بحث حول : الجرائم الماسة بشفافية الممارسات التجارية
خطة البحث
مقدمة
المبحث الأول: الممارسات الماسة بشفافية و نزاهة الممارسات التجارية.
المطلب الأول: صور الممارسات الماسة بشفافية الممارسات التجارية. (بوزبرة)
الفرع الأول: عدم الإعلام بالأسعار و التعريفات.
الفرع الثاني: عدم الإعلام بشروط البيع.
الفرع الثالث: عدم الفوترة.
المطلب الثاني: صور الممارسات الماسة بنزاهة الممارسات التجارية. (عبد الله)
الفرع الأول: الممارسات التجارية غير الشرعية.
الفرع الثاني: الممارسات التجارية التدليسية وغير النزيهة.
الفرع الثالث: الممارسات التعاقدية التعسفية.
المبحث الثاني: آليات مكافحة الجرائم الماسة بشفافية و نزاهة الممارسات التجارية.
المطلب الأول: إجراءات التحري عن الجرائم الماسة بشفافية و نزاهة الممارسات التجارية.
الفرع الأول: الموظفون المؤهلون لمعاينة مخالفات الممارسات التجارية.
الفرع الثاني: مهام الموظفون المؤهلون لمعاينة مخالفات الممارسات التجارية.
الفرع الثالث: معارضة التحقيق الإداري.
المطلب الثاني: العقوبات المقررة للجرائم الماسة بشفافية و نزاهة الممارسات التجارية.
الفرع الأول: العقوبات الأصلية.
الفرع الثاني: العقوبات التكميلية.
الخاتمة
مقدمة :
أولى المشرع عنایة فائقة لقطاع التجارة تجلت من خلال توضیح مختلف العلاقات التي تسود هذا المیدان، ولم یكتف بهذا القدر من التقنین والتنظیم بل وضع أیضا قواعد لكیفیة الممارسة التجاریة في حد ذاتها، بسنّه قانون خاص خارج القانون التجاري یلزم التجار بمراعاة أعراف المهنة التجاریة ومقتضیات النزاهة والشفافیة عند ممارسة نشاطهم سواء فیما بینهم باعتبارهم أعوانا اقتصادیین، أو في إطار تعاملهم مع الزبائن، إذ حدد القواعد الواجب علیهم احترامها.
عمل المشرع الجزائري على توفير الأطر القانونية الكفيلة للوصول بالممارسة التجارية إلى أَوَجِ شرعيتها ،وهو ما ينعكس من خلال الضمانات المكرسة في قانون الممارسات التجارية الصادر بموجب القانون 04-02 و المعدل و المتمم بالقانون 10-06 ()، ،والذي حاول من خلاله على أن يضبط بدقة الحدود الفاصلة لتنظيم العلاقة بين العون الاقتصادي وندِهِ،حيث المراكز القانونية المتساوية و المركز الاقتصادي المتشابه.وبين علاقة المستهلك بالعون الاقتصادي ،أين يستأثر هذا الأخير بمركزه الاقتصادي ليكون صاحب المركز الأقوى في فرض شروطه.
وتكمن أهمية البحث في موضوع الجرائم الماسة بشفافية و نزاهة الممارسات التجارية في كون محاربتها وحماية المستهلك منها، هي السبيل الوحيد لضمان ممارسات تجارية شفافة وحرة تجعل اقتصاد البلاد حرا وقويا، يلبي احتياجات المستهلك ويحفظ حقوق المنشآت التجارية والصناعية لاسيما المحلية منها، من مخالفة قواعد الشفافية حماية للأفراد والتجار والأسواق واقتصاد البلاد ككل.
و على ضوء ما سبق ، ارتأينا أن تكون إشكالية البحث كالآتي :ما مدى كفاية الآليات القانونية التي كرسها المشرع الجزائري لمكافحة جرائم الممارسات التجارية في تحقيق الفعالية الاقتصادية ؟
و تهدف هذه الورقة البحثية إلى تسليط الضوء على الجرائم الماسة بشفافية و نزاهة الممارسات التجارية و سبل مكافحتها و الإجراءات المتبعة في ذلك،و للإحاطة بموضوع الدراسة تم إعتماد خطة بتقسيم ثنائي من مبحثين ، حيث عالجنا في المبحث الأول ماهية الحق في العدول عن العقد ، أما البحث الثاني فقمنا بتسلیط بعض الضوء على أحكام هذا الحق .
المبحث الأول: الممارسات الماسة بشفافية و نزاهة الممارسات التجارية.
إن تفعيل مبادئ الشفافية و النزاهة وما تكفله من ضمانات بشكل خاص للمستهلك و بشكل مضاعف للعون الاقتصادي .يظهر من خلال حق الإعلام والتبصر بأهم العناصر التي تنير اختيار المستهلك و رضاه ،إذ أن المشرع بإلزامه العون الاقتصادي إعلام المستهلك بالسلع و الخدمات و تحري النزاهة في المعلومات يكون قد ألقى على عاتقه واجب تدارك الفوارق في الخبرة بينه وبين المستهلك ، و أناط ذلك بحقه في الفوترة و بمعاملات مشروعة تتم مع أشخاص ذوي صفة قانونية ، و بمفهوم المخالفة أن الممارسات التي يتولاها الأشخاص المتطفلون (الطفيليون)، أو الدخلاء على الممارسات التجارية ممارسات مجرمة قانونا ،ولأن الممارسات التجارية لا تختل لمجرد ضعف المستهلك وقلة خبرته جاءت مبادئ النزاهة التي تجسدت في ثنايا القانون 04-02 ()لتكون المرجع في حظر مختلف الأفعال التي تعكس استغلال العون الاقتصادي لقوته الاقتصادية و احترافيته في السوق ،تجاه نظرائه من الأعوان الاقتصاديين أيضا.
و على ضوء ما سبق جاء هذا المبحث ليسلط الضوء على الممارسات الماسة بشفافية و نزاهة الممارسات التجارية من خلال ذكر صور الممارسات التي تمس بشفافية الممارسات التجارية(مطلب أول) ،مع تعداد صور الممارسات التجارية الماسة بنزاهتها (مطلب ثان).
المطلب الأول: صور الممارسات الماسة بشفافية الممارسات التجارية.
يتعين علينا أولا تحديد مدلول مصطلح الشفافية من الناحية اللغوية و الاقتصادية، فلغويا مصطلح الشفافية هي الصفة التي تظهر الحقيقة الكاملة.من مرادفاتها :الوضوح ،والبينونة والظهور ،والبروز، والجلاء ، الصفاء ،النقاء...الخ ، ويقترب المعنى القانوني من المعنى الاقتصادي لمصطلح الشفافية فالشفافية الاقتصادية تعني توفير مجموعة من المعلومات الأساسية في كل وقت للزبون بخصوص الأسعار ، كمية و نوعية السلع والخدمات وكذا شروط البيع أو تأدية الخدمة ، بحيث يكون قرار الزبون نتيجة مباشرة لاطلاعه عليها ، و غيابها يحدث اختلال التوازن في السوق. فكان لزاما على المشرع الجزائري أن يفرض ويؤسس لأطر كاشفة عن الجريمة ومنها إعمال مبدأ الشفافية والذي يهدف إلى إزاحة و إزالة كل غموض أو تستر على النشاط الاقتصادي بحيث يكون مدركا ومعلوما من كل الأطراف(). و هو ما دفع بالمشرع الجزائري إلى ضمان شفافية الممارسات التجارية من خلال تجريم كل من:عدم الإعلام بالأسعار والتعريفات و عدم الإعلام بشروط البيع و عدم الفوترة، و التي نتناولها تباعا في فروع هذا المطلب.
الفرع الأول: عدم الإعلام بالأسعار و التعريفات.
نظم المشرع الجزائري الإشهار القانوني للأسعار لأول مرة من خلال نص المادة 29 من القانون رقم 89-12 المتعلق بالأسعار()، وذلك الباب الرابع المعنون بـ "القواعد المتعلقة بالممارسات التجارية" ،وقد ألغي هذا القانون بموجب الأمر95-06 المتعلق بالمنافسة ، الذي نص في المادة 54 منه على أن إشهار الأسعار إجباري () ، وقد تم إلغاء هذا الأمر الأخير بموجب الأمر 03-03، المتعلق بالمنافسة مع الإبقاء على العمل بصفة انتقالية بأحكام الباب الرابع والخامس والسادس منه، وبهذا اخرج المشرع الأحكام المتعلقة بالأسعار و إشهارها من النصوص المتعلقة بالمنافسة بغرض إفرادها بنص خاص، عبر إصداره للقانون 04-02 المتعلق بالممارسات التجارية الذي نظم الإعلام بالأسعار في الفصل الأول المعنون بـ "الإعلام بالأسعار والتعريفات وشروط البيع" والواقع في الباب الثاني تحت عنوان "شفافية الممارسات التجارية".()
و بالرجوع إلى نص المادة 04 من القانون 04-02 نجد أن المشرع اوجب على البائع إعلام الزبائن بأسعار وتعريفات السلع والخدمات، كل ذلك من اجل شفافية الممارسات التجارية، عن طریق وضع علامات أو رسم معلقات بأیة وسیلة أخرى مناسبة، بحیث یجب أن تبین الأسعار والتعریفات بصفة مرئیة أما مقدمي الخدمات فیقومون ببیان الأسعار بواسطة النشر.
وتختلف كیفیة وضع الأسعار باختلاف السلعة أو الخدمة، فیجب أن تعد وتوزن السلع المعروضة للبیع سواء كانت بالوحدة أو بالكیل أمام المشتري، وعندما تكون هذه السلع مغلفة ومعدودة أو موزونة أو مكیلة، یجب وضع علامات على الغلاف تسمح بمعرفة الوزن والكمیة و عدد الأشیاء المقابلة للسعر المعلن . ()
وهذا الالتزام لا یقتصر فقط على تعامل العون الاقتصادي مع المستهلك، بل في تعامله مع الأعوان الاقتصادیین فیما بینهم ،وهذا شيء منطقي بغرض تنظیم السوق وضمان شفافیة المعاملات التجاریة بین أطرافه.
ویعتبر المشرع كل امتناع عن الإعلام بالأسعار والشروط والتعریفات، جریمة من جرائم الامتناع التي تقع بالامتناع عن السلوك الذي أمر به القانون، كما یمكن أن تكون من الجرائم الإیجابیة والتي تكون بإتیان الفعل ولكن بغش نحو القانون، فلا بدأن یكون السعر مطابق حقیقة للسعر بحیث یجب أن یكون هناك تناسب بین السعر والسلعة، والمقصود بالتناسب هنا لیس عملیة حسابیة بین السلعة والسعر ولكن لابد أن لا یكون هناك تفاوت بین السعر والشيء المبیع.
وجریمة عدم الإعلام بالأسعار هي من الجرائم القصدیة أي التي تقع باتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجریمة مع العلم بتوافر أركانها قانونا، غیر أن مسألة العلم بهذه الجریمة مفترض حیث یفترض في التاجر العلم بأن عدم الإعلام بالأسعار جریمة فلا یعذر بالجهل بالقانون من هنا یمكننا القول أن جریمة عدم الإعلام جریمة شكلیة تقع بإتیان أو بالامتناع عن السلوك، ومن هنا نقول أن الركن المعنوي في هذه الجریمة مفترض وهذه من خصوصیة الجریمة الاقتصادیة. ()
الفرع الثاني: عدم الإعلام بشروط البيع.
يقع على عاتق البائع وجوبا وإلى جانب الإعلام بالأسعار التزام مفاده أن يبين للزبائن شروط البيع، ويرجع التزامه بإعلام المستهلك بشروط البيع لعدم دراية المستهلك بالعناصر المرتبطة بحقوقه الجوهرية و هذا ما نص عليه المشرع في المادة 08 من القانون 04-02 " يلزم البائع قبل اختتام عملية البيع بإخبار المستهلك بأية طريقة كانت وحسب طبيعة المنتوج، بالمعلومات النزيهة والصادقة المتعلقة بمميزات هذا المنتوج أو الخدمة وشروط البيع الممارس وكذا الحدود المتوقعة للمسؤولية التعاقدية لعملية البيع أو الخدمة."
وتنص المادة 09 من نفس القانون على أنه: "يجب أن تتضمن شروط البيع إجباريا بين الأعوان الاقتصاديين كيفيات الدفع، وعند الاقتضاء، الحسوم والتخفيضات والمسترجعات." من خلال الاطلاع على هذين النصين يمكن إبداء الملاحظات التالية:
- إن المشرع عندما ألزم البائع بإعلام الزبون المستهلك بشروط البيع لم يشر إلى إلزامه بشروط أداء الخدمة، فهل هذا يعني عدم إلزامية إعلامه بشروط الخدمة المؤدات؟ مع العلم أن الدور الأساسي للإعلام هو تمكين الزبون من الاختيار الموضوعي لما يقدمه المتعاملون الاقتصاديون المتنافسون، سواء تعلق الأمر بالسلع أو بالخدمات.
- إن المشرع عندما ألزم البائع بإعلام الزبون المستهلك بشروط البيع، لم يحدد المقصود بشروط البيع، في حين عندما ألزم البائع في علاقته مع الأعوان الاقتصاديين فقد أشار إلى إجبارية أن تتضمن شروط البيع كيفيات الدفع و الحسوم والتخفيضات والمسترجعات فيما يتعلق بشروط أداء الخدمة، فإنه إذا سلمنا بأن الهدف الأساسي من إعلام الزبون بشروط البيع أو الخدمة المعروضة عليه هو تمكينه من الاختيار الموضوعي والسليم للسلعة أو الخدمة التي تتناسب ورغباته وكذا وقدرته الشرائية، فإنه يكون من حق الزبون في معرفة شروط الخدمة المقدمة بهدف مقارنتها مع باقي العروض المقدمة، ومن واجب البائع أن يعلمه بشروط الخدمة المعروضة، واقتصار المشرع الجزائري على ذكر شروط البيع لا ينفي إلزامية إشهار شروط الخدمة المعروضة. ()
الفرع الثالث: عدم الفوترة.
تعتبر الفاتورة من الوسائل التي تساهم في تحقیق الشفافیة ،ولقد عرف مفهوم الفوترة تطورا ملحوظا في فرنسا، فبعد أن كانت في فترة سابقة وسیلة لمراقبة الأسعار في السوق تحولت إلى أداة لمكافحة الغش الضریبي وعاملا في تعزیز حریة المنافسة وشرعیة المبادلات العقدیة.
المشرع الجزائري على غرار نظیره الفرنسي، ألزم الأعوان الاقتصادیین بالتعامل بالفاتورة وهذا بغیة تنظیم المعاملات التجاریة، وكذلك لدیها بعد آخر وهو مكافحة جرائم أخرى كجریمة الغش الضریبي ،من هنا اعتبر المشرع عدم الفوترة جریمة یعاقب علیها القانون، وكان الغرض من تجریم هذه الجریمة هو محاربة المضاربة بكافة أشكالها والحفاظ على القدرة الشرائیة للمستهلك. ()
بتفحص أحكام القانون رقم 10-06 يتضح أنه على خلاف بعض التشريعات المقارنة 10 ، ألزمت المادة العاشرة منه المعدلة بموجب قانون المالية التكميلي لسنة 2018 ، الأعوان الاقتصاديين بتحرير فاتورة أو وثيقة تقوم مقامها وتسليمها للعون الاقتصادي عند كل بيع سلع أو تأدية خدمات، كما يلزم ذلك العون بطلب أي منها، أما في حالة بيع السلعة أو تأدية الخدمة للمستهلك فإنه يجب أن يكون ذلك محل وصل صندوق أو سند يبرر المعاملة، بينما يتوقف تسليم الفاتورة أو الوثيقة التي تقوم مقامها على طلبها من طرف صاحب الشأن، مع ملاحظة أن المادة الثالثة من القانون رقم 10-06السالف الذكر قد وسعت من مجال التعامل بالفاتورة ليشمل نشاطات أخرى لم يذكرها القانون 04-02 السابق الإشارة إليه، وفي كل الأحوال ،يتعين أن تتضمن الفاتورة البيانات الإلزامية، بينما أورد قانون المالية التكميلي لسنة 2018 استثناء على التعامل بها بالنسبة لتجار التجزئة، حيث يمكنهم التعامل عن طريق فاتورة نقدي و إصدار وصل صندوق().
وتيسيرا على الأعوان الاقتصاديين مكنهم المشرع من التعامل بوصل التسليم بدل الفاتورة شريطة حصولهم على ترخيص بذلك من الإدارة المكلفة بالتجارة، وأن يتوافر في المعاملات التجارية وصف التكرار والانتظام عند بيع منتوجات لنفس الزبون، وفي هذه الحالة يتعين تحرير فاتورة إجمالية شهرية تكون مراجعها وصولات التسليم التي تم التعامل بها، أما إذا كانت البضائع المنقولة ليست محلا لمعاملات تجارية فإنه يتعين إرفاقها بسند تحويل يبرر تحركها. ()
وقد وسّع المشرع مجال التعامل بالفاتورة بحیث حدد في نص المادة 2 المعدلة نشاطات الإنتاج بما فیها النشاطات التوزیع ومنها ما یقوم مستردو السلع لإعادة بیعها على حالها والوكلاء ووسطاء بیع المواشي وبائعو اللحم بالجملة وكذا نشاطات الخدمات والصناعات التقلیدیة والصید البحري التي یمارسها أي عون اقتصادي مهما كانت طبیعته.
وقد أحسن المشرع فعلا بنصه على هذه النشاطات والخدمات، حیث أن استعمال مصطلح النشاط قبل تعدیل المادة یوحي أن بعض النشاطات التقلیدیة والتي تصنف على أنها حرف فلا یشملها قانون الممارسات التجاریة بالتطبیق، وبعد التعدیل نص المشرع على بعض الحرف والنشاطات التقلیدیة وخصها بتطبیق قانون الممارسات التجاریة. ()
قد يتعامل العون الاقتصادي بالفاتورة، لكنه لا يلتزم بالشروط القانونية المتطلبة لتحريرها، الأمر الذي يعرضه للعقوبة المترتبة عن جريمة الفاتورة غير المطابقة، حيث شدد المشرع في المادة 12 من القانون رقم 04-02 المذكور سابقا ،على وجوب تحرير الفاتورة ووصل التسليم والفاتورة الإجمالية وكذا سند التحويل وفق الشروط و الكيفيات التي يحددها المرسوم التنفيذي رقم 05-468 المحدد لشروط تحرير الفاتورة وسند التحويل، إذ تكفل بتحديد البيانات الإجبارية لصحة الفاتورة العادية والإلكترونية(). و الجدير بالذكر انه في سنة 2016 صدر مرسوم تنفیذي رقم 16-66، یحدد نموذج الوثیقة التي تقوم مقام الفاتورة وتدعى في صلب المرسوم بسند المعاملة التجاریة، () وكذا فئات الأعوان الاقتصاديين الملزمين بالتعامل بها.
وعدم الفوترة جریمة یعاقب علیها القانون تقوم على ركنیها المادي والمعنوي وهذا الأخیر مفترض.
المطلب الثاني: صور الممارسات الماسة بنزاهة الممارسات التجارية.
إن الممارسات الماسة بنزاهة الممارسات التجارية تتعلق أساسا بالأخلاق الواجب مراعاتها عند مزاولة النشاط التجاري، لاسيما نشر روح المنافسة الشريفة والعادلة بين الأعوان الاقتصاديين، بعيدا عن كل الأساليب الملتوية التي يلجأ إليها البعض رغبة منهم في السيطرة على السوق.
لقد نظم المشرع الجزائري الممارسات الماسة بنزاهة الممارسات التجارية في خمسة فصول تندرج تحت الباب الثالث المعنون بـ "نزاهة الممارسات التجارية" من القانون المحدد للقواعد المطبقة على الممارسات التجارية، وتتمثل هذه الممارسات في الممارسات التجارية غير الشرعية، وممارسة أسعار غير شرعية، والممارسات التجارية التدليسية، والممارسات التجارية غير النزيهة، والممارسات التعاقدية التعسفية، و التي سنفصل فيها تباعا ضمن فروع هذا المطلب.
الفرع الأول: الممارسات التجارية غير الشرعية.
تولى المشرع بیانها في الفصلین الأول والثاني من الباب الثالث من القانون المحدد للقواعد المطبقة على الممارسات التجاریة،و نفصل فيها كالآتي:
أولا - ممارسة الأعمال التجارية دون اكتساب الصفة: لقد أدرج المشرع الجزائري ممارسة الأعمال التجارية دون إكتساب صفة التاجر ضمن دائرة الممارسات التجارية غير الشرعية، وفي هذا الإطار يتعين على كل شخص طبيعي أو معنوي القيد في السجل التجاري من أجل ممارسة النشاط التجاري، فضلا عن الحصول على ترخيص أو اعتماد في حالة النشاطات التي يشتر فيها ذلك، وهو الحكم ذاته الذي أقرته المادة 02 من قانون السجل التجاري ،عندما نصت صراحة على أن يثبت التسجيل في السجل التجاري الصفة القانونية للتاجر، حيث يخوله هذا التسجيل الحق في حرية ممارسة النشاط التجاري. ()
ثانيا- رفض بيع سلعة أو تأدية خدمة بدون مبرر شرعي: تعتبر كل سلعة معروضة على نظر الجمهور معروضة للبيع، وعليه فإن كل عرض للسلع مهما كان نوعها دليل على أنها موجهة للبيع، وعليه فإنه يمنع على كل عون اقتصادي أن يرفض بيع أي سلعة كانت معروضة أمام الجمهور أو يرفض تأدية خدمة كانت متوفرة وقد طلبها الجمهور، ودون أن يكون لرفضه أي مبرر شرعي، وبالتالي لا يعتبر سببا شرعيا امتناع التاجر عن البيع باصطناع وقائع وهمية أو خيالية تمنع المستهلك من عملية الشراء.
وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن للعرض أن يتضمن أدوات تزيين المحلات والمنتوجات المعروضة تنظيم المعارض والتظاهرات، وفي هذه الحالة فإن هذه الأدوات والمنتوجات التزيينية لا تكون معروضة للبيع. ()
ثالثا- البیع مع منح مكافآت: یقدم بعض الباعة من أجل الترویج لبضاعتهم على منح مكافآت لكل من یقوم بشرائها، وهذا الفعل حظره المشرع حیث منع كل بیع أو عرض لسلعة وكذلك كل أداء خدمة أو عرضها عاجلا أو آجلا مشروطا بمكافأة مجّانیة وقد اعتبرها المشرع نوعا من التضلیل، كما أن هذه المكافآت یمكن أن تسبب في رفع القیمة لهذه الأشیاء بالرغم من أن قیمتها في الأصل زهیدة ،هذا ما قد یؤدي إلى المضاربة في الأسعار.
غیر أن المشرع استثنى من مجل التجریم إذا كانت المكافأة من نفس السلعة موضوع البیع أو تأدیة الخدمة لا تتجاوز %10 من المبلغ الإجمالي للسلعة ، حیث تعتبر هذه المكافأة كنوع من التخفیض في السعر وقد أباحه المشرع. ()
رابعا- البیوع المشروطة : بعد أن تقاربت أو تساوت المنتجات و الخدمات من حيث الجودة و السعر و التكلفة و النوعية، و هذا ما دفع الاقتصاديين إلى ابتكار أساليب مختلفة للتسويق، و دفع أيضا المستهلك إلى الشراء ، و يأتي أسلوب الاشتراط كواحد من أهم هذه الأساليب.
أ- البيع المشروط بمكافأة مجانية: يعتبر البيع المشروط بمكافأة أسلوب من شأنه أن يجعل الزبائن يتهافتون على شراء منتوجات هذا العون الاقتصادي دون سواها، حيث تشكل الهدايا المرافقة لعملية بيع سلعة أو تقديم خدمة أهمية بالنسبة لهم ، لأنهم سيحصلون على منتوجات أو خدمات دون مقابل مما يسمح لهم بتوفير مبالغ مالية كانوا سيفقدونها لو أنهم تعاقدوا مع عون اقتصادي آخر.
حتى نكون أمام بيع بمكافأة محظورة فإنه يجب توافر جملة من الشروط نصت عليها المادة 16 من القانون رقم 04-02 المحدد للقواعد المطبقة على الممارسات التجارية ، وبتخلف أحد هذه الشروط يكون البيع ممارسة مشروعة و الشروط هي: أن يوجه البيع أو تقديم الخدمة للمستهلك ،مجانية المكافأة،أن تكون المكافأة مختلفة من محل البيع الرئيسي.
تستثنى المادة 16 المكافأة المجانية من دائرة المخالفة متى كانت من نفس السلع أو الخدمات موضوع البيع أو تأدية الخدمة، شريطة ألا تتجاوز قيمتها10 % من المبلغ الإجمالي للسلع أو الخدمات المعنية. ()
ب- البیع المتلازم : منع اشتراط البیع بشراء كمیة مفروضة أو اشتراط البیع بشراء سلعة أو أخرى أو خدمات مفروضة ، وكذلك اشتراط تأدیة خدمة بخدمة أخرى أو بشراء سلعة أخرى ، وقد جرم المشرع هذه الممارسات، وهذا بغرض حمایة الزبون من أي ضغوطات تمارس على حریته في اقتناء المنتوجات.
غیر أن المشرع استثنى السلع من نفس النوع المبیع على شكل حصص بشرط أن تكون هذه السلع معروضة للبیع بصفة منفصلة ، وهذا منطقي لأن هذا الحكم خاص بالسلع التي یستحیل بیعها بالوحدة مثال عیدان الكبریت. ()
ج - البيع التمييزي: لقد أحسن المشرع صنعا عندما منع أي عون اقتصادي من ممارسة النفوذ على عون اقتصادي آخر، أو الحصول منه على امتيازات لا يوفرها لغيره سواء تعلق ذلك بأسعار أو آجال الدفع أو شروط البيع أو كيفياته أو على شراء تمييزي طالما لا يبرره مقابل حقيقيي يتسق مع مقتضيات المعاملات التجارية النزيهة والشريفة، و ذلك في إطار علاقتهم التعاقدية. ()
خامسا- بيع السلع بسعر أدنى من سعر تكلفتها وإعادة بيع المواد الأولية: يعتبر إعادة بيع سلعة بسعر أدنى من سعر تكلفتها الحقيقي من الممارسات التجارية غير الشرعية،لأن من أهم الآثار التي يرتبها البيع بالخسارة التأثير على قوى العرض والطلب في السوق، فقد يقوم التاجر بتخفيض أسعار بضائعه بدرجة كبيرة تتجاوز الحدود المألوفة في التجارة، وذلك بهدف اجتذاب عملاء زبائنه، وبعد اجتذابهم يعود إلى رفع السعر مجددا، وفي هذه الحالة فإن هذا النوع من الممارسات يؤدي إلى إبعاد بعض المتعاملين من الدخول إلى السوق.
غير أن منع بيع السلع بسعر أدنى من سعر تكلفتها الحقيقي لا يطبق في حالة السلع سهلة التلف والمهددة بالفساد السريع، والسلع التي بيعت بصفة أو حتمية بسبب تغيير النشاط أو إنهائه أو إثر تنفيذ حكم قضائي، والسلع الموسمية والسلع المتقادمة أو البالية تقنيا...
كما أن إعادة بيع المواد الأولية على حالتها الأصلية إذا تم اقتناؤها بهدف تحويلها يعتبر من قبيل الممارسات التجارية غير الشرعية، إلا إذا كان هناك مبرر لذلك كتوقيف النشاط أو تغييره أو في حالة القوة القاهرة. ()
سادسا- ممارسة أسعار غير شرعية: تعتبر ممارسة أسعار غير شرعية من قبيل الممارسات التجارية غير الشرعية، غير أن المشرع الجزائري قد خصص لها فصلا كاملا ومنفصلا وذلك نظرا للدور الذي تلعبه الأسعار المستقرة والمحددة في استقرار السوق من جهة واستقرار المجتمع من جهة أخرى، ناهيك عن استحداث نص قانوني جديد إلى جانب تعديل المادتين 22 و 23من القانون 04-02 وهو نص المادة 22 مكرر. ()
و تتجلى ممارسة أسعار غير شرعية من خلال بيع السلع أو تأدية الخدمات التي تخضع لنظام الأسعار المقننة، دون تطبيق هوامش الربح والأسعار المحددة أو المسقفة بموجب النصوص القانونية السارية، على غرار مادتي الزيت الغذائي والسكر الأبيض المكرر ، والحليب المبستر و الموضب في أكياس ، وكذا التعريفات القصوى لنقل الركاب في سيارات الأجرة وغيرها....، وقد أحسن المشرع صنعا عندما أضاف المادة 22 مكرر بموجب القانون رقم 10-06السالف الذكر، حيث ألزمت الأعوان الاقتصاديين بإيداع تركيبة أسعار السلع والخدمات محل تدابير تحديد أو تسقيف هوامش الربح أو الأسعار، أو كانت محل تدابير تصديق على الهوامش والأسعار لدى السلطات المؤهلة قبل البيع أو تأدية الخدمة.
اللافت أن المشرع قد اعتبر تقديم تصريحات مزيفة بأسعار التكلفة بغرض التأثير على هوامش الربح وأسعار السلع والخدمات المحددة أو المسقفة من صور جرائم ممارسة أسعار غير شرعية، وهو الحكم ذاته الذي ينطبق على القيام بممارسة أو مناورة تستهدف إخفاء زيادات غير شرعية في الأسعار ، وعلاوة على ذلك أضاف القانون رقم 10-06 السالف الذكر صورا أخرى تندرج ضمن ممارسة أسعار غير شرعية. ()
الفرع الثاني: الممارسات التجارية التدليسية و غير النزيهة.
يعد تحقيق الربح المناط الأساس في نطاق حرية التجارة والصناعة ، إذ يحاول كل عون اقتصادي أن يحتكر و يستزيد من العملاء بغية تصريف سلعه و خدماته وذلك إما بالاحتفاظ بعملائه المعتادين أو اجتذاب عملاء جدد هم في الواقع زبائن للأعوان المنافسين ، ولا ضير في ذلك لان الحياة التجارية تقوم على المنافسة المشروعة والشريفة التي تقوم على النزاهة و احترام قواعد لعبة المنافسة المتعارف عليها في الوسط التجاري .
بالمقابل يلجأ البعض إلى وسائل منافية للعرف التجاري ، والتي تؤدي إلى المساس بالأعوان الاقتصاديين أو بالبيئة التجارية ، إذ من شان الأثر الأول إلحاق الضرر بالفئة المنافسة بأي صورة من صور المنافسة غير المشروعة التي تتنافى مع الاستقامة و الإبداع و العادات التجارية أو المخالفة للشرف المهني في صورة الادعاءات الكاذبة التي تمس بالعون الاقتصادي في تجارته او شخصه ، و التي تعد من قبيل العمل الغير مشروع الذي يرتب مسؤولية المعتدي عن التعويض و هي التي عبر عنها المشرع الجزائري بالممارسات الغير نزيهة، و عدد بعض صورها على سبيل المثال لا الحصر في نص المادتين 27 و 28 من القانون 04-02 السابق الذكر.
فيما أن المساس بالقواعد التجارية سماه الممارسات التدليسية التي إن لم تؤثر على الأعوان المنافسين بضرر مباشر فان أثارها على النظام القانوني للمنافسة لا يقل خطورة لما يرتبه من سلبيات على النظام الاقتصادي وتحسبا لذلك اتخذ المشرع الجزائري آليات عديدة في سبيل تحقيق ممارسات تجارية نزيهة ،أخذت مجالا قانونيا أوسع من مجال تحقيق شفافية الممارسات التجارية في ظل التأطير القانوني لها .إذ أفرد الباب الثالث من القانون 04-02 ضمن 5 فصول و خص الفصل الثالث للممارسات التدليسية ،هذه الأخيرة جاءت ضمن مادتين على التوالي المادة 24 و المادة25 ()، عندما جرم المشرع هذه الممارسات، وحدد صورها على سبيل الحصر، والمتمثلة فيما يأتي :
أ- دفع أو استلام فوارق مخفية للقيمة.
ب- تحرير فواتير وهمية أو فواتير مزيفة.
ج- إتلاف الوثائق التجارية والمحاسبية و إخفائها أو تزويرها بغرض إخفاء الشروط الحقيقية للمعاملات التجارية، من أجل التهرب الضريبي.
فضلا على ما سبق تدخل في دائرة الممارسات التجارية التدليسية كل حيازة لمنتوجات مستوردة أو مصنعة بصفة غير قانونية، وكذا حيازة العون الاقتصادي لمخزون من المنتوجات من أجل رفع أسعارها، أو يكون خارج موضوع تجارته القانونية المحددة في السجل التجاري وذلك بهدف بيعها. ()
الفرع الثالث:. الممارسات التعاقدية التعسفية.
يعد شرطا تعسفيا كل بند أو شر بمفرده أو مشتركا مع بند واحد أو عدة بنود أو شروط أخرى من شأنه الإخلال الظاهر بالتوازن بين حقوق وواجبات أطراف العقد المبرم بين الأعوان الاقتصاديين أو في علاقتهم المستهلكين، سواء انصب موضوع هذا الأخير على بيع سلعة أو تأدية خدمة. ()
أدرج المشرع الجزائري في القانون 04-02 فصلا كاملا للممارسات التعاقدية التعسفية ضمن مادتين ،فصل في إحداهما و هي المادة 29 في مضمون الشروط التعسفية ، واتبعها بالمادة 30، التي عرفت تفصيلا موسعا بموجب المرسوم التنفيذي رقم 06-306 المحدد للعناصر الأساسية للعقود المبرمة بين الأعوان الاقتصاديين والمستهلكين و البنود التي تعتبر تعسفية() ، و بناء على تحليل نصوص هذا الأخير ، يمكن استنتاج الضوابط القانونية لإضفاء التجريم على الممارسات التعاقدية بان تصبح تعسفية تخضع للعقاب وذلك بتوافر مايلي :
- أن تظهر الممارسة في صورة اتفاق أو اتفاقية بين البائع والمستهلك بهدف بيع سلعة أو تأدية خدمة.
- أن يكون الاتفاق أو الإتفاقية محررا مسبقا.
- أن يترتب عن الاتفاق أو الإتفاقية إذعان المستهلك. ()المبحث الثاني: آليات مكافحة الجرائم الماسة بشفافية و نزاهة الممارسات التجارية.
يتسع السوق بالقدر الذي يسمح فيه للأعوان الاقتصاديين بممارسة فعلية للمنافسة وفقا لمقتضيات القانون، وهو ما ينعكس إيجابا على تكريس الشفافية و النزاهة وزيادة الفعالية الاقتصادية وتحسين ظروف معيشة المستهلكين .وهي الأهداف المسطرة ضمن الأطر العامة لمجال الممارسات التجارية سواء بالنسبة للعلاقة بين الأعوان الاقتصاديين فيما بينهم أو بينهم وبين المستهلكين، الأمر الذي يحتاج إلى آليات فعالة تحد من المخالفات من خلال هيئات ذات سلطات واسعة وأحكام قانونية ذات مضامين وغايات متعددة. ()
الأمر الذي دفع بالمشرع الجزائري إلى توزيع الأدوار بين أجهزة وسلطات متباينة في المهام ،متكاملة في السلطات في محاولة لسد أغلب المنافذ التي تتسرب من خلالها الجرائم الماسة بالممارسات التجارية كونها تنتعش في مجال متعدد الحدود (السوق )،وبالتالي تتطلب تنوعا في الوسائل الإدارية والقضائية.
المطلب الأول: إجراءات التحري عن الجرائم الماسة بشفافية و نزاهة الممارسات التجارية.
في إطار قمع جرائم الممارسات التجاریة یؤهل مجموعة من الموظفون للقیام بمعاینة المخالفات (فرع أول)، هؤلاء الموظفين المؤهلين حددت لهم مهام سنتطرق لها في الفرع الثاني ، أحيانا يجد الموظفون المؤهلون للقيام بالتحقيق عراقيل تمنعهم من ممارسة عملهم ،سنذكرها في الفرع الثالث من هذا المطلب تحت مسمى " معارضة التحقيق الإداري".
الفرع الأول: الأعوان المؤهلون لمعاينة مخالفات الممارسات التجارية.
الواقع أن المشرع قد حدد على سبيل الحصر الجهات المخولة قانونا للقيام بالتحقيقات ومعاينة المخالفات المتعلقة بالممارسات التجارية ، و قد نصت المادة 49 من قانون الممارسات التجارية على ما يلي: " في إطار تطبيق هذا القانون، يؤهل للقيام بالتحقيقات ومعاينة مخالفات أحكامه، الموظفون الآتي ذكرهم:
- ضباط و أعوان الشرطة القضائية المنصوص عليهم في قانون الإجراءات الجزائية.
-المستخدمون المنتمون إلى الأسلاك الخاصة بالمراقبة التابعون للإدارة المكلفة بالتجارة.
- الأعوان المعنيون التابعون لمصالح الإدارة الجبائية.
- أعوان الإدارة المكلفة بالتجارة المرتبة في الصنف 14 على الأقل المعنون لهذا الغرض." ()
1- ضباط وأعوان الشرطة القضائية: لقد أتاح المشرع لهذه الفئة صلاحية القيام بمهام المراقبة، شريطة تمتعهم بهذه الصفة، والملاحظ أن المادتين 15 و 19 من القانون رقم 19-10 المؤرخ في11 ديسمبر 2019 المعدل والمتمم لقانون الإجراءات الجزائية()، قد حددتهم على سبيل الحصر، وهم:
- ضباط الشرطة القضائية طبقا للمادة 15 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل : تنص المادة 15 من قانون الإجراءات الجزائية في تعديله الأخير لسنة 2019 على أنه يتمتع بصفة ضابط الشرطة القضائية كل من :
- رؤساء المجالس الشعبية البلدية.
- ضباط الدرك الوطني.
- الموظفون التابعون للأسلاك الخاصة للمراقبين، ومحافظي وضبا الشرطة للأمن.
- ضباط الصف الذين أمضوا في سلك الدرك الوطني ثلاث سنوات على الأقل، وتم تعيينهم بموجب قرار مشترك صادر عن وزير العدل، حافظ الأختام، و وزير الدفاع الوطني، بعد موافقة لجنة خاصة.
- مفتشوا الأمن الوطني الذين قضوا في خدمتهم بهذه الصفة 3 سنوات على الأقل، و عينوا بقرار مشترك بين وزير العدل ووزير الداخلية، و بعد موافقة لجنة خاصة.
-ضباط وضباط الصف التابعين للأمن العسكري، الذين يعينون بقرار مشترك بين وزير العدل ووزير الدفاع الوطني. ()
2- أعوان الضبط القضائي: تنص المادة 19 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل سنة 2019 على أنه " يعد من أعوان الضبط القضائي، موظفو مصالح الشرطة وضبط الصف في الدرك الوطني و مستخدمو المصالح العسكرية للأمن الذين ليست لهم صفة ضبا الشرطة القضائية".
لا تفوتنا الإشارة في هذا الصدد أن القانون رقم 19-10 المتضمن تعديل قانون الإجراءات الجزائية قد ألغى المواد 15 مكرر1، والمادة 15 مكرر2، من هذا القانون المستحدثة سنة 2017 ، وكذا المادة 15 مكرر التي حصرت مهام الشرطة القضائية لضباط وضباط الصف التابعين للمصالح العسكرية للأمن في الجرائم الماسة بأمن الدولة المنصوص عليها في قانون العقوبات، الأمر الذي قيد دورها في البحث والتحري عن الجرائم الأخرى بما فيها الجرائم المتعلقة بالممارسات التجارية، وقد أحسن المشرع صنعا بمسلكه هذا، على اعتبار أن توسيع مجال الاختصاص لهذه الفئة من شأنه تعزيز دور الضبطية القضائية في معالجة كافة الجرائم.
3- أعوان مصالح الإدارة المكلفة بالتجارة: في إطار تطبيق القانون رقم 04- 02 السالف الذكر،يؤهل للقيام بالتحقيقات ومعاينة المخالفات المتعلقة بالممارسات التجارية، المستخدمون المنتمون إلى الأسلاك الخاصة بالمراقبة التابعون للإدارة المكلفة بالتجارة، ومن المفيد التنويه أنه بتفحص القوانين الأساسية لمستخدمي التجارة، نجد أن المشرع الجزائري قد حدد هذه الفئة، وهو ما يتجلى من خلال أحكام المرسوم التنفيذي رقم 09-415 المؤرخ في 16 ديسمبر 2009 المتضمن القانون الأساسي الخاص المطبق على الموظفين المنتمين للأسلاك الخاصة بالإدارة المكلفة بالتجارة()، ولاسيما المادة الثالثة منه ، التي أدرجت الأسلاك المنتمية إلى شعبة قمع الغش و كذا شعبة المنافسة والتحقيقات الاقتصادية ضمن
الأسلاك الخاصة بالإدارة المكلفة بالتجارة، حيث تضم الشعبة الأولى كل من سلك مراقبي قمع الغش،
وسلك محققي قمع الغش وكذا سلك مفتش ي قمع الغش، أما الشعبة الثانية فتضم كل من سلك مراقبي المنافسة والتحقيقات الاقتصادية، فضلا عن سلك محققي المنافسة والتحقيقات الاقتصادية، وكذا سلك مفتشي المنافسة والتحقيقات الاقتصادية. ()
4- أعوان مصالح الإدارة الجبائية: علاوة عن الجهات السابق الإشارة إليها، اعترف المشرع بسلطة الأعوان المعنيون التابعون لمصالح الإدارة الجبائية في القيام بالتحقيقات ومعاينة المخالفات، وفقا لما يخوله لهم القانون، ولا تفوتنا الإشارة في هذا الإطار إلى أن المرسوم التنفيذي رقم 10-299() المؤرخ في 29 نوفمبر 2010 ، يتضمن القانون الأساسي الخاص بالموظفين المنتمين للأسلاك الخاصة بالإدارة الجبائية، قد حدد الأسلاك الخاصة بالإدارة الجبائية بموجب نص المادة الثالثة منه، و المتمثلة فيما يأتي:
- سلك مفتش ي الضرائب.
- سلك مراقبي الضرائب.
- سلك أعوان المعاينة.
- سلك المحللين الجبائيين.
- سلك المبرمجين الجبائيين. ()
على أية حال يظهر تدخل أعوان الإدارة الجبائية من خلال التحصيل ومراقبة الضرائب والسهر على تطبيق التشريع والتنظيم الجبائيين في مجال الممارسات التجارية، لاسيما فيما يتعلق بالجرائم المتعلقة بالفاتورة على وجه الخصوص، مع ملاحظة أن هذه المهمة موكلة لسلك مفتش ي الضرائب و مراقبي الضرائب وكذا أعوان المعاينة على وجه الخصوص.
5- أعوان الإدارة المكلفة بالتجارة من الصنف 14 على الأقل المعينون لهذا الغرض: بتفحص أحكام المرسوم التنفيذي رقم 09-415 السالف الذكر، يتضح أن المنظم الجزائري قد أوكل مهام المراقبة لأعوان التجارة المرتبون في الصنف 13 على وجه الخصوص، لكنه لم يكتف بتلك الفئة فقط وإنما أقر إمكانية تعيين أعوان من الإدارة المكلفة بالتجارة المرتبون في الصنف 14 فما فوق للقيام بالتحقيقات ومعاينة المخالفات المتعلقة بالممارسات التجارية، ويندرج هؤلاء ضمن رتبة مفتش قسم ورئيس مفتش رئيسي في شعبة قمع الغش، وذلك إضافة إلى المهام الرئيسية المنوطة بهم والمتمثلة أساسا في البحث عن أية مخالفة لأحكام التشريع والتنظيم المعمول بهما، ومعاينتها وأخذ عند الاقتضاء الإجراءات التحفظية المنصوص عليها في مجال قمع الغش كما يمكنهم المساهمة في مسار التحاليل والدراسات الخصوصية، وكذا التحقيقات المتعلقة بمطابقة المنتوجات، فضلا عن التعاون مع الجهات القضائية المختصة ومساعدتها في معالجة ملفات المنازعات، والمشاركة في إعداد وتنفيذ برامج التدخلات القطاعية وما بين القطاعات، وذلك تطبيقا للمادة 40 من المرسوم التنفيذي رقم 09-415السالف الذكر().
بهذه المثابة يبدو أن المشرع الجزائري قد أناط مهام التحقيقات ومعاينة المخالفات المتعلقة بالممارسات التجارية إلى جهات محددة على سبيل الحصر في صلب المادة 49 من القانون رقم 04-02 السالف الذكر، وبالتالي يتعين على كل عون اقتصادي الخضوع للمراقبة من طرف هؤلاء تحت طائلة التعرض للعقوبات المقررة لذلك، ولا يمكنهم التذرع بعدم معرفتهم لصفتهم على اعتبار أن الفقرة الثالثة من المادة نفسها قد ألزمت الموظفين المؤهلين السابق ذكرهم ببيان وظيفتهم و أن يقدموا تفويضهم بالعمل. ()
الفرع الثاني: مهام الأعوان المؤهلين للمعاينة و التحقيق في مخالفات الممارسات التجارية.
خول المشرع الجزائري بموجب القانون 04-02 المحدد للقواعد المطبقة على الممارسات التجارية، الموظفون المؤهلون للقيام بمهام المعاينة وفقا للمادة 50 منه صلاحيات وسلطات واسعة تتمثل في:
أولا- حق الاطلاع على الوثائق: طبقا لنص المادة 50 من القانون 04-02 ()السالف الذكر : يمكن للموظفين المؤهلين القيام بتفحص كل المستندات الإدارية أو التجارية أو المالية أو المحاسبية، و كذا أي وسائل مغناطيسية أو معلوماتية دون أن يمنعوا من ذلك بحجة السر المهني، و يمكنهم أن يشترطوا استلامها حيثما وجدت و القيام بحجزها.
تحرر حسب الحالة محاضر الجرد أو محاضر إعادة المستندات المحجوزة و تسلم نسخة من المحاضر إلى مرتكب المخالفة.
ثانيا- الحق في تفتيش المحلات المهنية و فتح الطرود:لقد منح المشرع الجزائري الموظفين المؤهلين لمعاينة المخالفات بموجب نص المادة 52 من القانون 04-02 حرية الدخول إلى المحلات التجارية وزيارة المكاتب و الملحقات، و أماكن الشحن أو التخزين و بصفة عامة إلى أي مكان باستثناء المحلات السكنية التي يتم دخولها طبقا للأحكام قانون الإجراءات الجزائية، كما يمكن للموظفين أثناء أداء مهامهم فتح الطرود.
نستنتج أنه من أجل التسريع في الكشف عن مخالفات المتعلقة بالممارسات التجارية لم يشترط إذن وكيل الجمهورية أو قاض ي التحقيق و استظهار الإذن فلم يخضع المشرع تفتيش المحلات التجارية و توابعها إلى هذه الإجراءات نظرا لخصوصية هذه المخالفات التي تتسم بالسرعة إلا أن المشرع ألزم عليهم أن يبينوا وظيفتهم و أن يقدموا تفويضهم بالعمل. ()
ثالثا- تحرير المحاضر و تقارير التحقيق : تختتم التحقيقات المنجزة بتقارير تحقيق، أما تثبيت المخالفات فيكون عن طريق تحرير محاضر، وفقا لما نصت عليه المواد من 55إلى 59 من القانون 04-02 المطبق على الممارسات التجارية، فقد حددت هذه المواد شروط شكلية للمحاضر و تقارير التحقيق، حيث أوجب تحريرها دون شطب أو إضافة أو قيد في الهوامش، و تواريخ و أماكن التحقيقات المنجزة و المعاينات المسجلة، و تتضمن هوية وصفة الموظفين الذين قاموا بالتحقيقات و تبين هوية مرتكب المخالفة أو الأشخاص المعنيين بالتحقيقات و نشاطاتهم وعناوينهم و تصنف المخالفة حسب القانون و تستند عند الاقتضاء إلى النصوص التنظيمية المعمول بها كما تبين العقوبات المقترحة من طرف الموظفين الذين حرروا المحضر عندما يمكن أن تعاقب المخالفة بغرامة المصالحة، و في حالة الحجز تثبت في المحاضر و ترفق بها وثائق جرد المنتجات المحجوزة، تحرر المحاضر وجوبا في ظرف 9 أيام ابتداء من تاريخ نهاية التحقيق وفقا لنص المادة 32 ، توقع المحاضر وجوبا من طرف الموظفين الذين عاينوا المخالفة و تك ون تحت طائلة البطلان إن لم يوقعوا عليها، و يجب أن يبين في المحاضر بأن مرتكب المخالفة قد تم إعلامه بتاريخ و مكان تحريرها و تم إبلاغه بضرورة الحضور أثناء التحرير، وعندما يتم تحرير المحضر في غياب المعني أو في حالة حضوره و عدم التوقيع أو معارضة غرامة المصالحة المقترحة، يقيد ذلك في المحضر.
نستخلص أن المحاضر و تقارير التحقيق حجية قانونية حتى يطعن فيها بالتزوير، فعبئ إثبات البراءة تقع على عاتق المخالف و ذلك بالطعن في هذه المحاضر و إثبات عكس ما هو مدون فيها،وبالرجوع لأحكام القانون 04-02 نجد أن المشرع لم يترك القاضي الجزائي سلطة تقدير الدليل، نظرا لما يفترضه القانون في الموظفين المؤهلين من ثقة و أمانة ، و بهذا قد خص المشرع الجزائري في هذه المحاضر بقوة ثبوتية غير مألوفة في القانون العام ، يتم تسجيل المحاضر و تقارير التحقيق في سجل خاص لهذا الغرض، مرقم و مؤشر عليه حسب الأشكال القانونية. ()
رابعا- تبليغ المحاضر: تبلغ المحاضر المثبتة طبقا للمادة 55 فقرة 2 من القانون04-02 السالف الذكر إلى المدير الولائي المكلف بالتجارة و الذي يرسلها إلى وكيل الجمهورية المختص إقليميا، و إذا تبين للمدير الولائي المكلف بالتجارة أن عناصر المخالفة متوفرة فإن المادة 60 فقرة 2 من نفس القانون بينت إمكانيته إجراء المصالحة مع الأعوان الاقتصاديين المخالفين إذا كانت المخالفة المعاينة في حدود غرامة تقل أو تساوي مليون دينار استنادا إلى المحضر المعد من طرف الموظفين المؤهلين، وفي حالة ما إذا كانت المخالفة المسجلة في حدود غرامة تفوق مليون دينار وتقل عن ثلاثة ملايين دينار، يمكن للوزير المكلف بالتجارة أن يقبل من الأعوان الاقتصاديين المخالفين بمصالحة،استنادا إلى المحضر المعد من طرف الموظفين المؤهلين و المرسل من طرف المدير الولائي المكلف بالتجارة.
أما إذا كانت المخالفات المسجلة تفوق ثلاثة ملايين دينار ،فإن المحضر المعد من طرف الموظفين المؤهلين يرسل مباشرة من طرف المدير الولائي المكلف بالتجارة إلى وكيل الجمهورية المختص إقليميا قصد المتابعة القضائية. ()
الفرع الثاني: معارضة التحقيق الإداري.
أحيانا يجد الموظفون المؤهلون للقيام بالتحقيق عراقيل تمنعهم من ممارسة عملهم بالرغم من أنه يتم ضمن الإطار القانوني، حرص المشرع على تبيان الأفعال التي من شأنها تشكل معارضة و التي تظهر بعدة مظاهر أو صور، بينها المشرع من خلال نص المادة 54 من القانون 04-02 المطبق على الممارسات التجارية، حيث يعتبر كمعارضة للمراقبة الأفعال التالية و هي:
- رفض تقديم الوثائق التي من شأنها السماح بتأدية مهامهم.
- منع الموظفين من الدخول الحر لأي مكان غير محل السكن.
- رفض الاستجابة عمدا لاستدعائهم
- توقيف عون اقتصادي لنشاطه، أو حث أعوان اقتصاديين آخرين على توقيف نشاطهم قصد التهرب من المراقبة و استعمال المناورة للمماطلة أو العرقلة بأي شكل إنجاز التحقيقات.
- إهانتهم و تهديدهم أو كل شتم أو سب اتجاههم.
- إرتكاب العنف أو التعدي الذي يمس بسلامتهم الجسدية أثناء تأدية مهامهم، أو بسبب وظائفهم. ()
المطلب الثاني: العقوبات المقررة للجرائم الماسة بشفافية و نزاهة الممارسات التجارية.
لم يتردد المشرع الجزائري في توكيل جانب من المهام إلى القضاء الذي خوله صلاحية تطبيق نصوص قانون المنافسة وقانون الممارسات التجارية لضمان التصدي إلى المخالفات التي تطالها بالاعتماد على السلطات التي مكنه منها القانون،وباعتبار أن جرائم الممارسات التجاریة هي جنح قرر لها المشرع عقوبات أصلیة وأخرى تكمیلیة.
الفرع الأول: العقوبات الأصلية.
الغرامة معناها إلزام المخالف المحكوم علیه بدفع مبلغ من المال لصالح خزینة الدولة مقدار في الحكم القضائي .
والغرامة عقوبة مالیة أصلیة في جرائم الممارسات التجاریة نظرا لأن المخالف یهدف إلى الربح السریع فیعاقبه المشرع بنقیض قصده بفرض غرامات مالیة علیه، وقد لجأ المشرع إلى نوعین من الغرامات، غرامات محددة وأخرى نسبیة .
أولا - الغرامات المحددة : فبالنسبة للغرامة المحددة وهي تلك التي یضع المشرع لها حدا أدنى وأقصى، وقد أخد بها المشرع بالعقاب على عدم الإعلام بالأسعار والتعریفات بغرامة من خمسة آلاف
دینار إلى مائة ألف دینار.
وعاقب على جریمة عدم الإعلام بشروط البیع بغرامة من عشرة آلاف دینار إلى مائة ألف دینار وعاقب على الممارسات التجاریة غیر الشرعیة بغرامة مالیة من ملیون دینار إلى ثلاث ملایین دینار
والممارسات التجاریة غیر النزیهة بـ خمسة آلاف دینارإلى خمسة ملایین دينار
ویعاقب على ممارسة أسعار غیر شرعیة بغرامة عشرين ألف إلى عشرة ملایین دينار()
و أما العقوبة المقررة للمعارضة فتتمثل في غرامة تتراوح قيمتها ما بين مائة ألف دينار و مليون دينار. ()
في حال صدور حكم نهائي بالغرامة یصدر وكیل الجمهوریة أمرا بالتحصیل وینفّد هذا الأمر بالقوة العمومیة وتحت طائلة الإكراه البدني، وتكون هذه الغرامات مضاعفة في حالة العود.
ثانيا - الغرامات النسبية : إذا كانت الغرامة المحددة لا تطرح أي إشكال، فالغرامة النسبیة تطرح عدة إشكالیات ،وقد نص علیها المشرع بالنسبة لجریمة عدم الفوترة حیث یعاقب علیها بعقوبة تقدر بـ % 80 من المبلغ الذي یجب فوترته مهما بلغت قیمته .
والملاحظ أن هذا النوع من الغرامات یتعارض مع مبدأ شرعیة العقوبة المنصوص علیه في قانون العقوبات حیث انّه استنادا لهذا المبدأ أن النص القانوني لابد أن یحدد الجریمة والعقوبة تحدیدا نافیا للجهالة بحیث لا یسمح بأي قیاس من القاضي .
ولما تكون الغرامة في شكل نسبة فهذا مخالف لشرعیة العقوبة بحیث یجب أن تكون محددة بدقة، لأن الخطأ في حساب الغرامة یؤدي إلى عدة نتائج. ()
ثالثا- العقوبة السالبة للحرية: تتمثل في الحبس الذي لا يمكن أن تقل مدته عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنتين،وقد حصر المشرع نطاق تطبيقها في بعض جرائم الممارسات التجارية غيرالمشروعة ، والمتمثلة في جرائم العود، وحالة معارضة الأعوان الاقتصاديين للمراقبة، إلا أنه لم يوفق في تحديد حالات تطبيقها، وكان حريا به إلغائه في المخالفات الاقتصادية، والإبقاء عليه في الجرائم التي تنصب على إهانة وتهديد أو سب وشتم الأعوان المكلفين بالمراقبة، فضلا عن حالات استعمال العنف والتعدي على أعوان المراقبة أو المناورة وعرقلة المراقبة بالعنف. ()
الفرع الثاني: العقوبات التكميلية.
و یقصد بها تلك العقوبات التي یحكم بها القاضي تكملة للعقوبات الأصلیة وقد نصّ المشرع على عقوبات تكمیلیة فیما یخص جرائم الممارسات التجاریة وهي المصادرة والغلق ونشر الحكم.
أولا- المصادرة: وهي الأیلولة النهائیة للمال للدولة حیث جعل منها المشرع عقوبة تكمیلیة جوازیة في قانون الممارسات التجاریة، حیث أجاز للقاضي الحكم بمصادرة السلع المحجوزة ، فقد مكن القاضي من حجز السلع والمواد والعتاد والتجهیزات التي استعملت في ارتكاب الجریمة.
فإذا كانت المصادرة تتعلق بالسلعة موضوع الحجز تسلم هذه المواد إلى إدارة أملاك الدولة التي تقوم ببیعها بالمزاد العلني، أما إذا كان الحجز اعتباریا تكون المصادرة على قیمة المواد المحجوزة بكاملها أو جزء منها، وعندما یحكم القاضي بالمصادرة تصبح مبلغا مكتسبا للخزینة.
و إذا رجعنا إلى قانون العقوبات والذي یعتبر الأصل في تطبیق العقوبات نجد أنه فیما یخص المصادرة وفي حالة الإدانة لارتكاب جنحة أو مخالفة یؤمر وجوبا بمصادرة الأشیاء إذا كان القانون ینصّ صراحة، مع مراعاة الغیر حسن النیة.
والملاحظ أن المشرع في قانون الممارسات التجاریة فیما یخص المصادرة یتعارض وقانون العقوبات حیث یظهر أن المصادرة وجوبیة في قانون العقوبات وجوازیة في قانون الممارسات التجاریة ، وتطبیقا لقاعدة الخاص یقید العام فالقاضي عند الفصل في قضیة موضوعها جریمة من جرائم الممارسات التجاریة یحكم استنادا لقانون الممارسات التجاریة .
إن عقوبة المصادرة كعقوبة تكمیلیة مالیة لا یمكن إنكار دورها في تحصیل الأموال لصالح الخزینة العمومیة ودورها في تحقیق الردع العام والخاص كعقوبة الغرامة لذلك كان على المشرع أن یتفادى هذا التعارض ویأمر بالحكم بها وجوبا على غرار التشریعات المقارنة.
ثانیا- الغلق: ویقصد به منع المحكوم علیه من ممارسة ذات العمل الذي كان یمارسها بغلق الحل الذي يزاول نشاطه فیه وعلة هذا المنع هو عدم السماح للمحكوم علیه من الاستعانة مرة أخرى بظروف العمل في المحل وارتكاب جرائم جدیدة وذلك عن طریق إقفال ذلك المحل.
وهي عقوبة تكمیلیة نص المشرع علیها في قانون العقوبات ، یحكم بها القاضي تكملة للعقوبات الأصلیة، أما في قانون الممارسات التجاریة فقد نص المشرع علیه باعتباره عقوبة إداریة أو جزاء إداري حیث مكنّ الوالي المختص إقلیمیا، بناء على اقتراح من المدیر الولائي المكلف بالتجارة أن یتخذ بموجب قرار إجراءات غلق إداریة للمحلات لمدة أقصاها ستّون یوما.
وقرار الغلق باعتباره قرار إداري یكون قابلا للطعن أمام الجهات القضائیة المختصة.
من هنا یمكن القول أنه یوجد خلط لدى المشرع فیما یخص هذه العقوبة، فالأصل أنها عقوبة تكمیلیة یحكم بها القاضي الجزائي، غیر أنه فیما یخص الممارسات التجاریة اعتبر الغلق جزاء إداري یطبق من الوالي .
ثالثا- نشر الحكم:وهو من العقوبات التكمیلیة المعنویة التي تهدف إلى المساس بسمعة المخالف وقد نص علیها المشرع في قانون العقوبات حیث أذن للقاضي الحكم به لما یكون الحكم بالإدانة فینشر الحكم في جریدة أو أكثر یعینها القاضي وتعلیقه في الأماكن التي یبینها تحت نفقة المحكوم علیه، وقد جعلها المشرع عقوبة تكمیلیة جوازیة .
وقد نصّ علیها قانون الممارسات التجاریة بحیث مكّن الوالي المختص إقلیمیا وكذا القاضي أن یأمرا على نفقة مرتكب الجریمة بنشر قراراتهما كاملة أو خلاصة منها في الصحافة الوطنیة أو لصقها بأحرف بارزة في الأماكن التي یحددانها. ()الخاتمة:
إن الدخول في اقتصاد السوق وتبني مبدأ المنافسة الحرة ، قد ينتج عنه انعكاسات سلبية على السوق،تتمثل في ظهور انتهاكات لهذه الحرية قصد الوصول إلى احتكار السوق التنافسية، مما دفع بالدول و من بينها الجزائر إلى خلق آليات قانونية للتصدي لهذه الانتهاكات للمحافظة على حرية المنافسة في السوق ،ومن بين هذه الانتهاكات تلك التي تمس بشفافية و نزاهة الممارسات التجارية.
و قد سعينا من خلال صفحات هذه الورقة البحثية ، تناول موضوع الجرائم الماسة بشفافية و نزاهة الممارسات التجارية في التشريع الجزائري ، في محاولة لتقييم مدى كفاية و جدوى النصوص التي جاء بها المشرع في تحقيق الفعالية الاقتصادية، و هو الموضوع الذي يعالج في شق منه واحدة من المسائل اليومية التي تعود عليها الأشخاص العاديون ، ضنا منهم أنها سلوكيات مشروعة حتى وان استهجنتها ضمائرهم ، فكيفوا معاملاتهم وفقا لها بدل تطويع هذه الأخيرة وفقا لمقتضيات القانون.
و على هذا الأساس تم إدراج مبادئ الشفافية و النزاهة وما تكفله من ضمانات بشكل خاص للمستهلك و بشكل مضاعف للعون الاقتصادي، إذ أن المشرع بإلزامه العون الاقتصادي إعلام المستهلك بالسلع و الخدمات و تحري النزاهة في المعلومات ، يكون قد ألقى على عاتقه واجب تدارك الفوارق في الخبرة بينه و بن المستهلك و أناط ذلك بحقه في الفوترة .
و لأن الممارسات التجارية لا تختل لمجرد ضعف المستهلك وقلة خبرته جاءت مبادئ النزاهة التي تجسدت في ثنايا القانون 04-02 ، لتكون المرجع في حظر مختلف الأفعال التي تعكس استغلال العون الاقتصادي لقوته الاقتصادية و احترافيته في السوق و تجاه نظرائه من الأعوان الاقتصاديين أيضا،حيث نظم المشرع الجزائري الممارسات الماسة بنزاهة الممارسات التجارية في خمسة فصول تندرج تحت الباب الثالث المعنون بـ "نزاهة الممارسات التجارية" من القانون المحدد للقواعد المطبقة على الممارسات التجارية، وتتمثل هذه الممارسات في الممارسات التجارية غير الشرعية، وممارسة أسعار غير شرعية، والممارسات التجارية التدليسية، والممارسات التجارية غير النزيهة، والممارسات التعاقدية التعسفية .
ومن أجل مكافحة وقمع هذه السلوكيات الماسة بشفافية و نزاهة الممارسات التجارية حرص المشرع على توزيع الصلاحيات بين جهات إدارية و الجهات القضائية، حيث نجد أن القانون 04-02 قد منح للإدارة صلاحيات واسعة تضمن لها التدخل في أي زمان و مكان، بواسطة الرقابة الدورية أثناء ممارسة هذه الأخيرة و التي غالبا ما تكلل بتحرير محاضر المخالفات و ذلك عن طريق الموظفين المؤهلين للقيام بمهام المعاينة و فرض جزاءات إدارية على المخالفين كحجز السلع و التصرف فيها أو الغلق الإداري، وهذا من أجل إرساء قواعد خاصة من شانها إعادة التوازن بين مصلحتين خاصتين مصلحة الأعوان الاقتصاديين و مصلحة المستهلكين من جهة، وما يمكن أن يحققه من مصلحة عامة من جهة أخرى .
كما اعتبر المشرع الجرائم الماسة بشفافية و نزاهة الممارسات التجارية جنح ،یعاقب علیها بمقتضى القانون رقم 04-02 المعدل والمتمم بالقانون 10-06، حیث أفرد مجموعة من العقوبات الأصلیة والتكمیلیة من أجل قمع هذه الجرائم ،و التي تم التطرق لها في صلب الموضوع.
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل البحث مع التهميش و الجاهز للطباعة يرجى النقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق