الإلتزام بضمان العيوب الخفية
بمجرد
انعقاد البيع صحيحاً فإنه يرتب التزامات في ذمة كلٍ من البائع و المشتري، فالإضافة إلى التزام البائع أن ينقل ملكية الشيء المبيع إلى المشتري ، لا بد له أيضا من أن يسلمه له بشكل يسمح له بالحيازة عليه والانتفاع به بدون عوائق ،و لكن ما هي الفائدة من نقل حق ملكية
المبيع و تسليمه للمشتري ، إذا ما وجد هذا الأخير في المبيع عيبا ينقص من قيمته أو
منفعته ؟ ، و على هذا الأساس يجب على البائع أن يضمن للمشتري الإنتفاع الكامل
و المفيد بالمبيع، أو ما يطلق عليه بضمان العيوب الخفية ،و الذي تطرق إليها المشرع
في نص المواد 379 إلى 386 من القانون المدني، لكن ما هو العیب الذي یلتزم البائع بضمانه؟ و ما هي شروطه؟ و فیما تتمثل آثاره؟
أولا – تعريف العيب الخفي الموجب للضمان:
یقصد بالعیب تلك الآفة التي تصیب الشّيء المبیع فتنقص من قیمته الاقتصادیة و من منفعته،
و یعتبر من قبیل العیب تخلّف الصّفة المتّفق علیها للمبیع في عقد البیع، كأن یقوم البائع ببیع أرض للمشتري على أساس أنها صالحة للزراعة ثم یتبیّن أنّ فیها أملاح تجعلها غیر صالحة لذلك.
وهذا ما أقره المشرع في نص المادة 379/1من القانون المدني الجزائري التي تلزم البائع بالضّمان إذا لم یشتمل
المبیع على الصّفات التي تعهّد بوجودها وقت التّسلیم إلى المشتري أو إذا كان بالمبیع عیب ینقص من قیمته أو من الانتفاع به.
ثانيا – شروط العيب الخفي:
اشترط المشرع شروطا معينة في العيب الموجب للضمان حرصا منه على
استقرار المعاملات ، وهذه الشروط مذكورة في نص المادة 379 ق م وهى أن يكون العيب خفياً ، عدم علم المشترى بالعيب ، وأن يكون العيب قديماً ، وأن يكون مؤثراً .
1- أن يكون العيب مؤثراً :
والعيب المؤثر هو الذي يؤدي إلى نقص في قيمة المبيع ، أو نقص في
منفعته بحسب الغاية المقصودة المستفادة مما هو مبين في العقد أو مما هو ظاهر من
طبيعة الشيء أو الغرض الذي أعد له. وهناك فارق بين النقص في القيمة وبين النقص في
المنفعة . فالنقص في القيمة يمكن التعرف عليه عن طريق تحديد قيمة المبيع في
السوق أما النقص في المنفعة فإنه يتحدد على أساس الغرض الذي يهدف المشتري إلى
استخدام المبيع فيه وبغض النظر عن قيمة المبيع في السوق ،وعلى ذلك فإن الغاية
المقصودة من المبيع تستخلص مما هو مبين في العقد أو من طبيعة الشيء، أو من الغرض
الذي أعد له ، ولا يضمن البائع العيب إلا إذا كان على قدر من الجسامة والأهمية،
وتقدير جسامة العيب أمر متروك لقاضي الموضوع يفصل فيه بحسب المعايير السابقة ،
وكلها موضوعية لا شخصية " ولا يضمن البائع عيباً جرى العارف على التسامح فيه
" ومن أمثلة ذلك ما جرى به العرف من التسامح في بعض عيوب القمح من ناحية
اشتماله على كمية قليلة من الأتربة فإذا تعذر استخلاص الغاية المقصودة مما اتفق
عليه الطرفان صراحة أو ضمناً تعين الرجوع في تحديد هذه الغاية إلى طبيعة الشيء
والغرض الذي خصص له هذا الشيء. فشراء قطعة أرض لزراعتها يستلزم أن تكون هذه الأرض
صالحة للزراعة، وشراء منزل للسكنى يقتضي أن يكون هذا المنزل صالحاً لذلك، وشراء
المحل التجاري يتطلب أن يكون عقد ايجار هذا المحل صحيحا .
2- أن يكون العيب قديما:
قِدَم العيب هو من الشروط الواجب توافرها لكي يتحقق موجب الضمان
على البائع، والمقصود بالعيب القديم، العيب السابق للبيع أو على وجه أصحّ، أي العيب
الموجود قبل انتقال الملكية إلى المشتري أو عند انتقالها كحدّ أقصى (في الأشياء
المِثلية يؤخَذ بوقت التسليم، أما في الأشياء العينية فيؤخَذ بوقت انعقاد البيع) .
أما إذا كان العيب ممّا لا يظهر إلاّ بعد انعقاد البيع وانتقال
الملكية، فيكون الضمان واجباً على البائع، مثال ذلك أن يشتري أحدهم حيواناً فيه
جرثومة لمرضٍ ما، ويتمكّن من إثبات وجودها في الحيوان قبل استلامه، و تجدر الإشارة
إلى أنّه إذا كان انتشار المرض أو العيب يعود إلى خطأ وإهمال من المشتري، فعلى هذا
الأخير أن يتحمّل وحده الضرر، فمَنْ يشتري مثلاً سيارة ويُلاحظ أنّ الحرارة تزداد
في محرّكها عن المعدّل العادي، ومع ذلك لا يعمد إلى فحصه مُهملاً تزويده بالزيت،
فيُعْطَب، لا يحقّ له المطالبة بالضمان، أما إذا كان الاستعمال السيّئ للشيء فقط عاملاً
مُساعداً في ظهور العيب من دون التسبّب في نشوئه، فيبقى الضمان واجباً على عاتق
البائع، وقد يرى القاضي توزيع المسؤولية بين البائع والمشتري إذا كان خطأ هذا
الأخير قد شارك جزئياً في عملية إظهار العيب، إنّ عبء إثبات قِدَم العيب يقع على
عاتق المشتري أما عبء إثبات خطأ المشتري في الاستعمال، فيبقى على عاتق البائع، (والإثبات
في الحالتين ممكن بكافة الوسائل)، و بذلك يكون المشرع الجزائري قد ربط ووحد بين ضمان
العيب و تبعة الهلاك، إذا العبرة فيهما بالتسليم.
إضافة إلى ذلك هناك نقطة تتطلب التوضيح،
وهي حالة ما إذا لم يظهر العيب إلا بعد التسليم، فكيف نحمل المشترى هذه الخسارة ؟
في حين أن العيب أو الجرثومة كانت موجودة في المبيع قبل العقد أو قبل التسليم ؟
مثال على هذه الحالة : أن يباع حيوان به جرثومة المرض التي لم تظهر إلا بعد
التسليم، و هنا يقع الضمان على عاتق البائع لأن جرثومة المرض موجودة في المبيع عند
تسليمه للمشترى .
3- أن يكون العيب خفيا :
و العيب الخفي هو العيب الذي يكون موجودا وقت المبيع و لكن ليس
بوسع المشترى تبينه أو اكتشافه و لو فحص المبيع بعناية الرجل العادي، أن الشخص
المتوسط الفطنة لا يستطيع أن يكتشفه إلا إذا فحص المبيع خبير ، أو محلل فني أو
كيميائي أو الطبيب .
4- عدم علم المشترى بالعيب :
فلو كان المشترى عالما بالعيب سقط الضمان و لو كان خفيا، لأن
علمه بالعيب هذا يدل على رضائه بالمبيع، و العبرة بتاريخ العلم بالعيب في المبيع ـ
العلم الحقيقي ـ و هو وقت التسليم أو وقت الفرز لأنه الوقت الذي يتاح فيه عمليا
للمشترى الإطلاع على العيب،و بالتالي يقع على البائع عبء إثبات علم المشترى بالعيب
أي القول بأن المشترى كان يعلم بوجود العيب وقت تسلم المبيع، و الإثبات واقعة
مادية، يجوز إثباتها بكافة وسائل الإثبات، أما إذا لم يثبت ذلك، افترض أن المشترى
غير عالم بالعيب، و بالتالي وجب على البائع الضمان.
ثالثا –الآثار المترتبة على وجود العيب الخفي:
إذا توافرت شروط الالتزام بضمان العيوب الخفية ، فيجب على
المشتري ، حفاظاً على حقه في الرجوع على البائع بالضمان ، المبادرة إلى فحص المبيع
، وإخطار البائع بالعيب الموجود فيه ، وأن يرفع دعوى الضمان عليه خلال مدة قصيرة
وإلا سقطت بالتقادم.
1- المبادرة بفحص المبيع وإخطار البائع بالعيب:
يجب على المشتري ، كي يحفظ حقه في الضمان ، أن يبادر بفحص
المبيع عند استلامه ، وأن يخطر البائع بما يجده في المبيع من عيوب .فالمشتري يتعين
عليه أن يتحقق من حالة المبيع عند تسلمه والعبرة في ذلك بالتسليم الفعلي لا الحكمي
. فالمشتري مسئول إذن عن التحقق من حالة المبيع بمجرد تمكنه من ذلك ، وفقاً
للمألوف في التعامل ، أما إذا أهمل في فحص الشئ اعتبر أنه قد قبل المبيع بحالته
وسقط ضمان العيب .
ويفترض هذا أن يكون العيب مما يمكن الكشف عنه بالفحص المعتاد،أما
إذا كان العيب مما لا يمكن الكشف عنه بالفحص المعتاد ، فيبقى حق المشتري في الرجوع
بالضمان إذا لم يكشف العيب ، ولا يسقط في الضمان الا إذا ظهر العيب بالفعل أو تأكد
من ظهوره بعد الفحص الفني ولم يبادر بالإخطار في الموعد المعقول . ومن أمثلة هذه
العيوب التي لا يمكن الكشف عنها بالفحص المعتاد زيادة نسبة الأملاح الموجودة في
الأرض حيث يتطلب كشفها اجراء تحليل كيماوي للتربة.
ولم يحدد المشرع شكلا خاصا للإخطـار ، كما لم يحدد أجلا له
مكتفيا بضرورة تقدير هذه المدة لقـاضي الموضوع ، فإذا لم يتم الإخطـار في وقت
معقول سقط حق المشتري في الرجوع على البائع بالضمان .
2- ضمان العيوب الخفية بعد التسليم:
دعوى الضمان لها حالتين :
الحالة الأولى :بعد
تسليم الشيء المبيع و ظهر عيب خفي فيتوجب على المشتري بعد التسليم أن يقوم بتفحص
الشيء تفحص الرجل المعتاد الذي يمكنه أن يتعين العيب الخفي ، فإذا اكتشف العيب،
عليه أن يبادر بإنذار البائع خلال مدة معقولة . والمدة المعقولة هي حسب إمكانية
المشتري ألا يتأخر حتى لا تسقط دعوى الضمان والإخطار هو تمهيد لدعوى الضمان والهدف
من الإخطار أن ينذر البائع بأن يقوم بإصلاح المبيع وهذه الدعوى تقام خلال سنة من
وقت تسليم الشيء المبيع أي تمكين التسليم فإذا انقضت المدة لا يمكنه المطالبة
بدعوى الضمان .
الحالة الثانية: إذا
كان العيب لا يمكن الكشف عنه بالفحص المعتاد كأن يكون بضاعة لا يمكن للمشتري من
كشفها عند تسلمها كأن تكون معدة للتركيب فهنا يكون فحصها بعد التركيب فهذه الأشياء
لا يمكن فحصها إلا بعد تجربتها و بذلك مجرد فحص العيب والكشف عنه يقوم المشتري
بإخطار البائع وذلك مباشرة وليس خلال مدة معقولة لأن تركيب هذه المعدات يمكن أن
يكون بعد سنة ويسقط حق المشتري في المطالبة بعد مضي سنة من كشف العيب وليس التسليم.
- ما هو مدى تأثير علم البائع بالعيوب الخفية ؟: القاعدة أن البائع يبقى ضامناً سواء علم بالعيب أو لم يعلم
فهو ضامناً على حد سواء ولكن علم البائع يؤثر على درجة الضمان فإذا كان يعلم فهنا
يعني أنه أرتكب غشاً وهذا الغش يشدد من الجزاء فإذا كانت مدة سنة المطالبة خلا سنة
من تسلم المبيع فهذا لا يستفيد منه البائع ويتمكن المشتري من المطالبة خلال خمسة
عشر سنة من تسلم الشيء المبيع .
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة
النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى
النقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق