الخميس، 16 نوفمبر 2023

تحرير التجارة الخارجية في القانون الجزائري

 تحرير التجارة الخارجية في القانون الجزائري 


كغيرها من الدول النامية التي انتهجت سياسة حمائية بعد الاستقلال بهدف بناء قاعدة صناعية وزيادة الاستثمارات والتقليل من البطالة، فقامت الجزائر بمراقبة ثم باحتكار التجارة الخارجية من أجل حماية المنتوج الوطني والتحكم في الواردات والصادرات حسب إستراتيجية التنمية المتبعة. ولكن الظروف التي مر بها الاقتصاد الجزائري مع نهاية الثمانينات أجبرتها على إجراء إصلاحات في سياسة تجارتها الخارجية وتحريرها.

و لقد كرس المشرع الجزائري تحرير قطاع التجارة الخارجية بشكل متذبذب وفي فترات مختلفة وذلك من فترة بعد لاستقلال إلى غاية 2016 بشكل يوحي بالتردد أحيانا وعدم الوضوح أحيانا أخرى، إلا أن تكريس تحرير القطاع تم بشكل رسمي وصريح، و هذا ما سنتطرق له بشيء من التفصيل.

أولا - مرحلة الرقابة على التجارة الخارجية (1963- 1970):

 تعتبر كأول مرحلة لتدخل الدولة في التجارة الخارجية، خاصة من جانب الواردات، واتخذت في ذلك إجراءات تمثلت في : مراقبة الصرف، التعريفة الجمركية، نظام الحصص. كل ذلك من أجل حماية الاقتصاد الوطني من المنافسة الأجنبية وتحديد حجم الواردات من أجل الاقتصاد في العملات الصعبة ووضع تعريفة جمركية تشجع استيراد السلع التجهيزية وتحد من استيراد السلع التي لا تلزم عملية التنمية.

ثانيا- مرحلة احتكار الدولة للتجارة الخارجية (1971 - 1988):

بدأ هذا النظام في السبعينات حيث كان احتكار التجارة الخارجية بصفة شبه تامة لمؤسسات تابعة للدولة، أين استخدمت هذه الأخيرة مجموعة من الوسائل تمثلت في: منح حق الاحتكار للمؤسسات العمومية، والرخص الإجمالية للاستيراد (التي تم استبدالها فيما بعد بميزانية العملة الصعبة)؛ والهدف من ذلك هو التحكم أكثر في التدفقات التجارية وجعلها تساير سياسة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتبعة. 

ثالثا- مرحلة التحرير الأولى، تحرير مقيد (1990 - 1991 ):

 شهدت التجارة الخارجية أولى المحاولات لتحريرها في قانون النقد والقرض (14 أفريل 1990)، وفي 1991 تم إصدار تشريع خفض من احتكار الدولة للتجارة الخارجية بفتح مجال التدخل في عمليات الاستيراد والتصدير لتجار الجملة والوكلاء المعتمدين لدى البنك المركزي ( لكن مع تقييد الاستيراد في المنتجات ذات الاستهلاك الواسع، واقتصار المعاملات على الحسابات بالعملة الصعبة للمتعاملين الخواص المرخص لهم). رابعا- مرحلة العودة إلى التقييد (1992-1993):

 عرفت هذه المرحلة الصعبة ندرة في الموارد بالعملة الأجنبية، وأثر ذلك كثيرا على تحرير التجارة الخارجية مما دفع  السلطات بتشديد القيود على النقد الأجنبي وتوسيع نطاق حظر الواردات، وتم إنشاء لجنة AD-HOC (متابعة عمليات التجارة الخارجية أين ميزت بين: السلع الإستراتيجية "سلع ذات أولوية" من بينها المواد الغذائية الأساسية والأدوية ومواد البناء واللوازم المدرسية...، السلع المتعلقة بالإنتاج واالاستثمار "سلع ذات أولوية ثانية"، والسلع الممنوعة من الاستيراد "سلع محظورة" وتشمل أساسا السلع الاستهلاكية الكمالية).

خامسا - مرحلة تحرير التجارة الخارجية منذ 1994:

تزامنت هذه الفترة مع الإصلاحات الاقتصادية و البرامج الاقتصادية التي اعتمدتها الدولة من اجل تحقيق التنمية و التي اقرها صندوق النقد الدولي صمن شروطه التي تدعوا إلى الانفتاح على العالم الخارجي،من خلال حرية المبادلات التجارية و رؤوس الأموال، مما ألزم المشرع الجزائري إلى إصدار التعليمة 94-20 بتاريخ 12/04/1994.التي سمحت لكل شخص مسجل بالسجل التجاري ممارسة نشاط الاستيراد  لجميع السلع.

- كما تم تكريس مبدأ حرية الصناعة والتجارة بموجب نص المادة 37 من دستور 1996 والمعدلة بموجب نص المادة 43 من تعديل الدستور لسنة 2016 في نصها "حرية الاستثمار والتجارة مضمونة وتمارس في إطار القانون" ، تم تقرير العديد من المبادئ التي تأتي ترسيخا للمبدأ الدستوري، ومن بينها حرية المبادرة وتحرير قطاع التجارة الخارجية، وتجسد المبدأ بشكل تدريجي من خلال انسحاب الدولة من الحقل الاقتصادي وتغيير دورها من الدولة المحتكرة إلى الدولة المراقبة والضابطة.

- وكرس المشرع الجزائري بموجب نص المادة 02 من الأمر رقم 03-04 المتعلق بالقواعد العامة المطبقة على عمليات استيراد البضائع وتصديرها بصريح العبارة "تحرير قطاع التجارة الخارجية"، أو بعبارات أخرى مرادفة "حرية المبادلات التجارية، حرية الاستيراد والتصدير، حرية المبادرة في التجارة الخارجية أو حرية الاستثمار في قطاع التجارة الخارجية"، إذ هي عبارات تنصب في نفس السياق، ألا وهو إمكانية اقتحام الأسواق الخارجية والدولية عن طريق الاستيراد والتصدير.

قام المشع الجزائري بتعديل أحكام قانون الاستيراد والتصدير بموجب أحكام القانون رقم 15-15 حيث احتفظ المشرع الجزائري بموجب تعديل أحكام قانون الاستيراد والتصدير لعام 2015 بنفس الموقف بل ويؤكد على تحريره لقطاع التجارة الخارجية، إذ جاءت صيغة المادة 02 منه بالعبارات التالية:" تنجز عمليات استيراد المنتجات وتصديرها بحرية ... "،الأمر الذي يؤكد موقف الجزائر باعتناقها مبادئ العولمة الاقتصادية والاستمرار في الإعلان عن رغبها في اعتناق المبادئ التي تقوم عليها المنظمة العالمية للتجارب وعلى رأسها مبدأ حرية المبادلات التجارية.

سادسا - القيود الواردة على حرية التجارة الخارجية:

إن تحرير قطاع التجارة الخارجية بموجب أحكام لآمر رهم 03-04 بشكل رسمي كانت ميلادا لمرحلة اقتصادية جديدة في الجزائر، ألا وهي مرحلة تحرير قطاع التجارة الخارجية والمبادلات التجارية وذلك بموجب نص المادة 02 منه بعدما تم احتكاره من طرف الدولة.

إلا أنه لاحقا وبحكم عوامل وظروف متعددة، يتراجع المشرع عن التحرير التام، ويتدخل لمراقبة القطاع عن طريق مجموعة من الآليات يكيفها البعض على أنها آليات حمائية و نذكر منها ما يلي:

1- ضرورة الحصول على رخصة استيراد أو تصدير

إن بروز أزمة انخفاض أسعار البترول الفاحش في الجزائر و السعي وراء تخفيض فاتورة الواردات من خلال إعادة تنظيم قطاع التجارة الخارجية و اتخاذ في سبيل ذلك آليات تنظيمية و من بينها نجد وضع نظام الحصص وذلك بموجب المرسوم التنفيذي رقم 15-306 الذي جاء تطبيقا لأحكام القانون رقم15-15 المعدل والمتمم للأمر رقم 03-04، المتعلق بالاستيراد والتصدير.

2- إجبارية إقامة شراكة: ففي إطار رقابة الدولة لقطاع التجارة الخارجية يجبر المشرع الجزائري الشركات الأجنبية التي تمارس نشاطات الاستيراد فتح رأسمالها في حدود  30% لشريك جزائري . وهو ما أكد عليه المشرع في أحكام الأمر رقم 296-09 ، وهو إجراء تراقب به الدولة حركة تحويل أرباح شركات الاستيراد والتصدير من وإلى الخارج والرقابة على الصرف الأجنبي عن طريق تحديد التحويل في حدود 30% من حصة الاستثمار.

3- الاعتماد المستندي و التحصيل المستندي وسيلتي دفع إجبارية أثناء الاستيراد:لقد أصبح المستورد وفقا لنص المادة 81 من قانون المالية لسنة 2014 مجبرا على استخدام تقنية الاعتماد المستندي() بمعنى ضرورة التوطين البنكي للواردات أمام إحدى البنوك المعتمدة و الهدف من هذا الاجراء هو :

- التقليل من فاتورة الواردات.

 - رقابة رؤوس الأموال المتعامل بها في التجارة الخارجية من العملة الصعبة وذلك بإجبار توطينها أمام بنك أو مؤسسة مالية معتمدة.

 - تأكد الإدارة من خضوع المستورد للإجراءات الجمركية والضريبية نظرا لوجود تكامل من حيث الإجراءات بين إبرام عقد الاستيراد و الإجراءات  الإدارية.

كما تم إدخال تقنية التحصيل المستندي كإحدى وسيلتي الدفع الإجبارية أثناء الاستيراد بجانب الاعتماد المستندي في ظل أحكام قانون المالية لسنة 2014،ونجد للتحصيل المستندي عدة تعاريف نجد من أهمها أن التحصيل المستندي هو عملية تبادل السلع بإنشاء أوراق تجارية تكون واجبة التحصيل في لآجال المتفق عليها تنشأ هذه العملية عل استعمال البنوك كوسطاء لتبادل السلع بوثائق الدفع.

ويعرف كذلك بأنه وسيلة تحصيل من قبل البنك للثمن المستوجب على المشتري مقابل استلامه للمستندات المطلوبة، ويقوم البنك بوظيفة وكيل تأمين أو وسيط بين المصدر (البائع) والمستورد (المشتري) فهو يقدم للمستورد بناء لأوامر المصدر أو بنكه، مستندات تشير إلى شحن البضائع ويقوم بالمقابل بتحصيل الثمن المستوجب على المستورد لصالح المصدر وهي تستخدم عندما يكون المشتري والبائع على معرفة تامة بعضهما البعض وعلى درجة من الثقة القائمة بين الجانبين.

4- تقديم طلب الإعفاء من الحقوق الجمركية في إطار اتفاقيات التبادل الحر: يفرض على كل مستورد في إطار اتفاقيات التبادل الحر أن يقدم طلب مسبق إلى مديرية التجارة للولاية التي يقطن فيها وهذه  الأخيرة تحيل طلبه إلى وزير التجارة، وتمنح لإدارة الجماد مدة 30 يوم من أجل منح طلب الاستيراد للمستورد دون تحديد مصير الطلب في حالة عدم رد الإدارة في المدة المحددة، فهل ذلك يفيد الرفض أم قبول ضمني ؟

 

ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...

لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى النقر هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق