النظام القانوني لعقد التسيير
ظهرت فكرة التسيير لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية في مجال السكك الحديدية في 1841 ، بحيث كانت المؤسسات الخاصة بمجال النقل تسير من طرف موكلين متخصصين في التسيير، لكن مع احتفاظ الملك بسلطة الأمر و التوجيه، و بعدها انتقلت سلطة التسيير من أرباب العمل إلى تنظيم مستقل على مستوى المؤسسات، و منذ ذلك الحين بدأت تقنية التسيير في الانتشار.
أولا - تعريف عقد التسيير:
1- تعريف المدرسة الأمريكية :عرفت المدرسة الأمريكية عقد التسيير " management de Contrat " بأنه :"ذلك التسيير التكتيكي المجسد عمليا و المرتكز على روح الابتكار و الذكاء في إطار أخذ القرارات الحاسمة للمؤسسة مع الأخذ بعين الاعتبار محيطها الاقتصادي."
يتبين لنا من خلال هذا التعريف أن المدرسة قد ركزت في تعريفها لعقد التسيير على الاستخدام المركز على العقلانية و التقنية لمختلف العناصر المكونة للمؤسسة، خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار البيئة الاقتصادية التي تتواجد فيه المؤسسة و العوامل الخارجية المؤثرة فيه.
2- تعريف المدرسة الفرنسية :
من رواد المدرسة الفرنسية الذين تطرق والى عقد التسيير نجد الفقيه Philippe Merle و الأستاذ Jeantin Michel :
- تعريف الفقيه " Merle " لعقد التسيير :لقد تمحورت دراسات الفقيه " Merle " لعقد التسيير في سنة 1957 ، في الشركات الأمريكية المتخصصة في مجال تنظيم و استغلال الفنادق عبر العالم. و
التي كانت تتعاقد آنذاك مع الشركات الفرنسية المتخصصة في الفندقة، و في إطار هذه الحقبة الزمنية، عرف عقد التسيير أنه :"هو ذلك العقد الذي يبرم بين الشركة الفرنسية و مجموعة أجنبية متخصصة في تنظيم و استغلال الفنادق عبر العالم و يكون الهدف هو استغلال الفندق، و تعتبر المجموعة الأجنبية مسير عامل أو عميل للشركة الفرنسية يقوم بإحداث تغيرات أو تسيير أو مراقبة أو استغلال المؤسسة و يكون في نية الأطراف المتعاقدة أن تصبح المؤسسة عضوا في المؤسسة الأجنبية".- تعريف الفقيه " Jeantin Michel " لعقد التسيير :لقد تم دراسة عقد التسيير من طرف الأستاذ في سنة 1989 ، و الذي ظهرت فيه تطبيقات كثيرة لعقد التسيير مست مختلف المجلات، و بروز عدة أطراف وطنية تحمل كفاءة و شهرة في مجال معين، و لقد عرف الأستاذ " Jeantin " عقد التسيير بأنه "هو ذلك العقد الذي بموجبه تعهد شركة مالكة لمباني و تجهيزات المؤسسة التسيير إلى شركة متخصصة في النشاط الذي تعمل فيه المؤسسة و التي تحوز على قدر من المعرفة و التقنية"
ثانيا- خصائص عقد التسيير:
- عقد التسيير عقد رضائي
-عقد التسيير عقد ملزم لجانبين
- عقد التسيير عقد مسمى: بالنظر إلى التشريع الجزائري فان عقد التسيير من العقود المسماة و الذي نظمه في القانون رقم 89-01، و بالتالي ينفرد بأحكامه الخاصة، من حيث الإبرام و الالتزامات التي
تقع على طرفيه.
-عقد التسيير عقد دولي : يعتبر دوليا بمجرد توفر الشروط اللازمة لتدويل العقود، منها أن يكون المسير شركة أجنبية.
ثالثا- عمليات التسيير:
بموجب عقد التسيير يتم التنازل عن التسيير لشخص آخر و هو المسير، إذ تقوم الدولة بالتنازل عن تسيير المؤسسة العمومية الاقتصادية للمسير و الذي يقوم بعملية التسيير، و هو ما حدده المشرع الجزائري بموجب نص المادة الأولى من القانون 89-01 المتعلق بعقد التسيير.
و نقصد بالتسيير تلك الأعمال التي تقع على الذمة المالية، فعلى المسير استغلال هذه الأخيرة ) الذمة المالية( لغرض تطوير و تفعيل المؤسسة في ظل متطلبات المنافسة الوطنية و الدولية، فالمسير إذن يقوم بأعمال التسيير، و الأعمال التي تقع على الذمة المالية تتمثل في : أعمال الحفظ ،أعمال التصرف ، و كذا أعمال الإدارة.
1- أعمال الحفظ :يعرف الفقهاء أعمال الحفظ بأنها تلك الأعمال التي يكون الغاية منها حماية مال معين من أموال الشخص، أو من مجموع أمواله من خطر داهم. بمعنى أنه تهدف أعمال الحفظ إلى حماية حق معين أو إنقاذ الذمة المالية من خطر يهددها.
2- أعمال التصرف: أعمال التصرف هي تلك الأعمال التي تهدف إلى تعديل المركز المالي للشخص بصفة نهائية، مثال ذلك : بيع عقار أو منقول، كما توصف أعمال التصرف بأنها خطيرو، لأنها أعمال تكشف عن سلطة ذكاء تكون كاملة على المال، فهي تمثل عملا من أعمال السيادة الكاملة. و الهدف من أعمال التصرف، هو تطوير الذمة المالية، فالتنازل عن العقار مثلا الهدف من العملية هي الحصول على عقار آخر أو الحصول على مقابل مالي، و هذا العمل يساهم في تنمية الأموال المسيرة.
3- أعمال الإدارة: أعمال الإدارة هي تلك الأعمال التي يكون المقصود منها استغلال أو استثمار الذمة المالية أو إحدى العناصر المكونة لها، مثال ذلك : قيام المسير بتحسين العقار بواسطة وسائل مادية و قانونية، فهذه الأعمال هي أعمال إدارة تهدف إلى تطوير الذمة المالية.
رابعا- تمييز عقد التسيير عن العقود المشابهة له:
1- تمييز عقد التسيير عن عقد الوكالة :نظم المشرع الجزائري عقد الوكالة من المواد 571 إلى 589 من القانون المدني، و لقد عرفته المادة 571 على أنه "الوكالة أو الإنابة هو عقد بمقتضاه يفوض شخص شخص أخر للقيام بعمل شيء لحساب الموكل و باسمه"
أ- أوجه التشابه:كلاهما من العقود المسماة، حيث يمكن اعتبار المسير في عقد التسيير بمثابة الوكيل في المؤسسة التي يتصرف فيها باسم المالك و لحسابه، أي في كلا العقدين يحول التسيير للغير و يحتفظ الملك بالملكية.كل من المسير و الوكيل لهما سلطات في التسيير و اتخاذ القرارات في الحدود المرسومة لكليهما.
ب- أوجه الاختلاف : بالرجوع إلى عقد الوكالة في المفهوم المدني، فان هذا النوع من العقود هو وكالة تبرعية، أي يقوم الوكيل بأعمال لصلح الموكل دون مقابل على عكس الوكالة في عقد التسيير التي يتقاضى فيه المسير مقابل مالي مما قام به من أعمال.
إن كلا من العقدين يمنحان سلطات، سواء للوكيل أو للمسير، إلا أنه بالنظر إلى صلاحيات كليهما، فان الوكيل يتمتع بسلطات لا يمكن تجاوزها على عكس المسير، فان له سلطات واسعة في تسيير أموال المالك عند مقارنتها بتلك الممنوحة للوكيل.
2- تمييز عقد التسيير عن عقد الإيجار :نظم المشرع الجزائري عقد الإيجار في التقنين المدني في نص المواد من 467 إلى 537 ، و لقد عرفته المادة 467 أنه" : هو ذلك المبرم بين المؤجر و المستأجر بموجبه يقوم المستأجر بالانتفاع بالعين المؤجرة مقابل أجرة".
أ- أوجه التشابه : يعتبر كل من عقد التسيير و عقد الإيجار من العقود المسماة و يتفقان في كون كلاهما يضمن بقاء الملكية في يد المؤجر في عقد الإيجار و في يد المالك في عقد التسيير. إضافة إلى فكرة المقابل الذي يعتبر من العناصر الأساسية التي يقوم عليها كلا العقدين، بحيث أن المالك في عقد التسيير يتلقى نسبة من الأرباح و نسبة من الاستغلال، أما المالك في عقد الإيجار فهو يتلقى مبلغ الإيجار مقابل استفادة المستأجر من العين المؤجرة.
ب- أوجه االإختلاف: لا يتفق العقدان على أساس معيار المصلحة و ذلك كون عقد التسيير يقوم فيه المسير بالتسيير لمصلحة مالك المال و ذلك مقابل ما يتلقاه نتيجة التسيير، على عكس عقد الإيجار أين يقوم المستأجر باستغلال العين المؤجرة لصالحه الخاص. بالإضافة إلى المقابل المالي، فان في عقد التسيير المسير هو الذي يتلقى أموالا من المالك نتيجة التسيير، على عكس المستأجر في عقد الإيجار، فهو الذي يقوم بدفع المبالغ المالية للمالك مقابل استفادته من العين المؤجرة.
3- تمييز عقد التسيير عن عقد الامتياز : عقد الامتياز من العقود الإدارية، تكون الإدارة طرفا فيها، و يتمثل مضمون هذا العقد في كون الإدارة بمفهومها العضوي تقوم بتكليف شخص طبيعي أو معنوي، إما بإدارة أو تشغيل أو استغلال مرفق معين لمدة محددة و ذلك عن طريق عمال أو أموال، يقوم بدفعها صاحب الامتياز و على مسؤوليته في مقابل رسوم يدفعها المنتفعون من خدمات هذا المرفق مع تحمله مخاطر المشروع و اكتساب ما ينتج من أموال.
أ-أوجه التشابه : يتفق المسير في عقد التسيير و صاحب الإمتياز في عقد الامتياز في كونهما يقومان بتسيير أموال مؤسسات تابعة للدولة مع الإشارة أنه في عقد الامتياز يمكن أن يكون صاحب الامتياز طرف أجنبي و هذا ما نجده في عقد التسيير.
ب- أوجه الاختلاف : يختلف عقد التسيير عن عقد الامتياز من عدة نواحي :
- من حيث الأطراف المتعاقدة : في عقد الامتياز طرفه الرئيسي هو الإدارة، و تتمثل في هيئة عمومية تابعة للدولة، على عكس عقد التسيير، التي تكون المؤسسة طرفا في العقد و هي ذو طابع تجاري بمثابة شركات تجارية، و ليست هيئات إدارية.
- من حيث مصدر الأموال : ففي عقد الامتياز مصدر الأموال راجع إلى صاحب الامتياز الذي يتولى تسيير أموال خاصة به، على عكس المسير في عقد التسيير الذي يقوم بتسيير أموال تابعة للغير.
- من حيث تبعية المخاطر : كذلك بالنظر إلى تبعية المخاطر فإنها تقع على كاهل صاحب الامتياز في عقد الامتياز، على عكس ما هو عليه في عقد التسيير، فتبعية المخاطر فيه تقع على عاتق الطرف الوطني.
- من حيث الأرباح : فان عقد الامتياز نجد أن صاحب الامتياز يتلقى رسوما مقابل الخدمات التي يقدمها، أي يجني ما ينتج من أرباح من المشروع على عكس المسير في عقد التسيير الذي يتلقى أجرة مسبق عليها، بالإضافة إلى نسبة من الأرباح و نسبة من الاستغلال.
4- تمييز عقد التسيير عن عقد الفرونشيز : عقد الفرونشيز هو ذلك العقد الذي يسمح لأحد الطرفين، منتج أو مقدم خدمات استخدام علامات أو تقنيات يستعملها شخص لبيع منتوجه لفترة زمنية معينة.
أ- أوجه التشابه : يتفق كلا العقدين في الاحتواء كل منهما للمعرفة الفنية موضع الاستغلال من خلال استعمال العلامات، العنوان التجاري و الاسم التجاري و الاستفادة من كافة التقنيات التي بموجبها يتم حسن الاستغلال.
أ- أوجه الإختلاف:
-من الناحية الاقتصادية : يختلف العقدان من حيث الاندماج الاقتصادي، إذ في عقد الفرونشيز يبقى التسيير لدى مالك الأموال، أي المرخص له يستفيد من استعمال العلامة و العنوان التجاري وفق المعايير المحددة من طرف المرخص، فهذا الاندماج يكون نسبي، على عكس عقد التسيير إذ يكون الاستغلال من طرف المسير و يهدف العقد إلى جعل المؤسسة محل العقد عضوا في المجموعة، أي عضوا في شبكة التسيير، و هو الهدف الأساسي في العقد.
- من الناحية القانونية : في عقد التسيير، الاستغلال يكون من طرف المسير و ليس المالك، على عكس عقد الفرونشيز الذي يكون التسيير فيه من طرف المالك. إضافة إلى تلك المعرفة الفنية التي تكون موضوع كلا من العقدين حتى و إن كانت غير مناسبة، ففي عقد التسيير نبقى في يد المالك و هو الذي يقوم بعملية توظيفها في المؤسسة محل عقد التسيير، على عكس عقد الفرونشيز حيث تحول المعرفة الفنية لتستغل من طرف شخص آخر و هو المرخص له.ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة
النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى
النقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق