القانون الواجب التطبيق على الإلتزامات التعاقدية
لقد
اهتمت كل من المادتين 18 و 19 من
القانون المدني ببيان ضوابط الإسناد الخاصة بالقانون الواجب
التطبيق على العقود الدولية،و يظهر من خلال هاتين المادتين أنه يجب التفرقة بين شكل العقد و
موضوعه،على أنه قبل البحث في القانون الواجب التطبيق يجب بداءةً الوقوف عند مسألة أولية هي تحديد المقصود
بالعقد الدولي،و هو ما يتم عن طريق ضبط معيار التفرقة بين عقد دولي و عقد داخلي.
أولا- المقصود بالعقد الدولي:
يتجه الفقه إلى تقديم معيارين أساسيين في هذا المجال:
المعيار الأول- قانوني: بحيث يكون العقد دولياً متى تخلله عنصر أجنبي،الشيء الذي يؤدي إلى ربط هذا العقد بأكثر من نظام قانوني،كاختلاف جنسية الأطراف المتعاقدة أو اختلاف موطنهم أو اختلاف مكان الإبرام عن مكان التنفيذ.
المعيار الثاني- اقتصادي: فيوصف أنه اقتصادي كونه يعتبر العقد دولياً متى تضمن مساساً بمعطيات التجارة الدولية،كما لو أدى إلى نقل البضاعة من دولة لأخرى مقابل نقل الثمن أيضاً من دولة لأخرى،و هو ما يعني وجوب أن تتعدى آثار العقد الاقتصاد الداخلي للدولة عن طريق التصدير و الاستيراد و بالتالي انتقال الأموال عبر الحدود.
لم يهتم المشرع الجزائري ككثير من القوانين بوضع معيار يخص تحديد العقد الدولي،غير أن الكثير من الشراح رأوا إمكانية استخلاص ماهية العقد الدولي من خلال الرجوع إلى النصوص التي تنظم التحكيم التجاري الدولي في الجزائر و التي جاء فيها تحديد المقصود بالتحكيم الدولي و معيار التفرقة بينه و بين التحكيم الداخلي.و منه فإنه تطبيقاً لمقتضيات قانون الإجراءات المدنية القديم التحكيم كان
يعتبر دولياً وفقاً للمادة 458 مكرر منه إذا كان يخص النزاعات المتعلقة بمصالح التجارة الدولية،و الذي يكون فيه مقر أو موطن أحد الطرفين على الأقل في الخارج.فكان التحكيم يعتبر دولياً طبقاً لهذه المادة إذا اجتمع معيارين اثنين :الأول اقتصادي و هو أن يتعلق النزاع بمصالح التجارة الدولية،و الثاني قانوني: و هو وجوب أن يكون مقر أو موطن أحد الأطراف على الأقل خارج الجزائر.
في ظل قانون الإجراءات المدنية و الإدارية(الجديد) صارت المادة الخاصة بتحديد الطابع الدولي للتحكيم هي المادة 1039 منه حيث جاء فيها أنه "يعد التحكيم دولياً بمفهوم هذا القانون التحكيم الذي يخص النزاعات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية لدولتين على الأقل"،المعيار إذاً صار هو ارتباط النزاع بالمصالح الاقتصادية لدولتين على الأقل،و هو المعيار الذي رأى فيه البعض جمعاً للمعيارين المقررين في القانون القديم بطريق جديدة،إذ فيه معيار اقتصادي يتعلق بمصالح التجارة الدولية،و معيار قانوني يرتبط هذه المرة لا بتعدد المقر أو الموطن فقط و إنما أيضاً بتعدد الدول و الجنسيات،و إذا حاولنا إسقاط ما هو مقرر في التحكيم على العقود فإننا نستخلص أن العقد لكي يكون دولي يجب أن يتوفر فيه كل من المعيارين القانوني و الاقتصادي.
ثانيا- القانون
الذي يحكم شكل العقد الدولي:
تنص المادة 19 على ما يلي "تخضع التصرفات القانونية في جانبها الشكلي لقانون المكان الذي تمت فيه و يجوز أيضاً أن تخضع لقانون الموطن المشترك للمتعاقدين أو لقانونهما الوطني المشترك أو للقانون الذي يسري على أحكامها الموضوعية"،ما الذي
يمكن استخلاصه
من هذه
المادة؟
أولا
: هذه المادة تستعمل عبارة "شكل التصرفات القانونية" و هو ما يدخل العقود في هذا المجال،كما أن الشكل المقصود هنا هو المظهر الخارجي للتعبير عن الإرادة،و على ذلك يتم استثناء الشكل الذي يعتبر ركناً في العقد،إذ سيخضع هذا الأخير لنفس القانون الذي يحكم موضوع العقد؛
ثانياً:
بخلاف الكثير من قواعد الإسناد الموجودة في القانون المدني أين هناك ضابط إسناد واحد،نجد أن المادة 19 وضعت أربع ضوابط إسناد تحكم شكل التصرفات القانونية؛
ثالثاً:
الضوابط الأربعة المقررة في المادة 19 هي ضوابط اختيارية يرجع للأطراف حرية اختيار أي قانون يحكم عقدهما من الجانب الشكلي،و هذا ما يستفاد من عبارة "يجوز"؛
رابعاً:
الضوابط المشار إليها في المادة 19 تؤدي إلى إخضاع العقد من الجانب الشكلي إلى قانون الدولة التي تم فيها إبرام العقد،و إما إلى قانون الجنسية متى كان طرفا العقد يحملان نفس الجنسية،و إما إلى قانون الموطن إذا كان للطرفين موطن مشترك،و أخيراً يمكن توحيد القانون المطبق و ذلك بأن يخضع العقد من الناحية الشكلية للقانون الذي يحكمه من حيث الموضوع،كما لو اتفق الأطراف على تطبيق قانون معين يحكم موضوع عقدهما فيكون هذا القانون هو الذي يخضع له العقد من حيث الشكل.
ثالثا- القانون الواجب التطبيق على موضوع العقد:
لقد وردت قاعدة الإسناد الخاصة بذلك في المادة 18 قانون مدني حيث جاء فيها ما يلي " يسري على الالتزامات التعاقدية،القانون المختار من المتعاقدين إذا كانت له صلة حقيقية بالمتعاقدين،و في حالة عدم إمكان ذلك يطبق قانون الموطن المشترك أو الجنسية المشتركة،و في حالة عدم إمكان ذلك يطبق قانون محل إبرام العقد،غير أنه يسري على العقود المتعلقة بالعقار قانون موقعه"،يظهر من هذه المادة أنه يتوجب التفرقة بين العقود الواردة على المنقولات و العقود التي يكون محلها عقارات.
أولا - العقود المتعلقة بالمنقولات:
تخضع العقود الواردة على المنقولات لثلاث ضوابط،على أنه ، طبقاً للمادة 18 الفقرات 1و2و3 يجب التنبيه هنا إلى أنه و بخلاف ما هو مقرر في المادة 19 ،هذه الضوابط ليست اختيارية و إنما هناك ضابط أصلي و ضوابط احتياطية.
أ-الضابط الأصلي
(قانون
الإرادة).
تطبيق قانون الإرادة في هذا المجال ما هو في الحقيقة سوى تكريس لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين،حيث يستقر الفقه و القضاء و تشريع الكثير من الدول على إعطاء الأطراف الحرية في اختيار القانون الذي يحكم عقدهم من جانبه الموضوعي،و هو ما ذهب إليه المشرع الجزائري باستعماله عبارة القانون المختار من المتعاقدين،و يذهب غالبية الفقه إلى القول بوجوب الأخذ بالإرادة الصريحة حيث يتفق الطرفان صراحة على القانون الواجب التطبيق،و أيضاً الأخذ بالإرادة الضمنية أين لا نجد اتفاقاً بين الطرفين حول القانون المطبق،غير أنه يمكن استخلاص هذا الأخير من ظروف التعاقد.
هل الأطراف
المتعاقدة حرة
في اختيار
أي قانون
شاءوا حتى
و لو
لم تكن
له أي
صلة بالعقد المبرم؟
من الفقه و هم أنصار النزعة الذاتية من ينادي بذلك و يقول بإمكانية أن يختار الأطراف قانوناً حتى و لو لم تكن له صلة بالعقد،لكن مع وجوب توفر شرط واحد و هو ألا يكون هذا الاختيار مبنياً على غشٍ نحو القانون،أما أنصار النزعة الموضوعية فيرون خلاف ذلك إذ بالنسبة إليهم إعطاء الأطراف حرية الاختيار دون قيد من شأنه أن يتيح لهؤلاء فرصة التهرب من الأحكام الآمرة المرتبطة بالعقد،و منه ينادي هذا الفقه بضرورة توافر صلة بين القانون المختار و العقد،فإذا اتضح للقاضي انعدام هذه الصلة استبعد هذا القانون و تولى بنفسه تحديد القانون الذي يحكم العقد،و يبدو أن المشرع الجزائري قد انحاز إلى هذا الموقف الأخير حيث تقضي المادة 18 فقرة 1 قانون مدني صراحة بوجوب أن تتوفر صلة بين القانون المختار و العقد،أو بين هذا القانون و المتعاقدين و هي صلة يجب أن تكون حقيقية بتعبير المشرع الجزائري؛
ب-الضوابط الاحتياطية.
قد لا يتفق الأطراف صراحة على قانون معين،في مثل هذه الحالة وضعت المادة 19 قانون مدني ضوابط احتياطية جاءت وفق ترتيب يفيد الأولوية،إذ أمام انعدام الاتفاق على القاضي أن ينظر في جنسية الأطراف أو موطنهم،فإذا وجدها مشتركة بأن كان طرفا العقد يحملان نفس الجنسية أو كان موطنهما واحداً طبقا قانون الجنسية أو قانون الموطن بحسب الأحوال،لكن مثل هذا الاتحاد قد لا يتحقق في كل الأحوال في مثل هذه الحالة على القاضي الرجوع إلى قانون الدولة التي تم فيها إبرام العقد،على أنه يجب أن نذكر هنا أن الترتيب الذي قررته المادة 18 قانون مدني هو ترتيب يفيد الأولوية لا الاختيار و على القاضي احترامه،فهو ملزم بتطبيق قانون الإرادة متى وُجد و لا يلجأ إلى الضوابط الأخرى إلا إذا غاب هذا القانون،فإذا حدث ذلك فلا يطبق مباشرة قانون محل الإبرام و إنما عليه أن يتأكد قبل ذلك من الأطراف ليست لديهم جنسية مشتركة أو موطن مشترك فإذا تحقق ذلك طبق هذا القانون المشترك،أما إذا لم يتحقق ذلك هنا فقط يتم اللجوء إلى قانون بلد الإبرام.
ثانياً- العقود الواردة على عقارات:
لقد استثنى المشرع الجزائري في المادة 18 فقرة أخيرة من القانون المدني العقارات و أخضعها لضابط إسناد آخر يختلف عن الضوابط الأربع المقررة بخصوص المنقولات مقرر اً ضابط إسناد واحد فقط عندما يتعلق الأمر بتحديد القانون الواجب التطبيق على العقود الدولية التي يكون محلها عقاراً،و هذا الضابط هو قانون موقع هذا العقار،و يذهب جانب من الفقه إلى القول بأن تطبيق قانون موقع العقار لا يكون إلا في حالة العقود التي ترتب حقوقاً عينية كعقد البيع مثلاً،أما العقود المرتبة حقوقاً شخصية كالإيجار فتخضع للحكم المقرر في الفقرات الثلاث الواردة في المادة 18 قانون مدني،على أن غالبية الفقه يرفض هذا القول و يرى إخضاع كل العقود العقارية لقانون واحد هو قانون موقع العقار و هو ما من شأنه أن يؤدي إلى تحقيق وحدة الأحكام القانونية المتعلقة بالعقود العقارية.
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة
النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى
النقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق