مفهوم القانون الدولي الخاص و نطاقه
نظرا
لتعدد الدول و اختلاف تشريعاتها المنظمة لعلاقات الأفراد، ظهرت الحاجة الملحة
لإيجاد نظام قانوني يضمن حماية العلاقات الناجمة عن تعامل الأفراد على الصعيد
الدولي واستقرارها واستمرارها من جهة، واحترام سيادة الدولة عمى إقليمها من جهة
أخرى، فكان القانون الدولي الخاص، فما هو مفهوم القانون الدولي الخاص و نطاقه؟.
أولا- تعريف
القانون الدولي الخاص:
إختلف الشراح حول تعريف القانون الدولي الخاص بسبب حداثة نشأة هذا الفرع من القانون، ونظرا لاختلاف طبيعة المواضيع التي يتضمنها القانون الدولي الخاص ومن ثم اختلاف نطاق كل منها فضلا عن اختلاف المصادر التي يستقي منها أحكامه فلم يكن هناك اتفاق على تعريف القانون الدولي الخاص، وعلى إثر ذلك ظهرت ثلاثة اتجاهات قانونية في هذا السياق،الاتجاه الأول يضيق من تعريف القانون الدولي الخاص فيقصره على تنازع القوانين بمعناه الضيق لذا يعرف وفقا لهذا الاتجاه بأنه "ذلك الفرع من القانون الذي يعنى ببيان القانون الواجب التطبيق في العلاقات القانونية ذات الأبعاد الدولية الخاصة"،ويمثل هذا الاتجاه ايطاليا وألمانيا،الاتجاه الثاني يذهب إلى ضم تنازع الاختصاص القضائي إلى جانب تنازع القوانين أي أنه يجعل القانون الدولي الخاص قائم على تنازع القوانين بمعناه الواسع ويعرفه بأنه" ذلك الفرع من القانون الذي يعنى ببيان القانون الواجب التطبيق و المحكمة المختصة في العلاقات ذات الأبعاد الدولية الخاصة"،ويمثل هذا الاتجاه الفقه الانجلوسكسوني،أما الاتجاه الثالث فهو يعرف القانون الدولي الخاص بمعنى أوسع من الاتجاهين الأول و الثاني فيلحق بتنازع القوانين (تنازع الاختصاص التشريعي و تنازع المحاكم تنازع الاختصاص القضائي) كل من الجنسية و الموطن ومركز الأجانب ويعرفه بأنه" ذلك الفرع من القانون الذي يعنى ببيان جنسية الأشخاص بالنسبة للدول وموطنهم وحالتهم القانونية عبر الحدود(التمتع بالحقوق) مع بيان القانون الواجب التطبيق (استعمال الحقوق)و المحكمة المختصة (حماية الحقوق) في العلاقات الدولية الخاصة التي يكونوا أطرافا فيها ويمثل هذا الاتجاه الفقه اللاتيني وقد أخذت الدول العربية بهذا التوجه و منها
الجزائر.وبذلك يمكن تعريف القانون الدولي الخاص بأنه "مجموعة القواعد القانونية التي تحكم العلاقات بين الأفراد و التي يتخللها عنصر أجنبي"،هذا
المصطلح الأخير يمتد إلى أطراف العلاقة ،موضوع العلاقة و مكان قيام هذه
العلاقة،و عليه فلو تعاقد جزائري مثلاً مع فرنسي كنا أمام علاقة ذات عنصر أجنبي تخص الأطراف،كما قد يتعاقد جزائريان بخصوص عقار متواجد في فرنسا فنكون هنا أيضاً أمام علاقة ذات عنصر أجنبي تخص موضوع هذه العلاقة و هو العقار المتواجد في فرنسا، و أخيراً فقد تنشأ العلاقة في بلد أجنبي فتوصف أيضاً بالعلاقة ذات العنصر الأجنبي كما لو صدم جزائري بسيارته جزائرياً آخر بفرنسا فكما أن أطراف العلاقة جزائريون فإن مكان نشوئها هو فرنسا فتخضع بالتالي لقواعد القانون الدولي الخاص.
ثانيا: الصفة الداخلية و الدولية للقانون الدولي الخاص:
تطرح طبيعة القانون الدولي الخاص جملة تساؤلات من بينها هل انه قانون دولي أم داخلي؟
هذا التساؤل إنقسم فيه الفقه إلى مذهبين الأول ينكر الصفة الدولية على هذا القانون ويصفه بالقانون الداخلي وذلك لأن نطاق تطبيقه ومصادره تختلف عن نطاق تطبيق مصادر القانون الدولي فالأول يحكم العلاقات التي يكون أطرافها أفراد بينما الثاني يحكم العلاقات التي يكون أطرافها دول أو أشخاص القانون الدولي العام الأخرى مثل المنظمات كما أن مصادر الأول داخلية ذلك لغياب مشرع دولي في هذا السياق أو وجود قواعد تشريعية مشتركة بين الدول بينما مصادر القانون الدولي قد تكون في الغالب دولية مثل الاتفاقيات الدولية أو الأعراف الدولية.
أما المذهب الثاني فيذهب إلى الاعتراف للقانون الدولي الخاص بالصفة الدولية من ناحية القواعد التي يتضمنها وان كانت تستقي من مصادر داخلية مثل التشريع و الأعراف الداخلية إلا أن نطاق تطبيقها له أبعاد دولية حيث لا تحكم تلك القواعد العلاقات الوطنية إنما العلاقات ذات الأبعاد الدولية الخاصة فقواعد الجنسية تحكم العلاقة ما بين الفرد و الدولة وعلى أساسها يتحدد انتمائه وبفعلها تتدخل الدولة لحماية الفرد دبلوماسيا إذا أصابه ضرر في الخارج ولم يستطيع الحصول على تعويض كما أن الدولة تكون مسؤولة عن أفعاله من الناحية الدولية إذا ألحق ضرر بدولة أخرى، بصورة مباشرة أو غير مباشرة كما آن قواعد تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدولي وضعت لحكم العلاقات ما بين أفراد تابعين لدولة مختلفة وهذا ما يجعل هذه القواعد حاكمة لمواضيع متعدية الآثار على أكثر من دولة كما يتأثر مركز الأجانب بالعلاقات الدولية فكلما تحسنت العلاقات الدولية ما بين الدول تحسن وضع الأجنبي وهذا يعني أن مركز الأجانب يتأثر بقواعد القانون الدولي وكذلك الحال بالنسبة للموطن.
وما بين هذين الموضعين يذهب البعض بالقول أن قواعد القانون الدولي الخاص قواعد داخلية من حيث المصدر ولكن أثارها دولية من حيث نطاق تطبيقها.
ثالثا- الصفة الخاصة و العامة للقانون الدولي الخاص:
إذا كان القانون الدولي الخاص قانون وطني داخلي المصدر ودولي التطبيق فهل أن هذا القانون من فصيلة القانون العام أم الخاص؟
لقد أجاب الفقه عن ذلك في اتجاهين الأول يذهب إلى إلحاق القانون الدولي الخاص بالقانون الخاص وذلك لان موضوعات القانون الدولي الخاص تتعلق بالعلاقات التي يكون الأفراد أطرافا فيها فالجنسية وان كانت علاقة ما بين فرد ودولة إلا أن أثارها تنعكس على العلاقات الدولية الخاصة كما أنها تبين فضلا عن الحقوق العامة الحقوق الخاصة وكذلك النظام القانوني الواجب التطبيق وهي مسائل من أبحاث القانون الخاص وينسحب هذا الكلام على الموطن وكذلك مركز الأجانب أما تنازع القوانين فهو موضوع ينصرف إلى التنازع ما بين القوانين الخاصة في إطار العلاقات التي يكون الأفراد طرفا فيها و نفس الوضع بالنسبة لتنازع الاختصاص القضائي الدولي أما الاتجاه الثاني فيلحق موضوعات القانون الدولي الخاص بنظم القانون العام فهو ينظر للجنسية بوصفها علاقة مابين الفرد ودولة ومتعلقة بسيادة الأخيرة وتحدد الحالة السياسية للأفراد فضلا عن حالتهم المدنية وهي مسائل من صميم القانون العام وهو نفس الوضع بالنسبة للموطن أما مركز الأجانب فان قواعده يستأثر المشرع الوطني في كل دولة بتنظيمها وهي مسالة متعلقة بسيادة الدولة فينظم حركة الأجانب عبر حدودها بالدخول و الإقامة و الخروج ولحماية أمنها وسلامتها وهي أمور تخص القانون العام.
أما بالنسبة لموضوع تنازع القوانين فهو يعنى ببيان نطاق تطبيق القوانين الوطنية و الأجنبية أي مدى سلطانها وتطبيقها على العلاقات الدولية الخاصة وهو من أبحاث القانون العام أما تنازع الاختصاص القضائي الدولي فهو يعنى بيان نطاق اختصاص المحاكم الوطنية و الأجنبية في العلاقات الدولية الخاصة لذا يلحق بنظم القانون العام فضلا عن أن كل من الاختصاص القضائي و الاختصاص التشريعي مظهر من مظاهر سيادة الدولة.
وفي الحقيقة يمكن وصف القانون الدولي الخاص بأنه مركب من موضوعات بعضها ينتمي للقانون العام مثل الجنسية و الموطن ومركز الأجانب وتنازع الاختصاص القضائي الدولي إلا أن أثارها تحرك تطبيق قوانين خاصة و البعض الأخر من هذه الموضوعات تنتمي إلى القانون الخاص مثل تنازع القوانين إلا أن آثارها يمكن أن تحرك تطبيق قوانين عامة.
رابعا- موضوعات القانون الدولي الخاص:
بغض النظر عن الاختلافات الفقهية يمكن القول أن نطاق القانون الدولي الخاص يتحدد بأربعة
مواضيع أساسية:
أ-الجنسية: la nationalité تعتبر من أهم مواضيع القانون الدولي الخاص، و تُعرّف الجنسية بصفة عامة بأنها" الرابطة السياسية و القانونية التي تربط الفرد بدولته"، و من خلال الجنسية يتحدّ د من هو المواطن و من
هو الأجنبي،و تحرص كل دولة على وضع قوانين للجنسية بكل حرية مراعية في ذلك ظروفها و إن كانت حريتها مقيدة بما تمليه الاتفاقيات الدولية في هذا المجال.
ب- المركز القانوني للأجانب Condition juridique des étrangers:موضوع آخر يدخل ضمن نطاق القانون الدولي الخاص و هو موضوع ما
يسمى مركز الأجانب،إذ من المعلوم أن مركز هؤلاء يختلف كثيراً عن مركز المواطن و بالتالي يأتي موضوع
مركز الأجانب ليبين حقوق هؤلاء و واجباتهم ؛
ج-تنازع القوانين :Confit
de loisو يقصد به الحالة التي ترتبط فيها العلاقة القانونية بقوانين عدة دول،فمثلاً زواج جزائري بفرنسية يطرح التساؤل التالي:أي قانون يخضع له عقد الزواج؟ هل هو القانون
الجزائري كون الزوج جزائرياً؟ أم هو القانون الفرنسي لأن الزوجة فرنسية؟ و بمعنى آخر هناك تنازع بين القانونين الجزائري و الفرنسي،و السؤال المطروح هو كيف يتم حل هذا النزاع؟ هناك عدة مناهج في هذا المجال و يبقى أهم منهج هو ما يُعرف بقواعد التنازع أو قواعد الإسناد،و هي قواعد تنفرد كل دولة بوضعها
بكل حرية.
د-تنازع الاختصاص القضائي و تنفيذ الأحكام الأجنبية conflit de Juridictions: الغرض من قواعد الاختصاص القضائي هو تحديد أي المحاكم مختصة دولياً،فمثلاً لو رفع فرنسيان مقيمان في الجزائر دعوى طلاق أمام
القضاء الجزائري فإن التساؤل الذي يُطرح هنا هو: هل سيكون هذا القضاء مختصاً بالنظر في هذه الدعوى أم عليه أن يمتنع باعتبار أن الأطراف هم أجانب؟و ما على هؤلاء إلا اللجوء إلى القضاء الفرنسي باعتبارهم فرنسيين، و في سياق متصل فإنه قد يحدث أن يصدر حكم في دولة و يُراد تنفيذه ف دولة أخرى فتُثار مسألة كيفية تنفيذ هذا الحكم،إذ من غير المستساغ أن ينفذ الأعوان المكلفون بتنفيذ الأحكام في
الجزائر حكماً صادراً عن القضاء الفرنسي مثلاً إذ لا شك أن في ذلك مساس بسيادة الدولة،و يبقى
السؤال المطروح حينها هو كيف يمكن تنفيذ حكم أجنبي دون المساس بالسيادة؟
ملخص : يرتبط وجود
القانون الدولي الخاص بنشأة علاقات الأفراد المشتملة على عنصر أجنبي، و على علاقات
الأفراد ذات الطابع الدولي، حيث تثير هذه العلاقات المشكلات التالية: التمييز بين
المواطنين والأجانب عن طريق تحديد جنسية الأشخاص، والمركز القانوني للأجانب،
وتحديد المحاكـم المختصة بالفصل في المنازعات المتعلقة بهذه العلاقات وتحديد
القانون المختص.
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة
النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى
النقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق