الاثنين، 13 نوفمبر 2023

الإلتزام بنقل ملكية العقار

 

الإلتزام بنقل ملكية العقار

من المعروف أن عقد البيع من العقود الملزمة للجانبين ولذا فهو يرتب التزامات على عاتق كل من البائع  والمشترى ، فالبائع يلتزم ينقل ملكية المبيع ، ويلتزم بتسليم المبيع إلى المشترى ، و الالتزام بنقل ملكية المبيع هو أول التزام يقع على عاتق البائع بمجرد إبرام العقد،و تبعاً لذلك تنص المادة 361 من القانون المدني " يلتزم البائع بكل ما هو ضروري لنقل الحق المبيع إلى المشتري و أن يمتنع عن كل عمل من شأنه أن يجعل نقل الحق عسيراً أو مستحيلاً "، ومن المعلوم أن المبيع في عقد البيع إما أن يكون منقولا أو عقارا ، و هذا الأخير سيكون موضوع دراستنا في هذه البطاقة.

أولا – النصوص القانونية المنظمة لنقل ملكية العقار في الجزائر:

يتضح من المادة 165 و 793 من القانون المدني أن انتقال الملكية في العقارات و الحقوق العينية العقارية سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير لا يتم إلا بعد اتخاذ إجراءات الشهر المنصوص عليها قانوناً،و عليه فإن شهر بيع العقار هو إجراء يتطلبه القانون بغية إعلام الغير بحصول هذا التصرف حتى يكون حجة عليه،و بدون الشهر العقاري لا يمكن لبيع العقار أو حق عيني عقاري آخر أن يرتب أثره العيني (انتقال الملكية) ،و هذا ما أكده الأمر 75-74 مؤرخ في12 /11/ 1975المتعلق بإعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري و الذي فُعِل و وُضع حيز التنفيذ بمقتضى المرسوم التنفيذي رقم 76-62 المؤرخ في 25/03/1976 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام  ، حيث تبنى من خلاله  المشرع نظام الشهر العيني ،بالإضافة إلى المرسوم التنفيذي رقم 76-63 المؤرخ في 25/03/1976 ، المتعلق بتأسيس السجل العقاري حينما نص أن كل حق ملكية و كل حق عيني آخر يتعلق بعقار لا يكون له أثر بالنسبة للأطراف و لا في مواجهة الغير إلا من تاريخ الشهر في مجموعة البطاقات العقارية.

ثانيا –إجراءات إنتقال ملكية  العقار في القانون الجزائري:

باستقراء النصوص القانونية المذكورة أعلاه، نجد نقل ملكية العقار يمر بثلاث مراحل ، هي مرحلة التوثيق كأول إجراء لنقل ملكية عقار، أما المرحلة الثانية فتكمن في تسجيل العقارات، و المرحلة الثالثة و التي  سنستفيض فيها تخص الشهر العقاري.

المرحلة الأولى: التوثيق

من خلال نص المادة 324 من القانون المدني الجزائري يمكن أن نستخلص الأسس التي من خلالها تستمد المحررات الناقلة للملكية العقارية الصبغة الرسمية ، و العقد الرسمي حتى يكون صحيحا ورسميا، لابد أن يصدر عن موظف أو ضابط عمومي أو شخص مكلف بخدمة عامة، لكن القانون رقم06- 02 المتضمن تنظيم التوثيق ،أضفى على الموثق صفة الضابط العمومي ، وخوله تحرير العقود التي فرض فيها المشرع

الشكلية وحدد القانون صيغتها الرسمية، ومنه يكون الموثق هو الشخص المؤهل لتحرير عقد البيع العقاري، وبالتالي يعتبر البيع العقاري صحيحا، إذا تم وفقا للأشكال القانونية طبقا لما نصت عليه المادة 324 ق م، وتبيان هذه الأشكال يقتضي منا :

×       تحديد البيانات الخاصة بالأشخاص المتدخلين في تحرير العقد:الأشخاص المتدخلون في تحرير عقد البيع العقاري هم: الموثق، البائع والمشتري، الشهود،وأحيانا أخرى المترجم إذا كان أحد أطراف العقد أو كلاهما لا يفهم اللغة العربية.

×                البيانات الخاصة بشكل العقد: نجد أن المادة 18 من القانون رقم88-27 من قانون التوثيق تشترط شروط شكلية لابد من توافرها في العقد التوثيقي المتعلقة بعملية البيع العقاري، وفي كل الحالات تحرر العقود باللغة العربية، وفي شكل واحد و تستعمل قراءته ودون اختصار أو نقص أو كتابة بين الأسطر، وتكتب المبالغ والشهر والسنة واليوم.

×       البيانات الخاصة بموضوع العقد: وهي التي تتعلق بالتصرف القانوني الثابت في العقد، ففي عقد البيع العقاري يجب أن يذكر تاريخ إبرامه، ويحدد هذا التاريخ باليوم والشهر والسنة ومكان إبرامه ،

كما يتعين ذكر طبيعة وحالة ومضمون وحدود العقار، وذكر أصل الملكية، بالنسبة لبائع العقار أي ذكر المالك السابق وذكر اكتساب البائع لهذا العقار، وهذا ما يتضح من نص المادة 324مكرر 1 ق م ،ويذكر إلى جانب ذلك الثمن الذي تلقاه الموثق من المشتري ، فإذا تم ذكر جميع البيانات وجب على الموثق قبل أن يوقع ذوو الشأن على العقد أن يتلو عليهم الأحكام التشريعية الخاصة بالضرائب ليبين لهم الأثر القانوني المترتب على التصرف الذي يقدمون عليه، و تعتبر البيانات المذكورة أعلاه بيانات جوهرية في عقد البيع العقاري فإذا تخلف واحدة منها أعتبر المحرر باطلا، أما البيانات غير الجوهرية، فلا يترتب عنها بطلان المحرر الرسمي، مثل عدم دفع الرسوم والحقوق أو وجود إضافات أو كتابة بين الأسطر، أو في حالة عدم تثبيت الموثق من شخصية المتعاقدين عن طريق شهادة شاهدين.

المرحلة الثانية: التسجيل

بعد تمام إجراءات توثيق المحرر الرسمي الناقل للملكية العقارية أمام المكلف بالتوثيق قانونا فإنه يجب على هذا الأخير القيام بعملية تسجيل هذا المحرر على مستوى مفتشية التسجيل والطابع والمكلف بعملية التسجيل هو مفتش التسجيل،بهدف تحصيل الجانب الضريبي لصالح الخزينة العمومية.

يعتبر التسجيل مرحلة من مراحل انتقال الملكية العقارية وهو يتوسط مرحلة التوثيق والإشهار العقاري، كما أنه إجراء ملزم باعتبار أن حقوق التسجيل تدفع قبل القيام بهذا الإجراء تطبيقا لنص المادة 82 من قانون التسجيل، ونص المشرع الجزائري في المادة 393 من القانون المدني "نفقات التسجيل والطابع ورسوم الإعلان العقاري والتوثيق وغيرها تكون على عاتق المشتري ما لم تكن هناك نصوص قانونية تقضي بغير ذلك".، و للتسجيل أهداف قانونية أهمها إعطاء تاريخ ثابت للتصرفات القانونية ومن بينها التصرفات الواردة على الحقوق العقارية من جهة، ومن جهة أخرى تحصيل رسوم التسجيل على هذه التصرفات، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف كان من الضروري التأكد من أن كل الوثائق الرسمية الخاضعة لتسجيل العقارات تتضمن معلومات صحيحة توضح لنا حقيقة التصرفات والأطراف القائمين بها.

و قد ألزم المشرع الجزائري الموثقين بتسجيل عقودهم في أجل شهر إبتداءا من تاريخها، حسب ما نصت عليه المادة 58 من قانون التسجيل وإذا صادف آخر أجل التسجيل يوم عطلة فإنه يمتد إلى أول يوم العمل الذي يليه، في حالة الإخلال بمواعيد التسجيل يتعين على الموثقين والمحضرين ومحافظي البيع بالمزايدة الذين لم يقوموا بتسجيل عقودهم في الآجال المحددة بموجب قانون التسجيل أن يدفعوا شخصيا غرامة يحدد مبلغها على كل مخالفة وهذا تطبيقا لمقتضيات المادة 93 من قانون التسجيل .

المرحلة الثالثة: الشهر

1- تعريف الشهر العقاري:

الشهر العقاري مصطلح مركب من كلمتين الشهر والعقار. فيقصد بكلمة الشهر الإعلام والنشر، أما العقار فقد عرفته المادة 683 من القانون المدني "هو كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه ولا يمكن نقله دون تلف..."

و يعرّف الشهر العقاري أنه "نظام قانوني له مجموعة من القواعد و الإجراءات يضمن بها حق الملكية العقارية و كذا الحقوق العينية العقارية الأخرى و جميع العمليات القانونية الواردة على العقارات"

و يكتسي الشهر العقاري أهمية بالغة في تأمين قيد الحقوق العينية العقارية وكل ما يتعلق بها أو يجري عليها من تصرفات. مما ينتج لكل ذي مصلحة الإطلاع على الحقوق العينية وما يثقلها من أعباء ،و يتسم نظام الشهر العقاري في الجزائر بمجموعة من المميزات:

- فهو ذو طابع إداري (من خلال إسناد عملية الشهر العقاري لمصلحة إدارية تسمى"المحافظة العقارية" يديرها الموظف العمومي يعرف ب"المحافظ العقاري").

- و ذو طابع إلزامي (جعل شهر التصرفات العقارية الواقعة على العقارات إلزامي وضروري لكي ينتج أثاره، سواء فيما بين الأطراف المتعاقدين أو اتجاه الغير) ، كما أن انه ذو طابع عيني( سنفصل فيه لاحقا).

و يعتمد الشهر العقاري على نوعين من أنظمة الشهر: نظام الشهر الشخصي و نظام الشهر العيني.

2 – أنظمة الشهر العقاري:

يعتمد الشهر العقاري على نوعين من أنظمة الشهر: نظام الشهر الشخصي و نظام الشهر العيني.

2-1- نظام الشهر الشخصي:

ظهر هذا النظام في الدول اللاتينية كفرنسا وايطاليا ومن أسسه أن ينشأ سجل أو سجلات على مستوى المحافظة العقارية برصد كل تصرف منشئ لحق عيني،و توضح كلمة شخصي أن الشهر حسب هذا النظام يكون أساساً بأسماء الأشخاص مالكي العقار عند شهر التصرفات العقارية وليس العقار، أي أن الشخص محل إعتبار في شهر التصرفات العقارية ،بمعنى أن العقارات لا تعرف بمواقعها إنما تعرف بأسماء مالكيها ، ومن أراد معرفة مالك عقار معين عليه البحث عن إسم مالكه في السجل الخاص بذلك.

تتم عملية الشهر الشخصي في نوعين من السجلات،سجل يمسك حسب الترتيب الزمني لتقديم العقود المتضمنة معاملات عقارية لإجراء الشهر، وسجل يمسك حسب الترتيب الأبجدي لأسماء كل الأشخاص القائمين بمختلف التصرفات العقارية فهو بذلك لا يعتد بمواصفات العقار محل التعامل من موقع وحدود ومساحة

و انما ينظر إلى الهوية الكاملة للأشخاص المالكين أو الذين تعاملوا فيه.

2-1-1- تقييم نظام الشهر الشخصي :

أ- مزايا نظام الشهر الشخصي:

×  مجرد شهر التصرفات يعد قرينة على ملكية العقار من طرف الشخص الذي سجل التصرف، حتى و إن كانت القرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس. وهذا يعني أن نظام الشهر الشخصي يؤدي دور هام وهو إعلام الجمهور بوقوع تصرفات عقارية معينة.

- أن نظام الشهر الشخصي لا يتطلب عملية مسح الأراضي العام،لأن هذه العملية تكلف مبالغ مالية ضخمة لا يستطيع الكثير من الدول تحملها خاصة الدول المتخلفة منها.

ب- عيوب نظام الشهر الشخصي:

- ليس لنظام الشهر الشخصي أية قوة ثبوتية ذلك أن التصرفات التي يتم شهرها في هذا النظام لا تخضع للتدقيق والبحث عن مدى صحتها بل تشهر كما هي , فإن كانت باطلة أو قابلة للإبطال أو للفسخ ظلت كذلك حتى بعد شهرها، مما يعطي الحق لكل ذي مصلحة الطعن فيها رغم شهرها بالإبطال أو الفسخ.

- عملية الشهر في ظل نظام الشهر الشخصي مجرد وسيلة للإشهار والعلانية وليست سببا لنشوء الحقوق العينية و انتقالها.

- عدم تحقيق الغرض الذي أنشأ من أجله الشهر العقاري من ناحية استقرار الملكية العقارية وتوفير الإئتمان.

- صاحب مصلحة المحافظة العقارية لا يعرف من السجلات إلا الشخص الذي تصرف في العقار ،كما أن المحافظ العقاري ليس له صلاحية فحص العيوب العالقة بالتصرف،إذ يقوم بشهر التصرف كما هو ولكل ذي مصلحة الاعتراض على التصرف و طلب إبطاله رغم شهره،فالنظام لا يعطي لمشتري العقار أي ضمان بثبوت حق ملكيته حيث يكفي الحكم ببطلان عقد البيع حتى يزول هذا الحق،و يزول أثر الشهر بزوال التصرف.

- كما يعاب على هذا النظام إمكانية ضياع العقار ،فيمكن ظهور شخص آخر من الغير يدعي ملكية العقار عن طريق التقادم.

2-1-2- موقف المشرع الجزائري من نظام الشهر الشخصي:

بعد الاستقلال مباشرة اعتمد المشرع الجزائري على نظام الشهر الشخصي، وهذا لعدة اعتبارات أهمها صدور القانون القاضي بتمديد العمل بالقوانين الفرنسية إلا ما كان منها مخالفا للسيادة الوطنية، هذا بالإضافة للأوضاع الصعبة التي كانت تعرفها الجزائر والتي لا تسمح بتبني نظام الشهر العيني,

بصدور الأمر 75-74 و المرسومين التنفيذيين رقم 76-62 و رقم 76- 63 و الذي أعلن المشرع الجزائري

نظام العيني كنظام للشهر العقاري.

 

2-2- نظام الشهر العيني:.

يمكن تعريف نظام الشهر العيني بالإعتماد على كلمة "عيني" المعاكسة لكلمة "شخصي"، ومفادها أن هذا النظام يرتكز في شهر التصرفات العقارية على العين ذاتها أي العقار موضوع التصرف، و يكون ذلك في سجل يعرف بالسجل العيني أو السجل العقاري،إذ يخصص لكل عقار صفحة في السجل تعرف بالصفحة العقارية أو صحيفة السجل العيني، تقيد فيها كافة الحقوق التي ترد على العقار و أصحاب هذه الحقوق و القيود و التغيرات التي تطرأ عليها ، مع تحديد موقع العقار، مساحته، رقمه و حدوده، ويسمى العقار المعني بـ "الوحدة العقارية"  فتعتبر البطاقة المخصصة له بمثابة بطاقة تعريفه، وترتب هذه البطاقات حسب الأرقام الممنوحة لها أثناء عملية مسح الأراضي ، و من ثم يكون لصاحب المصلحة إذا أراد تقريرا على حالة العقار فليس أمامه إلا الرجوع إلى مصلحة الشهر إذ من خلال هذه المصلحة يستطيع المتصرف إليه أن يتعرف على صاحب العقار وجميع الحقوق التي له و التي عليه دون حدوث أي خطأ.

2-2-1- خصائص أو مبادئ نظام الشهر العيني :

يتميز نظام الشهر العيني أو نظام السجل العقاري، بجملة من الخصائص أو المبادئ جعلته يحقق بواسطتها الهدف المرجو من الشهر العقاري وتتمثل هذه المبادئ في:

أ- مبدأ التخصيص: مفاده هو أن يخصص لكل وحدة عقارية بطاقة عقارية صفحة من السجل العقاري تتضمن بدقة: موقع العقار،مساحته،حدوده،أسماء المتصرفين،أهليتهم القانونية،الحقوق و الالتزامات و الارتفاقات التي تشغله، فتعتبر بذلك البطاقة العقارية بمثابة عقد ميلاد العقار من الناحية القانونية أما السجل

العقاري، فيعتبر بمثابة سجل الحالة المدنية للعقارات الممسوحة.

ب- مبدأ قوة الثبوت المطلقة: أو ما يعرف بالثقة العامة في السجل العيني ، و يقصد بذلك أن التصرفات التي تشهر في ظل نظام الشهر العيني هي قرينة قاطعة على الملكية بالنسبة للعقار أو للحق العيني موضوع الشهر، إذ يصبح التصرف المشهر مطهرا من العيوب مهما كان مصدرها، و بالتالي تكون الحقوق المقيدة حقيقة مؤكدة و نهائية و لا يجوز الطعن فيها لا بدعوى البطلان و لا بدعوى الاستحقاق أو الاسترداد، و هذا ما يطمئن المتعاملين ويشجع القروض المرتبطة بالرهون.وبالتالي فإن هذا المبدأ يمثل الفكرة الأساسية الفاصلة بين نظام الشهر العيني و نظام الشهر الشخصي .

ج- مبدأ الشرعية: يطلق عليه كذلك تسمية مبدأ المراقبة المسبقة، و مقتضاه وجوب التحقق و الرقابة و المراجعة الدقيقة السابقة لعملية الشهر، فلا يشهر أي حق عيني إلا بعد تنقيته من كل شائبة، بحيث يكون مطابقا للحقيقة وعنوانا لها طالما أن هذا الحق العيني يتحصن بمجرد قيده في السجل العقاري.

و تحقيقا لهذا المبدأ، فإن المحافظ العقاري في ظل نظام الشهر العيني، يعد المحور الأساسي، إذ أنه يلعب دورا إيجابيا و متميزا، فقد أوكل له المشرع الجزائري مهمة مراقبة مدى استفتاء السندات المراد شهرها على مستواه للشروط الشكلية و الموضوعية، كما وردفي نص المادة 105 من المرسوم التنفيذي رقم 76- 63.  د- مبدأ القيد المطلق: و معناه أن الشهر هو مصدر الحقوق العينية العقارية سواء كانت أصلية أو تبعية، فهو الذي ينشئها، يعدلها، ينقلها أو يزيلها، إذ لا يمكن الإحتجاج بها، سواء بين أطراف التصرف أو في مواجهة الغير إلا من تاريخ قيدها في السجل العقاري، وكذلك الحال بالنسبة للأحكام و القرارات القضائية المثبتة لحقوق عينية عقارية فإن عدم شهرها ينجم عنه عدم إمكانية الإحتجاج بها على الغير.

أي أن للشهر أثر قاطع في نقل الملكية سواء بالنسبة للمتعاقدين أو بالنسبة للغير.

هـ - مبدأ عدم إكتساب الحقوق المشهرة بالتقادم: من المعلوم أن التقادم يعد سبب من أسباب اكتساب الملكية، ونقصد بالتقادم في هذا المقام، التقادم المكسب، الذي يقوم على واقعة الحيازة و(الحيازة هي  سيطرة شخص سيطرة مادية على حق، سواء كان حقا عينيا" الملكية إنتفاع إرتفاق"، أو شخصيا، و السيطرة المادية على الحق تكون بمباشرة أعمال مادية مما يقوم به عادة المالك على النحو الذي تقتضيه طبيعة هذا الحق)،فإذا كان التقادم على هذا سبب من أسباب إكتساب الملكية و إنتقالها ،فإنه لا يكون كذلك في كسب الملكية العقارية في ظل نظام الشهر العيني ، لأنه يتعارض مع مبدأ القيد المطلق ومبدأ قوة الثبوت المطلقة ،وذلك لأن من ثبت إسمه في السجل العقاري كمالك للعقار يصبح في مأمن من أن يفاجأ بإدعاء أي مغتصب يزعم أنه يملك العقار بالتقادم.

2-2-2- تقييم نظام الشهر العيني:

أ- مزايا نظام الشهر العيني:

- إن نظام الشهر العيني يوفر الحماية التامة للمتعاقدين، إذ أن كل ماهو مقيد في السجل العقاري هو الحقيقة التي لا يكتنفها الشك، لأنه خضع لرقابة المكلف بالشهر.

- إن هذا النظام يسهل التعرف على الحالة القانونية للعقار، فبمجرد الإطلاع على الصحيفة الخاصة بالعقار موضوع التصرف، يمكن الإلمام بكل ما يتعلق به من حيث المساحة، الموقع، الحدود و الرقم، كذلك أصل الملكية فيه و كل الأعباء التي تثقله و جميع التصرفات الواردة عليه منذ قيده لأول مرة في السجل العقاري.

-أنه يتجنب العيوب و الأخطار التي قد تنجم عن تشابه الأسماء، باعتماده على العقار أساسا للشهر، و ليس اسم المالك أو صاحب الحق العيني .

- الشهر العيني يستدعي تعيينا دقيقا للعقار، وهذا ما يساعد في عملية تحديد وعاء الضريبة و الرسوم العقارية بطريقة سليمة.

ب- عيوب نظام الشهر العيني:

- العمل بهذا النظام يستدعي في بداية الأمر مسحا شاملا لكل الأراضي في الدولة، كما أنه يتطلب إنشاء بطاقة عقارية لكل عقار، وهذا يقتضي توفير المال و اليد العاملة المختصة في هذا الميدان.

- إن نظام الشهر العيني يؤدي إلى تفتيت الملكية، إذ أن تخصيص بطاقة أو عدة بطاقات لكل وحدة عقارية أمر صعب التطبيق، خاصة عندما تتفتت الملكية عن طريق الميراث و القسمة، فيصبح كل شخص يملك جزء صغير جدا من العقار مما يؤدي إلى تخصيص لكل جزء مهما كان صغيرا بطاقة عقارية، فيصبح بذلك نظام الشهر العيني عاجزا عن تلبية هذه المتطلبات، بتخصيص بطاقة لكل وحدة عقارية.

- كما يرى خصوم نظام الشهر العيني أن انتقال الملكية و الحقوق العينية الأخرى عن طريق الشهر وحده، يجعل من هذا النظام وسيلة لاغتصاب حقوق الملاك الحقيقيين، فالشخص الذي يشهر حق عيني لا يملكه، يصبح في نظر نظام الشهر العيني هو المالك الحقيقي لهذا الحق.

2-2-3- موقف المشرع الجزائري من نظام الشهر الشخصي:

على غرار معظم التشريعات الدولية، قام المشرع الجزائري بتبني هذا النظام من خلال الأمر 75-74 مؤرخ في12 /11/ 1975المتعلق بإعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري والمراسيم التنفيذية المفعلة له كالمرسوم التنفيذي رقم 76-62 المؤرخ في 25/03/1976 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام معدل و متمم ،بالإضافة إلى المرسوم التنفيذي رقم 76-63 المؤرخ في 25/03/1976 ، المتعلق بتأسيس السجل العقاري، كما صدر القانون25 - 90 مؤرخ في 18 نوفمبر 1990 متضمن قانون التوجيه العقاري، للتأكيد  على الأخذ بنظام الشهر العيني في الجزائر. إلى  جانب الاعتماد على نظام الشهر الشخصي في المناطق التي لم تشملها بعد عملية المسح حسب المادة 27 من الأمر 75-74 و المادتين 113و 114 من المرسوم التنفيذي رقم 76-63 ، ذلك أن نظام الشهر العيني لا يمكن تحقيقه في الواقع إلا على سبيل التدرج، باعتبار أن عملية المسح العام لأقاليم البلديات عملية شاقة، تستدعي وقت طويل و الدقة في تحديد النطاق الطبيعي للعقارات، كما تعد الأساس المادي للسجل العقاري.

 بعد سردنا باستفاضة لأنظمة الشهر العقاري و موقف المشرع الجزائري منها ،يمكننا الحديث عن إجراءات إنتقال ملكية  العقار في القانون الجزائري  .

3- قواعد تنظيم الشهر العقاري:

أ- قاعدة الرسمية: من أهم شروط العقود الواجب شهرها هو إفراغها في قالب رسمي، سواء كانت عقود من شأنها نقل،تعديل، إنشاء أو زوال حق الملكية و الحقوق العينية الأصلية و التبعية الأخرى ،و هذا وفقاً للمادة 61 من المرسوم76-63 ،و المادة 324 مكرر 1 من القانون المدني.

و المحررات الرسمية الخاضعة للشهر العقاري كثيرة و متنوعة بتنوع التصرفات القانونية المبرمة بين الأشخاص، فقد تكون هذه التصرفات صادرة من جانب واحد كالهبة و الوقف والوصية، أو صادرة من جانبين كعقد البيع و المقايضة، أو الحقوق العينية العقارية المتفرعة عن حق الملكية كحق الإنتفاع و الإرتفاق، أو حقوق عينية عقارية تبعية كعقد الرهن الرسمي...، بالإضافة إلى التصرفات و الأحكام المنشئة، الناقلة، المعدلة أو المنهية لحق الملكية، فجل هذه التصرفات لا ترتب أثرا فيما بين المتعاقدين، و في مواجهة الغير، إلا من تاريخ تسجيلها في مجموعة البطاقات العقارية.

ب - قاعدة الشهر المسبق:  من أجل ضمان استمرارية سلسلة نقل الملكية العقارية، قيد المشرع الجزائري عملية الشهر العقاري بقاعدة ثانية، لا تقل أهمية عن قاعدة الرسمية تعرف بقاعدة الشهر المسبق أو الأثر الإضافي للشهر، كتقنية لدعم فكرة الائتمان العقاري و المحافظة على حقوق المالك الجديد، فبناءًا على ما ورد في نص المادة 88 من المرسوم التنفيذي رقم 76-63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري، فإن المحافظ العقاري لا يمكنه شهر أي وثيقة رسمية تتضمن تصرف وارد على عقار ما لم يكن له أصل ثابت في مجموعة البطاقات العقارية، وهو ما يعرف بأصل الملكية، ويقصد بأصل الملكية الوثيقة أو السند الرسمي الذي كان السبب في إكتساب العقار المتصرف فيه ، بحيث تنتقل الملكية بطريقة واضحة لا لبس فيها، فيمكن من خلالها معرفة جميع الملاك السابقين الذين تداولوا على الملكية، وهذا من شأنه الحيلولة دون وقوع تصرفات مزدوجة على ذات العقار ،ففي حالة تخلف قاعدة الشهر المسبق، فإن على المحافظ العقاري ،أن يقوم برفض إجراء عملية الشهر العقاري ،غير أن لهذه القاعدة استثناءات نوجزها في النقاط التالية:

× العقود العرفية و هي العقود التي اكتسبت تاريخاً ثابتاً قبل 01/01/1971، ولقد نص على هذا الإستثناء في المادة 03 من المرسوم 80-210  المعدل للمرسوم رقم 76 / 63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري، ولقد

و تبرير هذا الاستثناء أنه قبل هذا التاريخ كان شهر العقود أمراً اختياري،و العقود العرفية ليس لها تاريخ ثابت لا يمكن إثبات حجيتها إلا عن طريق القضاء ،و بموجب هذا الاستثناء أصبحت هذه العقود رسمية و يكفي اللجوء للموثق لتحرير عقد إيداع يتم شهره في المحافظة العقارية.

× الإجراء الأول في السجل العقاري: و هذا بمقتضى المادة 89 من المرسوم76 - 63 اتضح عند عمليات مسح الأراضي بموجب الأمر 75-74 وجود عقارات مشغولة من قبل أشخاص دون أن يكون لهم وثائق رسمية، لذلك سمح المشرع الجزائري للمحافظين العقاريين بترقيم هذه العقارات باسم الشخص الحائز دون اشتراط توافرها على الشهر المسبق كون هذه العقارات ليس لها أصل ثابت.

× شهر إكتساب الملكية بالتقادم المكسب: سواء كان ذلك مكرساً في عقد الشهرة هو محرر رسمي يعد من قبل الموثق يتضمن شهر الملكية على أساس التقادم المكسب بناءً على تصريح طالب العقد متى كان حائزاً لعقار بدون سند في البلديات غير الممسوحة ،على أن تكون الحيازة مستمرة،هادئة و علنية)،أو حالة اللجوء للقضاء لاستصدار حكم يكرس اكتساب الملكية بالتقادم،ففي كلتا الحالتين فإن عملية الشهر لا تتطلب ذكر مراجع أصل الملكية.

× شهر شهادة الحيازة: و هي شهادة يحصل عليها كل شخص حاز عقاراً في مناطق غير ممسوحة بصفة هادئة،علنية و مستمرة مادام حائزاً لعقار لا يملك عقوداً ،فيما يخص تلك الأرض فإن شهر شهادة الحيازة يُستثنى من مبدأ الشهر المسبق.

× شهر عقود ملكية الأراضي المتنازل عنها (المستصلحة): في إطار عملية استصلاح الأراضي حيث مكن القانون83-18 مؤرخ في 13 أوت 1983 المتعلق بحيازة الملكية العقارية الفلاحية كل شخص يقوم باستصلاح أرض من الاستفادة من ملكية الأرض الفلاحية ،حينئذٍ يتم تحرير عقد إداري يتم شهره بالمحافظة العقارية دون الحاجة إلى عملية الشهر المسبق.

4- طرق الشهر العقاري:

للشهر العقاري ثلاثة طرق يمكن إجمالها في التسجيل والقيد والتأشير الهامشي، ويجدر القول أن المشرع الجزائري قد إستعمل مصطلح التسجيل والقيد للتعبير عن معنى واحد يكمن في الإشهار العقاري وسنتناول هاته الطرق على التوالي:

أ- التسجيل:

يكون التسجيل بالنسبة للتصرفات التي ترد على الحقوق العينية الأصلية، وعلى رأسها حق الملكية، حق الانتفاع، حق الارتفاق، وحق الاستعمال والسكن، حيث أن كل هذه التصرفات تشهر بالتسجيل، أي بنقل التصرف بأكمله إلى السجل، حتى يتيسر لكل ذي مصلحة معرفة جميع ما ورد في التصرف ، فالتسجيل هو إثبات حرفي لجميع بيانات المحرر المتعلق بالعقار في سجل مخصص لذلك.

ب- القيد:

يعتبر القيد أحد الطرق التي تتم بها شهر المحررات، وتشهر الحقوق العينية العقارية التبعية بطريق القيد، كالرهن والامتياز.وذلك بإثبات البيانات الجوهرية التي يتضمنها المحرر في السجل المعد لذلك، المتضمنة

تدوين الدين وتعيين العقار المثقل بإحدى الحقوق العينية التبعية، واسم الدائن والمدين.

ج- التأشير الهامشي :

الدعوى القضائية العقارية التي ترمي إلى الطعن في التصرف الذي تضمنه المحرر المشهر بالمحافظة العقارية ، المتعلقة بالبطلان أو الفسخ أو الإلغاء  أو نقض حقوق ناتجة عن وثائق تم إشهارها لا تكون مقبولة و لا يمكن الاحتجاج بالحكم الصادر فيها قبل شهرها عن طريق التأشير بالدعوى على هامش المحرر المشهر (أو ما يسمى بالتأشير الهامشي)، و ذلك إعمالاً لنص المادة 85 من المرسوم76-63 أو نص المادة 17 فقرة 3 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تلزم بشهر  العريضة و تقديمها في أول جلسة تحت طائلة عدم قبول الدعوى شكلا .

 

ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة النظر في القوانين المحينة و المعدلة...

لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى النقر هنا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق