سريان تطبيق القانون الجزائي من حيث المكان
من
المبادئ المسلم بها دوليا وفي التشريعات أن قانون أي دولة هو وحده الذي يسري داخل
إقليمها وعلى مواطنيها، ولا يتعداه إلى الخارج حتى صار هذا الأمر معروفا بمبدأ
إقليمية القوانين.
وسبب تكريس هذا المبدأ دوليا هو أن حق
العقاب أصلا من خصائص السلطة العامة ويعد مظهرا من مظاهر السيادة الأصلية للدولة،
و لا شك أن كل دولة هي أقدر من غيرها في تحديد صور السلوكيات التي يمكن تجريمها من
عدمه وكذا العقوبات المناسبة لها.
بالجمع بين النصوص الموجودة في قانون
العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية نجد أن تطبيق القانون من حيث المكان لم يبق
محكوما بمبدأ واحد وهو مبدأ إقليمية قانون العقوبات بل أصبح التطبيق المكاني
لقانون العقوبات محكوم بأربعة مبادئ وهي الإقليمية، ومبدأ العينية ومبدأ
الشخصية ومبدأ العالمية.
ويراد بإقليمية القانون أن يطبق
قانون العقوبات على كل جريمة ترتكب في أراضي الدولة والواقعة تحت سلطانها ، أما عينية
القانون فيعنى بها أن يطبق القانون على كل جريمة تمس الحقوق الأساسية للدولة
وأيا كانت جنسية مرتكبها أو مكان ارتكابها،و نعني بـ شخصية القانون فإنه
يعنى بها أن يطبق القانون على شخص يحمل جنسيتها وأيا كانت الدولة التي ارتكبت فيها
الجريمة،وأما عالمية القانون فإنه يعنى بها تطبيق القانون على جريمة يقبض
على مرتكبها في إقليم الدولة أيا كانت جنسيته ومكان ارتكاب جريمته.
أولا : مبدأ إقليمية القانون الجنائي:
أ
- مفهومه : نقصد بهذا المبدأ سریان قانون العقوبات الجزائري على كل الجرائم المرتكبة على مستوى الإقلیم([1]) الجزائري
مهما كانت جنسیة الجاني وجنسیة المجني علیه ومهما كانت المصلحة الجدیرة بالحمایة و هذا ما أقره المشرع
الجزائري في نص المادة 3/1 ق.ع" يطبق قانون العقوبات على كافة الجرائم التي
ترتكب في أراضي الجمهورية" .
و نتيجة لذلك يمكن سريان قانون العقوبات الجزائري في السفن والطائرات باعتبارها امتدادا للإقليم
1- السفن: إذ يستخلص من نص المادة 590 من قانون الإجراءات الجزائية أن قانون العقوبات الجزائري يطبق على
الجنايات والجنح التي ترتكب في السفن التي تكون في عرض البحر التي تحمل الراية الجزائرية أيا كان جنسية مرتكبها ومكان ارتكابها كما يمتد الاختصاص، بالنسبة للجنايات والجنح التي ترتكب في السفن الأجنبية التجارية التي ترسو في الميناء الجزائري،و لم ينص القانون على الاختصاص بالنسبة للسفن الجزائرية التجارية التي ترسو في ميناء أجنبي و هذا ما يفيد على أنها تخضع للقانون الأجنبي.2-
الطائرات :أما بالنسبة للطائرات فقد نص المادة 591 من قانون
الإجراءات الجزائية على امتداد الاختصاص الإقليمي للقانون الجزائري بالنسبة للجنايات والجنح التي ترتكب فيها في أي مكان كان وبغض النظر عن جنسية مرتكبها ودون تمييز بين الطائرات الحربية والتجارية
كما يختص القضاء الوطني بالنظر في الجنايات والجنح التي ترتكب على متن طائرات أجنبية إذا كان الجاني أو المجني عليه جزائري الجنسية،أو إذا هبطت الطائرة على أرض الجزائر بعد ارتكاب الجريمة و هذا ما نصت عليه المادة 591 /2 ق إ ج.
ب
- الإستثناءات الواردة على مبدأ الإقلیمیة :
لا یطبق مبدأ الإقلیمیة على طائفة من الأشخاص المتمتعین بالحصانة مثل :
-
رئیس الدولة
-
نواب البرلمان وحصانتهم لیست مطلقة.
-
رؤساء الدول الأجنبیة
-
رجال السلك السیاسي الأجنبي وهم السفراء والقناصل.
-
رجال القوات العسكریة الأجنبیة إذا كانوا متواجدین بإقلیم دولة بناء على معاهدة ثنائیة .
ثانيا:المبادئ الحتياطية:
تساهم بعض المبادئ إلى جانب مبدأ الإقليمية في تتبع الجريمة ومكافحتها وإحكام الحصار حولها حتى لا تفلت من يد وقبضة القضاء والعدالة ولذلك سنبحث هذه المبادئ كما يلي:
أ مبدأ شخصية النص الجنائي :
يمتد النص الجنائي الوطني على الأفعال الموصوفة بالجنايات أو الجنح التي يرتكبها الأشخاص، الحاملين لجنسية بلد هذا القانون ولو ارتكبوا تلك الأفعال خارج الوطن وهذا ما يقتضيه مبدأ رعاية الدولة لمواطنيها سواء كانوا داخل الوطن أو خارجه إذ يمكن لها تأديبهم إذا ما ارتبكوا جرائم خارج الوطن، فالجزائري الذي يرتكب جريمة في الخارج ذات وصف جناية في القانون الجزائري
) م582 ق اج( أو جنحة في القانون الجزائري أو الأجنبي( م 583ق اج ( ويعود للجزائر ولم تحاكمه تلك الدولة الأجنبية على تلك الجريمة فان القضاء الجزائري يعد مختصا في الفصل في هذه الجريمة في هذه الحالة وهذا ما صرحت به المادة 582 من ق ا ج وحتى لا يستفيد مرتكب الجريمة من القصور الذي يشوب مبدأ الإقليمية باعتبار أن الواقعة حدثت خارج الإقليم الوطني.
ب مبدأ عينية النص الجنائي :
يأخد التشريع الجزائري بمبدأ عينية النص الجنائي على غرار باقي التشريعات حيث يمتد الإختصاص، للنص الجنائي الجزائري إذا ما ارتكبت جريمة في الخارج تهدد المصالح الأساسية للدولة ويكون ذلك في الجرائم الماسة بسلامة وسيادة الدولة الجزائرية أو المساس بأحد رموزها كجريمة تزييف العملة الوطنية وهذا ما نصت عليه المادة 588 من ق ا ج
.و
التي بينت كيفية تطبيق هذا الإجراء وعلقته على توافر شرطين وهما: إلقاء القبض على الجاني في الجزائر أو حصول الدولة الجزائرية على تسليمه وفقا لقواعد وإجراءات تسليم المجرمين المنصوص عليها قانونا.
ج مبدأ عالمية النص الجنائي :
يقصد بهذا المبدأ أن كل دولة يمكن أن يمتد اختصاصها على الجرائم التي ترتكب في أي مكان في العالم ولا شك أن هذا الأمر صعب من الناحية العملية لان كل دولة تتمسك بمبدأ سيادتها على إقليمها وقد نصت بعض الدول على اختصاصها في جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية كما كرست بلجيكا ذلك في قانونها المتعلق بقمع الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني علما أن بلجيكا تراجعت عن الإختصاص العالمي لمحكمتها الجنائية بسبب الضغوط التي كان تمارس عليها من الدول العظمى وبالأخص أمريكا ولم تعد تقبل الشكاوى الخاصة بجرائم الإبادة الإنسانية إلا إذا كان المتهم أو المجني عليه بلجيكيا كما اعتمد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مبدأ الإختصاص العالمي بالنسبة لجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم مد الإنسانية.
تبرز أهمیته خاصة في خلق تعاون دولي في مواجهة ومحاربة الجرائم بشتى أنواعها وذلك قصد ضمان سلامة مصالح الدول ومراكزها،ویطبق هذا المبدأ خاصة في جرائم تبییض الأموال ، الإتجار بالمخدرات ، تزییف النقود
...إلخ
ملاحظة هامة : يرجى من الطلبة
النظر في القوانين المحينة و المعدلة...
لتحميل الورقة البحثية الجاهزة للطباعة يرجى
النقر هنا
[1] - بالرجوع إلى أحكام القانون الدولي العام نجد أن الإقليم يشمل العنصر البري الذي
تحدده الحدود السياسية للدولة و العنصر
البحري الذي يتكون من المياه الإقليمية للدولة والذي يمتد على مسافة12 ميلا بحريا(22،24كم) بين
شاطئ الدولة والبحر العام والعنصر الجوي
و الذي
هو الفضاء الذي يعلو العنصر البري
والبحري.
-
المادة
590ق
إ ج :"تختص الجهات القضائیة الجزائریة بنظر الجنایات والجنح التي ترتكب في عرض البحر على بواخر تحمل الرایة الجزائرية أیا كانت جنسیة مرتكبها وكذلك الشأن بالنسبة للجنایات والجنح التي ترتكب في میناء بحریة جزائرية على ظهر باخرة تجاریة أجنبیة"
-
المادة
591ق
إ ج:" تختص الجهات القضائیة الجزائرية
بنظر الجنایات والجنح التي ترتكب على متن طائرات جزائریة أیا كانت جنسیة مرتكب الجریمة .كما تختص أیضا بنظر الجنایات أو الجنح التي ترتكب على متن طائرة أجنبیة إذا كان الجاني أو المجني علیه جزائري الجنسیة أو إذا هبطت الطائرة بالجزائر بعد وقوع الجنایة أو الجنحة
"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق