أسباب الإباحة
قد يرتكب شخص ما الفعل المجرم في القانون الجنائي، ومع ذلك لا
يعد فعله هذا جريمة ومن ثم تنتفي في حقه المسؤولية الجنائية والمدنية، فمن يقتل
للدفاع الشرعي، أو يضرب للتأديب، أو يجرح بهدف القيام بعمل طبي، فإنه لا يتعرض
للمساءلة الجنائية باعتباره قام بفعل مباح نصت عليه مواد القانون الجنائي ضمن
حالات التبرير، إذ تخرج هذه الأفعال من دائرة التجريم وتعاد ثانية إلى دائرة
الإباحة، ومن ثم نقول أن الفعل كي يكون مجّرمأ لا يكفي فيه النص التجريمي فقط بل
لابد أن يخرج من حالات التبرير التي نص عليها قانون العقوبات الجزائري .
أولا-
مصادر الاباحة:
القياس في القانون الجنائي في دائرة التجريم غير جائز، أما
الحال في دائرة الإباحة، فالأصل أن أسباب الإباحة لا تنحصر في القانون الجنائي، إذ
يمكن القياس عليها باعتبارها لا تجرم فعلا مباحا، وهذا ما جعل بعض الفقهاء يرون أن
أسباب الإباحة وردت في قانون العقوبات على سبيل المثال لا على سبيل الحصر ،و مع ذلك فإن أغلبية فقهاء القانون الجنائي يرون
أن أسباب الإباحة قد وردت في قانون العقوبات على سبيل الحصر حتى إن جاز فيها
القياس، فقانون العقوبات قد ذكر أسباب الإباحة وحصرها في كل فعل بأسباب يأذن فيه
القانون وفي حالة الدفاع الشرعي (م39 و40 ق.ع.ج) ، فلا يجوز إضافة سبب آخر لتلك
الأسباب المذكورة آنفا، ويبقى الخلاف قائما حول حالة الضرورة باعتبارها سبب من
أسباب الإباحة .
ثانيا- آثار الاباحة:
الفعل الذي يخضع لسبب الإباحة يعد فعلا مشروعا، ويترتب على ذلك
أن كل من ساهم فيه بصفته فاعلا أصليا أو شريكا يستفيد من هذا السبب المبيح ويعد قد
ارتكب فعلا مشروعا لا يترتب عليه شي ء من المتابعة أو العقاب. ذلك أن أسباب
الإباحة هي أسباب موضوعية تقررت بهذا الشكل لصفة في الفعل، على عكس موانع
المسؤولية أو العقاب الذي تقررت، لصفة في الفاعل وليس في الفعل، وبالتالي لا
يستفيد المساهم أو الشريك بتلك الموانع لأنها أعذار شخصية وليست موضوعية
ثالثا- أسباب الإباحة في قانون العقوبات الجزائري:
نص قانون العقوبات الجزائري على الأفعال
المبررة في المادتين: 39 و40 وذلك على النحو التالي:
× حيث نصت
المادة: 39 من ق ع : لا جريمة:
1- إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون.
2- إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع
على النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو الغير شرط أن يكون الدفاع متناسبا
مع جسامة الاعتداء.
× كما نصت
المادة 40 ق ع : يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة
للدفاع المشروع:
[1]- القتل والجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع
اعتداء على حياة الشخص أو سلامة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل
المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شي ء منها أثناء الليل.
2- الفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو عن الغير ضد مرتكبي
السرقات أو النهب بالقوة.
أ- ما أمر به القانون: " أداء
الواجب "
إذا أمر القانون الأشخاص بتنفيذ أو القيام بأعمال معينة فهي
تدخل ضمن الواجبات القانونية اللازمة، فإذا قام هؤلاء الأشخاص بأداء هذا الواجبات
كما أمر القانون، فلا يمكن لهنا الأخير أن يصف أفعالهم هذه بالجريمة. فمثلا الشاهد
الذي يدلي باًسرار حول المتهم ولو كانت أمور شائنة لا يعتبر مرتكبأ لجريمة أثناء
إفشاء الأسرار أو القذف أو الشتم أو السب، كما أن الطبيب حين يبلغ عن وجود مرض
معدي، فلا يعد مرتكبا لجريمة إفشاء السر المهني المعاقب عليها بالمادة 301 ق.ع.
وينبغي التمييز في مجال إباحة الفعل الصادر عن الموظف تنفيذا
لأمر رئيسه بين وضعين:
رغم أن تنفيذ
الأمر غير الشرعي لا يعد سببا مبيحا فإن مسؤولية الموظف القائم بالتنفيذ تختلف
بحسب ما إذا كان الموظف يعلم أو يجهل بعدم مشروعية الأمر الصادر إليه.
ـ حالة علم الموظف
بعدم مشروعية الأمر الصادر إليه: إذا قام الموظف بتفيذ أمر صادر من سلطة مختصة
يعلم عدم مشروعيته فإنه يسأل عن جريمة عمدية لتوافر القصد الجنائي لديه.
ـ حالة جهل الموظف
بعدم مشروعية الأمر الصادر إليه: لا أثر لهذا الجهل على المسؤولية الجنائية للموظف
إذا تعلق بقواعد قانون العقوبات، اذ يفترض العلم بها عند الكافة، أما اذا تعلق
الجهل بقواعد غير قانون العقوبات فإن القصد الجنائي ينتفي وتنتفي به المسؤولية.
ب - ما أذن به القانون: " استعمال الحق
".
بمقتضى هذا السبب يجيز القانون والأعراف في بعض الحالات القيام بعمل حيث كان هذا العمل لانعدام النص
القانوني عملا مجرما يعاقب عليه القانون، وتمكن التفرقة بين أمر القانون وإذنه، أن
الأول وإجباري يجب القيام به، فإذا لم يقم به الشخص يتعرض للمساءلة الجنائية، أما
الثاني فالقانون يمنح للشخص المخاطب القيام بالعمل، فإذا قام به كان فعله مباحا،
وإذا امتنع عنه لا يعرض هنا للمسؤولية الجنائية. ولا بد لتوفر هذا السبب كسبب من
أسباب الإباحة ما لي:
1- وجود حق مستقر مقرر بمقتضى
القانون.
2- أن يكون الفعل هو الوسيلة المشروعة
لاستعمال الحق.
3- كما يجب أن يستعمل هذا الحق بحسن نية
وفي الغرض الذي من أجله تقرر القانون.
ومن أهم تطبيقات استعمال الحق:
×
حق التأديب :
ـ تأديب الصغار: مصدر هذا الحق هو
نص المادة 269 من قانون العقوبات.
ويشترط في تأديب
الصغار حتى يكون فعلا مبررا مراعاة صفة من يمارس هذا الحق وهو الأب أو الولي ، ومن
ينوب عن الأب بمقتضى قانون أوعقد. كما يشترط أن يكون بنية التأديب وليس لدافع آخر،
و أن يكون التأديب بالضرب الخفيف.
ـ مسألة تأديب
الزوجة: لغياب نص في القانون الجزائري، فان الراجح من وجهة قانون العقوبات أن
تأديب الزوج لزوجته لا يعد عملا مبررا، وإنما جريمة، إلا أن الشريعة الإسلامية قد
قررت هذا الحق وفق ضوابط وشروط.
×
إستعمال الرخص
القانونية:
أولا: أعمال
الجراحة الطبية: يشترط لاستفادة من يمارس العمل الطبي من سبب الإباحة،
ويصبح بالتالي عمله مشروعا، ضرورة توافر الشروط الأتية:ـ وجود ترخيص بمباشرة مهنة
الطب.
ـ رضا المريض
بالعمل الجراحي.
ـ إعلام المريض
بطبيعة ومخاطر العملية الجراحية.
ثانيا: ممارسة
الألعاب الرياضية:يمتد نطاق الإباحة ليشمل الألعاب الرياضية
التي تفترض ممارستها قدر من العنف على جسم المنافسين كالمصارعة والملاكمة،
والألعاب التي لا تتطلب ممارستها شيئا من ذلك لكن قد يترتب عنها بعض العنف رغم
إتباع قواعد الرياضة، ككرة القدم مثلا.
ويشترط لإباحة هذا
النوع من العنف شرطان أساسيان:ـ أن يقع العنف خلال ممارسة اللعبة الرياضية.
ـ الإلتزام بقواعد اللعبة.
×
رضاء المجني عليه:
اختلف الفقه حول
مسألة ما إذا كان رضاء المجني عليه سببا لتبرير بعض الجرائم ( أولا)، أم أنه ليس
سبب تبرير على الإطلاق.
أولا: الإتجاه
الأول: ورأيه أن رضاء المجني عليه يعد سبب إباحة إذا اقتصر على الإضرار بالحقوق
القابلة للتنازل قانونا.
ثانيا: الاتجاه
الثاني: يرى البعض الأخر وهو الراجح، أن رضاء المجني عليه لا يعد سبب إباحة، وأن
أثره لا يخرج عن إحدى الصور الثلاثة الأتية:
ـ رضاء المجني
عليه معدم للجريمة: القاعدة العامة أن رضاء المجني عليه لا أثر له على المسؤولية
الجنائية، غير أنه توجد طائفة من الجرائم تنعدم إذا توافر رضاء المجني عليه.
ـ رضاء المجني
عليه قيد على تحريك الدعوى العمومية.
ـ رضاء المجني
عليه شرط لاستعمال الرخص القانونية.
ج - الدفاع الشرعي:
1ـ التعريف بحالة الدفاع الشرعي:
تعبر حالة الدفاع الشرعي عن حق الإنسان في حماية نفسه أو نفس غيره أو حماية ماله
أو مال غيره من كل إعتداء غير مشروع.
2ـ شروط الدفاع الشرعي: يشترط
لقيام حالة الدفاع الشرعي ضرورة توافر جملة شروط سواء في فعل الإعتداء أو في فعل
الدفاع.
أولا: شروط فعل الإعتداء:
ـ وقوع اعتداء غير مشروع: ويكون كذلك
إذا لم يؤمر أو يؤذن به القانون، أما إذا كان مشروعا بسبب خضوعه لسبب من أسباب
الإباحة فلا تتوافر حالة الدفاع الشرعي.
ـ أن يكون الإعتداء حالا: لا يكفي لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون الإعتداء غير
مشروع وإنما يلزم فضلا عن ذلك أن يكون حالا لا مستقبلا. ويكون الإعتداء حالا في
حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون الإعتداء الذي
ينذر بالضرر لم يبدأ بعد ولكنه على وشك أن يبدأ.
الحالة الثانية: أن يبدأ الضرر الناجم
عن الإعتداء في الوقوع ولكنه لم ينته بعد.
ثانيا: شروط فعل الدفاع:
· شرط
اللزوم: أن
يكون لازما أي ضروريا، وشرط اللزوم عند بعض الفقهاء يقتضي أن يكون العمل المرتكب
هو الوسيلة الوحيدة لدفع الإعتداء، وعلى ذلك لا يصح الدفاع الشرعي اذا كان بوسع
المدافع درء الإعتداء بفعل أخر لا يعد جريمة.
· شرط
التناسب: يشترط
لصحة الدفاع أن يكون فعل الدفاع متناسبا مع فعل الإعتداء، وهذا ما عناه المشرع في
نص المادة 39 من قانون العقوبات.
وشرط التناسب لا يعني إطلاقا ضرورة أن
يتطابق الضرر الحاصل من حيث النوع والمقدار بسبب فعل الدفاع مع الضرر الذي كان
بالإمكان حصوله بسبب فعل الإعتداء، إذ تقوم حالة الدفاع الشرعي في الكثير من
الأحيان رغم انعدام هذا التطابق.
3-عبء إثبات الدفاع الشرعي: لقد تساءل الفقه عن عبء إثبات، ومن هي
الجهة التي تثبته، هل المدافع هو الذي يقع عليه عب ء الإثبات، أم النيابة العامة ؟
الأصل العام أن عب ء الإثبات في المواد
الجنائية يقع على جهة الاتهام أي على النيابة العامة تطبيقا لفكرة قرينة البراءة،
لكن الوضع هنا يختلف حيث تقرر قاعدة عامة و استثناء خاصة بعب ء الإثبات وذلك
كالآتي:
o
القاعدة العامة: بمقتضى هذه القاعدة، يقع على المتهم
على إثبات أته كان في حالة دفاع شرعي، لأن أسباب الإباحة في القانون الجنائي هي
استثنائية.
o
الإستثناء : أن المشرع قرر امتياز بالنسبة
للمدافع الذي يكون أمام حالات الدفاع الشرعي التي نصت عليه أحكام المادة 40 ق.ع والتي أطلقت عليها حالات الضرورة
الملحة للدفاع الشرعي ويطلق عليه بعض الفقه بالحالات الممتازة للدفاع الشرعي. حيث
أغفل المشرع في هذه الحالات الشروط العامة في الدفاع الشرعي العادي (م39) إذ يضع قرينة لصالح المدافع. وقد تساءل
الفقه عن هذه القرينة، أهي قرينة قاطعة أم أنها بسيطة تقبل إثبات العكس.
رأى بعض الفقه أن هذه القرينة هي قرينة
قاطعة، لكن هذا المرأى منتقد، إذ بالقول بذلك يؤدي إلى نتائج غير منطقية، منها
استغلال المدافع لهذه القرينة للقيام بفعل الدفاع بدون أي شرط أو قيد ثم فالرأي
الراجح في الفقه بدأ يميل إلى اعتبار هذه القرينة قرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها.
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة
النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى
النقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق