاعفة، حماية المستهلك من نفسه وضعفه الشخصي هذا من جهة ، ومن جهة أخرى حمايته من المحترف،و لما كانت الرضائية من النظام العام وأمام عجز نظرية الإرادة من توفير الحماية للمستهلك إلى ما بعد العقد ،فان حق العدول عن العقد يتميز بعدة خصائص تضمن للمستهلك حماية فعالة له ومن أهمها:
- إن حق العدول عن العقد من النظام العام لا يمكن للمستهلك التنازل عنه ،كما لا يمكنه الاتفاق مع المتدخل عن التخلي عنه.
- إن حق العدول عن العقد هو حق إرادي محض للمستهلك، يمارسه بإرادته المنفردة و من اجل فعالية حق العدول عن العقد فقد أحاطه المشرع بضوابط قانونية، فجعله حقا مؤقتا، وتقتصر ممارسته على المستهلك الطرف في العقد، ولما كان يمارس هذا الحق بالإرادة المنفردة للمستهلك فقد ألزمه المشرع بدفع مصاريف رد المبيع وذلك من أجل عدم تعسفه.
- إنّ تبني المشرع لحق العدول عن العقد في الوقت الحالي قد تم بشكل جزئي ومحدود، من خلال إيراد تطبيقات هذا الحق بموجب قوانين خاصة وفي مجالات محدودة، هي القرض والتأمين، وقد جاءت هذه التطبيقات بأحكام جزئية، خالية من إجراءات وشروط ممارسة حق العدول عن العقد.
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل البحث مع التهميش الجاهز للطباعة يرجى النقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق