تصنيف الدعاوى القضائية
يتطلب تصنيف الدعاوى النظر في المعايير المعتمدة في تقسيمها، وطبيعة الدعوى المستعملة، ودعوى الحيازة.
أولا- معايير تقسيم الدعاوى:
ثمة عدة معايير يمكن الاستناد إليها في تقسيم الدعاوى، يمكن إيجازها في ثلاثة معايير أساسية، تتمثل في معيار طبيعة الحق، ومعيار موضوع الحق ، ومعيار طبيعة الحماية المطلوبة.
أ- تقسيم الدعاوى طبقا لطبيعة الحق.
تنقسم الدعاوى طبقا لهذا المعيار، إلى ثلاثة دعاوى، تتمثل في الدعاوى العينية، والدعاوى الشخصية، والدعاوى المختلطة.
1- الدعاوى العينية :
ينحصر هذا النوع من الدعاوى، في كل دعوى ترمي لحماية حق عيني، والمتعلقة أساسا إما بدعوى ملكية المنقول، أو ملكية العقار، أو حيازته، وإما بدعوى حق الانتفاع، أو أي حق عيني آخر، كالارتفاق والرهن، وهي كلها دعاوى، يمكن ممارستها في مواجهة أي شخص، يدعي أن له حقا عينيا على الشيء.
2- الدعاوى الشخصية:
يرمي هذا النوع من الدعاوى إلى حماية الحقوق الشخصية، والتي لا يمكن حصرها، طالما أنه يمكن للأطراف إنشاء ما يريدون من حقوق شخصية،ومن تطبيقاتها تلك الدعاوى الناشئة بين المؤجر والمستأجر، وبين المقرض والمقترض، ودعاوى المضرور على المتسبب في الضرر.
3- الدعاوى المختلطة :
يتناول هذا النوع من الدعاوى، الحقوق العينية والشخصية معا، لذلك فنطاق تطبيقها هو العقود الواردة على نقل ملكية العقار، والتي ينبثق عنها حق عيني ناشئ عن العقار، وحق شخصي ناشئ عن العقد، وهي بهذا تعد دعوى مختلطة، ومن صورها دعوى المشتري على البائع بتسليم المبيع، تنفيذا للعقد القائم بينهما.
ب- تقسيم الدعاوى طبقا لمعيار موضوع الحق :
تنقسم الدعاوى وفقا لمعيار موضوع الحق، إلى دعاوى عقارية، ودعاوى منقولة :
1- الدعاوى العقارية :
الدعوى العقارية هي الدعوى المتعلقة بكل حق عيني عقاري، كحق الملكية، وما يتفرع عنه من حقوق، كحق الانتفاع، و الارتفاق وغيرهما من الحقوق الواردة على العقار، أي المتصلة به اتصال قرار، بحيث لا يمكن فصلها عنه مع بقائه على حالته، وذلك بالإضافة إلى المنقولات المرصودة لخدمته ،والمسماة عقارا بحسب المآل.
2- الدعوى المنقولة :
الدعوى المنقولة هي تلك التي يكون المطلوب فيها مالا منقولا، أو أن محل الحق الذي تستند إليه تلك الدعوى هو منقول، ويقصد بالمنقول كل ما لا يعد حقا عقاريا، وبذلك فجميع الدعاوى غير العقارية، هي دعاوى منقولة، ومنها دعوى تسليم البضاعة، ودعوى الوفاء بثمن البضاعة، أو دعوى رد الأموال المقترضة أو المعارة ، وكذلك دعوى تسليم بدل الإيجار، ولو كانت العين المؤجرة عقارا.
ج- تقسيم الدعاوى طبقا لمعيار طبيعة الحماية المطلوبة:
قد يقصد المدعي من دعواه، الوصول إلى قرار يحسم النزاع حول أصل الحق، فتتحقق حماية مستقرة لحقه، وبذلك فالدعوى التي ترفع للحصول على هذه الحماية، تسمى الدعوى الموضوعية، وهي بهذا تتميز عن الدعوى الوقتية، التي لا يقصد المدعي من ورائها، سوى اتخاذ تدبير وقتي، يحقق المدعي من خلاله حماية مؤقتة للحق المدعى به من طرفه.
1- الدعوى الموضوعية :
تعد كل دعوى قضائية، ترمي إلى إثبات أو نفي حق من الحقوق، وبصرف النظر عما إذا كان المصدر المنشئ له إراديا كالعقد والإرادة المنفردة، أو غير إرادي كالعمل النافع أو الضار، كدعوى المطالبة بالملكية أو أي حق عيني عقاري، وكذلك كل دعوى ترمي إلى تحديد المسؤولية عن أي خطأ عقدي، أو
تقصيري مستوجب للتعويض، أو فسخ عقد، أو بطلانه، أو تعديله، هي في مجملها دعاوى موضوعية، لأنها ترمي إلى الفصل في أصل الحق، بحيث لم يعد للخصوم حق اللجوء إلى القضاء لإثارة النزاع بشأن حقوق متنازع عليها مرة أخرى، إلا من خلال طرق الطعن المقررة قانونا.
2- الدعوى الوقتية:
خلافا للدعوى الموضوعية، فالدعوى الوقتية، لا ترمي سوى إلى اتخاذ تدبير وقتي، من شأنه المحافظة على الحق المتنازع عليه، ومن صورها تلك الرامية إلى تعيين حارس قضائي، ودفع نفقة وقتية لحين ضبطها وتصفيتها أمام قاضي الموضوع، ومختلف دعاوى الاستعجال، لدفع خطر داهم ومحدق لا يمكن تلافيه بإتباع إجراءات التقاضي العادية، ومنها تلك المتعلقة بوقف أشغال بناء فوق أرض متنازع عليها، وفتح ممر، وكذلك تلك المتعلقة بإشكالات التنفيذ، والترشح في القوائم الانتخابية المحلية والتشريعية وغيرها.
ثانيا - دعاوى الحيازة :
أ- تعريف دعاوى الحيازة:
تعد دعوى الحيازة دعوى عينية عقارية، ترمي إلى حماية الحيازة، التي تقررت لشخص على عقار، بصرف النظر إذا كان مالكا أم لا، وهي بذلك تهدف إلى حماية وضع اليد على العقار، ووضع اليد هنا ليس حقا، بقدر ما هو مجرد مركز واقعي، وذلك خلافا للأصل العام في الدعاوى، والذي نجد المدعي بموجبه يتمسك بحق معين، وعلى هذا الأساس فالمشرع سواء في القانون المدني، أو في مختلف التشريعات العقارية، لم يضع لها تعريفا معينا، ومع ذلك يمكن القول، بأن :(الحيازة ليست سوى واقعة مادية، من شأنها إحداث آثار قانونية أهمها أنها قد تكون سببا من أٍسباب كسب الملكية العقارية).
ب- الحكمة من الحيازة :
ترمي الحيازة في الأساس إلى تحقيق مصلحتين هما: حماية الملكية العقارية، وإرساء قواعد حفظ الأمن والنظام في المجتمع.
1- حماية الملكية العقارية :
مع أن المالك يستطيع رفع دعوى الاستحقاق العقارية، فهي دعوى قد أخضعها القانون لوسيلة إثبات معينة، قد لا يكون أمرها للمالك ميسورا، لذلك سمح المشرع لصاحب الحق، في إقامة الدليل على وضع اليد، باعتباره قرينة على الملكية، لأن صاحب الحق على شيء يحوزه، يتمكن بذلك من حماية ملكيته بطريق غير مباشر، متى تمكن من إثبات الحيازة، بكافة وسائل الإثبات، وهو أمر يسهل بالمقارنة مع وسائل الإثبات التي قررها القانون للملكية.
2- إرساء قواعد حفظ الأمن والنظام في المجتمع:
استقرت النظم القانونية المعاصرة، على منع الشخص من اقتضاء حقه بنفسه، لذلك فان تعارضت الحيازة مع الملكية، فالأولى بالتفضيل هي الحيازة ، مما يتعين حمايتها من أي اعتداء ، حتى ولو صدر هذا الاعتداء من المالك نفسه، باعتباره ممنوعا من ممارسة حق استرداد ملكيته بالقوة، حتى ولو كان حق الملكية ثابتا له، وذلك حتى لا يختل الأمن بسبب الاعتداء على وضع اليد الظاهر.
ج- أركان الحيازة:
ليست الحيازة سوى السيطرة المادية على الشيء للظهور بمظهر صاحب الحق عليه ، وهو تعريف من شأنه أن يمدنا بأركان دعوى الحيازة، وهي بهذا تقوم على ركنين أساسيين، أحدهما مادي والآخر معنوي.
1- الركن المادي :ينصرف هذا الركن ، إلى التعبير على السيطرة المادية على الشيء ، وذلك بقيام الحائز بجميع الأعمال، التي يقوم بها المالك،كالزراعة والبناء والإقامة وغيرها، وذلك إما بنفسه، أو بوساطة من ينوبه في ذلك ولحسابه، ويأتمر بأمره .
2- الركن المعنوي :ينصرف هذا الركن إلى التعبير على أن السيطرة المادية على الشيء ، إنما هي بنية التملك، وهو العنصر الذي يمكن استخلاصه، من ظهور الحائز بمظهر المالك.
د- أنواع الحيازة:
متى اجتمع عنصري الحيازة المادي والمعنوي، أو قام أحدهما دون الآخر، كنا إما بصدد الحيازة المادية، وإما بصدد الحيازة القانونية، بما يعني أن الحيازة نوعان:
1- الحيازة المادية :وهي تلك الحيازة التي يتوفر فيها الركن المادي فقط، أي السيطرة المادية على الشيء، دون أن تكون مصحوبة بنية التملك- على الأقل- في مواجهة المالك الأصلي، وهي الحيازة التي أطلق عليها البعض، اسم الحيازة العرضية، ومن أبرز الأمثلة عنها: الحائز الذي يضع يده على الشيء لفائدة غيره، وذلك باستناده إلى سند قانوني ، يلزمه برد الشيء إلى صاحبه فيما بعد، سواء كان هذا السند ناشئا عن اتفاق، أو عن حكم قضائي، أو تشريعي، وكذلك الأمر بالنسبة للمستفيد من حق امتياز في أرض الدولة، بحيث أن السيطرة المادية على الأرض، تعد قائمة لديه، وهو عقد يلزمه بإعادة الأرض إلى المالك، بعد انقضاء حق امتيازه.
2- الحيازة القانونية :وهي الحيازة التي يتوافر فيها العنصران معا ، وتؤدي إلى قام قرينة على الملكية، وهي بذلك لا تكفي فيها السيطرة المادية لقيامها ، بل يجب قيام نية التملك لدى الحائز إلى جانب تلك السيطرة المادية، وهو عنصر عادة ما يصعب إثباته، لكنه ومما يقلل من أهمية تلك الصعوبة، وجود تلك القرينة القائلة بأن :الحائز للشيء يفترض أنه مالك له، وذلك إلى غاية إثبات العكس.
ج - الاعتداء على الحيازة:
يشكل الاعتداء على الحيازة شرطا أساسيا، لقبول دعاوى الحيازة بجميع أنواعها، وهو الاعتداء الذي يأخذ عدة درجات، تبدأ بالشروع في أعمال، من شأنها فيما لو تمت تهديد الحيازة، أو التعرض لها، وقد يصل الاعتداء إلى منع الحائز من ممارسة الحيازة ، بل أن هذا الاعتداء ، قد يتجاوز ذلك إلى حد اغتصاب الحيازة من الحائز بصفة نهائية ، لذلك وبحكم هذه الدرجات، تكون قوة الحماية، وهي في مجملها مسائل قد أولاها المشرع عناية خاصة، وميز بين أنواع من الدعاوى، تبعا لدرجة الاعتداء وخطورته، وهذه الدعاوى هي:
1- دعوى وقف الأعمال الجديدة:
وهي دعوى بحكم طبيعتها، ترمي إلى منع التعرض المحتمل حصوله من طرف المعتدي، ويمكـن للحائز رفعها قبل شروع المعتدي في أية أعمال، دلك أن هذه فيما لو تمت، لكنا أمام دعوى منع التعرض الحال للحيازة، ومن ذلك شروع شخص ، في تحضير المواد الضرورية ، لإحاطة العقار محل الحيازة بسياج ، أو تحضير مواد البناء اللازمة ، للشروع في البناء فوق الأرض محل الحيازة .
والظاهر أن دعوى وقف الأعمال الجديدة، إنما هي دعوى تندرج ضمن الدعاوى الوقائية، والتي أعطى المشرع للحائز الحق في إقامتها، حتى يتجنب ضرر الانتظار الناجم عن وقوع التعرض فعلا، وهي بذلك تهدف، إلى وقف الضرر الوشيك الوقوع، أو منع اكتماله عند الشروع فيه.
وتأسيسا على ذلك فالحيازة التي تحميها هذه الدعوى، هي الحيازة القانونية، لا الحيازة المادية، والتي يشترط القانون لقيام الحق فيها، توافر أوصافها الأربعة المشار إليها فيما تقدم.
2- دعوى منع التعرض:
ترمي دعوى منع التعرض إلى رد الاعتداء الحال، الذي لم يصل إلى حد سلب الحيازة من الحائز، لذلك فالقانون يعتبر كل عمل مادي أو قانوني، يرمي بشكل مباشر أو غير مباشرة إلى إنكار الحيازة، والحد من ممارستها، دون أن يصل إلى حرمان الحائز من الانتفاع بها، هو بمثابة تعرض للحيازة .
التعرض المادي:قد يكون التعرض ماديا غير مباشر، كما هو الشأن بالنسبة للشخص، الذي يقوم بإحاطة أرضه بسياج، فيمنع الحائز بواسطته من حق المرور لحيازته، أو من البناء فوقها، أو من فلاحتها، أو من دخوله لمسكنه الموجود بها،
التعرض القانوني:يكون تعرضا قانونيا مباشرا، كما هو الشأن بالنسبة للشخص، الذي يوجه إنذارا للحائز بإخلاء العقار محل الحيازة، أو يبادر بدلا من ذلك، إلى مقاضاته بدعوى حيازة، وهو أمر لا يسري على المزاعم الشفوية الصادرة عن شخص، بشأن حيازته لأرض غيره ، والتي لا يمكنها أن تشكل تعرضا للحيازة، ونفس الحكم يسري على من يقوم بسرقة المحاصيل الزراعية للحائز،كما لا تعد الدعوى التي يرفعها المالك، على الحائز تعرضا للحيازة، بل أنها تعد اعترافا من المالك بالحيازة.
3- دعوى استرداد الحيازة:
تهدف هذه الدعوى إلى استرداد الحيازة المنقضية بالقوة، بما يعني وأن الاعتداء الواقع على الحيازة قد تجاوز مجرد التعرض لها، بل وصل إلى حد سلب الحيازة من الحائز، وحرمانه من الانتفاع بها بشكل كامل، لذلك وحتى نكون بصدد هذه الدعوى، فانه يشترط في أن لا يكون للعمل الذي أتاه المغتصب أي سند قانوني،كفقدان الحيازة بالقوة ، أو التهديد أو بالحيلة والخداع، وهي كلها مسائل مختلفة تمام الاختلاف، عن الفقدان المشروع للحيازة والذي يتم إما برضاء الحائز، و إما نتيجة لإجراءات التنفيذ الجبري لحكم قضائي، مما لا يكون من حقه في مثل هذه الأحوال، أن يطالب باسترداد الحيازة.
و - التفرقة بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية :
1 - دعوى الملكية:يعتبر مفهوم دعوى الملكية ، عن تلك التي يدعي من خلالها رافعها ،على أنه مالك لعقار، أو أي حق عيني عقاري أخر ، وهي الدعوى التي يرمي من ورائها صاحب الحق في إقامتها ، إلى تقرير حق الملكية ، والحكم به لفائدته ، ومنها دعوى تقرير حق الانتفاع ، ودعوى تقرير حق الارتفاق، أو نفيهما معا .
2- دعوى الحيازة:يقصد بدعوى الحيازة، تلك الدعوى التي يدعي من خلالها رافعها وضع اليد على العقار أو على أي حق عيني عقاري آخر ، وهي الدعوى التي يرمي من ورائها صاحب الحق في إقامتها إلى حماية هذا المركز الواقعي بصرف النظر عن كونه مالكا أو غير مالك .
وإذا ما أردنا إجراء مقارنة بين الدعوتين ، لاتضح لنا بأن المصلحة في دعوى الملكية، تستند إلى حق الملكية نفسه، أو إلى حق عيني عقاري آخر متفرع عنه ، بينما المصلحة في دعوى الحيازة ، تستند أساسا إلى المركز الواقعي وهو وضع اليد ، وهو مركز ومنذ امتداد القانون لحمايته بدعوى الحيازة ، صار مركزا قانونيا .
3- الحكمة من التفرقة بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية:إذا كان القانون قد قرر حماية الحيازة من أجل استقرار الأمن والنظام داخل المجتمع ، فلا ينبغي أن تلتف حولها دعوى الملكية ، وفي المقابل فان التمسك بالملكية ، يشكل في حد ذاته تنازلا عن دعوى الحيازة ، وعلى هذا الأساس ، فان كانت الدعوى المقامة أمام المحكمة هي دعوى الحيازة، فانه يتعين عليها ألا تفصل في دعوى الملكية، وهي كلتا مسائل يعبر عنها قانونا، بقاعدة عدم جواز الجمع بين الملكية والحيازة ، مما لا يحق لمن اختار أحدهما أن يتمسك بالأخرى ، وبذلك فهي قاعدة تطبق على طرفي الدعوى ، كما تلقي بضلالها على المحكمة أيضا.
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى
النقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق