الاثنين، 20 نوفمبر 2023

بحث حول : البيع بأسعار مخفضة تعسفيا

 بحث حول : البيع بأسعار مخفضة تعسفيا

خطة البحث

مقدمة 

المبحث الأول: ماهية ممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفيا. 


المطلب الأول: مفهوم ممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفيا.
الفرع الأول: المقصود بممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفيا.

الفرع الثاني: التكييف القانوني لممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفيا. 

الفرع الثالث: عناصر التعسف في ممارسة البيع بأسعار مخفضة.


المطلب الثاني: تمییز ممارسة البیع أسعار مخفضة تعسفیا عن الممارسات المشابهة لها.
الفرع الأول: تمییز ممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفیا عن إعادة البیع بالخسارة.

الفرع الثاني: تمییز ممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفیا عن البیع بالتخفیض.

الفرع الثالث: تمییز ممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفیا عن الإغراق.


المبحث الثاني: الرقابة على ممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفيا.


المطلب الأول: دور مجلس المنافسة عند عرض الأسعار أو ممارسة أسعار بيع مخفضة تعسفيا.
الفرع الأول: إصدار مجلس المنافسة الأوامر والتدابير المؤقتة.

الفرع الثاني: إصدار مجلس المنافسة للغرامات المالية والغرامات التهديدية. 


المطلب الثاني: إختصاص الهیئات القضائیة في ممارسة البیع بأسعار مخفضة تعسفیا.

الفرع الأول: دور القضاء العادي عند عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا.

الفرع الثاني: دور القضاء الإداري عند عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا.


الخاتمة

مقدمة :

إن العمل في مجال التجارة والاقتصاد وفقا لما تقتضيه القوانين المعمول بها في هذين المجالين والقائمة على أساس المنافسة يعتبر عملا شرعيا صحيحا و مكرسا دستوريا()، بل والأكثر من ذلك أن الضرر الناشئ عن المنافسة هنا يعتبر ضررا مشروعا، طالما كانت التجارة مشروعة، الفارق هنا هو الإبـــداع ومدى قدرة المؤسسات والتزامها بأصول التعامل التجاري. 

تطور المفهوم القانوني للمنافسة مع ظهور قانون الأعمال الذي وضع نظام عاما في مجال الأعمال توطیدا للنظام العام الاقتصادي، ولما كانت الأعمال مجالا للمساس بالمنافسة، كان لابد من إیجاد الوسائل القانونیة والضوابط الناجحة لتحقیق نظام اقتصادي یحافظ على القیم التنافسیة وینمیها. ذلك أن المنافسة تعتبر من المتطلبات الجوهریة التي یرتكز علیها الاقتصاد الحر، وركیزة لتطویر الإصلاحات الاقتصادیة التي قام بها المشرع الجزائري منذ أواخر الثمانینات.

لقد عنى قانون المنافسة بتحديد ومنع الممارسات المقيدة للمنافسة والتي تقع تحت طائلة البطلان بموجب المادة 13 من الأمر 03-03 المتعلق بالمنافسة(). ولعل الملاحظة الأولية بخصوص هذه الممارسات تتعلق بتوسيع المشرع لمجال الممارسات المقيدة للمنافسة مقارنة بالأمر 95-06()، وذلك عن طريق إدخال بعض الممارسات ضمن قائمة الممارسات المحظورة. يقصد بهذه الممارسات مجموع السلوكيات الخطيرة التي يمكنها التأثير على المنافسة الحرة في السوق ، وبالتالي التأثير على السوق بحد ذاته ، تتمثل حسب الأمر 03-03 المتعلق بالمنافسة في :

  • حظر الاتفاقيات المقيدة للمنافسة

  • حظر التعسف الناتج عن الهيمنة في السوق

  • حظر الاحتكار

  • حظر التعسف في وضعية التبعية الاقتصادية

  • حظر البيع بأسعار منخفضة تعسفيا.

وهي ترمي كلها في نهاية المطاف إلى احتكار السوق وامتصاص مجمل الطلب على السلع والخدمات، ولو أدى ذلك إلى تحطيم المنافسة والتأثير سلبا على جودة السلع ،وفي هذه الورقة البحثية سيتم التركيز على ممارسة البيع بأسعار منخفضة تعسفيا كممارسة مقيدة للمنافسة من خلال طرح الإشكالية التالية : بما أن المستهلك هو المعني الأول بالعملية التنافسية، لما توفره له من سلع وكذا ما تحققه له من خفض للأسعار، الأمر الذي يساعده على رفع قدراته الشرائية، و كما أن للمؤسسة أو العون الاقتصادي حرية في تحديد سعر إعادة البيع في ظل سياسة اقتصاد السوق ،فإلى أي مدى وفق المشرع الجزائري في تكریس مبدأ حظر عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا حفاظا على التوازن الاقتصادي و حمايةً لمبادئ المنافسةً ؟

للإجابة عن هذه الإشكالية، قسمنا هذه الدراسة إلى مبحثين، بحيث تناولنا في الأول ماهية ممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفيا، أما المبحث الثاني فخصصناه للحديث عن الرقابة على ممارسة البيع بأسعار مخفضة.


المبحث الأول: ماهية ممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفيا.

إن الأساليب غير المشروعة التي يستعملها عادة الأعوان الاقتصاديون لتقييد التجارة والمنافسة الحرة كثيرة و متعددة، وهي ترمي كلها في نهاية المطاف، إلى احتكار السوق وامتصاص مجمل الطلب على السلع و الخدمات و لو أدى ذلك إلى تحطيم المنافسة و التأثير سلبا في جودة السلعة، ولا يختلف اثنان أن السعر يمثل المقابل بالنسبة لأي طرف للحصول على سلعة ما أو خدمة، وبالتالي فهو يعتبر عنصرا أساسيا في عملية البيع، بل بإمكاننا الجزم أنه يشكل اليوم أهم عنصر يشد انتباه أغلب المستهلكين عند ولوجهم أي سوق، وعليه يأتي هذا المبحث من الدراسة لتسليط الضوء على البيع بأسعار مخفضة بشكل تعسفي كمخالفة جديدة استحدثها المشرع الجزائري بموجب الأمر 03-03 المتعلق بالمنافسة، المعدل و المتمم، لذا وجب قبل كل شيء تحديد مفهوم هذه المخالفة (المطلب الأول)، و أيضا تمييزها عن بعض الممارسات المشابهة لها  (المطلب الثاني) .


المطلب الأول: مفهوم ممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفيا. 

تنص المادة 12 من الأمر رقم 03- 03 المتعلق بالمنافسة المؤرخ في 19 يوليو 2003 المتعلق بالمنافسة على: "يحظر عرض الأسعار أو ممارسة أسعار بيع مخفضة بشكل تعسفي للمستهلكين مقارنة بتكاليف الإنتاج والتحويل والتسويق، إذا كانت هذه العروض أو الممارسات تهدف أو يمكن أن تؤدي إلى إبعاد مؤسسة أو عرقلة أحد منتوجاتها من الدخول إلى السوق"() ،و باستقراء هذه المادة نستنتج ضرورة تحديد المقصود بممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفيا للمستهلكين و تكييفه القانوني  وتوضيح عناصر التعسف لقيام هذه الممارسة.


الفرع الأول: المقصود بممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفيا.

حظر قانون المنافسة هذه الممارسة بأحكام المادة 12 منه و بالنظر إلى غياب تعريف سواء تشريعي أو فقهي أو قضائي ،فإننا نعمد إلى استنباط مفهوم لهذه الممارسة المقيدة للمنافسة من خلال نص المادة السالفة الذكر، بعرض أهم المؤشرات في نص المادة:

- حظر البيع بأسعار منخفضة بشكل تعسفي 

- حظر ممارسة أسعار بيع منخفضة  بشكل تعسفي

- قيام الممارسة بين المؤسسة و المستهلك بقصد الإضرار بمؤسسة منافسة.

- المعيار المعتمد لاعتبار الأسعار منخفضة هو تكاليف الإنتاج و التحويل و التسويق.

- المعيار المعتمد لاعتبار الممارسات أو العروض تعسفية هو معيار الغاية أو الهدف إلى إبعاد مؤسسة أو عرقلة أحد منتجاتها من الدخول إلى السوق.

- قيام هذه الممارسة بشكل قطعي أو احتمالي، كلاهما سواء في اعتبارهما من الممارسات المقيدة للمنافسة. () 

وعليه يمكن تعريف ممارسة البيع بأسعار منخفضة تعسفيا أنه: " لجوء عون أو مجموعة من الأعوان ذات مركز إقتصادي قوي إلى خفض الأسعار عن السعر العام في السوق، الذي يحدّده مبدأ العرض والطلب، حيث تمنع هذه الممارسة من دخول وخروج سائر التجار المنافسين من السوق فتنفرد به في آخر الأمر".()

أي أنه  فعل كل عون اقتصادي سواء قام به بصفة منفردة أو مشتركة ينصب على عنصر السعر إذ يقوم بالتعامل بأسعار تتحدى كل منافسة تجعله يتحمل هو أيضا نتائج الخسارة من خلال البيع بأقل من سعر التكلفة الحقيقية ، فعملية البيع بالخسارة تبدو في أول وهلة أنها ممارسة تجارية غير عقلانية، لولا أنها ترمي إلى تحقيق أهداف معينة إذ تستعمل لجلب أكثر قدر ممكن من الزبائن بواسطة الأسعار المنخفضة بالتالي فإنها تعتبر وسيلة إشهارية تؤدي إذا أحسن استعمالها إلى ارتفاع المبيعات، و ما دام الأمر كذلك فإن البيع بالخسارة لا يشكل طريقة بيع بقدر ما يشكل ممارسة مقيدة للمنافسة ،الهدف منها إزاحة المنافسين للاستيلاء على السوق، و الرجوع بعد ذلك إلى السعر العادي إن لم يكن أكثر ارتفاعا  ويشترط في البيع بأسعار مخفضة تعسفيا أن يكون موجها للمستهلك، بسعر أقل من تكاليف الإنتاج،والتسويق، بشكل يؤدي إلى القضاء على المنافسة في السوق.


الفرع الثاني: التكييف القانوني للبيع بأسعار مخفضة تعسفيا. 

انطلاقا من كون قانون المنافسة جاء مكرسا لمبدأ تحریر الأسعار، بمعنى أن التحدید یكون تلقائیا من قبل السوق وفقا لقانون العرض والطلب، وبالتالي على كل مؤسسة إحترام هذا التحدید، أي یمنع علیها عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة بشكل تعسفي لأن ذلك من شأنه أن یفقد السوق توازنه، مما یمس بمصالح بقیة المؤسسات و إخلال بمبادئ المنافسة وعدم إستقرار الأسعار وكذا تذبذب مصالح المستهلكین.

و نظرا لهذه الأضرار الناجمة عن عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا، أكد المشرع الجزائري على عدم شرعیة هذه الممارسة، واعتبرها وكیفها على أنها ممارسة مقیدة للمنافسة وذلك طبقا لنص المادة 14 من الأمر 03-03 التي تنص على ما یلي() ׃  " تعتبر الممارسات المنصوص علیها في المواد 6 و 7 و 11 و 12 ، أعلاه ممارسات مقیدة للمنافسة " ()


الفرع الثالث: عناصر التعسف في ممارسة البيع بأسعار مخفضة.

إنطلاقا من تحليل نص المادة 12 من الأمر 03-03 المعدل و المتمم ، يمكن أن نستنتج عناصر هذه الممارسة المقيدة للمنافسة ، و نعرضها كالآتي:

- أن تظهر الممارسة في صورة عقد البيع: " يحظر عرض الأسعار أو ممارسة أسعار بيع ..."، و ما يمكن أن نستشفه من خلال اعتبار المشرع الجزائري لكل من مجرد العرض أو الممارسة المكتملة سيان:تنبيه للطابع الوقائي بغية حماية المنافسة من هذه الممارسة التي خصها المشرع الجزائري بذلك دون غيرها من الممارسات، إذ تقترب بذلك من حالتي الشروع في الجريمة و الجريمة التامة التي يعاقب عليهما بالعقوبة ذاتها.

- أن يكون السعر المعروض أو الممارس جد منخفض: باستقراء نص المادة 12 من الأمر03-03 نجد أن المشرع الجزائري تبنى معيار سعر تكاليف الإنتاج و التحويل و التسويق كهامش مرجعي ، فكل الأسعار التي تعرض أو تمارس و هي أقل من سعر تكاليف الإنتاج و التحويل و التسويق هي ممارسة تعسفية مقيدة للمنافسة. 

- أن يبرم العقد مع المستهلك: إن  الملفت للانتباه أن المشرع في المادة 12 من الأمر 03-03 حظر الممارسة إذا قامت بها مؤسسة تجاه المستهلك و لم يعر أهمية للممارسة التي تقع بين المؤسسة و المؤسسة إذا وقعت بين المؤسسات فإنها تعد صحيحة بالرغم من أنها تولد ذات الآثار السلبية على المنافسة أو أكثر. 

لذلك ننتهي بالقول أن المستهلك النهائي هو المعني بالخطاب في نص المادة 12 حيث أنه هو الذي يفتقد الخبرة كما أنه هو الذي يقتني المنتجات لإشباع حاجياته.

- أن تلحق الممارسة ضررا حالاً أو احتماليا بالمؤسسات المنافسة  : حرص المشرع في نص المادة 12 محل التحليل إلى ضبط كل جوانب الممارسة و تحديد طبيعة الضرر الذي يلحق بالمؤسسة الواقعة ضحية لهذه الممارسة و ذلك كضمانة و ميزة إيجابية ، ويكمن هذا الضرر في نقطتين ، الأولى تهدف إلى إبعاد إحدى المؤسسات من السوق ، لأن البيع بأسعار مخفضة تعسفيا سيحول الزبائن إلى هذه الوجهة و تدريجيا سيؤدي ذلك إلى كساد السلع،أما النقطة الثانية فتكمن في عرقلة منتجات مؤسسة أخرى من الدخول إلى السوق فإما أن تلجأ المؤسسة المتضررة إلى الإمتناع من طرح منتجاتها في السوق عمدا على أمل زوال السلع المخفضة تعسفيا و هنا تغيب منتجاتها عن السوق ،أو تطرح منتجاتها في السوق و لكن لا تقابل بطلب من المستهلك ، لأن هذا الأخير أشبع حاجاته من السلع المخفضة تعسفيا. ()


لكن لكل  قاعدة استثناء، لممارسة حظر البيع بأسعار منخفضة تعسفيا إعفاءات أو استثناءات متجسدة ضمن أحكام نص المادة 19 من القانون رقم 04-02 المتعلق بتحديد القواعد المطبقة على  الممارسات التجارية، معدل و متمم، وهي: السلع سريعة التلف و المهددة بالفساد السريع، السلع التي بيعت بصفة إرادية أو حتمية بسبب تغيير النشاط أو إنهائه أو على إثر حكم قضائي، السلع الموسمية و السلع البالية تقنيا، السلع التي تم التموين منها أو يمكن التموين منها من جديد بسعر أقل، السلع التي يكون فيها سعر إعادة البيع يساوي السعر المطبق من طرف الأعوان الاقتصاديين الآخرين بشرط ألا  يقل سعر البيع من طرف المنافسين حد البيع بالخسارة. ()




المطلب الثاني: تمییز ممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفیا عن الممارسات المشابهة لها.

لقد نظم المشرع الجزائري بموجب قانون المنافسة كل الممارسات التعسفیة التي تؤدي إلى الإخلال بالمنافسة وعرقلتها، وذلك من أجل تحقیق التوازن في السوق وحمایة المنافسة فیه، ومن بین هذه الممارسات التعسفیة هناك عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا التي سبق وأن تطرقنا إلیها سابقا في المطلب الأول من هذا المبحث حیث أنها تتشابه إلى حد كبیر مع بعض الممارسات الأخرى التي نظمها المشرع الجزائري بموجب القانون رقم 04-02المحدد للقواعد المطبقة على الممارسات التجاریة، و المرسوم التنفيذي رقم 05-222()، نظرا لكونها تنصب على عنصر السعر الذي یعتبر جوهر العملیة التجاریة أو الممارسة التجاریة.

حیث نتطرق في هذا المطلب إلى تمییز ممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفیا مع كل من البیع بالخسارة (الفرع الأول) والبیع بالتخفیض (الفرع الثاني) و أخيرا الإغراق (الفرع الثالث).


الفرع الأول: تمییز ممارسة ممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفیا عن البیع بالخسارة. 


إذا كان البيع بأسعار مخفضة بشكل تعسفي و البيع بالخسارة يتشابهان خاصة من حيث أن المخالفتين مرتبطتين بالأسعار أي أن البيع يتم بسعر غير عادي و لا يتوافق مع تكلفته ، فهما يختلفان في عدة جوانب، خاصة من حيث القانون المنظم للمخالفتين و من حيث مضمون المخالفة في حد ذاتها.

- فقد تم تنظيم البيع بالخسارة بموجب المادة 19 من القانون 04-02 الذي يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية()، أما البيع بأسعار مخفضة بشكل تعسفي، فتم تنظيمه بموجب المادة 12 من قانون المنافسة، و بالتالي يكون مجلس المنافسة مختص في النزاعات التي قد تنشأ بمناسبة ارتكاب هذه المخالفة،أما ممارسة البيع بالخسارة فتخضع لقانون الممارسات التجارية، و بالتالي تخرج هذه المخالفة عن اختصاص مجلس المنافسة، و عليه تختص الهيئات القضائية العادية في النظر في النزاعات التي قد تنشأ عن هذه الممارسة الهيئات القضائية العادية.

- أما من حيث مضمون المخالفة فلا يعتبر البيع بأسعار مخفضة بشكل تعسفي بيعا بالخسارة لأن في حالة البيع بأسعار مخفضة بشكل تعسفي ، يتخلى المتعامل الاقتصادي عن الربح الحال و الفوري لأجل الحصول على ربح أكبر في المستقبل، أما البيع بالخسارة فتتقبل المؤسسة تكبد خسارة فورية على أن تحقق أرباحا أكيدة لاحقة.

لكن أهم ما يميز هاتين المخالفتين هو أن البيع بالخسارة يتعلق بالفرق بين سعر الشراء بالوحدة و الحقوق و الرسوم و مصاريف النقل إذا وجدت و بين ثمن إعادة بيعها ، أما البيع بأسعار مخفضة بشكل تعسفي يتعلق بالفرق بين تكلفة السلعة، أي تكاليف الإنتاج و التحويل و التسويق و بين الثمن الذي تباع به المستهلك. و نشير أخيرا انه إذا كان مجال البيع بأسعار مخفضة بشكل تعسفي السلع والخدمات، فمجال البيع بالخسارة يقتصر على السلع دون الخدمات، لعدم وجود تكاليف الإنتاج و التحويل و التسويق في مجال الخدمات. () 

الفرع الثاني: تمییز ممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفیا عن البیع بالتخفیض.


يشترك عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا مع البیع بالتخفیض كمصطلح قانوني في أن كلاهما یتعلق بعقد البیع دون غیره من المعاملات، وأن كلاهما یتحدد  في كون الأسعار تكون بصورة أقل مما هي علیه في وضعها العادي، إلا أن عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا یعتبر من الممارسات المندرجة ضمن الممارسات المقیدة للمنافسة وهذا طبقا لنص المادة 14 من الأمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة ( المعدل والمتمم ) السالف الذكر،  والمحظورة قانونا والمعاقب علیها بموجب المادة 56 من قانون المنافسة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، نص القانون على طائفة من البیوع المشروعة التي یلجأ إلیها التجار لتصریف سلعهم في فترات معینة، باستعمال بعض الأسالیب والتقنیات غیر العادیة لجذب الزبائن، في مقابل تقدیمهم بعض المزایا، مثل تخفیض أسعار البیع، وهذه البیوع هي البیع بالتخفیض والبیع الترویجي والبیع في حالة تصفیة المخزونات، البیع عند مخازن المعامل، والبیع خارج المحلات التجاریة بواسطة فتح الطرود، حیث تطرق إلیها المشرع الجزائري من خلال نص المادة 21 من القانون 02-04  المحدد للقواعد المطبقة على الممارسات التجاریة (). وبالتالي، یعتبر البیع بالتخفیض ممارسة مشروعة وجائزة قانونا، إذ أحالتنا المادة ، السالفة الذكر على التنظیم لتفصیل أوسع، واستمر الحال على ذلك إلى غایة سنة 2006 وذلك بصدور المرسوم التنفیذي 06-215 المؤرخ في 18 جوان 2006 المحدد لشروط  و كیفیات ممارسة البیع بالتخفیض، حیث یقتضي الأمر مراقبة هذه البیوع،و لهذا وضع المشرع الجزائري جملة من الضوابط لهذه العملیة حتى لا تحید عن مبتغاها وتتحول إلى ممارسة مقیدة للمنافسة وذلك من خلال الإجراءات التالیة׃

تحدد تواریخ البیع بالتخفیض في بدایة كل سنة بقرار من الوالي بناء اقتراح المدیر الولائي للتجارة المختص إقلیمیا بعد استشارة الجمعیات المهنیة المعنیة وجمعیات حمایة المستهلك.

ینشر ویعلق القرار المتخذ عن طریق الوسائل الملائمة.

یرخص البیع بالتخفیض مرتین في السنة المدنیة، مدة كل فترة 6 أسابیع متواصلة خلال الفصلین الشتوي والصیفي، ویمكن للعون الاقتصادي توقیف البیع قبل إنتهاء المدة.

تحدد الفترة الشتویة خلال الفترة الممتدة بین شهري جانفي وفیفري بینما تحدد الفترة الصیفیة بین شهري جویلیة وأوت.

یودع العون الاقتصادي الذي یرغب في ممارسة البیع بالتخفیض تصریحا لدى المدیر الولائي للتجارة المختص إقلیمیا مرفقا بالوثائق التالیة׃

- نسخة من مستخرج السجل التجاري أو عند الإقتضاء نسخة من مستخرج سجل  الصناعة التقلیدیة والحرف.

-  قائمة السلع موضوع البیع بالتخفیض وكمیتها.

- قائمة تبین التخفیضات في الأسعار المقرر تطبیقها وكذا الأسعار الممارسة سابقا.

كل ملف تتوفر فیه الشروط مودع لدى الهیئة المختصة یؤدي فورا إلى تسلیم العون الاقتصادي رخصة تسمح له بالشروع في البیع بالتخفیض خلال المدة المحددة.

یجب على العون الاقتصادي أن یعلن عن طریق الإشهار تواریخ بدایة ونهایة البیع بالتخفیض والسلع المعنیة والأسعار المطبقة سابقا والتخفیضات، كل ذلك على واجهة المحل نفسه الذي یمارس فیه نشاطه التجاري وأن یستخدم كل الوسائل الملائمة للإشهار والإعلان.كما یجب أن یفصل السلع موضوع التخفیض عن غیرها. () 


الفرع الثالث: تمییز ممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفیا عن الإغراق.


يعتبر الإغراق ممارسة مقيدة للمنافسة، من خلال الآثار السلبية الناجمة عنه سواء على

المستوى الوطني أو على المستوى الدولي، فالإغراق هو بيع سلعة في الأسواق الخارجية بسعر أقل عن سعر بيعها في الأسواق المحلية في نفس الوقت، وتحت نفس ظروف الإنتاج مع الأخذ بعين الاعتبار كلفة النقل أو على أساس التكلفة أي هو بيع السلعة في السوق الأجنبية بسعر أقل من سعر تكلفة إنتاجها  نلاحظ من خلال تعريف الإغراق أنه يتعلق بالممارسة التي تكون بين الدول، غير أن الواقع يثبت وجود حالات إغراق حتى على المستوى المحلي،ويعتبر الإغراق الخارجي أشهر أنواع

،  الإغراق، لذلك المشرع الجزائري نظمه بموجب المرسوم التنفيذي رقم 05-222 ()حيث نصت المادة 10 منه على أنه: "يوجد إغراق عندما يدخل منتوج بلد ما إلى السوق الوطنية بسعر أدنى من القيمة العادية لمنتوج مماثل.

ويكون هامش الإغراق هو الفرق بين سعر تصدير هذا المنتوج نحو السوق الوطنية والقيمة العادية لمنتوج مماثل"

يكون الإغراق في فائدة المستهلك على المدى القصير لكن سرعان ما يضر به، وذلك بإدخال سلع رديئة على المدى الطويل. ويؤثر الإغراق على المؤسسات المحلية لأنها لا تقوى على المنافسة وقد تغلق أبوابها. وحينها يتم التحكم في السوق، وبالتالي رفع الأسعار من قبل المؤسسات التي مارست الإغراق، لأنها تصبح مسيطرة على السوق، ولا يخفى على أحد مضار السيطرة و الإحتكار على المستهلك  . كما لا يخفى علينا أن الإغراق يلحق أضرارا بالمنتجات المحلية المثلية في الدولة المستوردة لهذه المنتجات. ()

المبحث الثاني: الرقابة على ممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفيا.

إنّ رغبة الدولة في تشجیع المنافسة وتنمیتها أدى بها إلى إنشاء مجلس المنافسة ومنحه الشخصیة المعنویة والاستقلال المالي وتزویده بكل الوسائل والسلطات اللازمة وذلك كله من أجل مراقبة المنافسة والتصدي للممارسات المقیدة للمنافسة منها البيع بأسعار بیع مخفضة تعسفیا باعتبارها ممارسة مقیدة للمنافسة لم یمنعه في الواقع من الاحتفاظ بتلك القواعد الكلاسیكیة لاختصاص الهیئات القضائیة العادیة والإداریة، حیث تحتفظ الهیئات القضائیة بدور استثنائي في المجال نفسه وهذا بموجب أحكام الأمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة ( المعدل والمتمم ) كما أنه قد تجد الهیئات القضائیة الإداریة نفسها مضطرة للتدخل في المجال ذاته، وذلك نتیجة لدورها الكلاسیكي.

ولهذا سیتم التطرق في هذا المطلب إلى دور مجلس المنافسة عند عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا (الفرع الأول)، ثم اختصاص الهیئات القضائیة عند عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا (الفرع الثاني).

المطلب الأول: دور مجلس المنافسة عند عرض الأسعار أو ممارسة أسعار بيع مخفضة تعسفيا. 

لقد نص قانون المنافسة رقم 03-03 المعدل والمتمم في مادته 23 على إنشاء هيئة إدارية مستقلة تتمتع بسلطات حقيقية ضبطية وتنظيمية وهي مجلس المنافسة والذي يعهد إليه بتنظيم وضبط المنافسة على المستوى الوطني عن طريق وضع إطار قانوني أخلاقي ملزم لتأطير عمل الأعوان الاقتصاديين وضمان حرية المنافسة، وهذا عن طريق التحكيم والفصل في المصالح المتنازعة  ، كما يصدر قراراته بفرض العقوبات التي قد تتمحور في شكل أوامر وتدابير مؤقتة أو غرامات مالية وتهديدية، هذا ويمكن القول في هذا الإطار أن المشرع الجزائري قد ساوى في العقوبة بين جميع الممارسات المقيدة للمنافسة والتي من بينها محل الدراسة وهي ممارسة البيع بأسعار مخفضة تعسفيا.

الفرع الأول: إصدار مجلس المنافسة الأوامر والتدابير المؤقتة.

بعد ثبوت عرض الأسعار أو ممارسة أسعار بيع مخفضة تعسفيا للمستهلكين بشروطها الأربعة سابقة الذكر، وبعد المرور بكافة الإجراءات القانونية المنصوص عليها في أحكام قانون المنافسة، يصدر مجلس المنافسة قراره اتجاه مرتكب المخالفة، والذي يتجلى إما في شكل أوامر أو شكل تدابير مؤقتة وذلك حسب كل حالة، حيث أن الفرق بين قرار مجلس المنافسة المتضمن إصدار أوامر يهدف إلى تحقيق الطابع التقويمي أو التصحيحي للمرتكب المخالفة، أما قرار اتخاذ التدابير المؤقتة فيهدف إلى معالجة أوضاع وحالات مستعجلة لكي يتم الحد من الآثار المحتملة عنها، وعليه سنتطرق أولا إلى إصدار قرار مجلس المنافسة بتوجيه أوامر لمرتكب المخالفة ثم ثانيا إصداره لقرار التدابير المؤقتة. ()

أولا: إصدار قرار مجلس المنافسة بتوجيه أوامر لمرتكب المخالفة.

باستقراء نص المادة 45 من قانون المنافسة يمكن أن نستنتج أن:

- الهدف من إصدار الأوامر هو الطابع التقويمي أو التصحيحي الذي يلجأ إليه مجلس المنافسة من أجل ضبط السوق وتصحيح الاختلالات التي تعتريه من جراء إتيان عرض أسعار أو ممارسة أسعار بيع مخفضة تعسفيا للمستهلك خصوصا ووضع حد للممارسات المقيدة للمنافسة عموما. 

- يمكن أن يكون مجال نطاق هذه الأوامر متمثل في طلب مجلس المنافسة في اتخاذ إجراءات معينة كشكل ايجابي كطلب تعديل تصرفات أو تقويم أو إعلام بأسعار، أو يتخذ الأمر شكل سلبي بالامتناع عن القيام بعمل أو بأعمال معينة . 

- مجلس المنافسة عند إصداره لهذه الأوامر هو مقيد ببعض القيود والتي من بينها عدم إصداره لأوامر تخص مراقبة قطاع معين في المستقبل لأن عمله حالي وليس في المستقبل، كما لا يمكنه أن يصدر أوامر لإبطال أي التزام أو اتفاقية أو شرط تعاقدي يتعلق بالممارسات المحظورة لأنها تدخل في اختصاص القضاء. 

- تحقيقا للغاية التي من أجلها رخص المشرع الجزائري لمجلس المنافسة إمكانية إصدار الأوامر، فإنه يمكنه أن يقوم بنشر قراره أو مستخرج منه أو توزيعه أو تعليقه للفت انتباه بقية المتعاملين الاقتصاديين وتحذيرهم من الممارسة المقيدة للمنافسة التي ارتكبتها المؤسسة المخالفة اتجاه المستهلك. ()

ثانيا: إصدار قرار مجلس المنافسة باتخاذ التدابير المؤقتة.

بالرجوع إلى نص المادة 46 من الأمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة نجد أن الهدف من التدبير المؤقت هو من أجل معالجة أوضاع وحالات مستعجلة لكي يتم الحد من الآثار والنتائج السلبية المحتملة من الممارسة المقيدة للمنافسة وهي عرض أو ممارسة أسعار بيع مخفضة تعسفيا، وهذا إلى غاية الفصل النهائي في موضوع النزاع، ويشترط في إصدار هذه التدابير توافر شروط شكلية منها؛ ضرورة تقديم طلب لإصدار التدبير المؤقت والذي يقدم لمجلس المنافسة من طرف أصحاب الصفة؛ وهما إما المدعي أو الوزير المكلف بالتجارة وأن يقدم الطلب خلال مرحلة التحقيق حسب المادة 46 من قانون المنافسة وشروط أخرى موضوعية تتمثل في توافر عنصر الاستعجال وعنصر الضرورةى وهو ما أشارت إليه نفس المادة سالفة الذكر بنصها على: "....اتخاذ تدابير مؤقتة للحد من الممارسات المقيدة للمنافسة موضوع التحقيق إذا اقتضت ذلك الظروف المستعجلة لتفادي وقوع ضرر محدق غير ممكن إصلاحه.... "، و بالتالي ضرورة أن يكون الضرر محدقا أي مؤكد الوقوع وليس محتملا، كما يجب أن يكون من غير الممكن إصلاحه في حالة وقوعه فعلا لكونه ضررا معتبرا. ()

الفرع الثاني: إصدار مجلس المنافسة الغرامات المالية والغرامات التهديدية. 

تتمثل الجزاءات التي تصدر عن مجلس المنافسة في قضايا الممارسات المقيدة للمنافسة في شقها الثاني والمرتكبة من طرف المخالفين في عقوبات مالية، تتمحور حول فرض غرامات مالية وغرامات تهديدية توقع في حالة التأخير في تنفيذ العقوبات ومرجع ذلك هو حرص المشرع الجزائري على أن تكون هذه العقوبات عبارة عن غرامات مالية كان بغرض التوفيق بين هدفين هما منع الممارسات الاحتكارية من جهة وعدم الإضرار بمناخ الاستثمار من جهة أخرى ، وعليه سنتناول أولا الغرامات المالية ثم الغرامات التهديدية.

أولا: الغرامات المالية

إسقاطا لأحكام نصوص المواد 56 و 57 و 59 من الأمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة في الفصل الرابع المعنون بالعقوبات المطبقة على الممارسات المقيدة للمنافسة و التجميعات الاقتصادية على موضوع الدراسة فإنه يعاقب عليها بغرامة مالية لا تفوق7   %من مبلغ رقم الأعمال من غير الرسوم المحقق في الجزائر خلال آخر سنة مالية مختتمة، وإذا كان مرتكب المخالفة شخصا طبيعيا أو معنويا أو منظمة مهنية لا يملك رقم أعمال محدد، فالغرامة لا تتجاوز ثلاثة ملايين دينار كما يعاقب بغرامة قدرها مليوني دينار  كل شخص طبيعي يساهم شخصيا بصفة احتيالية في تنظيم الممارسات. المتعلق بذلك.  ()

هذا ويمكن لمجلس المنافسة إقرار غرامة مالية لا تتجاوز مبلغ خمسمائة ألف دينار بناء على تقرير المقرر ضد المؤسسات التي تتعمد تقديم معلومات خاطئة  أو غير كاملة بالنسبة للمعلومات المطلوبة أو تتهاون في تقديمها طبقا لأحكام المادة 51 من الأمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة()، أو التي لا تقدم المعلومات المطلوبة في الآجال المحددة من قبل المقرر.

ومن هذا الإطار نجد أن المعيار المعتمد من طرف المشرع الجزائري عند تقريره وتقديريه للغرامات المالية هو معيار رقم الأعمال بالنسبة لمرتكبي المخالفات الذين يملكون رقم أعمال محدد، أما إذا لم يكونوا يملكون رقم أعمال محدد فإن الغرامة المالية لا تتجاوز ثلاثة ملايين وذلك حسب المادة 56 من الأمر رقم 03-03 إلا أنه بعد تعديل هذا الأمر سالف الذكر بصدور القانون رقم 08-12 المعدل والمتمم فإن الغرامة المالية أصبحت تحدد بناء على رقم الأعمال، حيث تم رفعه من 7 % إلى نسبة 12 % أو تحدد بمقدار الربح المحقق بواسطة الممارسات المقيدة للمنافسة، وذلك بمقتضى نص المادة 26 من الأمر 03-03 بقولها: يعاقب على الممارسات المقيدة للمنافسة كما هو منصوص عليها في المادة 14 من هذا الأمر بغرامة لا تفوق 12 % من مبلغ رقم الأعمال من غير الرسوم المحقق في الجزائر خلال آخر سنة مالية مختتمة أو بغرامة تساوي على الأقل ضعفي الربح المحقق بواسطة هذه الممارسات على ألا تتجاوز هذه الغرامة أربعة أضعاف هذا الربح، وإذا كان مرتكب المخالفة لا يملك رقم أعمال محدد فالغرامة لا تتجاوز ستة ملايين دينار."

وفي حالة ما إذا كانت كل من السنوات المالية المقفلة المذكورة في المادة 56 من الأمر رقم 03-03 لا تغطي كل واحدة منها مدة سنة فإنه يتم حساب العقوبات المالية المطبقة على مرتكبي المخالفات حسب قيمة رقم الأعمال من غير الرسوم المحقق في الجزائر خلال النشاط المنجز.       

كما تم بمقتضى القانون رقم 08-12 ()رفع مبلغ الغرامة المالية التي لا تتجاوز مبلغ  ثمانمائة ألف دينار  بناء على تقرير المقرر ضد المؤسسات التي تتعمد تقديم معلومات خاطئة أو غير كاملة أو تتهاون في إعطائها.

وفي المقابل يمتلك مجلس المنافسة في نهاية الأمر الحق في التخفيض أو الإعفاء من هذه العقوبات سالفة الذكر والواردة في قانون المنافسة، متى قامت هاته المؤسسات المخالفة بالاعتراف بالمخالفات المنسوبة إليها أثناء التحقيق في القضية أو تعاونت في الإسراع بالتحقيق، أو تعهدت بعدم ارتكاب المخالفات المتعلقة بتطبيق أحكام الأمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة. ()

ثانيا:الغرامات التهديدية

تعتبر الغرامة التهديدية عقوبة مالية تصدر من أجل الضغط على الطرف المحكوم عليه لدفعه على تنفيذ الحكم في أقرب الآجال ومبلغها يقدر بالنظر إلى عدد أيام التأخير في التنفيذ، ولهذا ومن خلال هذا المقصد للغرامة التهديدية نجد أن المشرع في منح لمجلس المنافسة سلطة إصدارها ليعطيه أكبر ضمانة لتنفيذ قراراته  ، حيث يمكن لمجلس المنافسة في حالة إذا لم تحترم الأوامر والإجراءات المؤقتة المنصوص عليها بمقتضى المادتين 45 و 46 من قانون المنافسة في الآجال المحددة قانونا أن يقرر عقوبات تهديدية في حدود مبلغ مائة ألف دينار عن كل يوم تأخير، أي بمعنى أنه في حالة اتخاذ مجلس المنافسة أوامر معللة ترمي إلى وضع حد للممارسات المقيدة للمنافسة، والتي من بينها عرض أسعار أو ممارسة أسعار بيع مخفضة تعسفيا ولم يتم تطبيقها وتنفيذها، فإنه يحق لمجلس المنافسة أن يصدر عقوبات مالية سواء كانت نافذة فورا أو في الآجال التي يحددها لذلك.

كما يصدر مجلس المنافسة قرارا بغرامة تهديدية تقدر بخمسين ألف دينارعن كل يوم تأخير في دفع الغرامة المالية المترتبة عن المؤسسات التي تتعمد تقديم معلومات خاطئة أو غير كاملة بالنسبة للمعلومات المطلوبة أو تتهاون في تقديمها طبقا لأحكام المادة51 من قانون المنافسة أو التي لا تقدم المعلومات في الآجال المحددة من قبل المقرر . ()

وفي إطار تعديل وتتميم الأمر رقم03-03 بمقتضى القانون رقم 08-12 تم رفع مبلغ الغرامة التهديدية والتي لا تقل عن مبلغ مائة وخمسين ألف دينار عن كل يوم تأخير جراء عدم تنفيذ الأوامر والإجراءات المؤقتة المنصوص عليها في إطار أحكام المادتين 45 و 46 من هذا الأمر في الآجال المحددة لذلك، كما رفع أيضا مبلغ الغرامة التهديدية في حالة عدم دفع الغرامة المالية المستحقة جراء تعمد تقديم معلومات خاطئة أو غير كاملة بالنسبة للمعلومات المطلوبة أو تهاون في تقديمها والتي لا بد أن لا تقل عن مائة ألف دينار عن كل يوم تأخير.

ويرجع هدف المشرع من رفع قيمة كل من الغرامات المالية والغرامات التهديدية إلى زيادة إعطاء هذه العقوبات الطابع الردعي لكل مرتكب لأية ممارسة مقيدة للمنافسة خصوصا فيما يتعلق بمرتكب أو محاول ارتكاب عرض أو ممارسة أسعار بيع مخفضة تعسفيا. كما يتم تقدير هذه الجزاءات على أساس معايير متعلقة لاسيما بخطورة الممارسة المرتكبة والضرر الذي لحق بالاقتصاد الوطني والفوائد المجتمعة من طرف مرتكبي المخالفة ومدى تعاون المؤسسة المتهمة مع مجلس المنافسة خلال التحقيق في القضية وأهمية وطبيعة المؤسسة المعنية في السوق .

هذا وتجدر الإشارة إلى أن ردع مجلس المنافسة لمرتكبي الممارسات المقيدة للمنافسة لا يقتصر على المساس بالجانب المالي فحسب بل يتعداه إلى إمكانية نشر قرار الغرامة التهديدية في وسائل الإعلام أو توزيعه أو تعليقه. ()

المطلب الثاني: دور الهيئات القضائية عند عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا. 

یتمثل مجال اختصاص مجلس المنافسة في متابعة الممارسات المقیدة للمنافسة وهذا طبقا لما نصت علیه المادة 44 من الأمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة، لكن هناك بعض القضایا أو الحالات التي رغم أنها تتعلق بالممارسات المقیدة للمنافسة إلا أن مجلس المنافسة یصرح بعدم الاختصاص، وهنا یظهر دور القضاء في مجال متابعة الممارسات المقیدة للمنافسة الذي یعود له الاختصاص الحكم بالتعویضات عن هذه الممارسات فتنص المادة 48 من الأمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة على ما یلي:  "یمكن لكل شخص طبیعي أو معنوي یعتبر نفسه متضررا من ممارسات مقیدة للمنافسة، وفق مفهوم أحكام هذا الأمر أن یرفع دعوى أمام الجهة القضائیة المختصة طبقا لتشریع المعمول به ".
كما أنه لا تتوقف الرقابة القضائیة على احترام قواعد المنافسة ومراقبة تصرفات المؤسسات، بل تمتد إلى مراقبة التصرفات الإداریة التي تصدر عن الإدارة باعتبارها شخص من أشخاص القانون العام، فیما یخص الممارسات المقیدة للمنافسة التي تنتج عن العقود الإداریة والتي لا یختص بها القاضي العادي، بل هي من اختصاص القاضي الإداري الذي لدیه دور لا یستهان به من أجل تطبیق قانون المنافسة وحمایته.

ومن خلال ما ذكر أعلاه، سوف نتطرق في هذا الفرع إلى دور القاضي العادي (فرع أول)، والقاضي الإداري(فرع ثاني) في الحد من الممارسات المقیدة للمنافسة بالأخص حظر عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا.

الفرع الأول: دور القضاء العادي عند عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا.

لقد منح المشرع الجزائري للقضاء التجاري والمدني حق النظر في دعاوى الممارسات المقیدة للمنافسة، بما في ذلك حظر عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا، ویفهم ذلك من خلال المواد 13 و 48 و 63 من الأمر رقم03-03 المتعلق بالمنافسة، وتتمثل هذه الدعاوى فیما یلي:

أولا – إبطال الممارسات المقیدة للمنافسة منها عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا

- یفهم من المادة 13 من الأمر رقم03-03  المتعلق بالمنافسة أنه یمكن رفع دعوى لإبطال كل التزام أو اتفاقیة أو شرط تعاقدي یتعلق بالممارسات المقیدة للمنافسة منها عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا، و نظرا لغیاب جهة قضائیة مستقلة تختص بالنظر في المنازعات التجاریة المتعلقة بالمنافسة، فقد أسند اختصاص إبطالها- الممارسات المقیدة للمنافسة - إلى الأقسام المدنیة والتجاریة وفقا لقانون الإجراءات المدنیة والإداریة، بالأخص ما یتعلق بالاختصاص النوعي. 


ثانيا – تعویض الأضرار الناتجة عن الممارسات المقیدة للمنافسة منها عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا

یفهم من نص المادة 48 من الأمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة، أن القاضي المدني هو المختص في دعوى تعویض الضرر الناتج عن الممارسات المقیدة للمنافسة منها عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا. وبالرجوع إلى القواعد العامة المنصوص علیها في القانون المدني، فإنّ كل من یتسبب في ضرر للغیر یلزم صاحبه بالتعویض. ()


الفرع الثاني: دور القضاء الإداري عند عرض أو ممارسة أسعار بیع مخفضة تعسفیا.

یتمثل دور القاضي الإداري في تطبیق قواعد المنافسة في مراقبة مدى مشروعیة الأعمال الإداریة الانفرادیة أو التعاقدیة، كما یمكن أن یقوم بالحكم بإلغائها إن اقتضى الأمر، فسلطات القاضي الإداري محدودة فهي محصورة في حدود اختصاصاته الأصلیة، حیث یتدخل إما في المنازعات التي تثیرها العقود الإداریة أو الطعون المرفوعة ضد السلطات العمومیة لتجاوز السلطة، ورغم ذلك إن مساهمته في مراقبة بعض الممارسات المقیدة للمنافسة لا تقل أهمیة عن تلك التي یمارسها القضاء العادي ومجلس المنافسة یرتبط اختصاص القضاء الإداري بتطبیق قانون المنافسة بإخضاع الأشخاص العمومیة لقواعد قانون المنافسة، حیث یمكن للأشخاص العمومیة أن تمارس النشاط الاقتصادي المتمثل في الإنتاج، التوزیع والخدمات، في هذه الحالة تخضع الأعمال المقیدة للمنافسة الحرة المرتكبة من طرفها لاختصاص سلطات المنافسة، لكن في حالة ممارسة الأشخاص العمومیة للأعمال الإداریة وتتسبب هذه الأخیرة بارتكاب ممارسات مقیدة للمنافسة، كالأعمال التي تتخذها الدولة والجماعات المحلیة فهي تخضع لرقابة القاضي الإداري.

منح كذلك المشرع الجزائري حق النظر في الطعون المقدمة ضد قرارات سلطات الضبط القطاعیة للقضاء الإداري، حیث تقضي النصوص المنشئة لهذه السلطات أن كل الطعون الموجهة ضد قراراتها یتم الفصل فیها من طرف مجلس الدولة. ویعود السبب في ذلك لكون السلطات الإداریة المستقلة تمارس صلاحیات الدولة بإسمها ولحسابها وأنها ذات طابع إداري، مما یستدعي تطبیق المعیار العضوي. ()

الخاتمة:  

ختاما يمكن القول أن المشرع الجزائري قد حاول تنظيم ممارسة البيع بأسعار بيع مخفضة تعسفيا باعتبارها ممارسة مقيدة للمنافسة في نص المادة 12 من الأمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة، وذلك من خلال توضيح شروط ومعايير قيام هذه الممارسة المحظورة، بالإضافة إلى بيان الجزاءات والعقوبات المنصوص عليها قانونا والموقعة من طرف مجلس المنافسة على مرتكبي هذه المخالفة، والتي يهدف من خلال بيان فرضها إلى تحقيق نوع من التوازن بين احترام حرية المنافسة من جهة ومراقبتها من جهة أخرى عن طريق إيجاد في نفس الوقت ميكانيزمات تحول دون توقيع هذه العقوبة والتي من شأنها أن ترهق المؤسسات المعنية بالمخالفة، وذلك عن طريق توجيه أوامر أو اتخاذ تدابير مؤقتة فقط. 

إلا أنه على الرغم من هذا التنظيم القانوني نجد غياب ضبط حقيقي للمنافسة في السوق بسبب هذه الممارسة، والذي مرده عدم القدرة على تفعيل النص القانوني المنظم لذلك، إضافة إلى غياب كلي لنشاط مجلس المنافسة والذي نتج عنه حالات مختلفة من الهيمنة الاقتصادية والاحتكار التعسفي وعرض أسعار أو ممارسة أسعار بيع مخفضة تعسفيا موجهة للمستهلك بشكل كبير مما أصبح يطبع السوق الجزائرية ويسبب ضرر للاقتصاد الوطني، وعليه لا بد من تنشيط دور مجلس المنافسة ذا الأهمية البالغة في ضبط السوق وحماية المتنافسين، والسعي لخلق وعي لدى أطراف العلاقة التنافسية، إضافة إلى الاعتماد على الضوابط الشرعية لحماية المنافسة الحرة الموجودة في الشريعة الإسلامية.

ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...

لتحميل البحث مع التهميش الجاهز للطباعة يرجى النقر هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق