نطاق تطبيق القانون في المكان
يقصد
بتطبيق القانون من حيث المكان، العمل بمبدأ إقليمية القوانين، بمعنى أن قوانين الدولة
تطبق على كل إقليمها.
و
لاعتبار أن قواعد تلك القوانين عامة ومجردة فهي تطبق على كل مقيم في إقليم الدولة،
سواء كان مواطنا أو أجنبيا، مع تطبيق مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون.
-1/ مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون.
من
الواضح أن هذا المبدأ جاء ليكرس سلطة الدولة على إقليمها ومن يقيم عليه من رعايا
وطنية وأجنبية وتتجسد تلك السلطة في تطبيق واحترام القواعد القانونية التي تسنها.
أما
عن أصل هذا المبدأ فيعود إلى العهد الروماني حين طالبت العامة بنشر القوانين ، حتى يتمكن الجميع من العلم بها ، وقد تم ذلك في عهد الملك جوستينيان الذي قام بإخراج تلك القوانين
من السجلات الرسمية ونشرها في اثنتي عشرة لوحة وعلقها في ساحة مدينة روما حتى
يتمكن كل الناس من الإطلاع عليها ولا يعد هناك من يجهل تلك القوانين، التي كان يستأثر
بها رجال الدين والأشراف فقط.
وقد
أصبح المبدأ مكرسا في العديد من الدساتير ومنها
الدساتير الجزائرية التي اعتبرته من الواجبات الدستورية، وقد نصت عليه في المادة1/74
من دستور 1976 والمادة 57 من دستور 1989 والمادة 74 من دستور 1996 كما يلي(
لا
يعذر بجهل القانون).
ولإعلام
الناس وهو من إحدى واجبات السلطة المختصة بنشر جميع ما يتم إصداره من قوانين على
اختلافها من حيث المصدر والقوة، تقوم الدول على تخصيص أدوات ووسائل لذلك الغرض
والدولة الجزائرية اعتمدت في ذلك الجريدة الرسمية، لنشر كل المعاهدات والقوانين
والأوامر والمراسيم والتعليمات والنشريات. وهذا ليعلم كل الناس، والجدير بالذكر أن
نفاذ القوانين التي يتم نشرها يبدأ من اليوم الثاني من وصولها إلى مقر الدائرة ، ويؤخذ الختم البريدي كدليل على تاريخ الوصول، هذا حسب ما نص عليه المشرع الجزائري.
وبهذه
الوسيلة يكون المشرع قد سد باب الادعاءات والمبررات بجهل القانون، وتضييق
نطاق الاستثناءات التي قد ترد على هذا المبدأ والتي ظهر بشأنها نقاش حاد، وكان من
أهم هذه الحالات:
- القوة القاهرة و الظرف الاستثنائي : لاستحالة العلم بالقانون فعلا في مثل هذه الحالات كحدوث زلزال أو
فيضان أو تعرض المنطقة لغزو خارجي ففي مثل هذه الاعتبارات الموضوعية يقبل عذر الجهل بالقانون، فالانقطاع في المواصلات لظرف استثنائي، أو قوة قاهرة أمر يرتب استبعاد تطبيق المبدأ إلا بعد زوال الحالة الاستثنائية، ووصول الجريدة الرسمية إلى المنطقة المعنية.أما
بقية الحالات التي قد تعتبر من الاستثناءات للمبدأ فهي غير معتبرة ولم يتم الإجماع
عليها نظرا لضعف حجيتها الموضوعية، رغم أن العديد من المؤلفين يتطرقون إليها على
أساس أنها من الاستثناءات الواجب اعتبارها كذلك.
- كالغلط في القانون،
- والجهل بنوعية التشريع،
- وجهل الأجنبي بأحكام قانون العقوبات للبلد الذي هو فيه.
/ 2-مبدأ إقليمية وشخصية القوانين
ندرس
هذا المبدأ في فرعين لبيان أثره ومدى أهميته، فنبين في الفرع الأول إقليمية القوانين،
ونخصص الفرع الثاني لشخصية القوانين.
أ- إقليمية القوانين.
يقصد
بهذا المبدأ أن قانون الدولة يطبق على إقليمها بصورة عامة ونعني بذلك خضوع
كل الأشخاص المقيمين في ذلك الإقليم، طبيعيين كانوا أو معنويين لقوانين الدولة وهذا مظهر من مظاهر سيادة الدولة على إقليمها، ويتضح ذلك جليا في قواعد فروع القانون العام،
حيث نجد أن قواعد القانون الدستوري هي المنظمة لهياكل الدولة وسلطاتها، فهي داخلية
ولا
يتصور تطبيقها خارج إقليمها وأن ما أورده من الحقوق للمواطنين وخاصة منها السياسية كحق الترشح والانتخاب
لا
يتصور أن تنصرف إلى الأجانب.
ومن
خلال العديد من نصوص قانون العقوبات الجزائري، يتبين لنا وبوضوح أن سيادة
الدولة تظهر بوضوح وهي تطبق قوانينها على ما يقع في إقليمها، بل حتى على الفرد الجزائري
الذي يرتكب جريمة ما ، مع مراعاة الشروط التالية:
-1 اعتبار
الجريمة المرتكبة بالخارج جناية أو جنحة في القانون الجزائري.
-2 وأيضا
بالنسبة لقانون الدولة التي تم فيها ارتكاب الجريمة.
-3 أن
يكون الفاعل جزائريا.
-4 أن
لا يكون المتهم قد خضع لأي حكم بالخارج، لأنه لا يجوز معاقبة الشخص مرتين على فعل
واحد.
-5 رفع
شكوى ضد الجاني من طرف المتضرر.
ورغم
اعتبار أن تطبيق القانون إقليميا هو إجراء سيادي يخضع له كل من يقيم عليه، إلا
أن هناك استثناء سنبينه في الفرع الثاني.
ب- شخصية القوانين.
يقصد
بمبدأ شخصية القوانين تطبيق قانون الدولة على رعاياها في الداخل وفي الخارج،
وهو ما يخلق استثناء على تطبيق مبدأ إقليمية القوانين الذي يفيد تطبيق قوانين الدولة على
كل الأشخاص داخل حدودها سواء كانوا مواطنين أو أجانب، وذلك باعتباره مظهر من مظاهر
السيادة التي تتمتع به الدولة على إقليمها.
ومن
هذا الاستثناء ما يتعلق بمسائل الأحوال الشخصية، فالعلاقة الناشئة عن الزواج أو
الطلاق أو النسب أو النفقة تخضع لقانون جنسية أطراف هذه العلاقة لا لقانون الدولة الأجنبية
التي يقيمون فيها.
* حالات الحصانة في مواجهة الخضوع لتطبيق القانون.
تتمثل
هذه الحالات في ما يكفله الدستور لبعض الأفراد مواطنين كانوا أو أجانب من حصانة
نظرا لمراكزهم وما يشغلونه من مناصب خاصة.
نوع
الحصانة التي يكفلها الدستور للمواطنين.
يكفل
الدستور نوعين من الحصانة للمواطنين تتمثل في:
- الحصانة البرلمانية: وقد نصت عليها الدساتير الجزائرية ، في المواد:
31 و 32 بالنسبة لدستور 1963،137و 138 و 139 بالنسبة لدستور 1976،103 و 104 و 105 بالنسبة لدستور 1989، 126و 127 و 128 بالنسبة لدستور 1996المعدل سنة 2016
وتتناول
نصوص المواد السابقة :
* تمتع النائب البرلماني بالحصانة مدة نيابته ومهمته البرلمانية.
* شروط رفع الحصانة على النائب البرلماني للشروع في متابعته قضائيا .( وأهمها التنازل الصريح من النائب، أو بإذن من المجلس الشعبي الوطني، أو مجلس الأمة الذي
يقرر رفع الحصانة عنه بأغلبية أعضائه) .
* حالة تلبس البرلماني بالجريمة، والإجراءات المتبعة في ذلك( وأهمها إمكانية توقيف البرلماني
المتلبس بالجريمة، ثم إخطار مكتب البرلمان فورا، وللبرلمان طلب إيقاف المتابعة، وإطلاق
سراح البرلماني، على أن يعمل فيما بعد بتطبيق شروط المتابعة القضائية)
- الحصانة السياسية : وقد نصت عليها المادة 542 من قانون الإجراءات الجزائية، وتتمثل في
حصانة الوزراء، وعدم جواز استدعائهم كشهود أمام المحكمة.
*الحصانة المكفولة للأجانب.
تتمثل
هذه الحصانة فيما يلي:
-1 حصانة
السفراء : ففي
إطار المعاهدات والأعراف الدولية لا يحاكم السفراء أمام المحاكم
الأجنبية، طبقا لنص المادة 543 من قانون الإجراءات الجزائية.
-2 حصانة
رؤساء الدول وأفراد أسرهم وحواشيهم.
-3 حصانة
الدبلوماسيين وأعضاء البعثات السياسية وأسرهم المقيمين معهم .
-4 حصانة
القناصلة وأعضاء السلك القنصلي.
-5 حصانة
البعثات الخاصة بمهمة دولية معينة.
-6 حصانة
قواعد وأفراد طاقم الطائرات والسفن الحربية.
-7 حصانة
قوات الطوارئ الدولية.
فحصانة
هؤلاء تتمثل في إعفائهم من تطبيق قانون الإجراءات الجزائية وقانون العقوبات
الخاص بالدولة الأجنبية بالنسبة لهم، ويكتفي باستدعائهم وإرسال تقرير بشأنهم إلى بلادهم
الأصلية قصد متابعتهم قضائيا عند رجوعهم إليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق