بحث حول : الاستثناءات أو الإعفاءات الواردة على مبدأ الحظر في قانون المنافسة
الاستثناءات أو الإعفاءات الواردة على مبدأ الحظر في قانون المنافسة
ملخص:
إن مبدأ حرية التجارة و الاستثمار الذي وضع أسسه المشرع الدستوري، ورفع أعمدته قانون المنافسة، يرتبط بالضرورة بقاعدة اعتماد مبادئ المنافسة الحرة، مع ضمان التوازن العام للسوق من خلال محاربة و حظر الممارسة المنافية لها ،التي تسعى إلى المساس بتلك الحرية وعرقلة المنافسة حسب السير الطبيعي لقاعدة العرض والطلب.
ولما كان حظر الاتفاقات الغير مشروعة يتوخى بالأساس وضع حد للتجاوزات التي من شأنها التأثير على التوازن العام للسوق، وبالتالي السهر على حسن سير آلياته، فإنه يمكن في ظروف خاصة التصريح بشرعية بعض هذه الاتفاقات، في الحالة التي لا تسعى فيه إلى المساس بحرية المنافسة، وهذا ما يظهر بشكل واضح من خلال مقتضيات المادة 9 من أمر رقم03 - 03المتعلق بالمنافسة.
وما تجدر الإشارة إليه بهذا الصدد هو أن إعفاء الممارسات المنافية للمنافسة على ضوء المادة 9 هو مجرد استثناء، لأن الأصل هو حرية المنافسة كما تؤكد على ذلك ديباجة القانون ولذلك لا يجب الخروج على هذا الأصل إلا بشكل ضيق وفي إطار الحالات التي حددها لنا المشرع.
الكلمات المفتاحية: المنافسة، الاتفاقات المحظورة، إعفاء الممارسات المنافية للمنافسة ،تقييد المنافسة، الحظر ، رفع الحظر.
Résumé:
Le principe de la liberté des échanges et des investissements, qui a été établi par le législateur constitutionnel, et ses piliers ont été soulevés par le droit de la concurrence, est nécessairement lié à la règle de l'adoption des principes de la libre concurrence, tout en assurant l'équilibre général du marché en combattre et interdire les pratiques qui lui sont contraires, qui visent à saper cette liberté.
Et comme l'interdiction des accords illégaux vise avant tout à mettre fin aux transgressions qui affecteraient l'équilibre général du marché, et donc à veiller au bon fonctionnement de ses mécanismes, il est possible dans des circonstances particulières de déclarer la légitimité de certains de ces accords, dans le cas où ils ne chercheraient pas à violer librement , et cela est clairement démontré par les dispositions de l'article 9 de l'ordonnance 03-03 relative à la concurrence.
Ce qu'il faut noter à cet égard, c'est que l'exemption des pratiques anticoncurrentielles à la lumière de l'article 9 n'est qu'une exception, car le principe est la liberté de concurrence, comme l'affirme le préambule de la loi. Par conséquent, ce principe ne doit pas être violé sauf dans un cadre étroit et dans le cadre des cas spécifiés pour nous par le législateur.
Mots-clés: Concurrence, accords interdits, exemption des pratiques anticoncurrentielles, restriction de la concurrence, interdiction, levée de l'interdiction.
مقدمة:
شهدت الجزائر في الآونة الأخيرة تحولات اقتصادية وسياسية هامة و حساسة ،وذلك بانتقالها من النظام الاشتراكي الذي يعتمد على احتكار الدولة للجانب الاقتصادي والتدخل المستمر في جميع الميادين ، إلى النظام الليبرالي الذي يعتمد على فتح المجال الاقتصادي ،و حتى السياسي أمام الأفراد و العمل على تكريس مبدأ المنافسة الحرة.
وفي هذا الإطار سعت الجزائر إلى إجراء إصلاحات اقتصادیة، أدت إلى بروز فرع قانوني جدید، هو قانون المنافسة، الذي تضمنه الأمر رقم 95-06 المتعلق بالمنافسة() ، الذي جاء لوضع قواعد و ضوابط المنافسة بدل التشریع القدیم المتعلق بالأسعار، الذي لمح فقط إلیها، بحیث تنص المادة الأولى منه على تنظیم وترقیة المنافسة الحرة، كما تبرز أهمیة هذا القانون في كونه یعتبر لبنة أساسیة في الانتقال من نظام یرتكز على الاقتصاد الموجه إلى نظام اقتصاد السوق، الذي تسود فیه حریة المبادرة الخاصة، إذ یعد من النصوص الرسمیة التي اعترفت ضمنیا بمبدأ حریة المبادرة قبل أن یكرسها دستور 1996 بصفة صريحة في المادة 37 و أكد عليها التعديل الدستوري لسنة 2020 ()في المادة 61 و التي تنص على: "حرية التجارة و الاستثمار و المقاولة مضمونة، و تمارس في إطار القانون".
ولما كانت حرية المنافسة واجبة الإعمال بموجب مبدأ حرية التجارة و الصناعة السابق الذكر ،فإنه يتعين إفساح المجال أمام كافة الأفراد و المؤسسات للقيام بالنشاط الاقتصادي الذي يرغبون فيه ،لكن فتح المجال الاقتصادي بصفة مطلقة سيؤدي لا محالة إلى القضاء علي المنافسة عن طريق استعمال شتي أشكال التواطؤ بين المؤسسات الاقتصادية تحت ما يعرف بالاتفاقات المحظورة ،التي اكتست اليوم أهمية كبيرة لاسيما و أن جميع المخالفات التي تقوم بها المؤسسات تتعلق بشكل أو بأخر بهذا النوع من الإتفاقات.
و سعيا من المشرع إلى حظر كل اتفاق مقيد للمنافسة أصدر تعديلا للأمر 03-03() بموجب القانون 08-12 ()،و القانون 10-05() أين وسع فيه من مجال الحظر ، وذلك بموجب المادة 06 من هذا الأمر، غير أن حظر الاتفاقات المقيدة للمنافسة ليس مبدأ مطلقا ،فهناك اتفاقات محظورة تمس بحرية المنافسة إلا أن المشرع استثناها من الحظر وقد أورد المشرع إستثنائين على مبدأ الحظر تم النص عليهما في المادة 09 من الأمر رقم 03-03 السالف الذكر، و هو ما سنقوم بدراسته و تحليله ضمن هذه الورقة البحثية، وفق المحاور التالية.
المحور الأول: مفهوم الاتفاقات المحظورة.
اعتبر المشرع الجزائري الاتفاقات المحظورة من الممارسات المنافية للمنافسة على اعتبار أنها تؤدي إلى المساس بحرية المنافسة في السوق، ومفهوم الاتفاق المحظور يستدعى منا التطرق إلى كل من تعريف الاتفاقات المحظورة )أولا)، و صور الاتفاقات المحظورة (ثانيا).
أولا - تعريف الاتفاقات المحظورة: لم يعرف المشرع الجزائري في المادة 06 من أمر رقم03-03 الاتفاقات المحظورة و إنما اكتفى بسرد الحالات التي تكون فيها الاتفاقات محظورة، وهو ما ذهب إليه المشرع الفرنسي أيضا ولقد نقل هذا النص حرفيا من قانون حرية الأسعار الفرنسي.وقد جاءت صياغة النص عامة تشمل الأعمال المدبرة والاتفاقيات و الاتفاقات الصريحة و الضمنية، لكن بشرط أن يكون هدفها الحاضر و المستقبلي منافي للمنافسة و هذا ما يتضح من خلال عبارة..... " تهدف أو يمكن أن تهدف." ....
غير أن هذه الحالات جاءت على سبيل المثال لا الحصر وذلك بالنظر إلى صياغة هذه المادة "...لاسيما عندما ترمي إلي" ... ،أي أن لمجلس المنافسة سلطة تقديرية في إضافة حالات أخري ،تتجسد فيها مثل هذه المعاملات باعتباره سلطة ضبط السوق. ()
ثانيا - صور الاتفاقات المحظورة: يلاحظ المادة 06 من الأمر 03-03 المعدل و المتمم ()، أنها لم تقم بحصر جميع الممارسات والاتفاقيات المقيدة للمنافسة بل أوردت مجموعة من الممارسات والأعمال الأكثر شيوعا في عالم الأعمال، والأكثر انتشار بين المنافسين التي قد ينجم عنها خطر المساس بالاقتصاد العام للدولة.
و التي تتمثل في ما يلي:
الاتفاقات التي تهدف إلى الحد من الدخول إلى السوق: باعتبار أن الاتفاقات تتجسد في شكل اتحادات وهي تشكل بنية خصبة لتحقيق الأرباح الاحتكارية الضخمة، فإن ذلك يغزي المنافسين غير أعضاء في الاتحاد أو التجمع إلى الدخول إلى السوق للاستفادة من الأرباح العالية ودخولهم بالطبع يهدد الاتحادات والتجمعات المهنية الأخرى لأنه سيؤدي إلى زيادة الإنتاج وتخفيض الأسعار.
وبالتالي انخفاض الأرباح والنصيب في السوق، الأمر الذي يتطلب من أعضاء الاتفاق اليقظة الدائمة في إقامة ما يسمى بالحواجز أمام أي منافس محتمل لدخول السوق، تهدف الاتفاقات التي يكون محلها منع اختراق السوق إلى وضع حواجز للحد من الدخول إلى السوق، على أي مؤسسة جديدة بحيث تبقى النية التنافسية للسوق ثابتة وغير قابلة للتغيير. ()
الاتفاق على اقتسام الأسواق أو مصادر التموين: تنص الفقرة 4 من المادة 06 من الأمر 03-03 المعدل والمتمم، على حظر الاتفاقات والممارسات التي تنطوي على تقسيم السواق السلع والخدمات إلى مناطق جغرافية أو مراكز توزيع معينة، مثل الاتفاقات بين منتجين متنافسين .
وعلى العموم تأخذ هذه الاتفاقات أشكالا عديدة، فقد يتفق المتنافسون على تقسيم السوق جغرافيا لتحديد منطقه أو حدود مكانية معينة لا يتم تجاوزها، سواء لتجار الجملة أو لبائعي التجزئة، كما قد يشمل الاتفاق تقسيم توزيع المبيعات على الأطراف على أساس فئات المستهلكين.
ويهدف تقاسم السوق إلى خفض المنافسة بين الأطراف المعنية بالاتفاق، ووفقا للخطة المتفق عليها، ولكن يكون الاتفاق في الغالب، على الإزالة الكاملة للمنافسة بين أطرافه وذلك بوقف المنافسة فيما بينهم في ذات السوق، وفي حالات أخرى لا يكون الاتفاق لإزالة تامة للمنافسة فيما بينهم لكن لتقييدها إلى مدى يسمح بالتعاون فيما بينهم أو لتكوين منافسة مقيدة فيما يتعلق بنوع معين من التجارة ، غير أنه في كلا الحالتين سوف يكون لهذا الاتفاق تأثير ضار بالمنافسة. ()
الاتفاقات التي تهدف إلى تحديد الأسعار: لقد جاء في الفقرة الخامسة من المادة 06 من الأمر 03-03 المعدل والمتمم، حظر الاتفاقات التي تهدف إلى عرقلة تحديد الأسعار حسب قواعد السوق بالتشجيع المصطنع لارتفاع الأسعار أو لانخفاضها.
وقد أكد المشرع الجزائري على هذه المسألة في القانون رقم 04-02 الذي يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية، حيث منع الممارسات التي من شأنها أن تؤدي إلى تصريحات مزيفة بأسعار التكلفة قصد التأثير على أسعار السلع أو الخدمات، غير الخاضعة لنظام حرية الأسعار، وكل مناورة ترمي إلى إخفاء زيادات غير شرعية في الأسعار.
ويقصد باتفاق تحديد الأسعار العقد أو التفاهم المشترك من مجموعة من المؤسسات، يرمي إلى تعطيل قوى السوق المنوط بها تحديد الأسعار، أي تعطيل قوى العرض والطلب على أن يتنازل التجار عن استقلالهم وسلطاتهم التقديرية في وضع الأسعار المناسبة. وإذا تم إثبات ذلك فتكون المخالفة محققة ولا تكون هناك حاجة إلى النظر في الأثر الذي يحدثه هذا الاتفاق على الأسعار ،أي سواء حقق التجار باتفاقهم النتيجة التي يسعون إليها أم باتفاقهم بالإنفاق طالما كان غرض الاتفاق تحديد الأسعار حيث منع القانون الجزائري هذا النوع من الممارسات. ()
تطبيق شروط غير متكافئة لنفس الخدمات تجاه الشركاء التجاريين: وهي الاتفاقات التي تبرم مثلا بين مصنع يتقدم بعقد بيع مشروط بقبول المشتري بأن يمتنع عن التعامل بسلع المنافسين الآخرين وتكون بأن يوافق المشتري على شراء منتوجات أو خدمات من بائع معين لفترة محددة على سبيل الحصر وهذا يقيد حرية المشتري في البحث عن مصادر تموين و تمويل بديلة للتزويد.
ويترتب على هذا التعامل الحصري منع كل أو بعض المتعاملين في السوق من المنافسة، فالمنتج الذي منع من مواصلة تجارته مع بعض تجار الجملة أو تجار التجزئة، بسبب أنهم قبلوا تعامل قصدي مع منتج آخر منافس، قد لا يجد بيع كافية أو متاحة لمنتجاته.
أما المشتري في تعامله الحصري ،فإن العقد يلزمه بشراء البضائع من منتج معين وهكذا تكون قدرة هذا المشتري حول المنافسة عن الجودة والسعر قد قيدت وعليه، فبقاء المشترون في هذه العقود يجعل التسعير التنافسي غير موجود. ()
إخضاع إبرام العقود مع الشركاء لقبول خدمات إضافية: تنص المادة 06 من الأمر 03-03 في فقرتها السادسة على حظر الاتفاقيات التي تهدف إلى إخضاع إبرام العقود مع الشركاء لقبول خدمات إضافية ليس لها صلة بموضوع هذه العقود سواء بحكم طبيعتها أو حسب الأعراف التجارية.
وهذه الاتفاقات تتجسد بموافقة طرف ما على بيع أحد المنتوجات شريطة أن يشتري المشتري منتوجا آخر مختلفا أو على الأقل يوافق على أنه لن يشتري ذلك المنتوج من أي مورد آخر. ()
السماح بمنح صفقة عمومية لفائدة أصحاب هذه الممارسات المقيدة : لم ينص قانون المنافسة لسنة 2003 على الاتفاقات المقيدة للمنافسة في مجال المناقصات والمزايدات، إلا بعد تعديل الأمر رقم 03-03 في سنة 2008 بموجب القانون 08-12 حيث تم إتمام المادة06 منه.
حيث قد يلجأ المتقدمين بعروضهم في المناقصات أو المزايدات إلى ممارسات من شأنها أن تقيد المنافسة الحرة للحد من الدخول إلى السوق أو لإخراج أحدهم منه كأن يقوم أصحاب العروض بتبادل المعلومات قبل إيداع عروضهم ويتفقوا على الجهة التي ستقدم العرض الأدنى والاتفاق حول تقديم عروض تمويهية ومضخمة طواعية، أو الاتفاقات التي تحدد الفائزين بالصفقة على أساس التناوب أو على أساس جغرافي أن الإثبات المباشر لمثل هذه الاتفاقات جد صعب ويتم إثباتها بشكل عام عن طريق اكتشاف التقييم المالي المعد من طرف مؤسسة في مقر مؤسسة أخرى على أن يثبت أنه تم إبلاغ التقييم المالي مسبقا قبل تاريخ إيداع العروض أو يتم ملاحظة تماثلات غير مبررة وتشابهات دقيقة بين عروض المؤسسات المتقدمة بعروضها لنفس المناقصة. ()
المحور الثاني: الاستثناءات الواردة عن حظر الاتفاقات في قانون المنافسة.
إنه رغم اعتبار الاتفاقات المحظورة غير قانونية إلا أنه يمكن في بعض الحالات رفع هذا الحظر عليها عندما يتعلق الأمر بالمصلحة العامة والتطور الاقتصادي وهي فكرة جاء بها القضاء الأمريكي وتم تسميتها بـ " قاعدة العقل" ،والمقصود بهذه القاعدة هو قيام السلطات المختصة، بتقييم السوق وتحليله، ثم تقوم بترخيص بعض الاتفاقات المحظورة، لأنها تؤدي إلى تطور اقتصادي، وهي قاعدة تم الأخذ بها في القانون الفرنسي. ()
إن حظر الاتفاقات المقيدة للمنافسة ليس مبدأ مطلقا ،فهناك اتفاقات محظورة تمس بحرية المنافسة إلا أن المشرع الجزائري استثناها من الحظر، تيمنا بالمشرع الفرنسي و الأمريكي، وقد أورد المشرع إستثنائين على مبدأ الحظر تم النص عليهما في المادة 09 من الأمر رقم 03-03 . ()
و تجدر الإشارة ، أن في كلا الاستثنائين يعود القرار لمجلس المنافسة الذي يتمتع بسلطات تقديرية مختلفة ففي الاستثناء الأول يجب على مجلس المنافسة أن يتأكد من أن الممارسات المقيدة للمنافسة المرتكبة نجمت فعلا عن تطبيق نص تشريعي أو تنظيمي اتخذ تطبيقا له وفي الاستثناء الثاني يجب على مجلس المنافسة التأكد بمساهمة هذه الاتفاقات في التطور الاقتصادي. ()
أولا - الاستثناء الناتج عن نص تشريعي أو تنظيمي :
لا يمكن إدانة اتفاق منافي للمنافسة إذا كان ناتج عن تطبيق نص تشريعي أو تنظيمي أتخذ تطبيقا لنص قانوني ،فيمكن لأصحاب هذه الممارسة تبرير مخالفتهم على أساس وجود نص تشريعي أو تنظيمي له.
مضمون الإعفاء الناتج عن نص تشريعي أو تنظيمي: حيث تنص المادة التاسعة في فقرتها الأولى على أنه " لا تخضع لأحكام المادتين السادسة و السابعة أعلاه الاتفاقات و الممارسات الناتجة عن تطبيق نص تشريعي أو نص تنظيمي اتخذ تطبيقا له..."
بمعنى يمكن لمرتكبي الممارسات المقيدة للمنافسة بما فيها الاتفاقات المحظورة تبرير مخالفاتهم على أساس وجود نص تشريعي أو تنظيمي يعفي من المتابعة، شرط أن تكون تلك النصوص قد اتخذت تطبيقا للقانون. فالمشرع خالف المبدأ المنصوص عليه في المادة 06 وهذا حماية للاقتصاد الوطني وإن كان المبدأ في قانون المنافسة هو حماية وترقية المنافسة في السوق إلا أنه يأتي في المرتبة الثانية. ()
شروط الإعفاء الناتج عن تطبيق نص تشريعي أو تنظيمي: يجب على مجلس المنافسة الحرص قبل منح ترخيص أن يقوم بالتأكد من وجود نص تشريعي وتنظمي يكرس الاستثناء من القاعدة العامة ومن ثم يجب أن يتأكد أن الممارسات المحظورة المرتكبة ناتجة حتما عن هذا النص.
التأكد من وجود نص تشريعي أو تنظيمي يكرس الإعفاء: لنتمسك بالاستثناء الناتج عن نص تشريعي أو تنظيمي ،يجب أن نتأكد من وجود هذا النص فعلا وأن يكون تفسيره تفسيرا دقيقا. كما يجب أن يكون النص المبرر للممارسات المقيدة للمنافسة ذو طبيعية تشريعية)قانون أو أمر(، أو تنظيمية )مرسوم تنفيذي، قرار إداري(.، وبالتالي النص المبرر لا يمكن أن يكون نصا تنظيميا مستقلا( مرسوما رئاسيا)
كما لا يمكن أن يكون نصا إداريا غير تنظيميا مثل المنشور أو رسالة إدارية ولا يمكن أن يكون موقفا إداريا مثل التشجيع أو الموافقة أو المجاملة، ولكي يتمكن مرتكبي الممارسة المقيدة للمنافسة من تبرير ممارستهم بالاستناد إلى نص، يجب أن تنتج هذه الممارسة عن النص مباشرة وبحد ذاته على أن يكون نصا تشريعيا أو نصا تنظيميا لائحيا اتخذ تطبيقا للنص التشريعي لا غير ، لذلك نلاحظ في بعض الأحيان أنه قد تقوم الحكومات بتبني سياسات اقتصادية أو اجتماعية لتحقيق أهداف معينة يمكن أن تتعارض مع سياسة دعم المنافسة الحرة، وهذا التعارض يتم إزالته باستثناءات تشريعية معينة لبعض الأنشطة من أجل الصالح العام.
أن تنتج الممارسات المحظورة مباشرة عن نص تشريعي أو تنظيمي: لقد حدد مجلس المنافسة الفرنسي والاجتهاد القضائي شرطا ثانيا مقتضاه أن تكون الممارسات المرتكبة نتيجة حتمية لتطبيق النص الذي أثار النزاع، بعبارة أخرى يجب أن يكون عامل تقييد المنافسة، ناتجا مباشرة عن هذا النص لكي لا تخضع الممارسة للحظر المنصوص عليه في المادة 06 من الأمر 03-03 السالف الذكر، ولتبرير اتفاق محظور يجب أن يكون هذا الأخير نتيجة مباشرة وحتمية لالتزام قانوني أنشأه النص التشريعي أو النص التنظيمي الذي اتخذ لتطبيقه. ()
ثانيا- الاستثناء المبرر بالتقدم الاقتصادي والتقني :
يتمثل الاستثناء الثاني في تبرير الاتفاق المقيد للمنافسة و إعفائه من العقوبة في مساهمة الاتفاق المحظور مساهمة فعالة في تحقيق التقدم الاقتصادي.حيث تنص المادة التاسعة من قانون المنافسة في فقرتها الثانية على أنه " ... يرخص بالاتفاقات و الممارسات التي يمكن أن يثبت أصحابها أنّها تؤدي إلى تطور اقتصادي أو تقني أو تساهم في تحسين التشغيل أو من شأنها السماح للمؤسسات الصغيرة و المتوسطة بتعزيز وضعيتها التنافسية في السوق ،ولا تستفيد من هذا الحكم سوى الاتفاقات و الممارسات التي كانت محل ترخيص من مجلس المنافسة ".
فالتطور الاقتصادي والتقني يتعلق بتحسين الإنتاجية و هذا عن طريق تخفيض التكاليف وتحسين ظروف التوزيع و التنسيق بين الاستثمارات و استعمال التكنولوجيا المتطورة ،ويتضح من خلال هذا النص أن المشرع أقر هذا الاستثناء لاعتبارات عديدة وكلها تؤدي إلى رفع مستوى المنتوج الوطني خلق فرص للعمل و تحسين مستوي المعيشة ، وتحسين الوضعية التنافسية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ()
الشروط العامة للإعفاء الناتج عن مساهمة الاتفاق في التقدم الاقتصادي و التقني: يجب أن يحتوي الاتفاق المقيد للمنافسة على فوائد مؤكدة للاقتصاد تفوق الأضرار والآثار السلبية الناجمة عنه، ويجب على هذا التقييد أن يفيد مستعملي المنتوجات والخدمات المعينة، إضافة إلى ذلك، ومن أجل الاستفادة من الإعفاء والتبرير ، يجب أن يكون التقييد المخل بالمنافسة لازما وضروريا من أجل الوصول إلى تحقيق غاية التقدم الاقتصادي، ولا يجب أبدا أن يصل الأمر إلى حد القضاء الكلي على المنافسة في السوق المعنية. ()
شروط الإعفاء المتعلقة بالآثار المفيدة التي يخلفها الاتفاق: يقصد بها مجموعة الشروط التي تثبت مساهمة الاتفاق في التقدم الاقتصادي ،والتي يجب أن تتوفر حتى تتيقن سلطة المنافسة من أحقية أطراف الاتفاق في الحصول على التبرير والإعفاء القانوني المنصوص عليه في قانون المنافسة ،ولا يعاقب الاتفاق المحظور بالضرورة خاصة إذا نجم عنه آثار مفيدة لاسيما في ما يتعلق بتحسين الإنتاج وتحسين تصريفه، كإبرام اتفاق بين مؤسسات صغيرة يحسن وضعيتها التنافسية في مواجهة المراكز الضخمة للشراء، وحتى يتم التأكد من مدى سعي الاتفاق لتحقيق آثار اقتصادية مفيدة، اعتمدت سلطات المنافسة على إتباع أسلوب تحليلي ،وهو أسلوب يسمح بتحديد ما إذا كان الاتفاق مفيد أو مضر بالاقتصاد حيث تقوم بإعداد قائمتين قائم الآثار المفيدة من جهة، وقائمة الآثار المضرة السلبية من جهة أخرى،ويسمى هذا المنهج المتبع من طرف سلطات المنافسة بالحصيلة الاقتصادية، التي تقتضي أن تقارن بين الآثار الايجابية المفيدة وبين الآثار المضرة والسلبية للاتفاق، فإذا كانت الآثار الايجابية تفوق السلبية يتيم تبرير الاتفاق وإعفاء أطرافه من العقوبة، أما إذا كانت النتيجة عكسية بمعنى أن تفوق الآثار السلبية الآثار المفيدة على الاقتصاد فسوف يتعرض أطرافه للعقوبة والمتابعة ،ويتم تكييف الاتفاق على أنه غير قانوني ومضر بالمنافسة في السوق وسيخضع لتطبيق نص المادة 06 من الأمر 03-03المعدل والمتمم، بالإضافة إلى ما تقدم يجب أن تكون الآثار الايجابية للاتفاق التي تساهم في تدعيم التقدم الاقتصادي طويلة المدى، أي أن يستفيد منها الاقتصاد الوطني لفترة زمنية معقولة نسبيا لأن الاتفاقات ذات الفوائد الوقتية لا تسمح بإعفاء أطرافها لأنه لا يمكن لها أن تساهم في تدعيم الاقتصاد الوطني تدعيما حقيقا نظرا لأن آثارهم تتسم بأنها مؤقتة و ظرفية. ()
شروط الإعفاء المتعلقة بالمستفيدين من الاتفاق: حرصت سلطات المنافسة لاسيما، الفرنسية على عدم منح الإعفاء للمؤسسات أطراف الاتفاق المقيد للمنافسة إلا في حالة تحقيق الاتفاق لأثار مفيدة لمستعملي المنتوجات والخدمات أي المستهلكين،وهذا ما نص عليه قانون حرية والمنافسة الفرنسي والأوروبي اللذان ينصان على ضرورة أن يضمن الاتفاق المقيد للمنافسة لمستعملي المنتوجات والخدمات جزءا عادلا من الفوائد التي تتحقق من الاتفاق المقيد للمنافسة وذلك حتى تحصل المؤسسات أطراف الاتفاق على الإعفاء من الجزاء المنصوص عليه في قانون المنافسة الداخلي والأوروبي، ويتعلق الأمر في هذه الحالة بخفض الأسعار أو تحسين الخدمات المقدمة عن طريق الإكثار من نقاط بيع تلك المنتوجات وتقديم خدمات إضافية جديدة مفيدة للمستهلكين. وبالتالي لا بد أن يستفيد المستهلكون كذلك من الاتفاق المقيد للمنافسة و إلا ستحتج سلطات المنافسة لغياب هذا الشرط وسيكون ذلك عقبة أمام حصول أطراف الاتفاق على الإعفاء.
نخلص من ذلك أن أطراف الاتفاق المقيد للمنافسة، لا يجب أن يحتجوا بأن الباعث عند القيام بالسلوكات المقيدة للمنافسة هو تحقيق التقدم الاقتصادي لأطراف الاتفاق، إذا أن ذلك الباعث لا يعد كافيا للإعفاء ما لم يصحبه في نفس الوقت وبشكل تناسبي، تحقيق آثار مفيدة للمستهلك النهائي وللاقتصاد الوطني بصفة عامة حيث تكون هذه الآثار ناتجة مباشرة عن الاتفاق. ()
أن لا يؤدي الاتفاق إلى القضاء على المنافسة بشكل كلي: يمكن للتقدم الاقتصادي أن يبرر تقييد المنافسة لكن لا يجب أن يصل الأمر إلى حد القضاء كليا على المنافسة في السوق وحتى وان كانت الحصيلة الاقتصادية ايجابية ،حيث أن هذه الأخيرة غير قادرة على تبرير عامل القضاء التام على المنافسة.
وبالتالي يجب ألا يؤدي الاتفاق إلى القضاء على المنافسة بشكل كلي بين أطراف الاتفاق المقيد للمنافسة من جهة وبين المؤسسات غير المشتركة في الاتفاق التي تعمل في ذات السوق من جهة أخرى، لقد حرص مجلس المنافسة الفرنسي سابقا، حرصا شديدا على ألا تكون نتيجة الاتفاق المقيد للمنافسة هي القضاء الكامل على المنافسة في سوق المنتوجات أو الخدمات المعنية بالنزاع وإلا سيرفض إعفاء وتبرير الاتفاق أما في ما يتعلق بقانون المنافسة الجزائري، فالمشرع لم ينص على هذا الشرط فهل معنى هذا أنه حتى وان تم القضاء كليا على المنافسة في السوق المعنية، سيتم تبرير وإعفاء الاتفاق المرتكب إذا توفرت الشروط الأخرى؟
والغريب في ذلك أن المشرع الجزائري نقل مضمون المادة 9 من الأمر 03-03 من المادة 10 من قانون حرية الأسعار والمنافسة الفرنسي فلماذا حذف الجزء الذي ينص على شرط ألا يتم القضاء كليا على المنافسة؟
إن قانون المنافسة الفرنسي سهل مهمة مجلس المنافسة بما أنه نص صراحة على هذا الشرط،وان دل ذلك على شيء فإنه يدل على أن المشرع الفرنسي عندما سمح بتقييد المنافسة في حالات استثنائية بسب تحقيق التقدم الاقتصادي والتقني أو لسب آخر، فإنما قصد من ذلك خدمة الصالح العام، إن إدراج شرط عدم قضاء الاتفاقات المحظورة على المنافسة بشكل كلي يعبر على أن المشرع الفرنسي لن يسمح إذن بالقضاء تماما على المنافسة وهذا مالا نجده في قانون المنافسة الجزائري .
فقد ترك المشرع الأمر لتقدير مجلس المنافسة ولا شك أن هذه السلطة التقديرية ستكون واسعة جدا بما أن المشرع الجزائري لم يوجه المجلس نحو اتجاه يملي عليه أولا وقبل كل شيء أن يبق على قدر معين من حرية المنافسة في السوق ولا يجب القضاء عليها كلية. ()
خاتمة:
و ختاما لموضوعنا هذا نصل إلى القول أن المشرع الجزائري سعى إلى حظر كل اتفاق من شأنه تقييد المنافسة ،بصفة قطعية أو احتمالية في السوق ،أو حتى في جزء منه وذلك من خلال توسيع مجال الحظر سوءا من حيث الموضوع فهو يشمل نشاطات و قطاعات اقتصادية عديدة و مختلفة ،و من حيث الأشخاص فإن مبدأ الحظر يطبق على جميع الأشخاص سواء كانت طبيعية أو خاصة ،إضافة إلى حظره لاتفاقات مقيدة للمنافسة ذا أهمية كبيرة و هو مجال الصفقات العمومية.
غير أن حظر الاتفاقات المقيدة للمنافسة ليس مبدأ مطلقا ،فهناك اتفاقات محظورة تمس بحرية المنافسة إلا أن المشرع الجزائري استثناها من الحظر، تيمنا بالمشرع الفرنسي و الأمريكي، وقد أورد المشرع إستثنائين على مبدأ الحظر تم النص عليهما في المادة 09 من الأمر رقم 03-03، الإستثناء أو الإعفاء الأول ناتج عن نص تشريعي أو تنظيمي ، أما الإعفاء الثاني فبرره المشرع بالتقدم الاقتصادي والتقني.
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل البحث مع التهميش الجاهز للطباعة يرجى النقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق