الأربعاء، 15 نوفمبر 2023

الشركة الفعلية

الشركة الفعلية 

القاعدة العامة أن بطلان عقد الشركة يؤدي إلى زوال العقد بأثر رجعي وإعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد، ولكن ذلك قد يؤدي إلى الإضرار بحقوق الغير وإهدار كافة المعاملات التي قامت بها الشركة مع الغير الذي لا يعلم بشأن هذا البطلان.

فتخلف الكتابة مثلا في عقد الشركة يؤدي إلى بطلان من نوع خاص، حيث يجوز للغير التمسك بالبطلان لعدم الكتابة كما يجوز له إذا كانت له مصلحة أن يتمسك بإبقاء الشركة ولا يجوز احتجاج الشركاء في مواجهة الغير بهذا البطلان، وهو ما يعرف بنظرية الشركة الفعلية التي أوجدها الفقه والقضاء واستند في تقريرها إلى حماية الأوضاع الظاهرة و التي ستكون موضوع هذه البطاقة التقنية.


أولا: نظرية الشركة الفعلية ومبرراتها

استقر القضاء على أنه إذا حكم ببطلان الشركة وجب أن تتعطل جميع آثارها بالنسبة للمستقبل فقط، إنما لا ينسحب أثر البطلان إلى الماضي بل تعتبر الشركة أنها وجدت و استمرت حتى قضي ببطلانها مما يتطلب الاعتداد بنشاطها السابق ووجوب تصفيتها بغرض تحديد نصيب كل من الشركاء في الأرباح و الخسائر ، فالقضاء اعترف بوجود الشخص المعنوي الناشئ عن العقد الباطل وجودا فعليا واقعيا و اعتبر البطلان بمثابة إنكار لهذا الوجود بالنسبة للمستقبل فقط، وقد استند القضاء في إقرار هذا

الوجود إلى نظرية حماية ظاهر الأشياء، ذلك لأن الغير اطمأن إلى وجود شركة وتعامل معها بوصفها شخصا معنويا، فمن غير المقبول بعد ذلك مباغتته بمحو حياة هذا الشخص وإنكار وجوده .

وقد اعترف المشرع الجزائري بالشركة الفعلية بموجب المادة 418 من القانون المدني: " يجب أن يكون عقد الشركة مكتوبا وإلا كان باطلا، وكذلك يكون باطلا كل ما يدخل على العقد من تعديلات إذا لم يكن له نفس الشكل الذي يكتسبه ذلك العقد، غير أنه لا يجوز أن يحتج الشركاء بهذا البطلان قبل الغير ولا يكون له أثر فيما بينهم إلا من اليوم الذي يقوم فيه أحدهم بطلب البطلان".

كذلك نص المشرع في المادة 545 من القانون التجاري على أنه:" تثبت الشركة بعقد رسمي وإلا كانت باطلة، لا يقبل أي دليل إثبات بين الشركاء فيما يتجاوز أو يخالف مضمون عقد الشركة. يجوز أن يقبل من الغير إثبات وجود الشركة بجميع الوسائل عند الاقتضاء".

بالرغم من رسوخ نظرية الشركة الفعلية في التشريعات المقارنة واعتراف القضاء الفرنسي قديما وحديثا بهذه النظرية، واعتراف القضاء في معظم الدول العربية بنظرية الشركة الفعلية وتأييد الفقه لها، إلا أن القضاء الجزائري لا يزال مترددا اتجاه نظرية الشركة الفعلية، وأساس ذلك أن هناك بعض الاجتهادات تنكرها صراحة والبعض الآخر يعترف بها صراحة  .

ومن القرارات التي تعترف بوجود الشركة الفعلية القرار الصادر بتاريخ  15/06/1985 عن المحكمة العليا "متى كان من المقرر قانونا أنه يجب أن يكون عقد الشركة مكتوبا وإلا كان باطلا، غير أنه لا يجوز أن يحتج الشركاء بهذا البطلان في مواجهة الغير ولا يكون له أثر فيما بينهم إلا من اليوم الذي يقوم به أحدهم بطلب البطلان، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خطأ في تطبيق القانون.

إذا كان الثابت أن البطلان لا يكون له أثر فيما بين الشركاء، فكان على الطاعن أن يطلب كما فعل تصفية الحسابات وإرجاع ما قدمه من مصاريف في إنشاء الشركة، فإن المجلس القضائي لما قضى بإبطال دعوى

الطاعن مع أن وجود الشركة الفعلية غير منازع فيه، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق أحكام المادة 418 من القانون المدني، مما يترتب عليه قبول نعي الطاعن تأسيسا على مخالفة هذا المبدأ ومتى كان كذلك استوجب نقض وإبطال القرار المطعون فيه" 

ومن القرارات التي لا تعترف بالشركة الفعلية القرار المؤرخ في20/11/1990 ومفاده" من المستقر عليه 

قانونا أن إنشاء وإثبات عقد الشركة يكون بعقد رسمي وإلا كان باطلا، ولما ثبت في قضية الحال أن قضاة الموضوع أسسوا قرارهم لإثبات وجود الشركة على عقد عرفي وشهادات الشهود يكونوا قد خرقوا المادة 418 من القانون المدني التي تشترط أن يكون عقد الشركة عقدا رسميا وإلا كان باطلا، و كذلك المادة 545 من القانون التجاري التي تنص بأنه لا يمكن إثبات الشركة إلا بموجب عقد رسمي، ومتى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه" 


ثانيا: نطاق تطبيق نظرية الشركة الفعلية


إن القضاء لا يطبق نظرية الشركة الفعلية في جميع حالات البطلان وبشكل مطلق، ويتفق معه الفقه في ذلك، فإذا كان سبب البطلان يتعلق بمخالفة قواعد النظام العام أو الآداب العامة أو غياب أحد الشروط الخاصة كانتفاء نية الاشتراك أو وجود شرط الأسد في العقد، أو عدم تقديم الحصص في هذه الحالات تعتبر الشركة كأن لم تكن ولا وجود لها بأثر رجعي. 

أما إذا كان البطلان مؤسسا على نقص أهلية أحد الشركاء أو على عيب شاب رضاه، وكان من شأن هذا البطلان انهيار عقد الشركة بأكمله، كما هو الشأن في عقود شركات الأشخاص، ففي هذه الحالة تعتبر الشركة كأن لم تكن بالنسبة إلى ناقص الأهلية أو الشريك الذي شاب العيب رضاه، أما بالنسبة لباقي الشركاء فتعتبر الشركة في الفترة بين تكوينها والحكم ببطلانها قائمة فعلا. 


ثالثا: الآثار المترتبة على الشركة الفعلية


يترتب على اعتبار الشركة قائمة فعلا بين تكوينها والحكم ببطلانها الآثار التالية:


1-  تعتبر الشركة الفعلية كالشركة الصحيحة، حيث تكتسب الشخصية المعنوية المستقلة عن الشركاء وتكون

كل تعهداتها وحقوقها صحيحة ومرتبة لآثارها فيما بين الشركاء وبالنسبة للغير الذي لم يطلب البطلان.

2- تعتبر العقود الذي أبرمها الغير مع الشركة صحيحة ومنتجة لآثارها، طالما أنهم لم يتمسكوا ببطلان عقد

تأسيسها، كما يحق لهم مطالبة الغير بتقديم حصصهم.

3- بالنسبة للغير أيا كان سبب البطلان، الخيار بين الإبقاء على الشركة واعتبارها صحيحة في الماضي أو طلب البطلان بأثر رجعي، فللدائن الشخصي للشريك مصلحة واضحة في التمسك بالبطلان حتى يستطيع التنفيذ على المال الذي قدمه الشريك كحصة في الشركة، ولدائن الشركة مصلحة في اعتبار الشركة قائمة حتى يتمكن من التنفيذ على أموالها دون التعرض لخطر مزاحمة دائني الشركاء.

4- إذا تمسك أحد الشركاء بعقد الشركة وطلب آخر ببطلانها، وجب القضاء بالبطلان لأنه الأصل في حالة

عدم استيفاء الأوضاع القانونية. 

5- يجوز طلب شهر إفلاس الشركة إذا توقفت عن دفع ديونها، نظرا لأن وجودها الفعلي قد تأكد بصدور حكم الإفلاس، ويترتب على شهر إفلاسها إفلاس الشريك المتضامن.

6- يجب حل الشركة وتصفيتها بمجرد صدور الحكم بالبطلان، ويتبع في التصفية القواعد المتبعة في اقتسام

الأرباح والخسائر الواردة في عقد الشركة الذي قضي ببطلانه.

خلاصة : 

أنشأ القضاء التجاري نظرية الشركة الفعلية و أرسى قواعدها من أجل العمل على الحد من أثار البطلان التي تقضي بها القواعد العامة. و القواعد العامة للبطلان تقضي بأنه في حالة الحكم بالبطلان المطلق أو النسبي يعود أطراف العقد إلى الحالة التي كانوا عليها قبل العقد و ذلك تطبيقًا للأثر الرجعي للعقد. و لكن تطبيق  هذه القواعد العامة للبطلان على عقد الشركة الباطلة يؤدي من الناحية العملية إلى نتائج غير مقبولة. فالشركة حتى ولو كان عقد تأسيسها باطلا تكون قد ارتبطت مع الغير بمعاملات كثيرة و أصبحت بمقتضاها دائنة و مدينة، و تطبيق الأثر الرجعي يترتب عليه خلق صعوبات جمة. لذلك فقد استقر القضاء التجاري على أن أثر الحكم بالبطلان لا يسرى إلا بالنسبة للمستقبل فقط و لا ينسحب أثر البطلان إلى الماضي و ذلك حماية للظاهر الذي اطمأن إليه الغير و تحقيقًا لاستقرار التعامل التجاري. فبالنسبة للماضي توجد شركة فعلية أو واقعية يجب الاعتداد بنشاطها السابق و تصفيتها و تحديد نصيب الشركاء من الأرباح و الخسائر، و بعبارة أخرى فإن البطلان بالنسبة للشركات هو نوع من حل الشركة قبل أن يحين ميعاد انتهائها.

و يلاحظ أن عدم تطبيق الأثر الرجعي للبطلان لا يكون إلا بالنسبة للشركة التي زاولت نشاطها فعلا. أما الشركة التي لم تزاول نشاطا فعليا فليس هناك ما يمنع من تطبيق أحكام البطلان عليها بأثر رجعي.

من جهة أخرى يتم استبعاد تطبيق نظرية الشركة الفعلية في حالة البطلان لعدم المشروعية لأن تطبيقها في هذه الحالة ينطوي على الاعتراف بالعمل غير المشروع.

ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...

لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى النقر هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق