القانون الواجب التطبيق على الزواج و الطلاق
يعتبر الزواج أفسح العلاقات القانونية مجالاً لتنازع القوانين، ذلك أن النظم القانونية تختلف في نظرتها إلى هذه الرابطة اختلافاً كبيراً، فبينما تعتبر هذه الرابطة في بعض النظم رابطة دينية محضة، تعتبرها نظم أخرى مدنية بحتة، وبينما الدول الإسلامية تبيح تعدد هذه الرابطة وتسمح بانحلالها بإرادة منفردة، و على عكسها الدول المسيحية تحرم تعددها وتعتبر التعدد جريمة، وبعضها يعتبرها رابطة أبدية غير قابلة للانحلال، بينما البعض الآخر يبيح انحلالها ولكن لأسباب محددة، بل أن بعض الدول تعتبرها رابطة مؤقتة مثل الاتحاد السوفيتي.
كما أن هناك اختلاف في التكييف فيما يتعلق بأحد شروط الزواج كإشهاره، إذ هناك من الأنظمة التي تعتبره شرطا موضوعيا، ومنها من يعتبره شرطا شكليا. وهذا التكييف يرجع بالطبع إلى قانون القاضي. وبالتالي لا بد من تحديد المواضيع التي تعد من مستلزمات الزواج حتى نحدد ضابط الإسناد بشأنها، وهذه المواضيع هي الخطبة، الشروط الموضوعية للزواج، الشروط الشكلية للزواج، وآثار الزواج.
أولا- القانون الواجب التطبيق على الخطبة:
لقد جرت العادة على أن تبدأ إجراءات الزواج بالخطبة، وهي وعد يبدي فيه كل طرف استعداده للزواج من الآخر(م 5/1
ق أ ج)،
فإذا وصلت الخطبة إلى مرحلة الوعد ذي القيمة القانونية، فلا شك في أنها تعتبر كمقدمة للزواج وتدخل في نطاق الأحوال الشخصية، وقد اعتبرها المشرع الجزائري على غرار معظم التشريعات من الأحوال الشخصية، بالتالي تخضع شروطها الموضوعية لقانون جنسية الزوجين، حسب التشريع الجزائري)م
11 ق.م
( بينما تخضعها بعض التشريعات الأخرى لقانون القاضي أو قانون جنسية الخاطب،وتخضع آثار الخطبة أيضا لقانون الجنسية حسب م
11 ق.م.ج.
أما الشروط الشكلية للخطبة، أي الكيفية التي تتم بها، فإنها تخضع لقانون مكان تمامها، وهذا حسب القاعدة العامة الواردة في م 19 ق.م.ج، التي تخضع شكل التصرفات إلى قانون مكان إبرامها.
ويخضع لضابط الإسناد نفسه كل ما يتعلق بإثبات الخطبة.
وفي ما يخص العدول عن الخطبة فباعتباره قائم على أساس المسؤولية التقصيرية فيخضع لقانون مكان وقوع الفعل المنشئ للضرر حسب المادة 20 فقرة
1 ق.م.ج التي تنص على تطبيق قانون مكان وقوع الفعل الضار.
أولا- القانون الواجب التطبيق على الزواج:
الزواج حسب نص المادة 4
ق أ ج هو
"عقد رضائي يتم بين رجل وامرأة، على الوجه الشرعي، من أهدافه تكوين أسرة ..." ،والمعنى المشار إليه للزواج في نص هذه المادة يتفق في عمومه مع معناه في بلاد العالم الغربي المسيحي، إلا أنه في الشريعة الإسلامية يختلف ، في كونه رابطة يمكن أن تتعدد، ويمكن أن تنحل بإرادة منفردة،و على هذا الأساس، فإنه يتعين على القاضي الوطني - الجزائري - وهو بصدد تكييف رابطة الزواج، أن ينظر إليها بمفهوم أوسع مما هو وارد في قانونه (الشريعة الإسلامية)، أي يجب عليه أن ينظر إليها على أنها
"رابطة تفيد حل استمتاع كل من الزوجين على الوجه المشروع" دون تقيد بما قررته الشريعة الإسلامية من جواز التعدد والإنحلال. وبهذا النظر يستطيع القاضي أن يدخل في فكرة الزواج كافة النظم التي تسمى زواجاً ولا تتعدد فيها الرابطة ولا تنحل بإرادة أحد الطرفين.
1- القانون الواجب التطبيق على الشروط الموضوعية لعقد الزواج:
حددت الشريعة الإسلامية والمشرع الجزائري الشروط الموضوعية لعقد الزواج كالآتي:الرضا، الولي، الشاهدين، الصداق، بلوغ السن القانونية، خلو الزوجين من الموانع الشرعية (م 9 و 9مكرر ق.أ.ج(.
وقد نصت م
11 ق.م.ج على أن يطبق فيما يخص الشروط الموضوعية لعقد الزواج القانون الوطني لكل من الزوجين، على أن يعتد بجنسية الزوجين وقت إبرام العقد، فلا يتأثر هذا الأخير إذا غير أحدهما جنسيته فيما بعد.
ولا يطرح تطبيق قانون الجنسية أي إشكال إذا كان للزوجين من جنسية واحدة، حيث يخضعان لقانون واحد، لكن الإشكال يثور عند اختلاف جنسيتهما، فهل يجب أن يتوفر لكل منها الشروط الموضوعية التي يستوجبها قانونه وقانون زوجه(التطبيق الجامع )؟ أم يجب أن يتوفر في كل منهما الشروط التي ينص عليها قانونه الوطني فحسب(التطبيق الموزع )؟
يرى بعض الفقهاء وجوب التطبيق الجامع، باعتبار أن كلا من القانونين وضع شروطه لحماية رابطة الزوجية التي لا تتحقق إلا بين الزوجين، ولم يقصر اهتمامه على ناحية واحدة من هذه الرابطة، غير أن هذا الرأي عسير التحقيق عملاً، فضلاً عن أنه يؤدي إلى تطبيق القانون الأكثر تشدداً، وفرض أحكامه على رابطة الزوجية. ولذلك فالرأي السائد، والذي سار عليه القضاء هو التطبيق الموزع، فيكفي أن تتوافر في الزوج الشروط الموضوعية التي يقتضيها قانون جنسيته، وأن تتوافر في الزوجة الشروط الموضوعية التي يقتضيها قانون جنسيتها، على أن أغلبية الفقه تشترط التطبيق الجامع فيما يتعلق بموانع الزواج لخطورتها. وطبقاً لرأي هذه الأغلبية، يجب ألا يحول دون الزواج مانع في قانون جنسية الزوج أو قانون جنسية. بيد أن بعض الفقهاء يفرق في موانع الزواج، بين تلك التي تعتبر استجابة لمبادئ خلقية عليا، كالقرابة والعدة، ويشترط فيها التطبيق الجامع. وبين تلك التي تعتبر موانع إقليمية ، مثل موانع اللون أو الجنس.
إلا أنه يستثنى من القاعدة التي حددتها م 11 ق.م.ج الحالة التي يكون فيها أحد الزوجين عند انعقاد الزواج يحمل الجنسية الجزائرية، فإن الشروط الموضوعية للزواج تخضع للقانون الجزائري وحده فيما عدا شروط الأهلية، فيجب أن تتوافر شرط الأهلية في الطرف الآخر طبقاً لقانون جنسيته(م 13 ق.م.ج )، والمهم هو أن يكون أحد الزوجين جزائرياً وقت إبرام الزواج، بصرف النظر عما يكون بعد انعقاد الزواج أو قبله.
2- القانون الواجب التطبيق على الشروط الشكلية لعقد الزواج:
ذكرنا من قبل أن تحديد ما يعد شرطا شكليا أو شرطا موضوعيا بالنسبة لإبرام عقد الزواج هو مسألة تكييف وتخضع لقانون القاضي،ويعد من الشروط الشكلية لعقد الزواج كل القواعد والإجراءات التي تتصل بالزواج من حيث شهره، تحريره، إثباته، الوكالة، والشهود.
ونشير هنا إلى أن المشرع الجزائري لم يورد نص خاص بالشروط الشكلية لعقد الزواج وبالتالي يجب تطبيق نص م 19 ق.م.ج والتي تخضع العقود فيما بين الأحياء في شكلها لقانون مكان إبرامها، غير أن الأخذ بهذه القاعدة ليس إلزامي بل اختياري، إذ يجوز أيضا حسب نفس المادة أن يطبق على الشروط الشكلية لعقد الزواج قانون جنسية الزوجين إذا كانت جنسيتهما واحدة، أو قانون موطنهما المشترك، أو القانون الذي يحكم الشروط الموضوعية،
ويترتب
على ذلك أن الجزائري الذي يبرم عقد زواجه وفقا للشكل المطلوب في البلد الذي أبرمه فيه يكون عقده صحيح شكلا، وكذلك إذا أبرم هذا الزواج لدى القنصليات الجزائرية في الخارج إذا ما اتبع الشكل المنصوص عليه في قانون الحالة المدنية الجزائري(م 76 ق.ح.م.ج(.
والرأي السائد فقهاً وقضاء، هو إخضاع الشروط الشكلية في الزواج لقانون المحل طبقاً لقاعدة Locus ،غير أن الدول تختلف فيما بينهما في اعتبار هذه القاعدة اختيارية أو إلزامية.
3- القانون الواجب التطبيق على آثار الزواج:
يرتب عقد الزواج نوعين من الآثار، شخصية ومالية، أما الآثار الشخصية فهي تلك المتعلقة بالحقوق والواجبات الزوجية، والتي نص عليها المشرع الجزائري في قانون الأسرة،أهمها النفقة، القوامة. وأما الآثار المالية فهي ما يتعلق بملكية أموال الزوجين من حيث إدارتها، والالتزامات والحقوق الواردة عليها، والنظام المطبق عليها يختلف من دولة إلى أخرى.
بالنسبة للدول التي تستمد أحكامها من الشريعة الإسلامية فتأخذ بنظام الانفصال المالي أي استقلالية الذمة المالية لكلا الزوجين، مما يعني أنه ليس للزواج أي أثر على الجانب المالي.
أما بالنسبة للدول الغربية فيرتب الزواج آثارا مالية على الطرفين، بحيث يتم تطبيق ما يسمى بـ
" نظام الزوجية "، وهو مجموعة القواعد القانونية تخضع لها أموال الزوجين أثناء الزواج وعند حله، وهي تنقسم طبقا للتشريعات الحديثة في فرنسا إلى قسمين:
أ- نظام الانفصال المالي: يحتفظ بمقتضاه كل من الزوجين بحرية التصرف في ماله وإدارته، على أن يساهم كل منهما في مصاريف الأسرة.
ب- نظام الاشتراك المالي: بمقتضاه يشترك كل من الزوجين في مصاريف الأسرة وقضاء الديون الناتجة عن القيام بشؤونها، وله ثلاث صور، نظام الاشتراك العام: وتكون فيه
أموال الزوجين مشتركة بينهما.
نظام الاشتراك في المنقولات والمكاسب: وتكون فيه فقط المنقولات المملوكة للزوجين عند انعقاد الزواج، شركة بينهما، أما الأموال التي يكتسبانها بعد الزواج فتكون مشتركة بينهما سواء كانت عقارات أو منقولات.
و نظام الاشتراك المخفض: ولا يشترك فيه الزوجان إلا فيما يكسبانه بعد الزواج.
ويكون للزوجين الاتفاق على النظام الذي سيأخذان به عند إبرام عقد الزواج، وهو ما يصطلح على تسميته بالنظام الاتفاقي ، أما إذا لم يختارا نظاما طبق عليهما حسب القانون الفرنسي قانون موطنهما.
ولقد نص المشرع الجزائري على أن يسري قانون جنسية الزوج على الآثار المالية للعقد12/1ق.م.ج، كما أن القانون الواجب التطبيق على الآثار الشخصية
الزواج حسب نفس المادة قانون جنسية الزوج عند إبرام عقد الزواج.
غير
أنه فيما
يخص النسب وعلى الرغم من كونه أثر من آثار الزواج، فقد خصه المشرع بنص خاص في المادة 13 مكرر ق.م.ج، حيث أخضعه لقانون جنسية الأب وقت ميلاد الطفل، فإذا ما توفي الأب قبل ميلاد الطفل طبق قانون جنسية الأب وقت الوفاة.
ثانيا- القانون الواجب التطبيق على انحلال الرابطة الزوجية:
دراسة القانون الواجب التطبيق على انحلال الرابطة الزوجية يستلزم التطرق إلى ثلاثة نقاط:
1- القانون الواجب التطبيق على أسباب انحلال الزواج
تنحل الرابطة الزوجية في النظم القانونية المستمدة من الشريعة الإسلامية بالوفاة، الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج، الطلاق بالتراضي، التطليق، أو الخلع، أما في النظم الغربية فتحل الرابطة الزوجية عن طريق الطلاق بالتراضي، وذلك غالبا ما يسبقه التفريق الجسماني بين الزوجين، وهو المباعدة المادية بين الزوجين، أو بالتطليق، أين يطلب أحد الزوجين الانفصال عن الآخر عن طريق القضاء.
وبما أن انحلال الرابطة الزوجية لا يثبت إلا بحكم فإن القانون الواجب التطبيق فيما يخص الشروط اللازم توافرها لإيقاع الطلاق، أو لطلب التطليق أو الخلع، وكل ما يتعلق بإثباتها، سيما إثبات الضرر، كل هذا يخضع لقانون جنسية الزوج وقت رفع الدعوى، وهذا طبقا لنص المادة12/2ق.م.ج، على الرغم من كون هذه القاعدة مجحفة بالنسبة للزوجة،إذ أنها قد تخضع لقانون معين عند إبرام عقد الزواج، ثم تفاجأ بتطبيق قانون آخر عند الطلاق إذا ما غير الزوج جنسيته بعد انعقاد الزواج.
بينما أخذت الدول الأنجلوساكسونية بقانون القاضي، أوخذت دول أوربا والدول اللاتينية بإخضاع التطليق والتفريق الجسماني إما لقانون جنسية الزوج وحده، أو قانون جنسية كل من الزوجين على أساس التطبيق الجامع أو الموزع، بحيث يخضع المشرع الفرنسي إنحلال الزواج لقانون الموطن الزوجين إذا لم يكونا متوطنين في فرنسا، أما إذا كان لهما موطن في فرنسا فيطبق القانون الفرنسي ولو كانا أجنبيين
2- القانون الواجب التطبيق على إجراءات دعوى إنحلال الرابطة الزوجية:
وهي الإجراءات المتعلقة برفع دعوى الطلاق، التطليق، الخلع، التفريق الجسماني، جلسة الصلح، أو التحكيم. وهي متعلقة بالنظام العام، بالتالي فهي تخضع لقانون القاضي حسب المادة 51 مكرر من القانون المدني التي تنص على أن:
"يسري على قواعد الاختصاص والإجراءات قانون الدولة التي ترفع فيها الدعوى أو تباشر فيها الإجراءات".
3- القانون الواجب التطبيق على آثار إنحلال الرابطة الزوجية:
تتعلق هذه الآثار بالعدة، نفقة العدة، الحضانة، مسكن الزوجية، والتعويض، ويحدد لنا أيضا في حالة التفريق الجسماني المدة التي سيتحول فيها هذا التفريق إلى تطليق، والقانون الواجب التطبيق على هذه الآثار هو قانون جنسية الزوج وقت رفع دعوى الطلاق طبقا لنص م 12 ق.م.ج.
غير أن المشرع الجزائري أورد في م
13 ق.م.ج قاعدة حول القانون الواجب التطبيق على انحلال الرابطة الزوجية وعلى آثار هذا الانحلال، بحيث تنص على تطبيق القانون الجزائري
إذا
كان أحد الزوجين جزائريا وقت انعقاد الزواج، مما يعني أنه إذا كان أحد الأطراف جزائريا وقت إبرام عقد الزواج، ثم غير جنسية بعد ذلك بحيث لا يصبح في رابطة الزوجية أي طرف جزائري وقت رفع الدعوى، فإننا وعلى الرغم من ذلك سنطبق القانون الجزائري.
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة
النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى
النقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق