تعريف عقد البيع و تمييزه عن بعض التصرفات
تطور التعامل بين مختلف الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين وأصبح أكثر اتساعا في مجتمعاتنا المعاصرة ،
وتعتبر عقود البيع من أكثر العقود انتشارا وشيوعا في هذه المجتمعات، فلا يوجد شخص مهما كان لا يمارس عمليات الشراء والبيع خلال مختلف مراحل حياته، حتى صارت عقود البيع بحق من أهم العقود الأساسية للحياة القانونية المعاصرة المدنية والتجارية على السواء، ومن هذا المنطلق يمكن أن نطرح التساؤل التالي : ماهو
عقد البيع و كيف نميزه عن بعض التصرفات الأخرى ؟
فالعقد حسب المادة 54 من القانون المدني الجزائري هو" اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص نحو شخص
أو عدة أشخاص آخرين بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما"،و إذا تعددت تقسيمات العقود فإنه
من حيث وجود تنظيم تشريعي خاص بها من عدمه، تقسم إلى عقود مسماة و عقود غير مسماة.
فالعقود المسماة
سميت بهذه التسمية لأن المشرع الجزائري وضع تنظيماً خاصاً بها و سماها باسم خاص لكثرة تداولها و
استقرار قواعدها([1])،و
تبقى حرية الأفكار في التعاقد و أن العقد شريعة المتعاقدين في إطار النظام العام و
الآداب العامة فكرة أساسية في القانون المدني و من ثم يستحيل على المشرع أن يستعرض جميع صور العقود،لذلك
فهناك طائفة العقود غير المسماة التي لم يخصها المشرع بتنظيم خاص بها لعدم أهميتها مقارنة
بالعقود المسماة،تاركاً الأمر بشأنها للقواعد العامة لنظرية العقد فإذا لم يجد فيها حكماً تعيّن القياس
على العقود المسماة و إلا تم الرجوع إلى المصادر الأخرى للقانون،و كلما تعاظم شأن عقد من العقود
تدخل المشرع ليتناوله بالتنظيم، ومن ضمن هذه العقود المسماة نجد ما يسمى بـ " عقد
البيع".([2])
أولا – تعريف عقد البيع :
يعتبر البيع من أنواع العقود الأكثر تداولا في المجتمعات المعاصرة ، حيث يمكن أن يكون البيع متعلقا بعملية صغيرة مثل شراء الخبز من خباز الحي ، كما يمكن أن يكون متعلقا بعملية ضخمة مثل شراء عقار في أحد الأحياء الراقية بمبلغ كبير . ونظرا لهذا الانتشار فقد تولى المشرع بيان قواعدها ، ونظمها تنظيما مفصلا لما لها من أهمية بالغة في ميادين التعامل الاقتصادي
.
و قد عرف المشرع الجزائري البيع من خلال نص المادة
351من القانون المدني البيع بأنه" عقد يلتزم بمقتضاه البائع أن ينقل للمشتري
ملكية شيء أو حقاً مالياً آخر في مقابل ثمن نقدي"،و يتضح من هذا التعريف أن خصائص عقد
البيع تتمثل في:
1- أنه ملزم لجانبين أي أنه يرتب التزامات متقابلة في ذمة طرفيه( البائع و المشتري)، فالبائع يلتزم بنقل
ملكية شيء أو حق مالي آخر، و المشتري يلتزم بدفع الثمن؛
2- أن عقد البيع هو عقد معاوضة، فالبائع يأخذ الثمن مقابلاً للمبيع والمشترى يأخذ المبيع مقابلاً للثمن .
3- هو عقد رضائي إذ يكفي لانعقاده تطابق إرادة البائع مع إرادة المشتري دون اشتراط إفراغه في شكل معين
إذا تعلق الأمر بالمنقولات،أما بالنسبة للعقارات فقد اشترط المشرع الجزائري كتابة عقد بيع العقارات
و توثيقه و إلا كان باطلاً بطلاناً مطلق.
4- هو عقد يرد على الأشياء و على الحقوق المالية الأخرى (أي أنه لا يقتصر على حق الملكية و
إنما يرد كذلك على سائر الحقوق المالية العينية،الشخصية و الذهنية)، و من ثم يصح أن يكون محله حقاً
شخصياً كما في حوالة الحق التي تعتبر بيعاً كلما توافرت فيها بقية مقوماته،و قد يكون محله بالحقوق
الذهنية كالملكية الصناعية و الأدبية؛
5- عقد البيع ينقل الملكية من البائع إلى المشتري في حالة ما إذا كان محله منقولاً معيناً بالذات،أما
إذا كان شيء معين بالنوع فإن دور عقد البيع يقتصر على إنشاء التزام في ذمة البائع بنقل الملكية،
أما الملكية فتترتب على عمل مادي و هو الإفراز،كذلك الأمر إذا كان محل العقد عقاراً أو إحدى الحقوق العينية الأصلية الواردة على العقار فإن العقد لا ينقل الملكية و إنما تنتقل بموجب الشهر.
ثانيا - تمييز عقد البيع عن بعض التصرفات المشابهة له.
قد يؤدي إبرام الأفراد لما يشاؤون من العقود ضمن حدود النظام العام و الآداب العامة إلى ظهور عقود تشترك مع البيع في بعض الخصائص، خاصة و أن القاعدة في العقود هو الأخذ بما اتجهت إليه نيّة الأفراد في تحديد نوع العقد و ليس بالألفاظ (العبرة في العقود بالمقاصد و المعاني لا بالألفاظ و المباني).
1)- البيع
و العمليات
القانونية التي
تتضمن نقل
الملكية.
أ- البيع و
الهبة:
الهبة هي عقد يتصرف بمقتضاه الواهب في ماله دون عوض، أي أن الهبة تقوم على نية التبرع أما البيع فيلزم توافر المقابل النقدي ،لذا قد يقوم التشابه بين البيع و الهبة إذا كانت الهبة تتضمن إلزام الموهوب له بتكليف يتمثل في دفع مبلغ من النقود للمتبرع أو لشخص غير المتبرع،هنا العبرة بقصد المتعاقد ناقل الملكية: فإذا كان يقصد التبرع كان عقد هبة،أما إذا كان قصده هو المبادلة كان العقد بيعاً
ب- البيع و
الوصية:
الوصية هي تصرف بإرادة منفردة مضاف إلى ما بعد الموت و هي من أعمال التبرع بينما البيع يكون بمقابل مادي و يرتب أثره( انتقال الملكية) في الحياة، فإذا قام الأفراد بصياغة وصيتهم في صورة عقد بيع قام القاضي بالتعرف على حقيقة قصدهما إذا ما كان بيعاً أو وصية معتمداً في ذلك على عدة قرائن، مثلاً : بقاء المبيع في حوزة البائع و انتفاعه به، اتفاق البائع و المشتري على أن تعود الملكية للبائع إذا توفي المشتري قبله.
ج- البيع و المقايضة:
كل من البيع و المقايضة هي عملية مبادلة،غير أن البيع هو مبادلة حق ملكية بمقابل مادي،أما المقايضة فهي مبادلة حق ملكية بحق ملكية آخر،أي أن العبرة في المقابل بالطبيعة و لو تمكنا من معرفة سعر المقابل وقت عرضه في الأسواق،مثلاً : نقل ملكية منزل مقابل سبائك ذهبية هو مقايضة، فإذا كان المقابل جزءاً منه نقود و الجزء الآخر حق ملكية هنا العبرة بالجزء الغالب إذا كانت نقوداً كان بيعاً،أما إذا كان حق الملكية هو الغالب كان عقد مقايضة.
د - البيع و
الوفاء بمقابل:
الوفاء بمقابل هو إحدى طرق انقضاء الدين و ذلك بتقديم مقابل يعوض على الشيء المستحق للدائن( المادة 252 ق م)، و هنا وجب تطبيق أحكام عقد البيع طبقاً للمادة 286 ق م ،و مع ذلك يختلف البيع عن الوفاء بمقابل في أن البيع قائم بذاته في حين أن الوفاء بمقابل يفترض وجود التزام في ذمة المدين ناقل الملكية.
2)
البيع و
العمليات القانونية
التي تتضمن
مقابلاً مادياً
.
أ- البيع و
الإيجار:
بينما يرتب البيع نقل ملكية مال من ذمة البائع إلى ذمة المشتري،فإن الإيجار يقتصر أثره على تمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة،لذلك فإن البيع هو عقد فوري أما الإيجار فهو عقد زمني.
ب- البيع و
المقاولة:
طبقاً للمادة 549 من القانون المدني فإن المقاولة هي القيام بعمل معين لصالح رب العمل مقابل لقاء مادي،فإذا قام المقاول بتقديم العمل و المادة المستعملة في العمل لرب العمل فالغالب فقهاً و قضاءً في مثل هذه الفروض أن العقد هو عقد بيع لأشياء مستقبلية و ليست مقاولة.
ج- البيع و
القرض:
يعتبر كل من البيع و القرض من العقود الواردة على الملكية مع الفارق المتمثل في أن نقل الملكية إلى المشتري في عقد البيع يكون بصفة نهائية، بينما المقترض ليس مالكاً بصفة دائمة و إنما عليه التزام برد الشيء المقترض.
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة
النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى النقر هنا
[1] - يضع المشرع الجزائري تنظيماً خاصاً بالعقود من أجل:
أولا : تسهيل مهمة الأفراد في التعاقد بالاتفاق فقط على المسائل الجوهرية تاركاً التفاصيل للتنظيم؛
ثانيا: تسهيل مهمة القاضي من خلال ضبط طريقة تطبيق القواعد العامة بنص خاص؛
ثالثاً: و قد يهدف المشرع من خلال تنظيم خاص الخروج في شأن عقد من العقود عن المبادئ العامة لغاية تتفق مع السياسة التشريعية.
[2] - عقد البيع هو موضوع الفصل الأول من الباب السابع من القانون المدني المعنون بالعقود المتعلقة بالملكية،فخصص
القسم الأول الأحكام العامة لعقد البيع،و خصص القسم الثاني لبعض أنواع البيع و هي: بيع ملك الغير،بيع الحقوق المتنازع فيها،بيع الشركة،البيع في مرض الموت و بيع النائب لنفسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق