آثار العقد من حيث الأشخاص
عندما يبرَم عقد ما بين شخصين فإنه
يتوجب عليها تنفيذه بجميع ما ورد فيه من حقوق و التزامات و بحسن نية، ذلك لأن
العقد شريعة المتعاقدين فلا يمكن لأحد منهما التراجع عما أراد الخضوع له تحت ما
يسمى العلاقة التعاقدية ([1]) ، مما يعني ذلك أنهما وحدهما من
يتحمل الآثار المترتبة عن ذلك العقد، و بالتالي فإنه لا يتصور أن تنصرف تلك الآثار
منهما إلى أشخاص أجانب لم يشاركوا في إبرامه كمبدأ عام و هذا ما يطلق عليه بـ
" نسبية أثر العقد".
إلا أن هناك أشخاصا آخرين قد تنصرف
إليهم آثار العقد غير المتعاقدين الأصليين، كما أنهم ليسوا أجانب عن العقد،
فيدخلون تبعا في مرحلة تنفيذه، و هؤلاء الأشخاص هم الذين تربطهم بالمتعاقدين صلة
قرابة أو خلافة أي خلف عام و خلف خاص.
كما أن نسبية أثر العقد ليس على إطلاقه بل ترد عليه إستناءات([2])،
حيث أن هناك أشخاص أجانب يمكن أن يكسبوا حقا منه و ذلك من خلال قاعدتي التعهد عن الغير و الإشتراط
لمصلحة الغير.
أولا: آثار العقد بالنسبة
للمتعاقدين
المقصود بنسبية العقد: يهيمن على القوة الملزمة للعقد مبدأ
هام وهو مبدأ نسبية أثر العقد ، و الذي مفاده بأن " أثر العقد يقتصر على
طرفيه " بمعنى أن الالتزامات الناشئة و الحقوق المتولدة عنه لا تنصرف إلا إلى العاقدين. وهناك مجموعة من الحقائق
التي تترتب عن هذا المبدأ وهي :
1- يقضي بهذا المبدأ الاعتراف باستقلال الأفراد ، و ضرورة احترام
حريتهم فالإثارة التي ينشئها العقد هي وليدة إرادة العاقدين دون غيرهما ، و لا
يمكن من ثم ، أن تنصرف إلا إليهما ( أي للعاقدين ).
2- أن العقد ينتج آثاره في مواجهة عاقديه و لا يقف عندها بل
يتعداهما إلى أشخاص آخرين يحلون محلهما في حقوقهما من العقد.
3- عدم سريان أثر العقد على الغير، و مفاد ذلك أنه إذا كانت
آثار العقد تنصرف إلى عاقديه و خلفهما العام و الخاص ، فالأصل أن تقف عندهم و أن
لا تتجاوزهم إلى الغير.
و يجب التمييز بين المتعاقدين ، وقد جرت العادة في تقسيم
المتعاقدين إلى :
× المتعاقدين الأصليين: و هم الأشخاص الذين ساهموا في تكوين
العقد بالتعبير بأنفسهم عن إرادة الإرتباط بالعقد.
× المتعاقدين التبعيين:وهم الذين لم يشاركوا في تكوين العقد
، و إنما ينتقل إليهم العقد بصورة طبيعية في حالات معينة مما يجعلهم يشاركون في
تنفيذ العقد بالرغم من أنهم لم يشاركوا في إبرامه ، و هِؤلاء الأشخاص هم:
أ- بالنسبة
للخلف العام (الخلافة العامة
يكتسبها الشخص عن طريق الميراث أو الوصية)
يراد بالخلف العام الوارث الذي يخلف الشخص المتوفى(المورث) في ذمته المالية من حقوق و التزامات أوفي جزء منها باعتبارها مجموعة من الأموال، و كذلك الموصى له بجزء من التركة كالربع أو الثلث.وهذا ما نصت عليه المادة 108 مدني .([3]) ولكن إستناء من هذا الأصل لا ينصرف أثر العقد إلى الخلف العام في الأحوال التالية:
- إذا اتفق المتعاقدان على ذلك.
- إذا تبين من طبيعة التعامل أن العقد لا ينصرف أثره إلى الخلف
العام و قد يكون المانع من إنتقال أثر العقد ناشئا عن نص في القانون ( حق الانتفاع
الذي ينتهي بموت المنتفع م 852 ق.م) ، أو عن شخصية المتعاقد ( التعاقد مع مهندس أو
فنان معين).
- لا تسري في حق الخلف العام التصرفات التي قاموا بالطعن فيها
، التي قام بها مورثهم و هو مريض مرض
الموت .
- لا يسري أثر العقد إلا بعد القيام بسداد ديون المورث.
ب- بالنسبة
للخلف الخاص( الخلافة
الخاصة فهي تكون للشخص على شئء معين بالذات و يكتسبها عن طريق إبرام عقد ما)
في حالة انتقال شيء معين إلى شخص ما من خلال عقد من العقود
فإنه يصبح خلفا خاصا في ذلك الشيء، و بالتالي فكل ما يتصل بذلك الشيء من حقوق
شخصية([4])
فإنها تنتقل معه إلى إلى الخلف الخاص. وهذا مانصت عليه المادة 109 ق .م . و
ينصرف أثر العقد إلى الخلف الخاص بالشروط الآتية:
1- أن يكون العقد الذي ينصرف أثره إليه قد أبرم بخصوص الشيء
الذي انتقل إليه.
2- أن يكون العقد الذي ينصرف أثره إلى الخلف الخاص قد أبرم قبل
انتقال الشيء إليه.
3-أن يعلم الخلف بهذه الحقوق أو الإلتزامات وقت انتقال الشيء
إليه.
ج – الدائنين :
وقد إختلف حول الدائنين هل هم من الخلف العام أم الخاص ، فيرى
البعض أنهم من الخلف العام إستنادا إلى نص المادة 88 ق.م، و ذهب البعض أنهم من
الخلف الخاص ، و لكن الراجح أنهم ليسوا من الخلف العام و لا الخاص ، فكل عقد يبرمه
المدين سواء أدخل به حقا أو رتب التزاما لا يتأثر به الدائنون و لا يلتزمون به.
ثانيا: آثار العقد بالنسبة للغير
الغير هو كل من لم يكن طرفا في العقد و
لا خلفا عاما أو خاصا للمتعاقدين، و المبدأ العام هو أن الغير لا يلزم بعقد لم يكن
طرفا فيه، و لكن قد يرتب العقد للغير حقوقا ، و هذا ما نصت عليه المادة 113 ق.م.
فالعبارة الأولى من هذه المادة "لا
يرتب العقد التزاما في دمة الغير..." تحيلنا للبحث في التعهد عن الغير، و
العبارة الثانية "... و لكن يجوز أن يكسبه حقا" و هذا يدعونا إلى البحث
في الإشتراط لمصلحة الغير.
أ- التعهد عن
الغير
يقصد بالتعهد عن الغير ، ذلك العقد الذي
يتعهد فيه أحد الطرفين بأن يجعل شخصا آخر يلتزم بالتزام معين قبل رضا الطرف الآخر
للعقد، أي أن يلتزم شخص بأن يجعل غيره يقوم بإبرام عقد ، فهو يلتزم بالتزام بعمل
فقط.( م 114 ق.م)، و يقوم التعهد بين أطرافه و على الغير و هم :
1- المتعهد : و هو الذي يتعهد في
مواجهة المتعاقد معه، بأن يجعل هذا الغير يقبل التحمل بالتزام معين لصالح المتعاقد
معه.
2- المتعهد له : هو الذي يحصل
التعهد لمنفعته.
3- المتعهد عنه :و ذلك الغير الذي
يلتزم المتعهد بأن يجعله يقبل الإلتزام لصالح المتعهد له.
الفرق بين التعهد و النيابة في التعاقد([5]):
- المتعهد يتعاقد باسمه لا بإسم الغير،
في حين النائب يتعاقد باسم الأصيل.
-كل تصرفات النائب تنصرف آثارها إلى
الأصيل، بينما تصرف المتعهد لا ينصرف أثره إلى الغير إلا إذا قبل هذا الأخير
التعهد عنه.
ب- الإشتراط
لمصلحة للغير
الإشتراط لمصلحة الغير هو عبارة عن اتفاق
يقوم بين شخص يسمى "المشترط" وآخر يسمى "المتعهد"، بمقتضاه
يشترط فيه المشترط على المتعهد إنشاء حق للغير ليس طرفا في اتفاقهما ،و يسمى هذا
الغير "المنتفع". و هو مانصت عليه المادة 116 ق.م.
شروط انعقاد الإشتراط لمصلحة الغير:
1- أن يتعاقد المشترط باسمه هو ، دون أن
يتدخل المنتفع في العقد ، و هو ما يميزه عن التعاقد بانيابة.
2- أن يشترط المشترط على المتعهد حقا
مباشرا للمنتفع.
3- أن تكون للمشترط مصلحة شخصية في
الإشتراط.
آثار الإشتراط لمصلحة الغير:
- في العلاقة
بين المشترط و المتعهد: تحكم
هذه العلاقة شروط العقد المبرم بينها، فلكل منهما أن يطالب الآخر بتنفيذ
الالتزامات الناشئة عن هذا العقد.
- في العلاقة
بين المشترط و المنتفع:
تختلف هذه العلاقة باختلاف ما إذا كان الاشتراط للمنتفع بعوض أم تبرعا، فإذا كان
المشترط يتقاضى من المنتفع عوضا فيجب على هذا الأخير أن تتوفر فيه أهلية التمييز ،
أما إذا كان المشترط يتقاضى من المنتفع عوضا فيجب على هذا الأخير أن تتوفر فيه
أهلية التبرع.
- في العلاقة
بين المتعهد و المنتفع: و
يترتب عليها أن المنتفع يكسب حقا مباشرا من عقد الاشتراط, وهذا الحق يكون قابلا
للنقض من جانب المشترط ، وذلك إلى أن يظهر المنتفع رغبته في الإستفادة من
الاشتراط.و هذا ما نصت عليه المادة 117 ق.م .
و قد حددت المادة 118 ق.م ما معنى
الغير" المنتفع" ، كما حددت أن وجود المنتفع أثناء الاشتراط لا يكون
لازما.
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة
النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى النقر هنا
[1] - المادة 106: العقد شريعة المتعاقدين
، فلا يجوز نقضه ، ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها
القانون.
[2] - المادة 113: لا يرتب العقد التزاما في ذمة الغير، و لكن
يجوز أن يكسبه حقا.
[3] - المادة 108 : ينصرف العقد إلى المتعاقدين و الخلف العام ما لم يتبين من طبيعة التعامل ،
أو من نص القانون ، أن هذا الأثر لا ينصرف إلى الخلف العام كل ذلك مع مراعاة
القواعد المتعلقة بالميراث.
[4] - الحق الشخصي
هو رابطة قانونية بين شخصين تخول أحدهما ، وهو الدائن أن يطالب المدين بأداء معين لمصلحته ، هذا الأداء قد يكون قيام بعمل أو امتناع عن عمل أو إعطاء شيء
.
[5] - النيابة في التعاقد هي إبرام شخص يسمى
النائب عملا قانونيا لحساب شخص آخر و باسمه يسمى الأصيل بحيث ينتج هذا العمل
القانوني آثاره مباشرة في ذمة الأصيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق