الاثنين، 13 نوفمبر 2023

صور خاصة للتراضي في عقد البيع

 

صور خاصة للتراضي في عقد البيع

         يعتبر البيع من أنواع العقود الأكثر تداولا في المجتمعات المعاصرة ، حيث يمكن أن يكون البيع متعلقا بعملية صغيرة مثل شراء الخبز من خباز الحي ، كما يمكن أن يكون متعلقا بعملية ضخمة مثل شراء عقار في أحد الأحياء الراقية بمبلغ كبير . ونظرا لهذا الانتشار فقد تولى المشرع بيان قواعدها ، ونظمها تنظيما مفصلا لما لها من أهمية بالغة في ميادين التعامل الاقتصادي .

و قد عرف المشرع الجزائري البيع من خلال نص المادة 351من القانون المدني البيع بأنه" عقد يلتزم بمقتضاه البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقاً مالياً آخر في مقابل ثمن نقدي"،والعقد لا يعتبر تاماً و لازماً إلا إذا تلاقت إرادتي البائع و المشتري ،أي تلاقي الإيجاب و القبول،و الإيجاب هو التعبير عن الإرادة المقترن بقصد الارتباط الذي ينصب عليه إذا لحقه قبول مطابق له،و هناك ما يسمى بالإيجاب الموجه للجمهور و يكون عن طريق الإعلان في الصحف أو عرض البضائع في المتاجر إلا أنه يشترط لكي يعتبر إيجاباً في عقد البيع :

-1 أن يتضمن بياناً مفصلاً عن السلعة بما في ذلك الثمن و إلا اعتبر دعوة إلى التعاقد ،و هي ليست ملزمة لمن وجهها فيجوز له أن يرفض إتمام هذه الدعوة.

-2 هذا الإيجاب يبقى مرهوناً بت وافر السلع المعلن عنها فإذا نفذت السلعة و طلب أحد الأفراد بعد ذلك هذه السلعة اعتبر نفاذها سقوطاً للإيجاب.

-3 أن يبقى الإيجاب قائماً ،فإذا صدر قبول من شخص لشراء أي سلعة بعد سقوط الإيجاب، فلا التزام على الموجب ، أما القبول فهو تعبير عن إرادة من وجه إليه الإيجاب بالموافقة عليه فينعقد العقد،شرط أن يكون مطابقاً للإيجاب و قبل سقوطه و إلا اعتبر إيجاباً جديداً.

Rأولا- موضوعات التراضي:

يجب أن ينصب التراضي في عقد البيع على:

أ- طبيعة العقد: إذ يجب أن تتجه إرادة البائع إلى البيع و إرادة المشتري إلى الشراء، و بالتالي لا يكون هناك توافق على ماهية العقد إذا اتجهت إرادة أحد المتعاقدين إلى البيع و اتجهت إرادة المتعاقد الآخر إلى عقد آخر بأن يقصد الرهن مثلا ، فإن الإيجاب و القبول لم يتطابقا لا على الرهن و لا على البيع.

ب- الاتفاق على المبيع: و يعد ذلك من المسائل الجوهرية، مثلاً :إذا طلب شخص من دار للنشر أن تبيعه كتاباً معيناً و تقبل أن تبيعه كتاباً آخر فإن العقد لا ينعقد لا على الكتاب المطلوب و لا على الكتاب الآخر.

ج- الاتفاق على الثمن: إذ لا ينعقد العقد إذا عرض أحد المتعاقدين البيع بثمن معين و قبل الآخر الشراء بثمن آخر،لكن إذا كان الفرض عكسياً بأن يعرض البائع البيع بثمن معين و يقبل المشتري الشراء بثمن أعلى انعقد العقد على الثمن الأقل باعتبار أن المشتري الذي قبل الشراء بالثمن الأعلى قد تضمنت إرادته الشراء بالثمن الأقل، فإذا كان طالب الشراء هو البادئ فعرض الشراء بثمن أعلى مما رضي به البائع كانت إجابة البائع إيجاباً جديداً لا يحتاج إلى قبول لأنه في مصلحة المشتري.

و ما دام المتبايعان اتفقا على البيع و المبيع و الثمن،فقد تم البيع حتى و إن سكتا عن تحديد الأمور التفصيلية (مكان التسليم ، زمان التسليم و على عاتق من تقع المصاريف...)،و عدم الاتفاق على هذه الأمور يدل على انصراف إرادة المتعاقدين إلى تطبيق القواعد المكملة التي نص عليها القانون في عقد البيع مما يجعل العقد تاماً.

 

ثانيا-صحة الرضا في عقد البيع:

حتى يكون الرضا منتجاً لآثاره القانونية في عقد البيع يجب أن يكون صحيحاً طبقاً للقواعد العامة ( الإكراه ، التدليس، الغلط ،الغبن)،و قد أضاف المشرع الجزائري إلى القواعد العامة حكماً خاصاً بعيب الغلط الذي يشوب الإرادة يقضي بضرورة علم المشتري بالمبيع ليصح عقد البيع ،و هو ما نصت عليه المادة 352 من القانون المدني التي استمدها المشرع من أحكام خيار الرؤية في الشريعة الإسلامية، و المقصود بها هو أن يكون للمتعاقد الحق في فسخ العقد أو في إمضائه عند رؤية محله إذا لم يكن قد رآه عند إنشاء العقد أو قبله في وقت لا يتغير فيه.

أما المشرع الجزائري فأجاز للمشتري إبطال العقد إذا وقع في غلط في صفة جوهرية للمبيع و أضاف شرطاً خاصاً يقضي بضرورة علم المشتري بالمبيع علماً كافياً،فاعتبرت المادة 352 ق م العلم محققاً في الحالات التالية:

-  رؤية المبيع أو معاينته.

- اشتمال العقد على بيان المبيع و أوصافه الأساسية بياناً يمّكن من التعرف عليه و تمييزه عن الأشياء الأخرى،فيكون الوصف بكيفية تقوم مقام الرؤيا الأصلية؛

-إقرار المشتري في العقد بأنه عالمٌ بالمبيع ،فإقراره يُغني عن الوصف و الرؤيا،و يترتب على عدم علم

المشتري بالمبيع حقه في طلب الإبطال برفع دعوى عدم العلم، و البطلان هنا نسبي لمصلحته دون

البائع.

و يسقط حق المشتري في خيار الرؤيا بمقتضى الشريعة الإسلامية:

أ/ برؤيا المبيع و إقراره البيع؛

ب/موت المشتري قبل الر ؤيا حيث يستقر البيع بوفاته؛

ج/هلاك الشيء المبيع أو تعييبه أو فقدانه قبل رؤيا المشتري له؛

د/تصرف المشتري بالشيء المبيع قبل أن يراه.

أما في القانون المدني فيسقط حق المشتري في طلب الإبطال على أساس عدم العلم علماً كافياً:

أ/ بإقرار المشتري بأنه عالم بالمبيع؛

ب/ يسقط طلب المشتري في الإبطال بالتقادم طبقاً للمادة 101 من القانون المدني حيث تنص على رفع دعوى الإبطال خلال 5 سنوات من يوم علمه بالبيع أو 10 سنوات من وقت التعاقد؛

ج/ يسقط أيضاً بتصرف المشتري في المبيع؛

د/يسقط حق المشتري في حالة هلاك المبيع في يده بسبب لا يد للبائع فيه.

فالغلط كعيب من عيوب الإرادة في الأحكام العامة لا يُفترض، بل على المشتري أن يقيم الدليل على وقوعه بغلط في مسألة جوهرية،لكن عدم العلم مفترض في المشتري و على البائع أن يثبت علمه لأجل رفض دعوى المشتري بإبطال العقد.

ثالثا - الوعد بالبيع:

هو عقد يتعهد بمقتضاه طرفٌ واحد بأن يبيع أو يشتري مالاً معيناً في حين يحتفظ الطرف الآخر بخيار إبرام العقد من عدمه، فلا ينعقد البيع إلا عندما يقرر الموعود له حق الخيار. و ما يميز الوعد بالبيع هو أن الواعد يعبر عن إرادته في البيع فوراً،و لا يمكنه التراجع عن إرادته أثناء المدة التي يستغرقها الوعد،أما الموعود له فإنه لا يعبر له عن إرادته في البيع إلا إذا استعمل حق الخيار، لذلك فإن الواعد يشترط أن تتوافر فيه أهلية البيع وقت إبرام عقد الوعد،أما الموعود له فيكفي فيه التمييز وقت الوعد و يجب أن تتوافر فيه الأهلية الكاملة وقت إبداء الرغبة في التعاقد.

و يجب أن يتم تعيين المبيع و الثمن و المدة التي يجب إبرام العقد فيها طبقاً للمادة 71 من القانون المدني،و كذلك الرسمية بالنسبة للوعد المتعلق بالعقارات و الحقوق العينية العقارية(م 71 / 2ق م).

         عندما يتعهد البائع بالبيع إذا أبدى الموعود له رغبته في الشراء فيكون الوعد حينئذٍ ملزماً للبائع و يستفيد الموعود له من حق الخيار،فالموعود له هنا هو حر إلا إذا تم الاتفاق على "تعويض التجميد" الذي  يدفعه الموعود له للمالك تعويضاً عن تجميد المال في ذمة المالك أثناء فترة الوعد دون أن يتمكن من التصرف فيه،و يلتزم حينئذ المتعاقدان على الاتفاق على المسائل الجوهرية و إلا كان الوعد بالبيع باطلاً و المتمثلة في المبيع،الثمن و مدة الوعد،كما يقع على الواعد بالبيع في فترة الانتظار التزام بالامتناع عن عمل و المتمثل في الامتناع عن كل ما يعطل البيع،إذا استعمل الموعود له حق الخيار فلا يستطيع أن يبيع للغير و إلا قامت مسؤوليته العقدية،لكن هذا البيع ليس باطلاً إلا إذا كان الغير عالماً بالوعد حينئذٍ يكون البيع غير نافذ في حق الموعود له و يحق له الرجوع بدعوى "عدم نفاذ التصرفات" أو "الدعوى البوليصية".

إذا لم يعلن الموعود له رغبته للشراء في المدة المتفق عليها يكون قد مارس حقاً له و لا مسؤولية عليه، و لا يلتزم إلا بدفع تعويض التجميد إذا اتفقا عليه.

رابعا - البيع بالعربون:

نص المشرع الجزائري على أحكام العربون في المادة 72 مكرر من القانون المدني ،و العربون هو المبلغ الذي يدفعه أحد المتعاقدين إلى الآخر وقت إبرام العقد ،و يكون الغرض منه :إما جعل العقد نهائياً و إما إعطاء الحق لكل واحد منهما في العدول عن العقد و ذلك بالرجوع إلى نية المتعاقدين.

و يستفاد من المادة 72 مكرر أن العربون متروك لاتفاق الطرفين،فإذا دُفع العربون وقت إبرام العقد و لم يتم الاتفاق صراحة أو ضمناً أن العربون إنما دفع لتأمين العقد كان دفعه يفيد احتفاظ المتعاقدين بحق العدول لكل منهما في مقابل خسارة ما يعادل العربون،وتعتبر هذه الخسارة بمثابة ثمن لاستعمال الحق في العدول فيصبح مستحقاً في ذمة العادل لمجرد عدوله بغض النظر عن حصول ضرر للطرف الآخر أم لا،بخلاف التعويض الاتفاقي أو الشرط الجزائي المتفق عليه مقدماً بين الدائن و المدين الذي لا يحكم به إلا إذا ترتب ضرر.

فإذا كان العادل هو من قبض العربون فإنه يرده و يرد مثله،و إذا كان العادل هو من دفع العربون فلا يجوز له استرداده،و إذا قصد المتعاقدان بالعربون اعتبار البيع نهائي و بات فلا يجوز للبائع و لا للمشتري الرجوع في البيع و يعتبر العربون حينئذ كجزء من الثمن فيلتزم كل طرف بإبرام البيع النهائي.

و تنص المادة أنه لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه في المدة المتفق عليها،و عليه يمكنهما الاتفاق على المدة التي يجوز خلالها العدول صراحة أو ضمناً، إذا انقضت هذه المدة اعتبر العقد باتاً و وجب استكمال التنفيذ،و إذا لم يعين للعدول مدة في العقد جاز للمتعاقد أن ينذر الطرف الآخر باستعماله حق العدول لمدة معقولة.

بالنسبة للطبيعة القانونية للبيع بالعربون هناك من اعتبره عقد معلق على شرط واقف،هذا الشرط الواقف هو ألا يعدل أحد المتعاقدين عن البيع،فإذا انقضت المدة دون عدول تحقق الشرط و أنتج البيع أثره من وقت الاتفاق،و إذا تخلف الشرط( عدل احدهما) لم ينتج البيع أي أثر.

أما الرأي الثاني فقد اعتبره أنه عقد معلق على شرط فاسخ (عدول أحد الطرفين)،فإذا تخلف الشرط اعتبر العقد منشئاً لآثاره منذ انعقاده،أما إذا تحقق الشرط ترتب على ذلك زوال العقد بأثر رجعي.

لكن الرأي الراجح هو اعتباره ينطوي على التزام بدلي (الالتزام البدلي هو وصف للالتزام و هو أن يكون محل الالتزام شيئاً واحداً و لكن تبرأ ذمة المدين إذا أدى بدلاً منه شيئاً آخر)،أي أن العربون هو البدل في التزام أصلي، يكون المدين ملتزماً أصلاً بالالتزام الوارد في عقد البيع و لكن تبرأ ذمته من هذا الالتزام إذا هو أدى مبلغ العربون.

 

ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...

لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى النقر هنا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق