الركن المعنوي للجريمة
تعريف الركن المعنوي
يقصد بالركن المعنوي الحالة النفسية التي
كان عليها الجاني أثناء ارتكابه للجريمة، فهي تمثل الجانب الشخصي لها، إذ لابد أن
تصدر الجريمة عن إرادة صاحبها وترتبط بها ارتباطا وثيقا .فهي الرابطة النفسية
والمعنوية التي تتصل بين موضوع الجريمة ونفسية مرتكبها ويتخذ الركن المعنوي
للجريمة صورتين أساسيتين :صورة الخطأ العمدي أو ما يسمى القصد الجنائي،
و صورة الخطأ غير العمدي أي الإهمال وعدم الاحتياط.
أولاًّ-
القصد الجنائي أو العمد:
يعتبر القصد الجنائي هو الأصل في
الجرائم بينما الخطا هو الإستثناء
أ –تعريف
القصد الجنائي : لم يعرف المشرع الجزائري
القصد الجنائي واقتصر بالنص عليه في الجرائم العمدية وقد عرفه الفقه بأنه "انصراف
إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها القانونية".
ب- عناصر القصد الجنائي : من
التعريف الفقهي نستخلص أن القصد
الجنائي يتكون من عنصرين الأول يتمثل في إرادة الجاني نحو ارتكاب الجريمة والثاني
يتمثل في العلم بأركان الجريمة قانونا ، فمن يصدم إنسان بسيارته حيث كان يسير
بسرعة فائقة مخالفا بذلك التنظيمات والقوانين فيقتله،فالقصد الجنائي غير متوافر في
هذه الجريمة لأنه وإن توفر عنصر العلم نظرا لمخالفته القانون مع علمه بذلك فإن عنصر الإرادة غير متوافر لأنه لم يرد ارتكاب جريمة قتل ،وإنما نتجت الجريمة عن سوء
تقدير وعدم احتياط وإهمال.
ويشترط القانون "العلم "ويقصد
به ادارك الأمور على نحو صحيح مطابق للواقع أي علم الجاني ما يشترطه القانون لقيام
الجرم، و ينشا القانون قرينة على العلم
وهي افترض العلم في كل إنسان بمحتوى القانون طبقا لقاعدة "لا عذر بجهل القانون".
ج – أنواع القصد الجنائي :
× من
حيث نطاق القصد : يتخذ القصد صورتين قصد عام وقصد خاص
.
أما القصد العام فهو اتجاه
الإرادة إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بأن القانون يمنعها فالقصد الجنائي العام
مطلوب في كل الجرائم العملية.
وأما
مفهوم القصد الخاص فهو يتعدى مجرد ارتكاب الجريمة بل يهدف إلى البحث
في الغاية التي يريدها الجاني من وراء ارتكابه الجريمة، وهكذا يشترط القانون فضلا
على القصد العام القصد الخاص في جريمة القتل وهو نية إزهاق الروح، أو نية
الاستيلاء على المال في جريمة السرقة وغيره.و نشير إلى أن القانون لا يعتد بالباعث
أو الدافع إلى ارتكاب الجريمة ولا يأخذه بعين الاعتبار ولو كان نبيلا أو شريفا
ماعدا في حالات استثنائية بحيث يؤثر ذلك على تخفيف العقوبة ومثال ذلك ما قرره
المشرع الجزائري من تخفيف عقوبة الزوج الذي يفاجئ زوجه الآخر في حالة تلبس بالزنا
فيقتله أو يقتل شريكه([1]).
×
من حيث إرادة
نتيجة السلوك : كما يمكن أن يكون القصد الجنائي قصدا مباشرا أو
قصدا غير مباشر(احتمالي) ويكون
مباشرا حين تتجه فيه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة وتحقيق النتيجة
المعينة في ذهنه، و القصد المباشر بدوره ينقسم إلى صورتين :
محدد حين
يريد تحقيق نتيجة معينة بذاتها عند ارتكابه الجريمة كقتل شخص معين بداته ، أو قد
يكون غير محدد عندما يرتكب الجاني الجريمة دون تحديد لموضوعها كمن يريد
إلقاء قنبلة في تجمع لقتل أي منهم وأي عدد ممكن فيكون قصده في هذه الحالة غير
محدد.
كما يمكن أن يكون القصد غير مباشر
عندما يباشر الجاني نشاطه وهو غير متأكد من تحقيق النتيجة الجرمية بل يعتقد في
ذهنه أنها ممكنة الوقوع.
حالة خاصة - القصد المتعدي :
يطلق على القصد المتعدي حالة تجاوز القصد، يكون ذلك في الجريمة المتعدية القصد ، أي أنّ النتيجة
المحصلة فاقت التوقع و ذلك عندما يتولد عن السلوك الإجرامي حدث أكثر جسامة من ذلك الذي يتوقعه الجاني، كالضرب المفضي إلى الموت ،هذه النتيجة ليست متوقعة لدى الجاني، فهو يريد فقط ضرب المجني عليه إلاّ أنّ هذا الضرب أدى إلى الموت، وهذه الحالة تعدت قصد الجاني.
وقد اختلف الفقه حول تصنيف القصد المتعدي : فالبعض يرى أنه صورة ثالثة من الركن المعنوي مستقلة إلى جانب القصد و الخطأ، والبعض الأخر يعتبره من صورة الخطأ غير العمدي ، و
يرى رأي ثالث أنه بالرغم من وجود خلاف بين تجاوز القصد و بين حدوث النتيجة المتجاوزة القصد ،يجب أنّ
تُعَامل كميا معاملة واحدة من حيث الجزاء فيعاقب الجاني على أساس الجريمة العمدية.
د-
إثبات القصد الجنائي :
باعتبار القصد نية باطنية ترتبط بنفسية الجاني و نواياه ،لا تستطيع المحكمة إثباته مباشرة و إنما تتأكد من توافره لدى الجاني عن طريق الاستنتاج من المظاهر الخارجية و الظروف المحيطة بالجريمة، كاستخدام آلة قاتلة في جريمة القتل مثلا فقد يستنتج قاضي الموضوع توافر القصد في هذه الجريمة مثلاً من خلال نوع السلاح المستخدم كذلك تعدد الإصابات أو من خلال وجود عداوة سابقة بين الجاني والمجني عليه.
إلاّ أنّ هذه الأفعال الخارجية التي يأتيها الجاني والظروف المحيطة بالدعوى ليست هي القصد بحدّ ذاته إنما هي مجرد قرائن و دلائل تكشف عنه ، فقد تصح مرة وقد تخيب مرة أخرى وقد تم ترك إثبات القصد الجنائي لقاضي الموضوع الذي يلزم بيانه في الحكم صراحة أو ضمنا.
ثانيا-
الخطأ :
عندما لا تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة
فان الجريمة تكون قد وقعت دون قصد بل وقعت عن طريق الإهمال أو عدم الاحتياط أو
بعبارة أخرى عن طريق الخطأ الذي يعد صورة الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية.
و يعتبر الخطأ بأنه إخلال الجاني بواجب
الحيطة والحذر الذي تفرضه الحياة الاجتماعية اليوم، ومن ثمة يتسم عمله بالتقصير في
أخذ الاحتياطات اللازمة حتى لا يقع منه ما يضر بالآخرين .و من أمثلة الجرائم غير
العمدية الحوادث التي تنجم عن قانون المرور وغيرها .
أ - معايير تحديد الخطأ :
×
المعيار الموضوعي : و
أساس هذا المعيار هو "الشخص العادي" و ينظر إليه
إلى ما كان سيفعله شخص مجرد يتمتع بقدر من الحيطة و الحذر و وضع تحت نفس الظروف
الخارجية للجريمة إن كان سيتجنب هذه الأخيرة أم لا ، فمفاد هذا المعيار أن السلطة
التقديرية تعود للقاضي في الحكم ما إذا كان الشخص العادي الذي يتمتع بالحيطة و
الحذر سيقع في نفس الخطأ أم لا .
نقد المعيار: لا يحقق العدالة
نظرا لتفاوت الناس في قدراتهم ،بالإضافة إلى صعوبة تحديد الشخص العادي.
× المعيار
الشخصي
: و أساس هذا المعيار هو
"الجاني نفسه" و إذا ما
كان هذا الأخير باستطاعته تفادي النتيجة الجرمية عن طريق إتخاذ تدابير الحيطة و
الحذر، فتطبيق هذا المعيار يقوم على أساس النظر في سلوك الجاني أولا ثم البحث فيما
إذا اتخد تدابير الحيطة و الحذر.
نقد المعيار: صعب التطبيق لأنه يسلزم دراسة واقعية لشخصية الجاني و
ظروفه الثقافية و العقلية و الإجتماعية.
× المعيار المختلط : و هو عبارة عن دمج بين المعيارين الموضوعي و الشخصي.
ب- عناصر الخطأ :
يتحدد الخطأ عن طريق توافر عنصرين هما :
× اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب السلوك:
إن اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب السلوك شرط عام و لازم في الخطأ و العمد أيضا و أن انتفى هذا الشرط تخلف الركن المعنوي لأن من طبيعة الركن المعنوي أن تتجه إرادة الجاني إلى إتيان السلوك المجرم و على هذا الأساس فانه يلزم إرادة الجاني إلى إحداث النشاط الذي ترتبت عنه النتيجة الاجرامية.
× توقع أو عدم توقع النتيجة:
للخطأ صفتان الأولى لا يتوقع فيها الجاني النتيجة الإجرامية مع أنه كان باستطاعته تجنبها و كان واجبا عليه أن يتوقعها أما الثانية ففيها يتوقع الجاني النتيجة الإجرامية لكنه لا يتخذ واجب الحيطة و الحذر لتجنبها.
ج- صور الخطأ :
يتخذ الخطأ صور عديدة نص على البعض منها على
سبيل المثال دون الحصر ومنها الرعونة ([2])،
عدم الاحتياط، الإهمال وعدم الانتباه ، و عدم مراعاة القوانين
والأنظمة وهذا ما أوردته المادة 288 و289 من ق ع ([3])
بالنسبة للقتل والجرح والضرب الخطأ .و ينبغي التمييز بين الخطأ الجسيم الذي يجد
مجاله في القانون الجنائي والخطأ اليسير الذي بجد مجاله في القانون المدني حيث أن
الأول تترتب عليه المسؤولية الجنائية والمدنية معا في حين أن الثاني لا يستوجب غير
المسؤولية المدنية فقط.
د - خصائص الخطأ :
تحكم ركن الخطأ في نطاق المساءلة الجنائية
أربع خصائص رئيسية هي :
- إنعدام القصد الجنائي
- إستناده إلى الجاني شخصيا
- المدى الذي يسأل بناء عليه
- تقدير الخطأ يخضع لمعيار موضوعي
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة
النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى
النقر هنا
[1] - تنص المادة 279 ق .ع على مايلي ( يستفيد مرتكب القتل والجرح والضرب
من الأعذار إذا ارتكبها أحد الزوجين على الزوج الآخر أو على شريكه في اللحظة التي
يفاجئه فيها في حالة تلبس بالزنا )
[2] - الرعونة :
تعني في اللغة الحمق و الإسترخاء و يقصد بها سوء التقديرأو الطيش و الخفة أو النقص في المهارة أو الجهل بما يتعين العلم
به وقد تتجسد الرعونة في واقعة مادية تنطوي على الخفة وسوء تصرف كأن يطلق الشخص
النار ليصيب طير فيصيب أحد المارة وقد يتجسد في واقعة معنوية تنطوي على جهل وعدم
كفاءة كخطأ في تصميم بناء يرتكبه مهندس فيتسبب في سقوط البناء وموت شخص.
[3] - تنص
المادة 288 ق ع على أنه ( كل من قتل خطأ
أو تسبب في ذلك برعونته أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته
الأنظمة يعاقب بالحبس من 06 أشهر إلى 03 سنوات و بغرامة من 1000 إلى 20000دينار) ،
كما تنص المادة 289 ق ع على أنه ( إذا نتج
عن الرعونة أو عن عدم الاحتياط إصابة أو جرح أو مرض أدى إلى العجز الكلي عن العمل
لمدة تجاوز 03 أشهر فيعاقب الجاني بالحبس من شهرين إلى سنتين و بغرامة من 500 إلى
15000 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق