المساهمة الجزائية
قد ترتكب الجريمة من شخص واحد وهو الوضع الطبيعي، وقد ترتكب من عدة أشخاص فنكون أمام المساهمة في الجريمة بشرط أن يجمع بين هؤلاء الأشخاص رابطة معنوية واحدة لتنفيذ الجريمة
.
وصورة ذلك أن يعمد عدة أشخاص لتنفيذ جريمة قتل واحدة، بحيث يساهم كل منهم بدور ما في تنفيذها فقد تكون أدوارهم متساوية ،
و قد يكون دور أحدهم رئيسيا دون أفعال الآخرين ،
لكن يطرح التساؤل حول قدر مساهمة كل واحد منهم ؟
أولا- صور المساهمين في الجريمة:
عندما يرتكب عدة أشخاص جريمة واحدة ، قد تتعدد أدوارهم بين الفاعل الأصلي و الشريك .
أ– الفاعل الأصلي : لقد عرف المشرع الجزائري الفاعل الأصلي في المادة
41 ق ع بقولها " يعتبرفاعلا أصليا كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة أو حرض على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس الإجرامي " .
و قد ورد في المادة
45 ق ع أن " من يحمل شخصا لا يخضع للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية على ارتكاب جريمة يعاقب بالعقوبات المقررة لها " .
- يأخذ من النصين تعدد صور الفاعل الأصلي في القانون الجزائري ،
فقد يكون فاعلا مباشرا أو محرضا عليه أو فاعلا معنويا
.
–1-
الفاعل المباشر : و هو الذي يقوم بالعمل التنفيذي في ارتكاب الجريمة سواء كان منفردا أو مع غيره كأن يلجأ شخصان لقتل شخص فيطعناه بطعنات تؤدي إلى وفاته ، أو يقوم شخصان بسرقة منزل أحدهما يقوم بكسر الباب و يدخل الثاني لسرقة ما في المنزل ، فكليهما يعدان فاعلا مباشرا ففي هذه الحالة حتى ولو أن الفاعل الأول لم يقم بالعمل التنفيذي للسرقة ، إلا أنه بظهوره على مسرح الجريمة ومعاصرة نشاطه الوقت الذي وقعت فيه يجعله فاعلا مباشرا
–2- المحرض : يقصد بالتحريض خلق فكرة الجريمة لدى شخص آخر و الدفع به إلى التصميم على
ارتكابها ، وقد حددت المادة 41 ق ع الأفعال التي يقوم بها المحرض و التي تدل على فعله و تشجع عليه، وهي عبارة عن أفعال مادية ملموسة مما يدل بأن ما عداها كإبداء الرأي و النصح لا يعد من قبيل التحريض و هذه الأفعال هي :ü
الهبة : و هي ما يقدمه المحرض للفاعل ، مما يدفعه إلى ارتكاب الجريمة ،
و يشترط أن تكون قبل ارتكاب الجريمة .
ü
التهديد : فقد يكون معنويا ، كأن يهدد بالقتل بإفشاء سره الذي فيه إضرار به أو كان ماديا بأن يهدد بالقتل أو الأذى مثلا وسواء كان إيجابيا أو كان سلبيا شريطة أن يقع التهديد دائما قبل ارتكاب الجريمة مع الإشارة إلى إمكانية اجتماع الوعد و التهديد في آن واحد ،
بأن يقول له " إن فعلت أعطيتك كذا وإن لم تفعل أفعل بك كذا .
ü
إساءة استغلال السلطة أو الولاية : ومقتضى ذلك أن يكون للمحرض سلطة على المنفذ كالمديرعلى عامل في مؤسسته أو ولاية عليه كالأب على ابنه ،
فيستغل هذه الصفة التي تمكنه من السيطرةعلى من تحته و يأمره بصفته مطاعا منه بتنفيذ الجريمة .
ü
التحايل و التدليس الإجرامي : ومقتضى ذلكأن يعمد المحرض إلى استعمال أسلوب لإيهام المحرض بأمر أو موضوع لا حقيقة و لا وجود له ،
و هو يعتمد على الكذب المدعم بمظاهر خارجية مادية تؤدي بالنتيجة إلى دفع الفاعل إلى ارتكاب الجريمة التي حرضه عليها المحرض. كأن يزعم المحرض لأحد الأشخاص بأن الذي حاول قتله هو فلان أو أن الذي سرق ماله و شوه سمعته فلان مما يدفع الفاعل إلى ارتكاب الجريمة نتيجة هذا الخداع أو التحايل
- ومن شروط التحريض أيضا أن يؤدي التحريض أثره في نفسية الشخص الخاضع له بأن يجعله ينوي ارتكاب الجريمة حتى ولو لم ترتكب الجريمة المزمع ارتكابها .
- واتجاه المشرع الجزائري جديد يخرج عن الاتجاه التقليدي الذي يعتبر المحرض شريكا و ليس فاعلا .
–3-
الفاعل المعنوي : يقصد بالفاعل المعنوي هو كل من يسخر شخصا غير مسؤول جنائيا على ارتكاب الجريمة ،
و يستعمله كأداة لتحقيق هذا الغرض ،
وتتطلب هذه الصورة وجود فاعلين ،
فاعل مادي يقوم بتنفيذ الجريمة دون أن تتوافر لديه المسؤولية الجزائية ، وفاعل معنوي قام بتسخير غير مسؤول وقد نصت المادة
45 ق ع على الفاعل المعنوي بقولها " من يحمل شخصا لا يخضع للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية على ارتكاب الجريمة يعاقب عليها بالعقوبات المقررة لها " .
ومن أمثلة ذلك أن يلجأ الجاني إلى مجنون لحمله على وضع النار في منزل مجاور لإحراقه ، أو أن يستغل صغير غير مميز لنقل متفجرة ووضعها في مكان مزدحم لتنفجر بعد ذلك وتقتل عددا من المارة.
ولم يحدد المشرع للفاعل المعنوي أسلوبا محددا لدفع الفاعل ، مما يدل على أنه يعتد بجميع الوسائل المادية أو المعنوية ، فقد تكون بإحدى الوسائل التي يستعملها المحرض وقد لا تكون بأي واحدة منها .
- فلا تقتصر مسؤولية الفاعل المعنوي على النتائج المتوقعة ،
بل تتعداها إلى النتائج المحتملة طالما أن المنفذ ليس سوى أداة في يده ، فيسأل من يحمل صبيا غير مميز على وضع النار في بيت جاره عن النتائج التي أدى إليها الحريق كموت شخص في الحريق .
ب – الشريك : يعتبر عمل الشريك في الجريمة تبعيا و يقتصر على القيام بمساعدة الفاعل الأصلي
.ولقد بين المشرع الجزائري معنى الشريك في المادة 42 ق ع ثم أضاف في المادة
43 ق ع ما اعتبره في حكم الشريك
.
حيث ورد في المادة " 42يعتبر شريكا في الجريمة من لم يشترك اشتراكا مباشرا ،
و لكنه ساعد بكل الطرق أو أعان الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها مع علمه بذلك " . كما ورد في المادة " 43يأخذ حكم الشريك من اعتاد أن يقدم مسكنا أو ملجأ أو مكانا للاجتماع لواحد أو أكثر من الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام أو ضد الأشخاص و الأموال مع علمه بسلوكه الإجرامي ".
- من خلال نص المادتين يلاحظ أن أفعال الشريك التي يعتد بها في المساهمة هي الأعمال المساعدة أو المعاونة كالأعمال التحضيرية و الأعمال المسهلة أو المنفذة للجريمة و كذلك إيواء الأشرار و مساعدتهم .
- طرح إشكال فقهي حول جواز وقوع الاشتراك بعمل سلبي ؟
حيث يرى الرأي الراجح في الفقه أن الامتناع لا يصلح أن يكون سببا للاشتراك حتى ولو كان الممتنع ملزما بالعمل الذي امتنع عنه ، إذ لا يعد شريكا من امتنع عن التبليغ بوجود جريمة ضد أمن الدولة ، إذ يعاقب الشخص هنا باعتباره فاعلا أصليا لا شريكا على جريمة خاصة منصوص عليها و هي
" جريمة الامتناع عن تبليغ السلطات المختصة بأمر الجرائم التي علم بها
"
- كما طرح إشكال آخر حول معاقبة الاشتراك في الاشتراك ؟
كأن يستعين (أ)
بصديقه( ب) للحصول منه على سلاح ثم قام بتسليمه إلى (ج )الذي
استعمله في ارتكاب الجريمة .
يذهب البعض إلى القول بأن (ب )غريب
عن الجريمة و لا علاقة له بها ،
إذ لا تمتد نصوص القانون إلى شريك الشريك
. لكن يذهب رأي ثان إلى القول بالعلاقة المباشرة بين الشريك و الفاعل لا يتطلبها القانون ،
بينما يتطلب ارتباط بين نشاط الشريك و الجريمة المرتكبة .
لكن أغلب الفقه يرى أنه يشترط للعقاب على شريك الشريك أن يكون عالما بمخططهم الإجرامي ، أما إذا كان لا
يعلم فلا مجال للعقاب على الاشتراك على الاشتراك
.
ثانيا- عقوبة المساهمون في الجريمة:
نميز هنا بين عقوبة الفاعل الأصلي و عقوبة الشريك كما يلي
:
أ - عقوبة الفاعل الأصلي : من الطبيعي أن يحكم على الفاعل بالعقوبة المقررة للجريمة التي ارتكبها بحسب مواد نصوص القسم الخاص من قانون العقوبات ،
فالقاتل يعاقب بالعقوبات المقررة لجريمة القتل ( م 254 ق ع وما بعدها ) و السارق يعاقب بالعقوبات المقررة لجريمة السرقة (
م 350 وما بعدها ) .
ب – عقوبة الشريك : نصت المادة
44 ق ع على عقوبة الشريك بما يلي " يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة"
ثالثا- الظروف و أثرها على عقوبة المساهمين:
نفرق بين الظروف الشخصية و الظروف الموضوعية كما يلي
:
أ– الظروف الشخصية :
وهي الظروف اللصيقة بالفرد كصغر السن أو ظرف الاعتياد ،
فمن يشترك مع آخر لتنفيذ الجريمة لا يعاقب بعقوبة مشددة إذا تبين أن شريكه معتادا و يستحق تغليظ العقاب ومن يرتكب الجريمة مع صغير لا تخفف عقوبته لأن الصغير يتمتع بظروف مخففة .
ب– الظروف الموضوعية : وهي الظروف اللصيقة بالجريمة ، فتسري على كل من ساهم بها فاعلا كان أم شريكا ، يشترط أن يكون المساهم على علم بهذه الظروف ،
فإذا ما اشترك اثنان في جريمة سرقة و قد حمل أحدهما سلاحا مخبئا ، فإن مسؤولية شريكه عن هذا الظرف المشدد الناتج عن حمل السلاح متوقف على علمه بأن زميله يحمل السلاح ، فإذا كان يعلم بذلك شددت العقوبة ،
أما إذا كان يجهل فلا تشدد عقوبته.
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة
النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى
النقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق